بحث متقدم
الزيارة
5558
محدثة عن: 2015/09/01
خلاصة السؤال
ما هی العلة فی فرح المؤمنین بانتصار الروم على الإیرانیین؟ و لماذا لا تفسر بفرحهم بقیام الحجة المنتظر (إمام الزمان عجل الله فرجه)؟
السؤال
کلنا قد قرأ أو سمع تفسیر سورة الروم القائل بأنّ هناک معرکة جرت بین الروم و الفرس انتصر بها اﻻخیر فحزن المؤمنون؟!!! و بعدها بشرّ القرآن الکریم المؤمنین بأنکم سوف تفرحون بعد بضع سنین بانتصار الروم على الفرس؟ و لکن بصراحة اوقفنی تفسیره اﻻغلب الموجود کیف یفرح المؤمنون بغلبة الدولة الظالمة الروم على الدولة الکافرة الفرس! و لکن وجدت ما یهون حیرتی تمثل فی حدیث للإمام الباقر(ع) أنه فسّر نصر الله للمؤمنین بظهور المهدی (ع) و کأنه نصره على الروم. ( المحجة للبحرانی ص170).ارجو البیان و التوضیح؟
الجواب الإجمالي
یتفق المفسّرون الکبار على أن الآیات الأولى من هذه السورة نزلت فی أعقاب الحرب التی دارت بین الروم و الفرس، و انتصر الفرس على الروم، و کان النّبی حینئذ فی مکّة، و المؤمنون یمثلون الأقلیة.
فاعتبر المشرکون هذا الإنتصار للفرس فألا حسنا، و عدّوه دلیلا على حقانیة المشرکین و «الشرک»، و قالوا: إن الفرس مجوس مشرکون، و أمّا الروم فهم مسیحیون «نصارى» و من أهل الکتاب .. فکما أن الفرس غلبوا «الروم» فإن الغلبة النهائیة للشرک أیضا، و ستنطوی صفحة الإسلام بسرعة و یکون النصر حلیفنا.
و بالرغم من أن مثل هذا الاستنتاج عار من أی أساس، إلّا أنّه لم یکن خالیا من التأثیر فی ذلک الجوّ و المحیط للتبلیغ بین الناس الجهلة، لذلک کان هذا الأمر عسیرا على المسلمین.
فنزلت الآیات الآنفة و قالت بشکل قاطع: لئن غلب الفرس الروم لیأتینّ النصر و الغلبة للروم خلال فترة قصیرة. و قد حدّدت الفترة لانتصار الروم على الفرس فی بِضْعِ سِنِینَ.[1]
و لکن ما المراد من فرح المؤمنین و کیف یبرر ذلک الفرح؟!
قال جماعة: المراد منه فرحهم بانتصار الروم، و إن کانوا فی صفوف الکفار أیضا، إلّا أنّهم لکونهم لدیهم کتاب سماوی فانتصارهم على المجوس یعدّ مرحلة من انتصار «التوحید» على «الشرک».
و أضاف آخرون: إن المؤمنین إنّما فرحوا لأنّهم تفألوا من هذه الحادثة فألا حسنا، و جعلوها دلیلا على انتصارهم على المشرکین.
أو أن فرحهم کان لأنّ عظمة القرآن و صدق کلامه المسبق القاطع- بنفسه- انتصار معنوی للمسلمین و ظهر فی ذلک الیوم.
و لا یبعد هذا الاحتمال و هو أن انتصار الروم کان مقارنا مع بعض انتصارات المسلمین على المشرکین، و خاصة أن بعض المفسّرین أشار إلى أن هذا الإنتصار کان مقارنا لانتصار بدر أو مقارنا لصلح الحدیبیة. و هو بنفسه یعدّ انتصارا کبیرا، و خاصة إن التعبیر بنصر اللّه أیضا یناسب هذا المعنى.
و الخلاصة: إنّ المسلمین «المؤمنین» فرحوا فی ذلک الیوم لجهات متعددة:
1- من انتصار أهل الکتاب على المجوس، لأنّه ساحة لانتصار الموحدین على المشرکین.
2- من الإنتصار المعنوی لظهور إعجاز القرآن.
3- و من الإنتصار المقارن لذلک الإنتصار، و یحتمل أن یکون صلح الحدیبیة، أو بعض فتوحات المسلمین الأخر!.[2] و من هنا یکون فرح المؤمنین مبرراً وعقلائیاً.
و هناک من فسّر القضیة بنحو آخر حیث قال: أمّا فرح المؤمنین بذلک، فلأنهم استطاعوا أن یواجهوا موقف الشمائة القرشی فی ساحة الشرک، بموقف قوّة ضاغط فی ساحة الإیمان، هذا بالإضافة إلى ما یوحیه من إمکانات الانتصار علیهم، بعد أن بدأت هزیمة جماعاتهم فی مجالات الکفر. (وَعْدَ اللَّهِ لا یُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ) لأن إخلاف الوعد مظهر ضعف، و علامة نقص، فی حرکة الذات فی واقع الإنسان و الحیاة، فی ما یوحیه من خوف صاحب الوعد من إعلان الحقیقة، أو اضطراره لکسب ثقة الناس فی الحاضر، و الاعتذار منهم فی المستقبل، و اللّه أعظم من ذلک کله، و هناک ملاحظة مهمّة، و هی أن اللّه یرید أن یؤکد الثقة به و برسوله من خلال الإیحاء للمؤمنین بنصره لمن یشاء فی المستقبل على أساس أن الأمور کلها بیده، فلا یتخلّف هناک شی‏ء عما یرید، کما یرید أن یقوّی مواقع الإیمان فی ساحة التحدی، و یضعف مواقع الکفر، و لا بدّ فی ذلک من صدق الوعد الذی یؤکد الثقة، و یضع القوّة، و یرد التحدی بأقوى منه.
و لذلک کانت مسألة الوعد الإلهی، فی ما أنزله اللّه على رسوله، فی کتابه و فی ما عرّفه إیّاه فی وحیه، من المسائل الحاسمة فی ضمیر المؤمنین  الذین یتطلعون إلى المستقبل بثقة و إیمان، فی ما یحدّثهم اللّه عما یحدث لهم أو لغیرهم فی المستقبل، لأنها تمثل الحقیقة التی لا یأتیها الباطل من بین یدیها و لا من خلفها فی کل مجال، وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ لأنهم لا یعرفون الامتداد المستقبلی للحقائق لیکتشفوه من خلال مصادره الأساسیة فی قضیة المعرفة، بل یرتبطون بالأمور الحاضرة السریعة، فیختنقون فی دائرة اللحظة عند ما تحاصرهم أفکارها و مشاکلها و تهاویلها، بالخوف و الهزیمة.[3]
نعم، هناک روایات تفسیریة ناظرة الى باطن الأمور؛ بمعنى أنها ترصد العمق و الطبقات الباطنة للآیة المبارکة، و من هنا قد نجد نوعا من  عدم الانسجام بین ظواهر تلک الروایات و الآیات، و هو أمر طبیعی جداً إذ لو کانت الآیات ناظرة الى الظاهر أیضا لکانت من قبیل التفسیر الظاهر لا الباطن.
ولاریب أن ظاهر الآیات الرابعة و الخامسة من سورة الروم[4] تشیر إلى فرح المؤمنین بالنصر الالهی و هزیمة الجیوش الایرانیین على ید الروم، فیما جاء فی بعض التفسیرات الباطنیة أنه فرح بظهور الإمام المهدی علیه السلام، من قبیل:
ما روی  عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن تفسیر: الم غُلِبَتِ الرُّومُ، قال: «هم بنو امیة، و إنما أنزلها الله عز و جل: الم غُلِبَتِ الرُّومُ بنو امیة فِی أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ فِی بِضْعِ سِنِینَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ یَوْمَئِذٍ یَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ عند قیام القائم (علیه السلام)».[5]
و فی روایة أخرى، عن یونس بن یعقوب، عن أبی عبد الله الصادق (علیه السلام)، فی قول الله عز و جل: یَوْمَئِذٍ یَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ، قال: «فی قبورهم بقیام القائم (علیه السلام)».[6]
وقد اشار العلامة المجلسی الى المعنى الباطنی لهذه الطائفة من الروایات بقوله: و ما فی الخبر الأول من تفسیر الروم ببنی أمیّة یکون التعبیر عنهم بالروم إشارة إلى ما سیأتی من أنّ نسبهم ینتهی إلى عبد رومیّ، و هذا بطن للآیة و لا ینافی ما مرّ من تفسیر الآیة موافقا للمشهور.[7]
و یمکن الإشارة إلى مناسبة أخرى للربط بین بنی أمیة و الروم  باعتبار أن رأس العداء لبنی هاشم و الامام المهدی علیه السلام یتمثل فی  السفیانی فی منطقة الشام و هی منسوبة إلى بنی أمیة و السفیانی من بنی أمیة و من هنا اطلق الروم على بنی أمیة و اتضح سبب فرح المؤمنین بهذا النصر. و جاء فی روایة أخرى: وَ یَوْمَئِذٍ یَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ بنصر فاطمة.[8]
 

[1] ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏12، ص: 466- 467، نشر مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، الطبعة الأولى، 1421ق، قم.
[2] المصدر نفسه، ص 470.
[3] السید محمد حسین فضل الله، تفسیر من وحی القرآن، ج‏18، ص: 101- 102،  دار الملاک للطباعة و النشر،  بیروت، 1419ق، الطبعة الثانیة.
[4] «وَ یَوْمَئِذٍ یَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصرِ اللهِ».
[5] البحرانی، السید هاشم، البرهان فی تفسیر القرآن، ج 4، ص 335،  طهران، بنیاد البعثة، الطبعة الأولى، 1416ق.
[6] المصدر نفسه، ص 336.
.[7] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 31، ص 516، بیروت، دار إحیاء التراث العربی، الطبعة الثانیة، 1403ق.
[8]. فرات الکوفی، أبو القاسم، تفسیر فرات الکوفی، ص 322، طهران، مؤسسة النشر التابعة لوزارة الارشاد الاسلامی، الطبعة الأولى، 1410ق.
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...