Please Wait
5994
نحن لا ننظر الى تشکیل النبی الاکرم (ص) للحکومة، نظرة بشریة صرفة و انما القضیة عندنا إلهیة و أن النکتة التی اقتضت صدور الامر الالهی بتشکیل الحکومة بجمیع ابعادها یظهر مما اشار الیها الامام الباقر (ع) عندما قال: "...وَ لَمْ یُنَادَ بِشَیْءٍ کَمَا نُودِیَ بِالْوَلَایَة"، فالحکومة إذن هی التی تضفی على الاشیاء معانیها و حقائقها.
ثم إن الاهداف التی یسعى الانبیاء لتحقیقها لم تکن اهدافا دنیویة؛ و هکذا الامر بالنسبة الى النبی الاکرم (ص) فانه لم یکن یهدف الى تحقیق مآرب دنیویة رخیصة من قبیل الجاه و الثروة، بل کان یهدف لبناء الانسان و الارتقاء بالبشریة معنویا، و لم یقتصر الامر على عصره (ص) و وجوده المبارک، بل کان (ص) یفکر به بعد رحیله عن هذه الدنیا و هذا ما تجلى فی یوم الغدیر عندما نصّب و بامر من الله علیاً (ع) إماما للمسلمین و خلیفة من بعده، ثم تجلى ذلک فی إمامه ولده الحسن المجتبى (ع) وسائر الائمة المعصومین(ع).
أما بالنسبة الى ولایة الفقیه، فنحن نعتقد بها کأصل مسلّم تعتمد فی عصر غیبة الامام الحجة (عج) و عدم التمکن من الوصول الیه (ع) للآخذ منه مباشرة و تسلیمه زمام الامور، و من هنا أعطیت الولایة للفقهاء الذین تتوفر فیهم الشروط، فولایة الفقیه تعد تجلیا و امتداداً لإمامة المعصومین (ع) و تجلیا و امتداداً لولایة النبی الخاتم (ص).
طوى النبی الاکرم (ص) بعد بعثته المبارکة مجموعة من المراحل و الحقب المختلفة:
1. مرحلة الاختفاء و السریة: و هی المرحلة التی کان یمارس فیها التبلیغ بصورة سریة و فی اطار محدود و ضیق جدا، و قد استمرت هذه المرحلة ثلاث سنین.
2. المرحلة العلنیة: و هی المرحلة التی أعلن فیها عن رسالته و بدأ یخطاب الناس بصورة عامة، و هذه المرحلة استمرت عشر سنین.
و بعد انتهاء هاتین المرحلتین اللتین قضاهما الرسول الاکرم(ص) فی مکة المکرمة شد الرحال مهاجرا الى المدینة المنورة حیث توفرت له الظروف الموضوعیة لیشکل حکومة اسلامیة بجمیع أبعادها؛ و إن کانت فی أیامها الاولى تعیش فی دائرة مکانیة ضیقة جداً. و قد جاء فی بعض الروایات التاریخیة أنه (ص) أمر فی السنة الثانیة من الهجرة باجراء احصاء للرجال المسلمین فلم یکن عدد الرجال المسلمین قد تجاوز الالف، و اذا اضفنا الیه النساء و الاطفال فقد یصل العدد الى خمسة او ستة آلاف شخص فقط. و مع ذلک نجد الرسول الاکرم (ص) قد أقام حکومة بهذا العدد القلیل من المسلمین، و إن کان قد إزداد العدد زیادة کبیرة فی الایام الاخیرة من حیاته المبارکة (ص) کما اشارت الى ذلک الآیة الکریمة " وَ رَأَیْتَ النَّاسَ یَدْخُلُونَ فی دینِ اللَّهِ أَفْواجاً ". [1]
و هنا یثار السؤال التالی: لماذا أقام النبی (ص) الحکومة فی الاولى من الهجرة المبارکة؟
نحن لا ننظر الى القضیة نظرة بشریة صرفة و انما القضیة عندنا إلهیة و أن النکتة التی اقتضت صدور الامر الالهی بتشکیل الحکومة بجمیع ابعادها یظهر مما اشار الیها الامام الباقر (ع) عندما قال: " ...وَ لَمْ یُنَادَ بِشَیْءٍ کَمَا نُودِیَ بِالْوَلَایَة" [2] ، فالحکومة إذن هی التی تضفی على الاشیاء معانیها و حقائقها.
و لقد اشار الامام الخمینی (قدس) الى أهداف الانبیاء قائلا: "لقد جاء الانبیاء لیحطموا السلطات الطاغیة ویهدموا تلک الحکومات الشیطانیة، و کان شأن النبی الاکرم (ص) شأن سائر الانبیاء فی هذا المجال حیث بعث لیحطم تلک القوى الجائرة. هذه هی احدى المهام التی تقع على کاهل الانبیاء و لیست هی المهمة الوحیدة. فان للانبیاء مهامهم و همومهم الاخرى التی من أهمها ایصال البشریة الى درجة الکمال و ما سائر التحرکات و الافعال الا وسائل للتحقیق هذا الهدف الاکبر و الغایة القصوى المتمثلة بالکمال المطلق.... لا یظنن أحد أن الانبیاء جاءوا لأجل الدنیا. و إنما الدنیا وسیلة للوصول الى ذلک الکمال؛ کما أن اصحاب الدنیا یتخذون منها وسیلة للصد عن الکمال... فهناک فرق ذاتی بین من یعمل للدنیا و للهیمنة و الاستعلاء و العمل الشیطانی و بین من یتخذ من الدنیا وسیلة للوصول الى الله تعالى، فهم یختلفان جوهرا و سلوکا. لم یقم الانبیاء الحکومة لتکدیس المال و جمع الثروة و الهیمنة الدنیویة و بسط النفوذ. و من ظن ذلک فیهم و فی الاولیاء الصالحین فانه یکشف عن جهله بهؤلاء العظماء...". [3]
اتضح أن الاهداف التی یسعى الانبیاء لتحقیقها لم تکن اهدافا دنیویة؛ و هکذا الامر بالنسبة الى النبی الاکرم (ص) فانه لم یکن یهدف الى تحقیق مآرب دنیویة رخیصة من قبیل الجاه و الثروة، بل کان یهدف لبناء الانسان و الارتقاء بالبشریة معنویا، و لم یقتصر الامر على عصره (ص) و وجوده المبارک، بل کان (ص) یفکر به بعد رحیله عن هذه الدنیا و هذا ما تجلى فی یوم الغدیر عندما نصّب و بامر من الله علیاً (ع) إماما للمسلمین و خلیفة من بعده فنزل قوله تعالى: " ...الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتی وَ رَضیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دیناً..." [4] و الذی یعنی أن کل ما قام به النبی الاکرم (ص) من اعمال جلیلة و قدمه للبشریة من خدمات کبیرة و ثمار لم یتمکن احد من البشر تحقیقها، قد اکتملت و وضعت اللبنة الاخیرة لهذا البناء العظیم عندما نصب أمیر المؤمنین (ع). و الا لبقی الدین ناقصا و هذا ما اشار الیه قوله تعالى " یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرین". [5] ثم تجلى ذلک فی إمامه ولده الحسن المجتبى (ع) وسائر الائمة المعصومین(ع).
إن حدیث الکساء الذی رواه الفریقان الخاصة و العامة [6] فی أمهات کتبهم و باسانید و طرق کثیرة و معتبرة، یؤکد ذلک، و القدر المسلّم منه لدى الفریقین و المتفق علیه لدى الشیعة و السنة، هو: " کان یوم أُمّ سلمة أُمّ المؤمنین -رضی اللَّه عنها- فنزل جبرئیل (ع) على رسول اللَّه (ص) بهذه الآیة «إِنَّما یُریدُ اللَّه لیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْس أَهل البَیْت وَیُطهِّرکُمْ تَطْهِیراً» [7] قال: فدعا رسول اللَّه (ص) بحسن وحسین و فاطمة و علی فضمّهم إلیه و نشر علیه الثوب، و الحجاب على أُمّ سلمة مضروب ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بیتی اللّهم اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهیراً، قالت أُمّ سلمة- رضی اللَّه عنها-: فأنا معهم یا نبی اللَّه؟ قال: أنت على مکانک و إنّک على خیر". [8] و من تأمل فی الآیة المبارکة یتضح له بجلاء عصمتهم علیهم السلام و التی تؤهلهم بما لاریب فیه لاحقاق الحق و اقامة حکومة العدل الالهی التی شیّد اسسها الرسول الاکرم (ص).
أما بالنسبة الى ولایة الفقیه، فنحن نعتقد بها کأصل مسلّم تعتمد فی عصر غیبة الامام الحجة (عج) و عدم التمکن من الوصول الیه (ع) للآخذ منه مباشرة و تسلیمه زمام الامور، و من هنا أعطیت الولایة للفقهاء الذین تتوفر فیهم الشروط، فولایة الفقیه تعد تجلیا و امتداداً لإمامة المعصومین (ع) و تجلیا و امتداداً لولایة النبی الخاتم (ص). [9]
قد یقال: ان الناس کانوا قبل الثورة الاسلامیة یصلون و یصومون و یحجون؛ فما الذی أتت به الثورة؟ و ما التحول الجذری الذی حصل بعد قیامها؟
جوابه:
أولا: لابد أن نرى نسبة المصلین فی ذلک الوقت و بأی تصور و کیفیة یؤدون صلاتهم و سائر عباداتهم؟ لقد کان الاستاذ الجامعی و الطالب یتخفى أثناء أداء تلک الفرائض. بل قد وصل الحد - و تحت تأثیر الاعلام المضاد للدین- لدى الرأی العام الى اعتبار الصلاة مضادة للقیم فضلا عن کونها قیمة و فضیلة!! و من هنا کان المتدین یخفی صلاته حتى لا یقال عنه متخلفا أو رجعیا او ما شابه ذلک من النعوت و الالقاب. و لم یکن التدین فخراً لان القیم الاجتماعیة السائدة کانت متضادة مع الدین و تسیر بالاتجاه المعاکس له، و عندما تتبدل القیم لا تعد الصلاة و التدین فخراً فی نظر ذلک العرف المنحرف عن طریق الدین و التدین.
ثانیاً: مع تبدل الفضاء الحاکم فی المجتمع تکون الفرصة سانحة أمام المترددین للالتحاق بصف المتدینین على العکس من الحالة فی النظام السابق. و من هنا یمکن القول بانه و مع قیام الثورة حدث تیار کبیر و ظاهرة جدیدة تسیر فی خط الدین و تدعو له و تحث الناس على التمسک به و اعادة القیمة و المعنى للتدین و الالتزام بالفرائض کما کانت علیه فی عصر الرسالة و لم تحصر مسؤولیة المؤمن فی الصلاة والمسجد فقط بل انتقلت به الى المحیط الاجتماعی و السیاسی و الاقتصادی و ....
و الجدیر بالذکر أن الاسلام و القرآن الکریم رسما للانسان معاییر و شواخص یمکن من خلالها قیاس درجة النجاح و مدى الاقتراب من تحقیق الاهداف المرسومة، فعلى سبیل المثال نجد الباری تعالى یصرح فی کتابه المجید " ...وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ"، [10] فالعلاقة بین الصلاة و بین النقاء الاجتماعیة علاقة طردیة کلما اقیمت الصلاة على وجهها الاکمل و التزم بها الجمیع، حصل المجتمع على الامن الاجتماعی بدرجة عالیة تتناسب معها، و العکس صحیح. و هذا معیار مهم جدا لمعرفة درجة تعمقنا و نجاحنا فی تحقیق القیم الدینیة.
لمزید الاطلاع انظر المباحث التالیة:
1. «ولایة الفقیه فی القرآن»؛ سؤال 4202 (الموقع: 4938).
2. «جذور نظریه ولایة الفقیه»؛ سؤال 10957 (الموقع: 10869).
3. «ابعاد الفکر السیاسی عند الشیخ الطوسی»؛ سؤال 3583 (الموقع: 4417).
4 . «اهل بیت نبی الاسلام (ص)»؛ سؤال 1249 (الموقع: 1257).
5. مسؤلیة النبی الاکرم (ص) اتجاه ایمان الناس، 941 (الموقع: 1346).
[1] النصر، 2.
[2] الکافی، ج 2، ص 18، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 ش.
[3] الخمینی، سید روح الله، صحیفه امام، ج 12، ص 425 – 426، دفتر نشر آثار الامام الخمینی (ره)، طهران، الطبعة الرابعة، 1386ش.
[4] مائده، 3.
[5] المائدة، 67.
[6] انظر: مسند، احمد بن حنبل، ج 2، ص 292؛ فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 1، ص 214.
[7] الاحزاب، 33.
[8] انظر: موضوع حدیث الکساء فی مفاتیح الجنان، و موضوع أهل بیت النبی الاکرم (ص) فی هذا الموقع.
[9] انظر: هادوی الطهرانی، مهدی، ولایت و دیانت، بحث ولایة فقیه، مؤسسة خرد الثقافیة، قم.
[10] العنکبوت، 45.