Please Wait
9824
إن السماوات و الارض و ما فیهن بل کل ما هو موجود فی الکون، کلها آیات تدل على عظمة قدرة الله . و هذه الآیات کثیرة جداً بحیث یعجز الانسان عن عدّها واحصائها . و قد أمر تعالى فی عدة آیات من کتابه الحکیم الانسان بالتدبّر فی هذه الآیات.
فمن تلک الآیات و العلامات: المجرات المتعدّدة و عظمتها،المنظومات الفلکیة، و الکرات و ما فیها من عجائب، تلاقح و اصطدام السحاب و تکوین الرعد و البرق و فوائده الکثیرة، و خلق الانسان هذا الکائن العجیب، و حیاة النحل الغریبة و... هذا کله شیء قلیل من آیاته التی تدل على وجوده و علمه و قدرته و حکمته.
إن السماوات و الارض و ما فیهن من نعم الله و آیاته. و کل ما هو موجود لیس إلا آیة من آیات الله التی لا تعد و لا تحصى.
و قد أمر الله ـ فی عدة آیات من القرآن الحکیم ـ الانسان بالتدبّر فی هذه الآیات. و فیما یلی نشیر الى بعض هذه الآیات:
1. آیاته فی السماء و الارض: أشار تعالى فی آیات کثیرة منها (آل عمران، 19؛ البقرة، 164؛ الروم، 22؛ الجاثیة،3 ؛العنکبوت،44؛ یونس،3؛ العنکبوت،61؛ غافر،57؛ الذاریات،47ـ48؛ الانبیاء،32؛ الرعد،2) الى آیاته فی السماء و الارض. و أوضح آیة على قدرة الله اللامتناهیة هی عظمة الکرات السماویة و المجرّات و سعتها و کثرتها، و نشیر هنا إلى جزء من هذه العظمة :
لا أحد یعرف مدى عظمة السماوات و أین تنتهی حدودها. و مجرتّنا ما هی الا واحدة من المجرات السماویة المتعددة. من بین هذه المجرات "أندرومیدا" تشبه کثیراً المجرة البنیة و تبعد عنّا 20 ملیارد ملیارد کیلومتر. و بالرغم من أن المجرة البنیة تسیر نحو هذه المجرة (أندرومیدا) بسرعة فائقة و لکن لا تصطدم معها أبداً لأنهما یبتعدان احداهما عن الأخرى 75 ملیون قرناً[1]. ثم إن الشمس فی مجموعتنا الشمسیة أکبر من الارض أکثر من ملیون مرة!
و هنا نشیر الى شهادة هامّة من مرصد "بالورما" حول عظمة السماوات:
"قبل صناعة المنظار الکبیر للمرصد کنا نتصور أن مساحة الکون تکون خمسمائة سنة ضوئیة (الضوء یسیر بسرعة ثلاثمائة ألف کیلومتر فی الثانیة الواحدة!! و هذه المسافة تصل إلى ثمانیة عشر کیلومتر خلال الدقیقة الواحدة) لکن کشف لنا هذا المجهر ان سعة عالمنا تصل الى ألف ملیون سنة ضوئیة من مساحة الکون، کما توصلنا من خلاله الى وجود ملایین المجرّات الجدیدة. و لکن من دون تردید توجد ما وراء هذه المساحة مئات الملایین من المجرّات الاخرى و یبدو أن کل هذه العظمة التی نشاهدها لیست إلا ذرة صغیرة و حقیرة من کون أعظم من هذا بکثیر"[2].
و أما فی الأرض: اکتشف العلماء قبل قرن ـ تقریباً ـ بأن الارض التی تقلنا تتحرک فی سبعة جهات مختلفة!! ففی الوقت الذی نتصور فیه اننا نعیش على مرکب ساکن، و لکنا فی الواقع نتحرک إلى سبعة جهات مختلفة بسرعة قد تصل فی بعض الأحیان إلى ملیون و ثمانمائة ألف کیلومتر فی الساعة! و إحدى هذه الحرکات هی حرکة الارض حول نفسها. و کان العالم الفرنسی "فوکو" قد اکتشف هذه الحرکة التى تصل سرعتها الى 1300کیلومتر فی الساعة الا أنها سرعة ضئیلة قیاساً مع حرکة الکرة الأرضیة حول الشمس حیث یعتقد علماء الفلک بأن الکرة الأرضیة تسیر بسرعة فائقة تصل الى 110000کیلومتر فی الساعة أو 30 کیلومتر فی الثانیة. و علیه نحن نسیر فی کل یوم 2600000کیلومتر فی هذا الاتجاه!!. و الطفل الرضیع فی عید میلاده الذی یحتفل به أبوه و أمه فی السنة الاولى من عمره یسیر 950 کیلومتر فی هذا الاتجاه! و یسیر الانسان الذی ناهز السبعین من عمره خلال هذه السنین 75میلیارد کیلومتر فی هذا الاتجاه و هذه المسافة أکبر من قطر المنظومة الشمسیة خمسة مرات![3] و لکننا لا نشعر بهذه المسافة أبداً. کما أشار تعالى کراراً الى سکون الارض من أجل استمرار الحیاة و بقاء الجیل البشری[4]. أ لیست الکرة الأرضیة بجمیع ما فیها من حرکات متجه نحو جهات مختلفة و لکنها ساکنة و هادئة و مطمئنة للحیاة، برهان قاطع وآیة عظمى على قدرة الله؟!
2ـ آیاته فی ظهور الرعد و البرق: ذکر القرآن الکریم فی عدة آیات منها (الروم،24ـ الرعد،12و 13) أن الرعد و البرق من آیات الله. آیة تکون تارة مصدر خوف و قلق و تارة مصدر رجاء. الخوف من الصواعق و الرجاء لنزول المطر.
قال تعالى: (یسبح الرعد بحمده). یقول العلماء, إن الرعد و البرق یتکون تارةً من اصطدام سحابین إحداهما تحمل الشحنة الالکترونیة الموجبة و الاخرى السالبة، و تارة یتکون من اصطدام السحاب و الارض ـ یعنی یقترب سحاب یحمل الشحنة الالکترونیة الموجبة الى الارض التی تحمل الشحنة الالکترونیة السالبة ثم تتولد شرارة الکترونیة تحمل حرارة عالیة جداً فتجعل کل شیء تصطدم به رماداً. بالرغم من أن مدة الصاعقة لا تتجاوز عشر الثانیة بل 01/0 فی الثانیة و لکن الحرارة المتکونة منها تصل الى 15000درجة سنتیغراد و لذلک تستطیع أن تسبب مخاطر و مضرّات کبیرة جداً. (علماً بأن حرارة الشمس لا تتجاوز ثمانیة آلاف درجة سنتیغراد!)[5]
و على ضوء هذا تتضح مخاطر البرق و عامل الخوف التی تشیر الیها الآیات القرآنیة.
إن الرعد و البرق إضافةً الى کونهما آیة عظیمة من الآیات الإلهیة، کذلک هی تحوی على فوائد و برکات کثیرة منها:
أ ـ الری: (الرعد و البرق عادةً یولد حرارة عالیة جداً تصل أحیاناً الى 15 ألف درجة سنتیغراد، و هذه الحرارة تکفی لحرق الهواء المحیط فینخفض الضغط الجوی. معلوم أن الغیوم انما تمطر فی الضغط المنخفض و لذلک نجد فی أغلب الاوقات أن المطر ینزل مباشرة بعد شرارات البرق و تتساقط قطرات المطر الکبیرة. و علیه فإن أحد برکات البرق فی الحقیقة هی الری)[6].
ب ـ رش السموم: (عندما یظهر البرق بحرارته العالیة، تترکّب قطرات المطر مع الاکسیجین الزائد و ینشأ الماء الثقیل أو الماء المأکسج (H2O2) و الذی أحد فوائده هی قتل الجراثیم، و لذلک یستعمل طبیاً لغسل الجروح. و عندما تسقط قطرات الماء المأکسج على الارض، تطهر النباتات من الآفات و الامراض و فی الحقیقة تنشر السموم و المعقمات على النباتات و لذلک یقولون إن السنة التی یقل فیها الرعد و البرق تکثر آفات النباتات.
3ـ آیات الله فی خلق الانسان: بیّن تعالى فی (الروم،20؛ الانسان،2؛ المؤمنون،13و 12؛ الم سجدة،6ـ 9؛ الجاثیة؛4 و...) بعض آیاته فی خلق الانسان.
فی عصرنا هذا، أثار کیفیة تکون الحیاة و نمو الموجودات ذات الخلیة الواحدة (الأوّلیات) إعجاب العلماء، و الأکثر من ذلک إعجاباً و غرابة هو کیفیة خلق موجود معقّد ذی خلایا کثیرة من تراب میت و مادة هامدة؟!
فی العصر الراهن، بالرغم من وجود دراسات کثیرة وفروع طبیة تخصصیة متنوعة حول جسد الإنسان لکن، ما زالت المجهولات کثیرة. فهل یصدّق أحدٌ أنه من أجل معرفة (و لیس معالجة) أصغر أعضاء جسد الانسان (کالعین) توجد کل تلک الدراسات التخصصیة و فوق التخصصیة و لکن فی الوقت نفسه یؤمن بعدم الحاجة فی خلق هذه الأعضاء و وجودها الى العلم و العقل؟!
إن جسد الانسان یتکون من "عشرة ملایین ملیارد" خلیة، یمکن تشبیه کل واحدة من هذه الخلایا بمدینة تضم فی داخلها آلاف التأسیسات. و لا یمکن مقارنة مختبرات الخلایا التی واجبها تحویل المواد الغذائیة التی یحتاجها الجسد بأعظم المعامل الصناعیة البشریة و أضخمها.
4. آیاته فی حیاة النحل:
تعدّ حیاة النحل من أعظم آیات قدرة الله. و قد عبّر تعالى فی القرآن عن منتوجها بـانه "شفاء" . قال تعالى واصفاً تلک الحیاة: "و أوحى ربک الى النحل أن اتخذی من الجبال بیوتا و من الشجر و مما یعرشون * ثم کلی من کل الثمرات فاسلکی سبل ربک ذللا یخرج من بطونها شراب مختلف ألونه فیه شفاء للناس إن فی ذلک لأیة لقوم یتفکرون"[7].
نعم، الیوم لا یمکن تبریر حیاة النحل الزاخرة العجائب الا عن طریق الوحی الالهی. یقول موریس مترلینج عالم الاحیاء الشهیر: نحن لا نعرف أن هذه القوانین و هذا النظام (فی حیاة النحل) من أین جاءت و کیف وضعت. نحن نترقّب ذلک الیوم الذی نکتشف فیه هذه الأسرار و نتعرف على واضع هذه القوانین. و باختصار، نحن لا نستطیع أن نفهم قوانین بلاد النحل أنه فی أی برلمان صوّت علیها و قرّر تنفیذها و من الذی یأمر بالحرکة فی یوم معین[8].
أخذ أحد العلماء، قیاس المعیّن للشکل اللوزی فی خلیة النحل، فکانت مقدار الزاویة الکبیرة من هذا المعین 109 درجة و 28دقیقة، ثم طرح المسألة على مهندس ألمانی شهیر یسمى "کینک" على شکل تساؤل کلی و قال له: لو أراد شخص أن یبنی هرماً فی أکبر مساحة کم تکن مقاییس زوایا هذا الهرم اذا کان یتکون من ثلاثة سطوح معینة؟
عالج المهندس السؤال عن طریق حساب "التفاضل"«دیفرانسیل» و کتب فی اجابته: 109درجة و 26دقیقة. من دون أن یعلم بأن السؤال مطروح حول خلیة النحل و علیه فان محاسباته کانت تختلف عن محاسبة خلیة النحل بدقیقتین فقط.
ثم جاء مهندس آخر یسمى "ماک لوزن" و بحث المسألة بمحاسبات اکثر دقة و فهم بأن المهندس الاول قد أخطأ فی محاسبة الدقیقتین فی جواب المعادلة فالجواب الصحیح هو ما علیه خلیة النحل[9].
أو لیست هذه الآیات و غیرها من الآیات التی لا تعد و تحصى، براهین واضحة تثبت وجود خالق قدرته لا متناهیة و إن الکون یحوی على آلاف الاسرار کهذه الآیات، فیکفی الامعان فی أحدها لیهتدی أی انسان منصف الى القدرة الالهیة. لو فتح الانسان بصره لوجد أن کل ذرة من ذرات الکون تحکی وجوده و قدرته تعالى. و هل هذا النظام و هذه العجائب کلها وجدت عن صدفة و خلقت من غیر خالق؟! أما تحکی هذه الآیات عن وجود خالق قدیر؟
بلى، جمیع ذرات هذا الکون تدل على وجود خالق عالم و قادر تکفی البصیرة لرؤیته! کما یصور لنا بابا طاهر:
إنی لأنظر الى البحر و أراک البحر
أنظر الى الصحراء و أراک الصحراء
و أینما نظرت، الى السهل و الجبل و الحقل
أرى لک أثراً فیها
[3] دائرة المعارف نو، سعیدیان، ص1558.
[4]نبأ، 6.
[5] اعجاز القرآن، ص78، پیام قرآن، آیة الله ناصر مکارم الشیرازی،ج2، ص246، بتصرف یسیر.
[6] پیام قرآن، مکارم الشیرازی، ج2، ص265؛ بتصرف یسیر.
[7] النحل،69ـ 68.
[8] النحل، مترلینج، ص35ـ 36؛ اقتباس من پیام قرآن، ص 387.
[9]تفسیر أبی الفتوح الرازی، حاشیة المرحوم الشعرانی، ج7، ص123؛ پیام قرآن، ج2، ص388.