Please Wait
6244
1. صحيح ان العدو يسعى للانتصار و استغلال الفرص لتوجيه الضربة القاضية للجيوش التي تحاربة، الا ان ذلك لا يعني فقدان الحروب لبعض القواعد الاخلاقية التي يجب الالتزام بها من قبل المتحاربين، بل نجد هذه الاخلاقية حاكمة حتى على الشعوب التي عاشت خارج اطار الحضارة و المدنية؛ نعم، اسلوب الغدر و الخيانة تعتمده العصابات و قطاع الطرق التي همها المال و النهب و السلب و لا تفكر بسمعتها و ما يحلق بها من عار و شنار، خلافا للمتحاربين الذين يفكرون بالبعد الاخلاقي الذي يحفظ لهم شرف قبائلهم و سمعة رجالهم. و هذه قضية يفرضها العرف و لا تكشف بالضرورة عن سمو اخلاق اصحابها.
فالكل يسعى بالمقدار المستطاع لاحراز النصر من دون اللجوء الى ما يشوه تاريخه، و الشاهد على ذلك اننا عندما ننظر الى تاريخ أمريكا المعاصرة مثلا نجد الامريكان يحاولون الظهور بمظهر المحارب الحضاري الا ان هيروشيما مثلا و غيرها من الوقائع تعتبر نقطة سوداء في صفحة تاريخ أمريكا لا تسيطع محوها مهما حاولت ذلك. و هكذا ضرب حلبجة بالاسحلة الكيمياوية من قبل صدام و جيوشه الغازية لا يمحى هو الآخر من اذهان البشرية، و لاريب ان الجيوش الاموية التي حاربت الامام الحسين (ع) حاولت الاحتفاظ باخلاقيات الحرب الا انها لم تنجح في اكثر من موضع منها توجيه السهام الى نحر طفل رضيع و هو في حجر والده.
2. من اصول الحرب التي كانت معتدمة في تلك الفترة طريقة الحرب رجلا لرجل، أو نزول الاقران الى ساحة الحرب للمواجهة المباشرة و لا يحق للجيشين المتحاربين نصرة أي واحد منها او توسيع المعركة ما لم ينتهي النزال بين المتصارعين كما حصل بين أمير المؤمنين (ع) و عمر بن عبد ود في معركة الاحزاب و بينه (ع) و بين مرحب اليهودي في معركة خيبر.
43 كان عمر بن سعد قائد الجيش المكلف من قبل ابن زياد يطمح بتشديد الخناق على الامام الحسين (ع) عسى أن يضعف الامام (ع) و يرفع راية الاستسلام أمامهم.[1] و يضع في نهاية المطاف يده بيد يزيد (لع) مبايعا له، و هذا المعنى اشار اليه الامام الحسين (ع) بقوله: " الا و ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة". الا انهم لم يجيدوا المحاسبة و لم يعرفوا ان الامام ينطوي على نفس عبر عنها: "يأبى الله ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".[2] و ما هذا الا لجهلم بمقام الامام و الامامة.
4. مع ذلك كله، كانت اخلاقيات الحرب المفروضة عليهم تفلت بين الحين و الآخر من أيديهم و يعودون الى سجيتهم الغادرة بتوجيه السهام نحو الامام (ع) كما حصل ذلك عندما كان الامام (ع) يصلي صلاة الظهر حيث اصيب بعض اصحاب الامام الذين جعلوا أنفسهم درعاً واقية للامام (ع).
5. نحن كباحثين اسلاميين نؤمن بوجود عنصر غيبي هو الذي يحرك الامور عامة بيد خفية و يظهر أثر هذه اليد الخفية في حركة المسلمين و حروبهم بصورة واضحة لمن طالع تاريخ الرسول الاكرم (ص)، و لما كان الرمز الاساسي للمعركة الالهية يوم عاشوراء هو الامام الحسين (ع) فلا يستبعد - بل يقطع بذلك- ان اليد الالهي هي التي إدخرت الامام الى آخر المعركة لتحقق المعركة أهدافها المنشودة.
[1] «و كتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد أن جعجع بحسين (ع)». المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج 45، ص 76، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1409ق.
[2] ابن طاووس، اللهوف ص : 97، منشورات جهان، طهران، 1348هجري شمسي.