Please Wait
7167
لم ینکر الشیعة بیعة الکثیر من الصحابة و منهم الشیخان بعد صلح الحدیبیة، و لم ینکروا أن الله سبحانه کان راضیاً عنهم فی ذلک المقطع الزمنی بشکلٍ إجمالی، مع أن بعض الصحابة ـ و منهم الخلیفة الثانی ـ قد عارضوا بعض أوامر رسول الله و آرائه، و لذلک فإن الشیعة یعتقدون أن عدم الثبات و الاستقامة و تبدیل السلوک قد یبدل رضا الله سبحانه سخطاً. و هذا ما أشار إلیه القرآن الکریم فی الآیة العاشرة من سورة الفتح التی تعالج قضیة بیعة الرضوان أیضاً و قد بین الحق تعالى فی هذه الآیة أن الذین یحافظون على العهد و یثبتون علیه سوف یکون ثوابهم و عطاؤهم عظیماً، و أن الذین ینقضون العهد سوف یضرون بأنفسهم. و نحن نعلم أن بعض الذین بایعوا فی بیعة الرضوان لم یحافظوا على عهدهم، و إنما خالفوا العهد الذی قطعوه مع رسول الله بالفرار یوم حنین. و هذا ما حدث لأصحاب أحد أنبیاء بنی إسرائیل عند ما ساروا مع طالوت للقاء العدو. فقد بدلوا و غیروا، و لا یبعد أن یقع فی هذه الأمة ما وقع فی الأمم السالفة.
سوف نتاول سؤالکم المستل من الآیة القرآنیة و ندرسه من خلال ثلاثة محاور على الوجه الآتی:
1ـ هل أن الشیعة ینکرون بیعة الصحابة و منهم أبو بکر و عمر ـ تحت الشجرة؟ و هل ینکرون رضا الله سبحانه عن المبایعین تحت الشجرة؟
2ـ هل أن رضا الله فی مقطع زمنی عن جماعة بسبب فعلٍ خاص یدل على أن جمیع أفراد المجموعة لا یخطؤون إلى الأبد؟!
3ـ هل أن جمیع المبایعین تحت الشجرة فی بیعة الرضوان بقوا على العهد إلى نهایة أعمارهم، أو حتى إلى زمان رحلة النبی الأکرم(ص)؟
لا بد أن تأخذوا بنظر الاعتبار أن الآیة التی استدللتم بها هی الآیة 18 من سورة الفتح، و للإجابة عن سؤالکم بإمکانکم الرجوع إلى الآیة التی تتقدم هذه الآیة بثمان آیات، أی الآیة 10 من سورة الفتح نفسها، و سوف تلاحظون أنها تتحدث عن قصة نقض العهد و تبدیل المیثاق، و هل سألتم أنفسکم أن الرضا المشار إلیه فی الآیة رضا دائم لا یمکن أن یتغیر، و إذا کان کذلک فلماذا یتحدث الحق تعالى فی نفس السورة عن نقض العهد و الانقلاب؟!
و علیه فنحن نرى أنه بعد وصول الجیش الإسلامی إلى منطقة الحدیبیة، و انتشار الأخبار المقلقة و المربکة فی صفوف المسلمین، بادر النبی(ص) إلى جمعهم تحت الشجرة و ما حولها و أخذ علیهم عهداً یتعلق بلقاء العدو، و هو أن لا یولوا الأعداء الأدبار حین اللقاء. و قد تعهد المسلمون جمیعاً بذلک إلا شخصاً واحداً[1]. و بایعوا النبی علیه، و بعد ذلک أعلن الحق تعالى رضاه عن هذا العمل و أنزل سکینته على المسلمین، و علیه فنحن لا ننکر حضور عددٍ کبیر من الصحابة فی هذه البیعة، و علیه فلا وجود للکفر و إنکار الآیة القرآنیة.
و علیکم أن تجیبوا عن الشق الثانی من السؤال: فهل أن رضا الله الوارد فی الآیة یعنی إعطاء الضمانة إلى الأبد و العصمة الدائمة للصحابة مما یمنع من توجیه أی نوعٍٍ من أنواع النقد لما یقومون به من أعمال و تصرفات؟
إننا لا نعتقد ذلک، و إننا نعتقد أن ما نذهب إلیه مستفاد من القرآن الکریم. إننا نعرض لکم أدلتنا لنثبت وجود الفرق بین إعلان الرضا فی تلک الحادثة و ما نوجهه من نقد لعمل البعض. و فی هذا الإطار، و إضافةً إلى ما تقدم فیما تدل علیه الآیة العاشرة من سورة الفتح، فإن ذکر مجریات بعض الأحداث المشابهة التی وقعت لبنی إسرائیل لا یخلو من ظرافة، لأنکم تعتقدون أن ما وقع فی تلک الأمم واقع فی هذه الأمة[2] حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة:
إن القرآن یصرح بتفضیل بنی إسرائیل على العالمین و أنه منّ علیهم بتلک المنزلة[3]، أ لم یصرح القرآن بأن الله وعدهم وعداً حسناً بسبب صبرهم و جهادهم و تحملهم حتى بلغوا مراتب سامیة من العلم ثم وقع بینهم الاختلاف و الانشقاق[4].
ألم یذکر القرآن الکریم واقعة أخرى لبنی إسرائیل حینما طلبوا من نبیهم أن یجعل لهم قائداً یقاتلون تحت لوائه، فحذرهم النبی من التراجع و التردد و عدم الإطاعة، فأجابوهم کیف یکون ذلک و قد خرجوا من دیارهم و أصابهم ما أصابهم من أعدائهم. و لکن بعد أن أعلنت الحرب لم یثبت منهم على العهد إلا نزرٌ یسیر، بینما نکث الأکثر منهم و لم یلتزموا بما عاهدوا علیه النبی، ثم سار طالوت بهذه القلة المتبقیة معه حتى أظهر الله لهم التابوت الذی فیه السکینة تحمله الملائکة، و بعد نزول هذه الآیة سار بهم طالوت حتى بلغوا النهر، فامتحنهم بالشرب من ذلک الماء فلم یطعه إلا قلیلٌ منهم!
و لکن الله أحاط هذه القلة بعنایته فقتل داوود جالوت و بذلک نصرهم على عدوهم[5].
و الآن هل نستطیع القول بأن السکینة التی أنزلت علیهم دلیل على رضاه عن الفئة قبل حرکتهم باتجاه میدان القتال لاتجیز لنا مؤاخذ و نقد أولئک الذین امتنعوا من المشارکة بالحرب مرتین؟! و هل أن هذا المنطق ینسجم مع المنطق القرآنی، ألیس سؤالکم من هذا القبیل؟
یحتمل أن تقولوا أن الأمرین مختلفان و أن أصحاب طالوت أفسدوا ماضیهم بفرارهم، و لکن هذا لم یقع لأصحاب النبی(ص). و هنا یجب القول:
أولاً: أن هذا یعنی أنکم اعترفتم بالضمن أن عمل الإنسان المتأخر یفسد ماضیه المشرق.
ثانیاً: إننا نعلم بوجود شرط فی بیعة الرضوان، و الشرط هو أن المسلمین لا یفرون فی الحرب، و حیث لم تقع الحرب بعد البیعة مباشرة ما کان بالإمکان اختبار صدق المعاهدین، و لکن من المؤکد فرار بعض الصحابة الذین بایعوا تحت الشجرة فی الحروب التی وقعت فیما بعد کما فی حنین، و لم یبقَ مع النبی إلا عددٌ قلیل، فکان النبی یهتف بالفارین و یخاطب المسلمین: أین أصحاب بیعة الشجرة[6]. و لم تتبدل طبیعة المواجهة لصالح المسلمین إلا بعد أن أنزل الله السکینة من خلال إرسال جنود الغیب.[7]
و بغض النظر عن القلة الذین ثبتوا مع النبی(ص) بعد فرار الأغلب و فیهم الکثیر ممن حضروا بیعة الرضوان نقضاً للعهد و مخالفة لما نصت علیه البیعة. ألا ترون أن تحقق الرضا الإلهی یتطلب العمل بمضمون العهد و لا یکفی فیه الکلام فقط؟!
و أما بالنسبة لما یتعلق بالخلیفة الأول و الثانی، فمع الاختلاف الموجود حول موقفهما فی حنین و غیرها، و هل أنهما کانا من الفارین أم لا؟ و لکن المسلم أنهما خالفا النبی و اعترضا على الکثیر من قراراته و تعالیمه فیما بعد. و لنشر إلى مثال ذلک:
بعد انعقاد صلح الحدیبیة، و انتفاء احتمال وقوع الحرب بین المسلمین و قریش، عاد الجیش الإسلامی إلى المدینة، جاء عمر بن الخطاب و وقف إزاء النبی و خاطبه: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل ؟ قال: بلى، قلت: فِلم نعطَى الدنیة فی دیننا إذا ؟ قال: إنّی رَسُولُ اللّهِ، وَ لَسْتُ أَعْصِیه وَ هُوَ ناصری، قلت: ألست تحدِّثنا أنا سنأتی البیت، فنطوف به؟ قال: بَلى، قال: فأخبرتک أنک تأتیه العام؟ قلت: لا قال: فإنِّکَ آتِیهِ وَ متطَوّفٌ به; قال: ثم أتیت أبا بکر، فقلت: أ لیس هذا نبیّ الله حقا؟ قال: بلى، قلت: أ لسنا على الحقّ و عدوّنا على الباطل ؟ قال: بلى، قلت: فلِم نعطَى الدنیة فی دیننا إذا؟ قال أیها الرجل إنه رسول الله، و لیس یعصِی ربه، فاستمسک بغرزه حتى تموت، فو الله إنه لعلى الحقّ; قلت: أ و لیس کان یحدثنا أنا سنأتی البیت و نطوف به؟ قال: بلى، أ فأخبرک أنک تأتیه العام؟ قال: لا قال: فإنک آتیه و متطوّف به .[8]
فهل من الإنصاف أن ینتقد صحابی محترم عمل النبی الذی وصفه القرآن بقوله: «لا ینطق عن الهوى»[9]. و بهذه الکیفیة. و لکن لیس لأحد أن ینتقد الصحابة بأدنى کلام أو یبین نقاط ضعفهم فی خلافتهم. و لیس هناک دلیل إلا حضورهم فی بیعة الرضوان.
إننا لا ننکر الإخبار الإلهی عن رضا الله عن الصحابة الذین بایعوا تحت الشجرة. و لکننا نقول: ربنا إنک تعلم ما وراء الظاهر و قد هددت کل من ینقض العهد و المیثاق؛ و هذا لا یعنی بای حال من الاحوال انا نعلم ما لایعلمه الله تعالى فان هذا هو الکفر الصراح بل نحن ننطلق من احکامنا و مواقفنا من الایات و الروایات التی اخبرت بان عددا من المسلمین سوف ینقض العهد و المیثاق.
[1] الطبری، أبو جعفر، جامع البیان فی تفسیر القرآن، ج 26، ص 56 ـ 54، دار المعرفة، بیروت، 1412 هـ. ق.
[2] صحیح الترمذی، ج 4، ص 135، دار الفکر، بیروت، 1403 هـ. ق.
[3] البقرة، 47.
[4] یونس، 93.
[5] و هذه القصة وردت بتمامها فی سورة البقرة من الآیة 246 إلى 252.
[6] الطبری، أبو جعفر، جامع البیان، ج 10، ص 71، کانت عبارة الرسول (ص) بهذه الصورة: أین الذین بایعوا تحت الشجرة.
[7] التوبة، 27 ـ 25.
[8] الطبری، أبو جعفر، جامع البیان، ج 26، ص 45.
[9] النجم، 4 ـ 3.