Please Wait
7136
من المتیقّن أن الله سوف لن یظلم أحداً، و أن الأشخاص الذین لم یستطیعوا التعرّف علی التعالیم السماویة لأی سبب من الأسباب، - مع التأکید علی حقانیة مذهب التشیع – فإن طریق الوصول الی السعادة لیس مغلقاً، فیمکن لهؤلاء أیضاً مع مراعاة الاصول الفطریة البشریة و العدالة، أن یدخلوا الجنة طبقاً لشروط، و أن یتنعّموا بنعمة الله. و أن الذین یستحقّون عذاب النار هم فقط اولئک الذین یرفضون الحقیقة مع علمهم و معرفتهم بها من باب العناد و اللجاج.
یمکننا تقسیم سؤالکم الی قسمین:
الف: هل أن مذهب الشیعة هو المذهب الحق و هو الذی یحقّق السعادة للناس؟
ب: هل أن انحصار طریق الحق بمذهب الشیعة و بالنظر الی الموارد التی ذکرتموها، هل ینسجم مع العدل الإلهی؟
و فیما یرتبط بالقسم الأول یجب أن نقول أنه للتعرف علی جمیع تعالیم دین و عقیدة معیّنة یجب تخصیص فرصة کبیرة للدراسة و البحث فی کل الموضوعات المطروحة فیه و مقارنتها بباقی المذاهب و الوصول الی حقّانیة مثل هذا المذهب، و یمکنکم مطالعة جانب مختصر لمثل هذه الأدلة فی أجوبة الاسئلة 2163 و 2011 و 1252 و 1145 لنفس هذا الموقع و للاطلاع أکثر راجعوا الکتب المفصّلة فی هذا المجال.
و لکن حیث یستفاد من کیفیة سؤالکم بأنه لا مشکلة لدیکم بالنسبة للقسم الأول أی حقانیة الشیعة و أن سؤالکم یترکّز حول القسم الثانی فإننا سنعرض لکم بعض الامور المختصرة فیما یتعلّق بهذا الصدد:
و سنقوم أولاً بالبحث عن القسم الثانی من سؤالکم فی أربعة أقسام مستقلّة:
1. ما هو معنی العدل الإلهی؟
2. هل أن حقانیة مذهب ما تتنافی مع العدل الإلهی؟
3. هل أن طریق السعادة منحصر بمذهب الشیعة فقط؟
4. کیف یتعامل الله مع الذین لم یعتقدوا بمذهب الشیعة؟
و سنتعرّض الی تحلیل هذه الموارد الأربعة بالترتیب:
1. فی المورد الأول نقول أن العدل الإلهی فی هذا المجال هو بمعنی إن الله الحکیم سیسأل کل شخص نظراً لما أعطاه من علم و إمکانیات، و من الطبیعی إنه لو کان هناک شخصان بظروف متساویة تماماً و اختار أحدهما طریق الحق و الآخر طریق الباطل فإن منزلتهما فی مقام الجزاء سوف لن تکون متساویة، و بهذا البیان من الطبیعی أن تکون منزلة الأشخاص الذین ینکرون الحق مع معرفتهم به تختلف تماماً عن منزلة الذین لم یصلهم نداء الحق و لذلک لم یختاروا المذهب الحق، و یجب علی کل منهما أن یجیب عن سلوکه بطریقة مختلفة عن الآخر. و نرجو منکم أن تتأمّلوا فی الآیات التالیة لکی تلاحظوا إن هذا الفهم مأخوذ من تعالیم القرآن الکریم:
الاولی "و ما کنّا معذّبین حتی نبعث رسولاً"[1]
الثانیة "و من یشاقق الرسول من بعد ما تبیّن له الهدی و یتّبع غیر السبیل المؤمنین نوله ما تولی و نصله جهنم و ساءت مصیرا".[2]
الثالثة " إن الذین ارتدّوا علی أدبارهم من بعد ما تبیّن لهم الهدی الشیطان سوّل لهم و أملی لهم".[3]
الرابعة "و لا نکلّف نفساً الّا وسعها و لدینا کتاب ینطق بالحق و هم لا یظلمون".[4]
و الآیات من هذا القبیل کثیرة، و هی تشیر الی أصل اسلامی عام و هو أن الأشخاص الذین یؤاخذون هم فقط الذین اتضحت لهم الحقیقة و مع ذلک وقفوا بوجهها و عارضوها و من البدیهی ألّا تکون عقوبة مثل هؤلاء منافیة للعدل الإلهی، و نعتقد أن تعامل الله مع ذلک القسم من غیر الشیعة و هم الذین لم یستطیعوا الوصول الی الحقیقة لأی سبب من الأسباب، یختلف عن تعامله مع أهل اللجاج و الفساد و العناد الذین سنعرض لهم فیما بعد.
2. من البدیهی إنه لا یمکن لعقیدتین و فکرتین مختلفتین و متضادتین تماماً أحیاناً أن تعرّضا حقیقة واحدة، و إن القبول بذلک یشبه أن نقول بأن طریقین و مسارین مختلفین فی الجهة یؤدّیان بالنهایة الی مقصد واحد! و بالطبع فإنه ینبغی أن نعلم إنه من الممکن أن تکون بعض التعالیم فی أی مدرسة و حتی المدارس غیر الإلهیة مطابقة لقسم من الحقیقة.
و علی هذا الأساس فإنه إذا قال الله تعالی إنه لیس هناک دین أفضل من دین آخر أم أن کل شخص یمکنه أن یتّبع أی دین من دون بحث و تحقیق و أن سعادته الکاملة أیضاً مضمونة فیه فإن مثل هذا القول یکون منافیاً للعدل الإلهی لأنه فی هذه الحالة سیکون الأشخاص الذین یتبعون طریق الحق بعد سعیهم و جهدهم متساوین فی الاعتبار و المنزلة مع الأشخاص الذین یسیرون فی طریق الانحراف عن وعی و اطلاع و هذا الأمر مخالف للإنصاف و العدالة.
و لهذا السبب فنحن إذا اعتقدنا بالحقانیة التامة لدیننا حیث نعتبره أکمل من باقی العقائد، فلا یکون ذلک متنافیاً مع العدل الإلهی. و أما ما هو مصیر اولئک الذین لم یتوصلوا الی هذه الحقیقة؟ فهو موضوع منفصل عن حقانیة الشیعة و علی هذا الأساس فإننا سنبحثه بشکل منفصل.
3. و مع إننا نعتقد أن مذهب الشیعة هو أکمل المذاهب و أن اختیاره عن وعی إذا اقترن بالعمل بتعالیمه فإنه یمکنه أن یحقق الأرضیة للسعادة الکاملة للناس، و لکن حینما نطالع تعالیم باقی المذاهب أیضاً نری أن بعض هذه التعالیم لا تتنافی مع تعالیم الشیعة بل توجد بعض الموارد تؤمن بها تقریباً جمیع الأدیان الموجودة، لأن هذه الموضوعات موجودة فی فطرة کل الناس فلا یمکن لأی دین أن ینکرها.
أن الاعتقاد بلزوم الوفاء بالعهد أو الإحسان الی الوالدین، أو قبح الظلم و الجور و السرقة و ما شابهها من الموارد الاخری، یمکنها أن تکون من هذا القسم من التعالیم. و هنا یلزم ذکر هذه الملاحظة و هی إن أئمة الشیعة(ع) علّمونا أن الله قد جعل معیارین أساسیّین لتنظیم سلوک الناس أحدهما العقل و قد جعله فی داخل کل انسان و المعیار الآخر خارجی و هو تعالیم الأنبیاء و الأئمة.[5]
و إنه کلما کبر عقل الإنسان زادت رغبته فی اتباع تعالیم الأنبیاء، و یمکن القول أن أحکام العقل إذا تجرّدت عن المسبقات الموروثة فإنها ستلتقی علی صعید واحد مع التعالیم الدینیة.[6] و إنه یمکن للناس عن طریق ما وهبهم الله من قدرة العقل – حتی لو فرض عدم وجود الدین – أن یمیّزوا کثیراً من الامور الحسنة و القبیحة و أن یتصرّفوا علی مقتضی ذلک و یحصلوا علی جانب من السعادة.
بعبارة اخری: نحن نری أن التشیّع هو أکمل المذاهب و لکنا لا نری من لم یتوصّل الی هذا المذهب إنه لا یمکن أن یصل الی أی مرحلة من السعادة لأن من عقائدنا أن عقل الناس یمکنه بمفرده أن یمیّز کثیراً من الامور، و إنه توجد فی التعالیم المتبقّیة من الأنبیاء السابقین الناقصة و المحرّفة أحیاناً بعض الموارد التی یمکن لغیر الشیعة أن یتقرّبوا بواسطتها الی طریق الحق الی حدٍ ما. و قد امتدح الله فی القرآن الکریم بعض النصاری بسبب اتصافهم ببعض الصفات الحسنة کالتواضع،[7] فکانت هذه الصفة الایجابیة تدفعهم الی اتباع الإسلام فی حالة اتّضاح حقانیته.
و النتیجة النهائیة فی هذا القسم هی أنه لا یمکننا أن نعتبر الأشخاص الذین یعارضون مذهب التشیّع مع اطّلاعهم علی حقّانیته هم فی مرحلة من مراحل السعادة، و لکننا نعتقد إنه یوجد أشخاص لم یکن عدم اتباعهم لهذا المذهب منطلقا من اللجاج و العناد و التکبّر علی الحق، بل لأنهم لم یتمکّنوا من الاطلاع علی تفاصیل هذا المذهب لأسباب. و هؤلاء إذا عملوا طبقاً للأصول الفطریة البشریة و سعوا فی الوصول الی الحق فإنه یمکن أن تکون عاقبتهم حسنة و کما قال الإمام الباقر(ع) " َ إِنَّمَا یُدَاقُّ اللَّهُ الْعِبَادَ فِی الْحِسَابِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِی الدُّنْیَا ".[8]
و هذا معیار عادل فی سعادة الناس و أن الله سوف لا یؤاخذ الناس بأکثر من ذلک و هذا ما سنفصّل الکلام فیه فی القسم الرابع.
4. و أما کیف سیکون مصیر غیر الشیعة و ما هی منزلتهم فی الآخرة؟
و هذا السؤال لیس موضوعاً جدیداً، فقد کان یسأل عنه فی عصر الأئمة(ع) أیضاً و قد نقلت روایات تتعلّق بذلک.
و بمطالعة الآیات و الروایات یمکننا تقسیم مثل هؤلاء الأشخاص الی ثلاث مجامیع رئیسیّة.
المجموعة الاولی: الأشخاص الذین هم بالإضافة الی عدم کونهم شیعة –بسبب عدم اطّلاعهم أو بسبب التکبّر و العناد – خالفوا أیضاً الأصول الفطریة العامة التی یؤمن بها کل الناس و هؤلاء إضافة الی عدم استطاعتهم أو عدم رغبتهم أن یکونوا من اتباع القادة الإلهییّن و أن یتمسّکوا بهذا المعیار الخارجی لتقییم الأعمال- کذلک لم یهتمّوا بمعیار الداخلی و هو العقل الذی هو من نعم الله الاخری، إذن فلا أمل لنجاتهم ظاهراً.
المجموعة الثانیة: الأشخاص الذین اطّلعوا علی حقانیّة الشیعة و لکن التکبّر و اللجاج أو الخوف فی زوال المنصب، منعهم من اتّباع الحق.
و مثل هؤلاء و کما قال سید العابدین الإمام السجاد(ع) :"و لو أن رجلاً عمرّ ما عمّر نوح فی قومه ألف سنة الّا خمسین عاماً یصوم النهار و یقوم اللیل فی ذلک المکان ثم لقی الله بغیر ولایتنا لم ینفعه ذلک شیئاً".[9] و دلیل هذا الأمر واضح أیضاً، لأن العبادة النافعة هی ما کانت لله، و الذین ینکرون الحقیقة مع علمهم بها فإن من المتیقّن إنهم لم یکونوا بصدد جلب رضا الله، بل کانوا من أعماق قلوبهم یسعون الی مقاصد دنیویة و مادیة! یقول القائد الراحل الإمام الخمینی فی وصیته بعد ذکره لحدیث الثقلین الذی هو أحد أدلة حقانیة التشیع: "إذا کان هناک عذر للجهال غیر المطّلعین فلا عذر لعلماء المذاهب".[10]
نعم تتجلّی عدالة الله فیما یتعلّق بثواب بعض الأعمال الحسنة لمثل هؤلاء بأن ترفع عنهم فی هذه الدنیا بعض الصعوبات مثل سکرات الموت، و أن تلبّی لهم بعض مطالبهم لکی لا یکونوا مستحقّین لثواب فی یوم القیامة.[11]
المجموعة الثالثة:
هم الذین لم یتشیّعوا، و لکن لم یکن سبب ذلک العناد و اللجاج، بل سبب واحد و هو أن ظروفهم لم تکن تسمح لهم بالبحث و التحقیق اللازم فی هذا الموضوع أو إنهم بحثوا و لکن لم یصلوا و بعبارة اخری: ابتلوا بالضعف الثقافی. و کثیر من هؤلاء یراعون الاصول الفطریة البشریة فی حیاتهم العادیة و یمتنعون من الظلم و الجور علی الآخرین. و یجب أن نعلم أن القسم الأعظم من غیر الشیعة أیضاً هم من هذا القبیل و سؤالکم أیضاً یتعلّق بمثل هؤلاء، و کان إشکالکم منطقیّاً و صحیحاً أیضاً فی أنه کیف یمکن لله العادل أن یتعامل بشکل غیر عادل مع هؤلاء و یحرمهم من السعادة أو یدخلهم النار؟
و ینبغی أن نقول فی الجواب: إنه فی الثقافة الشیعیة یعبر عن هذه الطائفة من الأشخاص بأسماء مختلفة مثل "المستضعفون" و "أصحاب الأعراف" أو "المرجون لأمر الله" و ... و طبقاً لعقیدتنا المأخوذة من کلام أئمتنا، فإن هذه الطائفة لیس من الضروری أن تدخل النار و إن طریق السعادة لیس مغلقاً تماماً علیهم، و قد نقلت روایات عن الأئمة المعصومین(ع) فی هذا المجال نشیر الی موردین منها:
المورد الأول:
عن زرارة قال سألت أبا جعفر (الإمام الباقر)(ع) عن المستضعف، فقال "و الذی لا یهتدی حیلة الی الکفر فیکفر و لا یهتدی سبیلاً الی الإیمان، لا یستطیع أن یؤمن و لا یستطیع أن یکفر فهم الصبیان، و من کان من الرجال و النساء علی مثل عقول الصبیان مرفوع عنهم القلم".[12]
و فی موضع آخر یقول الإمام الباقر(ع) مخاطباً نفس الروای بقوله: "ارجئهم کما ارجئهم الله إن شاء أدخلهم الجنة برحمته و إن شاء ساقهم الی النار بذنوبهم و لم یظلمهم".[13]
المورد الثانی:
ذکر جماعة من أعیان الشیعة للإمام الباقر(ع): "من وافقنا من علوی أو غیره تولّیناه و من خالفنا من علوی و غیره برئنا منه، فقال لی یا زرارة قول الله أصدق من قولک فأین الذین قال الله عزوجل "الّا المستضعفین من الرجال و النساء و الوالدان لا یستطیعون حیلة و لا یهتدون سبیلاً" أین المرجون لأمر الله أین الذین خلطوا عملاً صالحاً و آخر سیّئاً أین أصحاب الأعراف أین المؤلّفة قلوبهم".[14]
و مثل هذه الروایات کثیر و متواتر الی درجة بحیث إن بعض الشیعة فی زمن الائمة(ع) کانوا یتساءلون إنه إذا کنّا نحن و هؤلاء ندخل الجنة فما الفرق بیننا و بینهم؟![15]
و الجواب عن هذا التساؤل هو أن للجنة مراتب و منازل و إن کل شخص یتبوّأ منزلة فی الجنة بحسب عمله و من المتیقّن أنه لیست منزلة العالمین و الجاهلین واحدة.[16]
و علی أی حال فیجب أن نعلم أن رحمة الله وسیعة الی درجة بحیث إن أمیر المؤمنین علی(ع) یقول فی دعاء کمیل "لولا أقسمت أن تملأها من الکافرین ... و أن تخلد فیها المعاندین لجعلت النار کلها برداً و سلاماً و ما کانت لأحد فیها مقرّاً و لا مقاماً و لکنک تقدّست أسماؤک أقسمت أن تملأها من الکافرین من الجنة و الناس أجمعین و أن تخلّد فیها المعاندین".[17] و لکن حیث إن وجود جهنم کان ضروریاً لمراعاة العدالة و أن الله أنذر من البدایة إنه لن یکون جزاء المؤمنین و الفاسقین علی نحو واحد [18] فإنه لا یمکن اعتبار ذلک منافیاً للرحمة و العدل الإلهی.
و مع امنیاتنا بالتوفیق نأمل أن نکون قد رفعنا ابهامکم بما ذکرنا من التوضیح.
[1] الاسراء، 15.
[2] النساء، 115.
[3] محمد(ص)، 25.
[4] المؤمنون، 62.
[5] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 15، 206، الحدیث 20291، مؤسسة آل البیت، قم 1409هـ.ق.
[6] نفس المصدر، ج 15، ص 204، الحدیث 20287.
[7] المائدة، 82.
[8] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج1، ص 40، الحدیث 64.
[9] نفس المصدر، ج1، ص 122، حدیث 308.
[10] صحیفة الإمام، ج 21، ص 394.
[11] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج6، ص 152، حدیث 6، مؤسسة الوفاء، بیروت 1404 هـ.ق.
[12] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج2، ص 404، حدیث 1، دار الکتب الإسلامیة، طهران 1365 هـ.ش.
[13] نفس المصدر، ج2، ص 408، حدیث 1.
[14] نفس المصدر، ج2، ص 382، حدیث 3.
[15] نفس المصدر، ج2، ص 406، حدیث 2.
[16] الزمر، 9.
[17] مفاتیح الجنان.
[18] السجدة، 18.