بحث متقدم
الزيارة
5959
محدثة عن: 2010/04/18
خلاصة السؤال
کیف یمکن حلّ التعارض بین الولایة التشریعیة للأئمة(ع) مع قضیة الخاتمیة؟
السؤال
إن أحد معانی الخاتمیة و لوازمها هو انتهاء التشریع و التقنین الإلهی من قبل النبی(ص)، حیث إنه بانتهاء النبوة تغلق أبواب السماء فلا یتم وضع أو نسخ أیّ حکم فی مجال الشریعة. و بالنظر الی شمولیة الدین الخاتم و کماله فی التقنین، فإن قلنا بامکان التشریع و التقنین بعد ختم النبوّة، فإن هذا الاعتقاد لا ینسجم مع الخاتمیة فإن لازمه أن لا یکون الدین کاملاً فی عصر النبی و إنه قد کمل بعد ارتحاله.
و یقول صاحب هذه النظریة: کیف یمکن أن یأتی من بعد النبی الخاتم(ص) أشخاص یتکلّمون استناداً الی الوحی و الشهود بکلام لیس علیه دلیل فی القرآن و السنة النبویة، و فی الوقت ذاته یکون تعلیمهم و تشریعهم و ایجابهم و تحریمهم فی مستوی الوحی النبوی و یکون له عصمة و حجیّة کلام النبی، و مع ذلک لا یکون ذلک مخلّاً بالخاتمیة؟ و ...
و یعتقد هذا المعترض إنه علی أساس المقامات التی یعتبرها الشیعة لائمتهم (کالارتباط المباشر بالسماء و العصمة و حجیّة القول) فإن مقام التشریع قد أوکل الی الأئمة(ع) و إن هؤلاء سیکونون مثل النبی أصحاب ولایة تشریعیة و یمکنهم مثل النبی(ص) أن یضعوا بعض الأحکام و التعالیم الدینیة من دون أن یکون لها مستند فی الکتاب و السنة. و بناء علی هذا، فإن الشیعة باعتقادهم بولایة الأئمة(ع) یتعارضون عملیاً مع الخاتمیة.
الجواب الإجمالي

لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی

الجواب التفصيلي

یظهر من کلمات المستشکل أنه یری أن کل من یطرح - عن طریق ارتباطه بالسماء- تعالیم جدیدة سکت عنها الکتاب و السنة النبویة، فهو نبی. و بناء علی هذا فیفهم من کلامه أنه إذا قام الائمة بتبیین تعالیم دینیة بحیث تکون تلک التعالیم و الأحکام لها أصل فی کلام الوحی و نبی الإسلام الاکرم (ص)، فإن ذلک لا یساوی النبوة و لا یتعارض مع الخاتمیة. و الخلاصة هی أن صاحب هذه النظریة یری أن تجدید الدین من قبل الأئمة فی عصر الخاتمیة یتعارض مع الخاتمیة.

و فی الجواب عن هذه الشبهة یلزم الاشارة مرة اخری الی مصادر علوم الائمة(ع) التی أحدها الالهام، فالالهام لا یختص بالنبی، فعلی مرّ التاریخ کان هناک أشخاص کثیرون کان الله یطلعهم عن طریق الالهام علی أسرار عالم الغیب، یقول القرآن حول "الخضر": "آتیناه رحمة من عندنا و علّمناه من لدنا علما"[1].

إن مثل هؤلاء الأشخاص لم یکونوا قد تعلّموا علومهم بالطرق الاعتیادیة، لأن القرآن یقول: "علّمناه من لدنا علما"، و بناء علی هذا فعدم کون الشخص نبیّاً لا یکون مانعاً من أن یتمتع بعض الناس بالالهام الالهی. و هناک روایة لطیفة عن الإمام الکاظم(ع) حیث یقول: "مبلغ علمنا علی ثلاثة وجوه: ماض و غائر و حادث؛ فأما الماضی فمفسّر و أما الغائر فمزبور و أما الحادث فقذف فی القلوب و نقر فی الأسماع و هو أفضل علمنا، و لا نبی بعد نبیّینا".[2]

و یستفاد من ظاهر هذه الروایة أن الائمة(ع) یحصلون علی علمهم بالماضی عن طریق التفسیر و علی علم المستقبل عن طریق الکتابة، و هم بالاضافة الی ذلک یحصلون علی العلم بالقضایا و الامور التی تقع فعلاً عن طریق الاتصال بالسماء و الغیب، و لکن هل إن ما یحصلون علیه هو شیء لم ینزل أصلاً علی النبی و لم یکن یعلم به، أو إنه قد علم به و لکنه لم یخبر به لأسباب، و إنه وضع ذلک بعهدة الإمام؟

و الملاحظة المهمّة جداً فی هذه الروایة هو ما ورد فی ذیلها من قوله "لا نبی بعد نبیّنا" و کأن الإمام یرید بهذه الجملة أن یزیل الوهم کما ابتلی فضیلة الدکتور سروش بمثل هذا الوهم و یقول: انتبهوا الی أن علمنا ببعض الأسرار عن طریق الالهام لا یدلّ علی کوننا أنبیاء و إننا نضع قانوناً جدیداً، بل أن النبوة قد ختمت و لا تتوهّموا ذلک أبداً. و بناء علی هذا، فقبل الاجابة عن الشبهة المذکورة یحب فهم المعنی الاصطلاحی للتشریع الذی هو عبارة عن "وضع القانون أو التقنین" و هذا الحق هو بالذات لله تعالی، لأنه الوحید العالم بجمیع الأسرار الجسمیة و الروحیة للناس بشکل تام.

و بناء علی هذا فإن حق التقنین بشکل مستقل منحصر بالله تعالی فقط، و حتی النبی(ص) لم یکن له مثل هذا الحق. و إذا نسب التشریع الی النبی فهو بمعنی تلقی الأحکام و التعالیم الواصلة الی النبی بواسطة الملائکة و تبلیغها الی الناس.

و حین یقال إن الأئمة(ع) لهم حق التشریع فهل معنی ذلک أنهم یأخذون الأحکام من الله بشکل مستقل و یبلغونها للناس؟ أو أن للائمة(ع) فقط حق تفسیر الکلام النبوی؟

فإن أکثر المفکّرین الإسلامییّن یرون أن الائمة المعصومین(ع) لیس لهم حق التشریع المستقل و أنهم یفسّرون الأحکام النازلة علی النبی(ص) فقط و فیما یلی نشیر الی بعض أقوالهم:

1- یقول العلامة الطباطبائی(ره): "ما ینبغی الالتفات الیه فی هذا المقام أنه توجد أدلة کثیرة علی اکمال الدین قبل ارتحال النبی(ص). و لازم هذا الإکمال أن یشتمل الکتاب و السنة علی جمیع الأحکام الشرعیة ... و من جانب آخر فقد ثبت فی محلّه أن وظیفة الإمام(ع) هی بیان الأحکام فقط لا التشریع"[3].

و قال العلامة الطباطبائی فی جواب عن سؤال فرضی و هو أنه لماذا ینسب الی الائمة أنهم مشرعون؟: "إن هذا یدلّ فقط علی أن ما ینقله الإمام(ع) هو نفس ما قاله النبی(ص) و أنه تفسیر لما ذکره النبی(ص) لا أکثر من ذلک".[4]

2- یقول الشهید الصدر(ره) فی هذا المجال: "و لکن التعارض علی أساس هذا العامل تنحصر دائرته فی النصوص الصادرة عن النبی(ص) و لا تعمّ النصوص الصادرة عن الائمة(ع) لما ثبت فی محله من انتهاء عصر التشریع بانتهاء عصر النبی(ص) و أن الأحادیث الصادرة عن الأئمة المعصومین لیست الّا بیاناً لما شرعه النبی(ص) من الأحکام و تفاصیلها".[5]

و مما ذکره هذان المفکّران الإسلامیّان یمکننا أن نستفید أن مرحلة التشریع قد انتهت بختم النبوة و ان الائمة المعصومین مفسّرون لکلام النبی(ص) و لیس لهم حق التشریع بمعنی وضع القوانین. و لو سئلنا: إذن ما فائدة إلهام الأئمة(ع) إذا لم یکونوا یستلمون قانوناً جدیداً؟ أمکننا أن نجیب بأن النبی قد نقل جمیع علومه الی الإمام(ع) دفعة واحدة لکی یبیّن للناس بواسطة تلک العلوم الأحکام و التعالیم التی لم یذکرها النبی و ربما کان الإلهام تأکیداً لنفس تلک العلوم التی انتقلت الی الإمام، و ربما کان بعض الأخبار و الأسرار التی لا ترتبط بالتشریع، فإن الإمام بما له من ولایة باطنیة ینال من تلک النعمة الإلهیة.

و بناء علی هذا فلیس هناک فی کلام الإمام المعصوم مفاهیم جدیدة بمعنی قوانین جدیدة لیس لها أصل فی القرآن و السنة النبویّة، بل ربما کان معنی التجدید فی کلام الإمام هو أن الإمام بما یملکه من علم لدنّی یمکنه أن یبیّن للناس قسماً من التعالیم التی لم یتمکن النبی(ص) من ذکرها لهم لسبب من الأسباب، و بالالتفات الی ما تقدم فإن مثل هذه الولایة لا تتعارض مع الخاتمیة و لا شمولیة الدین و کماله.



[1] الکهف، 65.

[2] الکلینی، اصول الکافی، ج 1، ص 264، چاپ چهارم دار الکتب الإسلامیة، تهران، ‏1365 هـ ش. ج2، ص316.

[3] الطباطبایی، حاشیة الکفایة، ص97، الناشر بنیاد علمی فکری علامه طباطبایی.

[4] نفس المصدر.

[5] الصدر، السید محمد باقر، بحوث فی علم الاصول، ج 7، ص30، الناشر مؤسسه دایرة المعارف فقه اسلامی، 1417 هـ ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...