Please Wait
7300
كل مرتبة من مراتب الوجود و كل درجة من درجات التكامل من أدنى مراتبها و حتى المراتب العالية، تحوز على درجة من الوجود الربطي و الذي يكشف عن ميزان قرب تلك المرتبة من الحق تعالى، و لكل مرتبة كمالاتها التي تميزها عن ما دونها و ما فوقها، و ان المرتبة المتدنية هي الاخرى لها كمالها الخاص بها و لكن بمستوى أدنى.
و عليه، عندما تؤخذ صفة الارادة، بل الاختيار في ذات الوجود و كافة المراتب و اعتبارها من الامور الذاتية، حينئذ نرى مدى الخلل – من زواية النظر الفلسفية- في تصور موجود خال من اصل الارادة و الاختيار و مدى مردودها السلبي على تكامله، بل لا يمكن القبول بهكذا فكرة قطعاً، أضف الى ذلك أن القول بالتكامل الجبري للموجودات يعني انها في الوقت الذي تتكامل فيه وجوديا هي فاقدة للتكامل الاختياري، و الحال ان الامرين واحد و بينهما علاقة التلازم ( اللازم و الملزوم)، و في خصوص الانسان الذي يتوفر على الحد الاقصى من الاختيار، فان مقام الخلافة الالهية له عين مقام الاختيار الشامخ و الباعث على تمايزه عن جميع المخلوقات، و ان سلب هذه الخاصية من الانسان يعني سلب تلك المنزلة و المكانة التي حظي بها، و يعد ذلك نقضا للغرض الذي خلق من أجله.
فالتكامل الوجودي عين التكامل في الاختيار و أن ارفع تلك المراتب هي مرتبة الخلافة الالهية التي تستلزم الحد الاقصى من الوجود و ارفع درجات الاختيار. و من زاوية النظرة العرفانية أن الخلافة الالهية تعني أن الانسان يفنى في نهاية المطاف في العشق الالهي و يبقى ببقائه، و هذا يستلزم وجود ارفع درجات العشق؛ لان العشق يساوق الاختيار و عينه، و من هنا يستحيل عقلا تصور التكامل النهائي للانسان الذي هو مرآة المشيئة الالهية بلا توفر جوهرة العشق الالهي، و لا ريب أن العشق لا ينسجم بحال من الاحوال مع الاجبار و الاضطرار، بل العشق لب الاختيار و جوهره.
السؤال المطروح قبل أن يكون سؤالا فلسفياً يستدعي إجابة فلسفية هو في الواقع شبهة كلامية متأثرة بالنظريات الكلامية المطروحة. و لكن لو نظرنا الى القضية نظرة فلسفية متعمقة، لابد من التركيز على دور الاختيار في مراتب الوجود و العدل الالهي من الزاوية الوجودية.
و يمكن الانطلاق من الحكمة المتعالية و العرفان النظرية ليضعا تحت متناول أيدينا مجموعة من الابحاث و يرسما لنا خطة ستراتيجية تكون ركيزة في الاجابة عن الكثير من الابهامات و الاشكالات، و ربّما يؤدي التعمق في هذه الرؤى و النظريات بالنسبة الى عالم الوجود، الى انتفاء تلك الشبهات بصورة تلقائية.
و لبيان مكانة الإرادة و الاختيار في تكامل الانسان فلسفياً، ينبغي التعرض لمقدمة مهمة تتمثل في كون الحركة الوجودية في مسير التكامل خلال قوس الصعود تبدأ من مرحلة المادة المحضة لتصل في نهاية المطافة الى مقام الخلافة الالهية التي تمثل الغاية القصوى لعالم الوجود.
و كل مرتبة من مراتب الوجود و كل درجة من درجات التكامل من أدنى مراتبها و حتى المراتب العالية، تحوز على درجة من الوجود الربطي و الذي يكشف عن ميزان قرب تلك المرتبة من الحق تعالى، و لكل مرتبة كمالاتها التي تميزها عن ما دونها و ما فوقها، و ان المرتبة المتدنية هي الاخرى لها كمالها الخاص بها و لكن بمستوى أدنى.
من هنا كل موجود يرتقي بمقدار اشتداده الوجودي، و المرتبة الدنيا لتلك الكمالات هي مرتبة القابلية و الاستعداد. و من تلك الكمالات الوجودية صفة الإرادة و الاختيار حيث يتمظهر حد خاص منها في كل مرتبة من المراتب.
و قد أطلق العرفاء على هذا المفهوم العام الساري في جميع المخلوقات عنوان "العشق" و عبّر عنه قرآنياً بمفهوم " سجود المخلوقات و تسبيحها".
و لا تستثني هذه الرؤية جميع الموجودات حتى الجمادات و النباتات منها.
يقول الملا هادي السبزواري في سريان مراتب الاختيار في عالم الوجود: مقتضى كون الاشياء مظاهر القادر المختار و من هنا الجميع مختار حتى الجمادات بحسب ظرفها، فما يتمظهر في العبد هو ظهور القادر المختار، و من هنا توفره على القدرة و الاختيار يعني كونه قادرا بقدرته و مختارا باختياره.[1]
و عليه، عندما تؤخذ صفة الارادة، بل الاختيار في ذات الوجود و كافة المراتب و اعتبارها من الامور الذاتية، حينئذ نرى مدى الخلل – من زواية النظر الفلسفية- في تصور موجود خال من اصل الارادة و الاختيار و مدى مردودها السلبي على تكامله، بل لايمكن القبول بهكذا فكرة قطعاً، أضف الى ذلك أن القول بالتكامل الجبري للموجودات يعني بانها في الوقت الذي تتكامل فيه وجوديا هي فاقدة للتكامل الاختياري، و الحال ان الامرين أمر واحد و بينهما علاقة التلازم، و في خصوص الانسان الذي يتوفر على الحد الاقصى من الاختيار، فان مقام الخلافة الالهية له عين مقام الاختيار الشامخ و الباعث على تمايزه عن جميع المخلوقات، و ان سلبه من الانسان يعني سلب تلك المنزلة و المكانة التي حظي بها و يعد نقضا للغرض الذي خلق من أجله.
و بعبارة أخرى: لا يمكن عد الاختيار في كل مرتبة من مراتب الوجود أمراً ثانوياً، بل هو من الامور الذاتية للاشياء. و من هنا يستحيل سلبه من ذات الوجود.
انطلاقاً من ذلك يرفض الفكر الفلسفي نظرية حاكمية الجبر على عالم الوجود الذي يعج بالشعور و الاحساس في كافة مراتبه، فالاشياء كلها ذات شعور و لا يمثل الانسان استثناءً منها، بل الجميع مشمولة بقاعدة الاختيار مع عدم التفويض، لا ان الانسان واقع في مرتبة من مراتب الاختيار التي يتطلبها مقام الخلافة الالهية و الذي يعبر عنه بمقام الأمانة الالهية، و هو المقام المفصلي للانسان و العلة في تفوقه على سائر الموجودات، و هذا ما اشارت اليه الآية الكريمة: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»؛[2]
فالتكامل بنحو عام و نيل الخلافة و الولاية الالهية بنحو خاص يستحيل عقلا على الانسان تحصيلها و التوفر عليها من غير مجرى الاختيار. من هنا شاء الارادة الالهية افاضة الارادة من بدء الخليقة على اعلى المراتب، الا ان اقتضاءات المخلوقات منعت – ذاتاً- من ظهورها كاملاً.
اتضح مما مرً ان التكامل الوجودي عين التكامل في الاختيار و أن ارفع تلك المراتب هي مرتبة الخلافة الالهية التي تستلزم الحد الاقصى من الوجود و ارفع درجات الاختيار. و من زاوية النظرة العرفانية ان الخلافة الالهية تعني أن الانسان يفنى في نهاية المطاف في العشق الالهي و يبقى ببقائه، و هذا يستلزم وجود ارفع درجات العشق، و العشق يساوق الاختيار و عينه، و من هنا يستحيل عقلا تصور التكامل النهائي للانسان الذي هو مرآة المشيئة الالهية بلا توفر جوهرة العشق الالهي، و لا ريب أن العشق لا ينسجم بحال من الاحوال مع الاجبار و الاضطرار، بل العشق لب الاختيار و جوهره.[3]
[1] قدر دان قرا ملکي، محمد حسین، نگاه سوم به جبر و اختیار، ص 159، نقلا عن السبزواري، ملاهادي، اسرار الحکم، ص 113.
[2] - احزاب، 72.
[3] لمزيد البحث في هذه القضية يلزم مراجعة الابحاث المتعلقة بالامر بين الامرين من زاوية النظر الفلسفية و العرفانية، و كذلك مباحث الإرادة و الاختيار في عالم البرزخ و مراتب الوجود.