Please Wait
6704
أرجوا أن تقرؤوا النص بمعزل عن الحب و البغض حتى یمکن النقد. أودّ فی هذا المقال أن أتناول عددا من الأساطیر المعروفة و الجدیرة بالتأمل. الأولى هی قلة الماء فی تلک الصحراء و عطش الحسین و أصحابه: کما تعلمون إن المعرکة التی وقعت کانت على مقربة من نهر الفرات. و لن تستطیعوا أن تجدوا فی أی منطقة من الکرة الأرضیة صحراء غیر ذی زرع على ضفاف النهر، إلا أطراف الأنهار التی تمرّ من بین المناطق الجبلیة. لقد درسنا جمیعا فی مدارسنا أن أطراف الأنهار تتکون أراضی خصبة. فالواقع هو أن الفرات شأنه کشأن باقی الأنهار قد کوّن فی ضفته أراضی خصبة فأرض کربلاء أرض خضراء. غیر أن قاع أمثال هذه الأراضی و بسبب قربها من النهر عادة ما تمتلئ بالمیاه الجوفیة و الحصول على الماء فیها أسهل مما یخطر على البال. إذ یمکن الحصول على الماء عن طریق حفر أربعة أو خمسة أمتار فقط. أحد مشاکل البناء و الإعمار فی الأهواز هو هذه المیاه الجوفیة التی ملأت جوف المدینة کلها. فهل لم یستطع اثنان و سبعون نفرا أن یحفروا بئرا بعمق أربعة أمتار؟ و من ناحیة أخرى یدعی الشیعة أن هذه الواقعة کانت فی لهیب الصیف و حرارته المحرقة و لکن من خلال مراجعة هذا الموقع و إدخال تاریخ العاشر من محرم سنة 61 هجریة فی قسم Islamic Calender یتضح أن یوم عاشوراء کان فی یوم الأربعاء المطابق 21 من مهر. طبعا لا یفترض أن یکون جوّ کربلاء فی 21 من مهر باردا لطیفا و لکنه لم یکن ذلک الصیف الملتهب کما یزعم الشیعة. یقولون قد اختلف الآن المناخ عن قبل 1400 سنة، و لکن أولا لا یمکن افتراض هذا المستوى من التغییر الذی بزعمه المسلمون فی فترة 1400 و سنة و ثانیا حتى و لو افترضنا هذا التغییر فلا شک فی أنه لم یبرد بل قد اتجه نحو ارتفاع الحرارة، یعنی کان الجو أبرد من الآن قبل 1400 سنة. النکتة اللطیفة الأخرى التی ذکرت فی قصص واقعة عاشوراء هو أنه لم یأت ذکر للجوع، الأمر الذی یدل على أن رکب الحسین لم یعان من الجوع. إذ أن هذه القافلة کباقی القوافل کانت تحمل بعض الحیوانات الأهلیة کالغنم و الماعز لأن لا تقع فی مشکلة الجوع فکان بمقدورهم أن یستخدموا حلیب هذه الحیوانات لرفع عطشهم. مضافا إلى ذلک وجود الإبل و الجمال مع القافلة و العرب یحبون حلیب الجمال فکان بإمکانهم شرب حلیب الجمال أیضا. النکتة الأخرى وجود ثلاثة روایات حول قبر الحسین و هی: َ تَرَکْتُ الرَّشِیدَ وَ قَدْ کَرَبَ قَبْرَ الْحُسَیْنِ (ع) وَ أَمَرَ أَنْ تُقْطَعَ السِّدْرَةُ الَّتِی فِیهِ فَقُطِعَت [تاریخ الشیعة، محمد حسین المظفری، ص 89، بحار الأنوار، ج 45، ص398] و ینقل عن المتوکل أنه أَنْفَذَ قَائِداً فِی جَمْعٍ کَثِیرٍ مِنَ الْجُنْدِ وَ أَمَرَ مُنَادِیاً یُنَادِی بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِمَّنْ زَارَ قَبْرَهُ وَ نَبَشَ الْقَبْرَ وَ حَرَثَ أَرْضَه. [أعیان الشیعة،ج 1، ص 628، تراث کربلاء، ص 34; بحار الأنوار،ج 45، ص 397] بَلَغَ الْمُتَوَکِّلَ جَعْفَرَ بْنَ الْمُعْتَصِمِ أَنَّ أَهْلَ السَّوَادِ یَجْتَمِعُونَ بِأَرْضِ نَیْنَوَى لِزِیَارَةِ قَبْرِ الْحُسَیْنِ (ع) فَیَصِیرُ إِلَى قَبْرِهِ مِنْهُمْ خَلْقٌ کَثِیرٌ فَأَنْفَذَ قَائِداً مِنْ قُوَّادِهِ وَ ضَمَّ إِلَیْهِ کَنَفاً مِنَ الْجُنْدِ کَثِیراً لِیَشْعَثَ قَبْرَ الْحُسَیْنِ (ع) وَ یَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ زِیَارَتِهِ وَ الِاجْتِمَاعِ إِلَى قَبْرِهِ فَخَرَجَ الْقَائِدُ إِلَى الطَّفِّ وَ عَمِلَ بِمَا أُمِرَ وَ ذَلِکَ فِی سَنَةِ سَبْعٍ وَ ثَلَاثِینَ وَ مِائَتَیْن [نفس المصدر] و أمثال هذه الروایات کثیرة قد اکتفیت بثلاثة منها. فیا ترى هل قاموا بحرث و زرع صحراء جهنمیة؟ فمع هذه القرائن کیف عانى الحسین و رکبه من العطش؟
الثانیة حرملة و رقبة عبد الله الرضیع: فقصة عبد الله الرضیع من أساطیر عاشوراء اللطیفة أیضا. القصة هی أن الحسین و بسبب العطش الشدید الذی أشرت إلیه مسبقا و اتضح عدم صحته، احتضن ولده الرضیع و وقف أمام الجیش و نادى یا قوم إن لم ترحمونی فارحموا هذا الطفل، فرماه أحد باسم حرملة و یبدو أنه کان ماهرا فی الرمایة فأصابه بنحره و قتله. فظاهرها قصة مأساویة مؤلمة، و لکن بأقل تأمل نکتشف ما یدلّ على کونها خرافة لیس لها صحة.
أولا الطفل الرضیع الذی لم یتعدّ الأشهر من حیاته لیست له رقبة ملحوظة. فإن لاحظتم تجدون أن رأس الرضیع لاصق بجسمه و السبب هو أنه لم تبلغ عظام الرقبة و عضلاتها الدرجة التی تتمکن بها من تحمل وزن الرأس. فلا تمکن رؤیة رقبة الرضیع إلا فی حالة واحدة و هی أن یکون الرأس راجعا إلى الوراء و متعلقا بجسمه. ثانیا إن المسافة بین الجیشین فی أثناء المعرکة لا تقل عن 200 أو 300 متر. فحتى و لو أتینا ببطل الأولمبیات مع قوسه الحدیث لن یستطع أن یستهدف من تلک المسافة والد الطفل فضلا عن الطفل نفسه. فإن إصابة الهدف من هذه المسافة صعب حتى بالبندقیة فضلا عن القوس و السهم. ثالثا لماذا استهدف حرملة الطفل الرضیع؟ فإن قاعدة جمیع الحروب هو أن قائد الجیش هو الأهم. فکان ینبغی لحرملة أن یستهدف الحسین لا الطفل. فأی عقل سلیم یقبل بهذا؟ هل یعقل أن حرملة قد ترک قائد الجیش و قتل هذا الطفل الصغیر؟ فإذا کان الجوّ ملتهبا کما یزعم المسلمون، فهل کان حرملة مجنونا لیطیل من وقت الحرب فی تلک الظروف العصیبة و یؤذی نفسه؟ قال أحد المسلمین أن الإمام أخذ الطفل بیده و اقترب إلى الجیش لیسمعوا صوته، و لکن کان الإمام یعرف أقربائه الوحوش أفضل من غیره. و النکتة الرابعة هی أن ما حاجة الطفل إلى الماء؟ الطفل الرضیع یشرب الحلیب لا الماء و تستطیع أمه أن ترضعه و تزیل عطشه، مضافا إلى وجود حلیب الحیوانات الأهلیة التی أشرت إلیها.
الثالثة: ذهب أبو الفضل لیأتی بالماء: القصة هی أن أبا الفضل الذی یؤمّن المسلمون باسمه سیاراتهم، ذهب نحو الجیش و ملأ قربته من ماء الشریعة و أثناء رجوعه، قطع رجل یده التی کان ماسکا بها القربة، فمسکها بیده الأخرى و استمر بطریقه. ثم أتى رجل آخر و قطع یده الأخرى أیضا، فمسکها بفمه و أسنانه، و بالتالی یقتله رجال آخرون. و لکن أرجو أن یوضح لی أحد أنه کیف کان العباس یأخذ القربة من الید المقطوعة؟ هل کان ینزل من فرسه و یمسک القربة الساقطة على الأرض مع یده بیده الأخرى و یرکب الفرس مجددا و ینطلق؟ ثم ما فعل عندما قطعت یده الأخرى؟ هل نزل من فرسه أیضا و انحنى و مسک القرب بأسنانه؟ ألا یحصل أحد یقتله أثناء نزوله و رکوبه من الفرس فی هذه المرات؟ أو لم یحصل شیء من هذا و إنما کان العباس و بسبب مهارته قد رمى القربة قبل أن تقطع یده و لقفها بیده الأخرى ثم رماها مرة أخرى و استلمها بأسنانه؟ ثم کیف قطعت یداه؟ هل قطعت من المعصم أم من المرفق أم من الکتف؟ ثم بأی شیء قطعوها؟ بالسیف؟ أتذکر فی إحدى المجالس قال الخطیب قد استهدفوا ید العباس بالقوس و قطعوها. یا ترى هل کانت الأقواس آنذاک ترمی بلطة؟ ثم أین حصل النزیف الشدید الحاصل من قطع الید؟ هذه مجرد ثلاثة نماذج من أساطیر عاشوراء. کما أنی لم أشر إلى قصة غسل القاسم، إذ لا یعتقد بها حتى بعض المسلمین. فأمثال هذه الأساطیر کثیرة. آمل أن نتعلم أن نجعل العقل و التفکیر هو المیزان و المعیار.
إن واقعة کربلاء و قضیة استشهاد الإمام الحسین (ع) و أصحابه من البدیهیات و المسلمات الواضحة فی التاریخ، و قد وصلتنا بالنقل المتواتر و المباشر وجها لوجه، و إلى الآن لم ینکرها أحد حتى من الأعداء. لقد کان لهذه الواقعة العظیمة و بسبب جهاد الإمام السجاد (ع) و السیدة زینب (س) دور کبیر فی حیاة الإسلام و انتشاره. و لهذا حاولوا بشتى الأسالیب أن یطفئوا هذا النور فکانت إحدى خطواتهم هی دسّ الأخبار المنحرفة و المخالفة فی روایات هذه الملحمة العظیمة.
لقد أصبح التعرف على تاریخ هذه الملحمة العظیمة مدعاة لتأسی جمیع الشعوب الأحرار فی جمیع أرجاء العالم و باتت تزداد الشعوب تعرفا على أبعاد هذه النهضة و یستلهمون الدروس منها. و باعتبار أن کل جمال هذه الملحمة و مفاخرها راجع إلى الإسلام و التشیع بالأخص، فمن الطبیعی أن یقوم أعداء الإسلام و التشیع بالخدش و التشویش فی هذه الواقعة العظیمة. لم تسلم الأحداث التاریخیة من الدسّ و التحریف خاصة إذا کانت من الأحداث الحساسة و لم تستثنى قضیة عاشوراء من هذه القاعدة فربما حرفت بعض تفاصیلها و حقائقها على ید الأعداء و المغرضین. و لهذا نجد علماء الشیعة الکبار و الموالین لهذا المذهب قد و قفوا أمام تحریفات عاشوراء منذ زمن بعید و ألفوا الکتب و المقالات فی هذا المجال أو ألقوا المحاضرات و حضروا اللقاءات و المقابلات فی الإعلام و کان لهذا النشاط دور کبیر فی تنویر الأذهان.
من جملة هؤلاء العلماء هو المیرزا حسین النوری الذی ألف فی موضوع الخطابة و المنبر کتاب اللؤلؤ و المرجان و تناول فیه موضوع تحریفات عاشوراء. کذلک ألقى الأستاذ الشهید المطهری محاضرات فی هذا المجال و قد جمعت فی المجلد الأول من کتاب الملحمة الحسینیة.
إذن لا شک فی وجود التحریف فی بعض تفاصیل واقعة عاشوراء، أما هل هذا یعنی أن کل ما لم یستذوقه البعض فهو محرف و لا نعتنی به؟
هل یمکن إنکار الحقیقة التاریخیة القطعیة بمجرد الاستبعاد و الاستحسان؟
هل أننا نحاول من طرح موضوع تحریفات عاشوراء أن نقدم خدمة للعدالة و الحق و الجهاد ضد الظلم کما فعله المحدث النوری و الأستاذ المطهری الآخرون الذین سلکوا هذا الطریق بکل إخلاص، أم هناک حوافز أخرى دفعتنا إلى هذا الکلام؟
بما أن جمیع هذه الأسئلة قد وجهت من قبل شخص إلى السائل الکریم و هو الذی أرسل السؤال إلینا، إذن نشکر السائل الکریم و من هنا نبدأ بتوجیه الخطاب إلى السائل الأصلی.
و لابد قبل الإجابة من التنبیه إلى قضیة.
نحن المسلمون نفتخر بأن نبینا قد تحلى بخلق حسن. [1] و لهذا نجد الباری سبحانه قد اعتبر انتشار الإسلام مدین لخلقه الحسن. [2] و علیه فقد أمرنا نحن المسلمین أن لا نتجاسر حتى على أصنام المشرکین. [3]
إن واقعة کربلاء و قضیة استشهاد الإمام الحسین (ع) و أصحابه من البدیهیات و المسلمات الواضحة فی التاریخ، و قد وصلتنا بالنقل المتواتر و المباشر وجها لوجه، و إلى الآن لم ینکرها أحد حتى من الأعداء. لقد کان لهذه الواقعة العظیمة دور کبیر فی حیاة الإسلام و انتشاره و قد أنارت درب الأمة الإسلامیة کمصباح منیر. لقد قام الإمام السجاد (ع) و السیدة زینب (س) بدورهم کسفراء أکفاء لواقعة کربلاء و قد فضحوا العدو و الأیادی الخبیثة التی هدفت إلى هدم شجرة الإسلام بروایتهم الصادقة حیث شعر بنو أمیة بحقیقة الأمر أنهم لم یحصدوا بقتل الحسین (ع) سوى العار و الخزی و الهزیمة. و لهذا السبب حاولوا منذ البدایة و بشتى الأسالیب أن یطفئوا هذا النور فکانت إحدى خطواتهم هی دسّ الأخبار المنحرفة و المخالفة فی روایات هذه الملحمة العظیمة.
لقد أصبح التعرف على تاریخ هذه الملحمة العظیمة مدعاة لتأسی جمیع الشعوب الأحرار فی جمیع أرجاء العالم و باتت تزداد الشعوب تعرفا على أبعاد هذه النهضة و یستلهمون الدروس منها. و باعتبار أن کل جمال هذه الملحمة و مفاخرها راجع إلى الإسلام عامة و التشیع خاصة، فمن الطبیعی أن یقوم أعداء الإسلام و التشیع بالخدش و التشویش فی هذه الواقعة العظیمة.
فعلى أساس ما ذکرنا یجب أن نبحث فی هذه الملحمة العظیمة بکل دقة من أجل أن نقدر على إبطال مؤامرات أعداء الإسلام و التشیع.
لم تسلم الأحداث التاریخیة من الدسّ و التحریف خاصة إذا کانت من الأحداث الحساسة و لم تستثنى قضیة عاشوراء من هذه القاعدة فربما حرفت بعض تفاصیلها و حقائقها على ید الأعداء و المغرضین. و لهذا نجد علماء الشیعة الکبار و الموالین لهذا المذهب قد و قفوا أمام تحریفات عاشوراء منذ زمن بعید و ألفوا الکتب و المقالات فی هذا المجال أو ألقوا المحاضرات و حضروا اللقاءات و المقابلات فی الإعلام و کان لهذا النشاط دور کبیر فی تنویر الأذهان الطالبة للحقیقة.
من جملة هؤلاء العلماء هو المحدث النوری الذی کتب کتاب اللؤلؤ و المرجان فی موضوع المنبر و الخطابة و تناول فیه قضیة تحریفات عاشوراء.
فقد قال بکل صراحة: یجب الیوم أن نقیم مجلس عزاء الحسین و لکن للحسین عزاء جدید فی عصرنا لم یکن سابقا و هو تلک الأکاذیب التی تقال حول واقعة کربلاء و لم یقف أمامها أحد. ینبغی أن نبکی لهذه المصیبة التی جرت على الحسین لا على السیوف و الرماح التی طعنت بجسمه الشریف آنذاک. [4]
کذلک ألقى الأستاذ الشهید المطهری محاضرات فی هذا المجال و قد جمعت فی المجلد الأول من کتاب الملحمة الحسینیة.
فقد قال فی هذا المجال:
إن أکثر المجعولات فی هذا الموضوع کانت فی مدخل ذکر المصیبة ( الگریز)؛ یعن ی جعلوا الأکاذیب فی سبیل التمهید لذکر المصیبة و إبکاء الناس، و لیس هناک شیء آخر. [5]
إذن لا شک فی وجود التحریف فی بعض تفاصیل واقعة عاشوراء، أما هل هذا یعنی أن کل ما لم یستذوقه البعض فهو محرف؟
هل یمکن إنکار الحقیقة التاریخیة القطعیّة بمجرد الاستبعاد و الاستحسان؟
هل یمکن التقلیل من قبح إجرام یزید و أتباعه بمجرد التشکیک فی بعض تفاصیل واقعة کربلاء؟
هل أننا نحاول من طرح موضوع تحریفات عاشوراء أن نقدم خدمة للعدالة و الحق و الجهاد ضد الظلم کما فعله المحدث النوری و الأستاذ المطهری و الآخرون الذین سلکوا هذا الطریق بکل إخلاص، أم هناک حوافز أخرى دفعتنا إلى هذا الکلام؟
إن أصل العمل ضد التحریف عمل حسن و لکن الأولى هو أن یتم هذا العمل کباقی الأعمال عبر منهج التحقیق و عمل ذوی الخبرة و الاختصاص فی سبیل رفع هذه المشکلة. [6]
یجب أن نعرف أن أصل مقتل الإمام الحسین (ع) و أصحابه و قطع رؤوسهم و حمل الرؤوس على الرماح و سبی أهل بیت الرسول و… من المسلمات و لا ریب فیها. [7]
و من جملة الأمور المسلمة فی واقعة عاشوراء هو عطش الحسین (ع) و أهل بیته و أصحابه فی یوم عاشوراء.
هنا نشیر إلى نص واحد نقلا عن مؤرخ سنی (الطبری) حیث یدل النص على التضییق فی أمر الماء: "من عبید الله بن زیاد إلى عمر بن سعد: أما بعد فخل بین الحسین و أصحابه و بین الماء، و لا یذوقوا منه قطرة… فبعث عمر بن سعد فی الوقت عمرو بن الحجاج فی خمسمئة فارس فنزلوا على الشریعة، و حالوا بین الحسین و أصحابه و بین الماء و منعوهم أن یسقوا منه قطرة… و قال رجل باسم عبد الله بن أبی حصین الأزدی للإمام (ع): …و الله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا. فدعا علیه الإمام." [8]
فبناء لما ذکرناه و ما أشرنا إلیه لا داعی للخوض فی تفاصیل السؤال و لکن مع ذلک نحاول أن نشیر إلى سؤالکم بشکل موجز.
1ـ إن کربلاء لیست قریبة من نهر الفرات بل تبعد عنه حوالی خمسة عشر کیلو مترا، نعم هناک نهر صغیر ینشعب من الفرات و یقترب من کربلاء و یسمى بنهر العلقمی و باعتباره منشعبا من الفرات فقد یطلق علیه "الفرات" مجازا. و حسب بعض الروایات کان أصحاب الإمام ینتفعون من هذا النهر حتى لیلة العاشر و حتى اغتسل البعض بهذا النهر، و لکن اشتد الحصار و التضییق فی یوم العاشر و على هذا الأساس لم یبق ماء بعد لیلة العاشر و عند ذلک لم یبق لأحد ماء و لا فرق فی ذلک بین الصغیر و الکبیر.
و أما أنه هل کان هناک طعام أم لا و هل کان یمکن طبخ الطعام أم لا فحتى لو سلمنا بإمکان طبخ الطعام یبقى الطعام غیر الماء. و حتى و لو أمکن أکل الطعام مع شدة العطش فسوف یزید من شدة العطش. بالإضافة إلى أن تحمل الجوع أسهل من تحمل العطش. إذن بما أن معاناة العطش صعبة جدا و لا تطاق لم یصل الأمر إلى ذکر الجوع.
2ـ لو سلّمنا بوجود الماء فی عمق أربعة أو خمسة أمتار فافترض وجود عدد محدود من الرجال مع عوائلهم و قد حاصرهم العدو و شدد علیهم الأمر، فالعدو الذی منعهم من أخذ الماء من النهر فمن الطبیعی أن یمنعهم من حفر البئر بکل شدة و عنف، مضافا إلى أن أرض کربلاء رملیة و حفرها صعب جدا و کل ما حفر بها الإنسان تمتلئ الحفرة مرة أخرى.
مع هذا استطاع أصحاب الإمام (ع) من حفر البئر روى ابن اعثم فی الفتوح: ثم إن ابن زیاد کتب إلى عمر بن سعد: أما بعد [4]، فقد بلغنی أن الحسین یشرب الماء هو و أولاده و قد حفروا الآبار و نصبوا الأعلام، فانظر إذا ورد علیک کتابی هذا فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت و ضیق علیهم و لا تدعهم یشربوا من ماء الفرات قطرة … [9]
3ـ ماذا ترید أن تثبت من خلال تشخیص موقع یوم عاشوراء فی التاریخ الشمسی و تخمین درجة حرارته؟ هل ترید أن تنفی عطش کربلاء برمته؟ فهذا ما ینفیه أعداء الحسین کعبد الله بن أبی حصین الأزدی. أفرض أن عددا من الناس یحاربون فی منطقة معتدلة و قد حاصرهم العدو و هم یتحملون شتى أنواع المعاناة الجسدیة و الروحیة التی تفرضها الحرب و ظروف المحاصرة و مع هذا لیس لهم ماء، أفلا یهلکهم العطش؟ فإن أضفنا إلى کل هذا حضور الأطفال و الصغار إلى هذا العدد، فتصور ماذا یحدث فی حال نحیب الأطفال و بکاؤهم من شدة العطش و طلبا للماء‼
أما الروایات الثلاث التی استشهدت بها حول قبر الحسین (ع) فلا تعارض موضوع العطش و یمکن الجمع بینهم، ثم من ادعى أن کربلاء کانت أرضا جرداء بائرة. لا شک فی أنک قد سمعت أن الأعداء قد تربصوا للعباس خلف النخل. و لکن مع هذا لم تکن أرضا خضراء بسبب بعدها عن الفرات و لو کان هناک بعض الأشجار؟
إن ابن زیاد یرسل کتابا إلى الحر و یقول: "أما بعد فجعجع بالحسین حین بلغک کتابی هذا و یقدم علیک رسولی، و لا تنزله إلا بالعراء فی غیر خضر و على غیر ماء، و قد أمرت رسولی أن یلزمک و لا یفارقک حتى یأتینی بإنفاذک أمری و السلام." [10]
کما یمکن أن تکون الأرض بائرة فی سنة أو سنین و تزدهر بعدها من خلال إنشاء نهر أو قناة أو بئر. ألا یمکن أن یأتی شخص و یوصل الماء برأس ماله و مصرفه إلى أرض قریبة من النهر و یقوم بزراعتها؟
أما بالنسبة إلى عبد الله الرضیع لابد من الإشارة إلى مسألتین:
أ. أصل مقتل عبد الله الرضیع فی کربلاء على ید العدو.
ب. طریقة قتله.
أما بالنسبة إلى قتله فلا أحد شکک فی ذلک و هذا یکفی لإثبات مدى خبث أعداء أهل البیت و شقائهم. و لکن بالنسبة إلى طریقة قتله فهناک أقوال مختلفة و نحن هنا نکتفی بنقل روایة واحدة.
إنه لما قتل أصحاب الحسین (ع) و أقاربه و بقی فریدا لیس معه إلا ابنه علی زین العابدین (ع) و ابن آخر فی الرضاع اسمه عبد الله فتقدم الحسین (ع) إلى باب الخیمة فقال: ناولونی ذلک الطفل حتى أودعه فناولوه الصبی جعل یقبله و هو یقول یا بنی ویل لهؤلاء القوم إذا کان خصمهم محمد (ص) قیل فإذا بسهم قد أقبل حتى وقع فی لبة الصبی [11] فقتله فنزل الحسین (ع) عن فرسه و حفر للصبی بجفن سیفه و رمله بدمه و دفنه ثم وثب قائما و هو یقول:
کفر القوم و قدما رغبوا عن ثواب الله رب الثقلین
قتلوا قدما علیا و ابنه حسن الخیر کریم الطرفین
حنقا منهم و قالوا أجمعوا نفتک الآن جمیعا بالحسین
یا لقوم من أناس رذل جمعوا الجمع لأهل الحرمین [12]
و یبدو أنک لم تنکر أصل القضیة بل قد شککت فی أسلوب قتله فقط.
هنا نوجه لک بعض الأسئلة و لا نرید منها إثبات إصابة السهم فی نحره لا فی صدره، و لکن نرید أن نبین هذه الحقیقة و هی أنه لا یمکن إثبات الحقائق التاریخیة و نفیها من خلال التحلیل العقلی البسیط.
أ لم یتقرب الإمام الحسین (ع) و بعض الصحابة إلى العدو من أجل و عظهم و إنذارهم و أصبحوا فی متناول سهامهم؟
ألم یجلس مع عمر بن سعد؟
هل یبعد أن الإمام الحسین (ع) قد اقترب إلى العدو لیسمعوا صوته و یتم الحجة علیهم و یستسقی لعبد الله الرضیع؟
هل تستبعد أن هذا العدو الفتاک الحقود الذی قام بسحق جسد الحسین و أصحابه بخیله بعد انتهاء الحرب لیعبّر عن مدى بغضه و عدائه للحسین، ثم نهب الخیام و حرقها و هجم على النساء و الأطفال یضربهم بلا أی رحم، فهل یبعد منه أن یبتدئ بقتل طفل الحسین الرضیع لیزید من إیذاء الحسین (ع) من اجل أن یطعن بجسمه بشکل أشد بعد هذه الطعنة فی قلبه و روحه بحسب زعمه؟
أما بالنسبة إلى قطع ید العباس و استلام القربة بیده الأخرى.
لابد أنک تعرف أن المبارزین کانوا یرتدون درعا فی ذلک الوقت لیحمیهم من ضربات السیوف، إذن من البعید أن ید العباس قد قطعت فی لحظة و احدة و سقطت من جسمه، ثم إنه کان راکبا على الفرس و کان یستطیع أن یسند القربة على ظهر الفرس و سرجه للحظات، و یستلم القربة بیده السالمة. إذن بتأمل قلیل تتضح أجوبة الکثیر من هذه الأسئلة.
للحصول على المزید من المعلومات راجع، کتاب نگرشی عرفانی، فلسفی و کلامی به: شخصیت و قیام امام حسین(ع)، لقاسم ترخان.
[1] القلم، 4، وَ إِنَّکَ لَعَلى خُلُقٍ عَظیمٍ.
[2] آل عمران، 159، فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِک.
[3] الأنعام، 108، وَ لا تَسُبُّوا الَّذینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَیَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَیْرِ عِلْمٍ.
[6] للحصول عل ى المزید من المعلومات راجع موضوع " استناد أعمال الإمام الحسین فی یوم عاشوراء إلى العقل أم العشق " رقم 4456 ، " ظلامة الإمام الحسین و کیفیة ترسیمها " رقم 4459 و "صلح ال إمام الحسن و قیام الإمام الحسین " رقم 629 .
[7] للحصول عل ى المزید من المعلومات را جع الکتب التالی ة " أ بو حنیفه احمد بن داود الدینوری، الاخبار الطوال، مهدوى دامغانی، محمود، ص 277، طهران، نشر نى، الطبعة الرابعة، 1371ش"؛ ابن اعثم الکوفی، الفتوح، محمد بن احمد مستوفى الهروی، ص 884، باب حسین بن على (ع) فی کربلاء، طهران، انتشارات آموزش انقلاب اسلامی، 1372ش.ُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ"؛ عز الدین علی بن الأثیر، الکامل، ج 11،ص 148، طهران، مؤسسه مطبوعاتى علمى، 1371ش.
[8] الطبری، أبو جعفر محمد بن جریر، تاریخ الأمم و الملوک (تاریخ الطبری)، محمد أبو الفضل إبراهیم ، ج 5، ص 412، بیروت، دار التراث، ط الثانیة، 1387 هـ ق/1967 م.
[9] أبو محمد أحمد بن أعثم الکوفی، کتاب الفتوح، تحقیق علی شیری، ج 5، ص 91، بیروت، دارالأضواء، الطبعة الأولى، 1411 هـ ق /1991 م.
[10] الشیخ الم فید، الإرشاد، ج2، ص82، طبع مؤتمر الشیخ المفید، قم، 1413ق.
[11] . و اللب ة محل القلادة أی ما بین الصدر و الرقبة.
[12] الطبرسی، احمد بن علی، احتجاج ، جعفرى، ج 2، ص 99، 168، اسلامیة، طهران، الطبعة الأولى، 1381 ش.