بحث متقدم
الزيارة
5970
محدثة عن: 2012/06/26
خلاصة السؤال
طلب تفسیر الآیة 34 من سورة صاد المتعرضة لاختبار النبی سلیمان (ع): \" ولقد فتنا سلیمان و ألقینا على کرسیه جسداً ثم أناب\".
السؤال
من الآیات المبهمة قوله تعالى: (و لقد فتنا سلیمان و ألقینا على کرسیه جسداً ثم أناب).قال المفسرون السنة: ذکر الزمخشری . و \" فتنا \" أی: ابتلینا و عاقبنا . و سبب ذلک ما رواه سعید بن جبیر عن ابن عباس قال: اختصم إلى سلیمان - علیه السلام - فریقان أحدهما من أهل جرادة إمرأة سلیمان، و کان یحبها فهوى أن یقع القضاء لهم..., و قالوا: و قال شهر بن حوشب و وهب بن منبه: إن سلیمان - علیه السلام - سبى بنت ملک غزاه فی البحر، فی جزیرة من جزائر البحر یقال لها صیدون. فألقیت علیه محبتها...الخ (القرطبی), و قال ابن عباس، و مجاهد و سعید بن جبیر و الحسن و قتادة و غیرهم: یعنی شیطانا. ( ثم أناب ) أی: رجع إلى ملکه و سلطانه و أبهته. قال ابن جریر: و کان اسم ذلک الشیطان صخرا. قاله ابن عباس، و قتادة. و قیل: آصف. قاله مجاهد...(ابن کثیر), و غیرها. أرجو تفسیر هذه الآیة المبهمة بشکل واضح و یلیق بقدس الأنبیاء (ع)؟
الجواب الإجمالي

للمفسرین أقوال مختلفة فی المراد من الآیة تبعا للروایات المختلفة الواردة فیها و الذی یمکن أن یؤخذ من بینها إجمالا أنه کان جسد صبی له أماته الله و ألقى جسده على کرسیه، و لقوله: «ثُمَّ أَنابَ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی» إشعار أو دلالة على أنه کان له (ع) فیه رجاء أو أمنیة فی الله فأماته الله سبحانه و ألقاه على کرسیه فنبهه أن یفوض الأمر إلى الله و یسلم له. و قد ذکرنا بعض تلک الآراء فی الجواب التفصیلی.

نعم، هناک هناک قصص خرافیة حیکت حول هذه الآیة المبارکة تتنافى مع مقام النبوة و الانبیاء، و هی - فی حقیقة الأمر- دلیل انحطاط أفکار مبتدعیها، و لهذا فإنّ المحقّقین المسلمین أینما ذکروها أعلنوا بصراحة زیفها و کونها مجرّد اختلاقاً.

الجواب التفصيلي

طرح المفسرون مجموعة من الآراء و النظریات فی تفسیر قوله تعالى: «وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَیْمانَ وَ أَلْقَیْنا عَلى‏ کُرْسِیِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ»،[1] " نشیر الیها بعد التعرض للمعنى اللغوی لمفردات الآیة.

الفتنة و الجسد لغة

أصل الفَتْنِ: إدخال الذّهب النار لتظهر جودته من رداءته، و استعمل فی إدخال الإنسان النار.[2] و فتن أصل صحیح یدلّ على ابتلاء و اختبار. من ذلک الفتنة، یقال فتنت أفتن فتنا. و فتنت الذهب بالنار: إذا امتحنته، و هو مفتون و فتین.[3]

أما الجسد، فالأصل الواحد فی هذه المادّة: هو الجسم الظاهریّ المادّی من کلّ ذی روح إذا صرف النظر عن روحه و یکون النظر و التوجّه الى جسمه من حیث هو.[4]

تفسیر الآیة

ذهب بعض المفسرین الى تفسیر معنى الجسد بنفس المعنى اللغوی و أنه الجسم المجرد عن الروح.[5]

یستفاد من هذه الآیات بصورة عامّة أنّ موضوع إمتحان سلیمان کان بواسطة جسد خال من الروح القی على کرسیّه و أمام عینیه، أمر لم یکن یتوقّعه، و آماله کانت متعلّقة بشی‏ء آخر، و القرآن لا یعطی تفصیلات أخرى فی هذا المجال.

و قد أورد المفسّرون و المحدّثون تفسیرات متعدّدة فی هذا المجال، منها:

1. إنّ سلیمان (ع) کان متزوجا من عدّة نساء، و کان یأمل أن یرزق بأولاد صالحین شجعان لیساعدوه فی إدارة شؤون البلاد و جهاد الأعداء، فحدّث نفسه یوما قائلا: لأطوفنّ على نسائی کی أرزق بعدد من الأولاد لعلّهم یساعدوننی فی تحقیق أهدافی، و لکونه غفل عن قول (إن شاء اللّه) بعد تمام حدیثه مع نفسه، تلک العبارة التی تبیّن توکّل الإنسان على اللّه سبحانه و تعالى فی کلّ الأمور و الأحوال، فلم یرزق سوى ولد میّت ناقص الخلقة جی‏ء به و القی على کرسی سلیمان (ع).[6]

2. إنّ اللّه سبحانه و تعالى امتحن سلیمان بمرض شدید، بحیث طرحه على کرسیه کجسد بلا روح من شدّة المرض، و عبارة (جسد بلا روح) مألوفة و دارجة فی اللغة العربیة إذ تطلق على الإنسان الضعیف و العلیل.[7]

3. الرأی الثالث أنه ، لمّا ولد لسلیمان ابن أشفق علیه من الشّیاطین، فاسترضعه فی السّحاب، فلم یشعر إلّا و قد وضع على کرسیّه میتا تنبیها على أنّ الحذر لا ینفع من القدر.[8]

و قال العلامة فی مقام الترجیح بین الاقوال: و لسائر المفسرین أقوال مختلفة فی المراد من الآیة تبعا للروایات المختلفة الواردة فیها و الذی یمکن أن یؤخذ من بینها إجمالا أنه کان جسد صبی له أماته الله و ألقى جسده على کرسیه، و لقوله: «ثُمَّ أَنابَ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی» إشعار أو دلالة على أنه کان له (ع) فیه رجاء أو أمنیة فی الله فأماته الله سبحانه و ألقاه على کرسیه فنبهه أن یفوض الأمر إلى الله و یسلم له.[9]

و الجدیر بالذکر أن هذه التفسیرات الثلاثة و ما ذکره العلامة الطباطبائی الذی یمثل المقدار الجامع الرأی الاول و الثالث، لا تتنافى مع مقام الانبیاء و منزلتهم الشامخة؛ فان سلیمان (ع) لم یقترف ذنباً و لم یصدر منه ما ینافی العقل. أقصى ما هناک أنه من قبیل ترک الاولى. نعم، هناک هناک قصص خرافیة حیکت حول هذه الآیة المبارکة تتنافى مع مقام النبوة و الانبیاء، و هی - فی حقیقة الأمر- دلیل انحطاط أفکار مبتدعیها، و لهذا فإنّ المحقّقین المسلمین أینما ذکروها أعلنوا بصراحة زیفها و کونها مجرّد اختلاقاً.[10]

 

[1]. صاد، 34.

[2] الراغب الاصفهانی، حسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، تحقیق، داودی، صفوان عدنان، ص 623، دارالعلم الدار الشامیة، دمشق، بیروت، الطبعة الاولى، 1412 ق.

[3] القرشی، سید علی اکبر،  قاموس القرآن، ج 5، ص 147 و 148، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1371 ش؛ ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، ج 13، ص 317، دار صادر، بیروت،1414 ق؛ مهیار، رضا، فرهنگ ابجدی عربی- فارسی، ص 655؛ مصطفوی، حسن، التحقیق فی کلمات القرآن الکریم، ج 9، ص 22، بنگاه ترجمه و نشر کتاب، طهران، 1360 ش؛ المفردات، ص 623.

[4] التّحقیق، ج 2، ص 85؛ الطریحی، فخر الدین، مجمع البحرین، ج 3، ص 25، مکتبة المرتضوی، طهران، 1375 ش. 

[5] الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 17، ص 204، مکتب الاعلام الاسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق؛ الحائری الطهرانی، میر سید علی، مقتنیات الدرر و ملتقطات الثمر، ج 9، ص 169، دار الکتب الاسلامیه، طهران، 1377 ش.

[6] مکارم الشیرازی، ناصر،الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏14، ص: 505- 506، نشر مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[7] نفس المصدر؛ و انظر: طیب، سید عبد الحسین، اطیب البیان فی تفسیر القرآن، ج 11، ص 244، الطبعة الثانیة، انتشارات اسلام، طهران، 1378 ش؛ مغنیة، محمد جواد، تفسیر الکاشف، ج 6، ص 379، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1424 ق؛ مغنیة، محمد جواد، التفسیر المبین، ص 601، بنیاد بعثة، قم.

[8] الحسینی، شاه عبدالعظیمی، حسین بن احمد، تفسیر اثنا عشری، ج 11، ص 197، انتشارات میقات، طهران، الطبعة الاولی، 1363 ش؛ کاشانی، محمد بن مرتضى، تفسیر المعین، تحقیق، حسین درکاهی، ج 2، ص 1218 و 1219، مکتبة آیة الله مرعشی نجفی، قم، الطبعة الاولی، 1410 ق.

[9] المیزان، 17، ص 204.

[10] تفسیر الامثل ج‏14، ص 507؛ الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج 8، ص 742 و 743، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372 ش؛  اطیب البیان، ج 11، ص 243 و 244

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...