بحث متقدم
الزيارة
4966
محدثة عن: 2009/07/09
خلاصة السؤال
لماذا یتصدّی البعض لمعارضة العرفان و العرفاء و یستندون أیضاً الی الأحادیث؟
السؤال
لوحظ أخیراً فی بعض المحطّات و المواقع الدینیة إنها تتصدی علناً و بوضوح لمعارضة العرفان و العرفاء. و تقوم هذه المواقع بالإنتقاص من أمثال العلّامة الطباطبائی و حسن زادة الآملی و الملاصدرا و حافظ و المولوی و انتقادهم بشدة. و یستندون فی موقعهم الی أحادیث و روایات یصفونها بالصحیحة سنداً. فارجو أن ترشدونی فی هذا المجال.
الجواب الإجمالي

العرفان هو المعرفة الخاصة التی تحصل عن طریق الشهود و الکشف الباطنی. و حیث إن مثل هذه المعرفة تتوقف علی التمارین و الریاضات الخاصة فقد سُمّی منهج السیر و السلوک أو الأسالیب العملیة بالعرفان. و العارف الحقیقی هو الشخص الذی حصل علی المعرفة الشهودیة و الحضوریة بالله تعالی و صفاته و أفعاله عن طریق العمل بمناهج عملیّة خاصة.

و اما المواجهة مع هذه القضیة، فالبعض ینکر وجود العرفان فی الإسلام مطلقاً و یعتبره أمراً مبتدعاً و مرفوضاً و یعتبر العرفاء ضالّین. و هناک فریق آخر یدعی و باسم العرفان اموراً لا یمکن اعتبارها نابعة من المصادر الدینیة و مضامین الکتاب و السنة، بل أن بعضها مخالف للنصوص الصریحة و غیر القابلة للتأویل. و کذلک فی مقام العمل أیضاً فهم من جانب قد وضعوا آداباً و رسوماً اختلقوها من قبل أنفسهم أو استعاروها من الفرق غیر الإسلامیة، و من جانب آخر قالوا بسقوط التکلیف عن العارف الواصل.

و الحقیقة أن معارضی العرفان لیس لهم دلیل مستند یمکن الاعتماد علیه، فالعرفان جزء من الإسلام بل هو بمنزلة لب الإسلام و روحه، و هو کباقی أجزاء الإسلام ینبع من القرآن الکریم و السنة النبویة، و لا یعنی هذا أن السیر و السلوک العرفانی طریق مستقل الی جنب طریق الشرع بل هو فی طول الشریعة و باطنها. و بعبارة اخری: الشریعة تبیّن الأحکام الظاهریة و العرفان یتکفّل بالکشف و الوصول الی أسرار و حکم و حقائق أحکام الشریعة. و لیس معنی هذا الکلام طبعاً صحة کل ما یطرح باسم العرفان، بل أن للعرفان الذی یطرحه الإسلام شواخص و ممیزات ذکرت فی محلها.

الجواب التفصيلي

کلمة "العرفان" فی اللغة بمعنی المعرفة، و لکنها فی الإصطلاح تختص بمعرفة خاصة و هی التی تحصل عن طریق الشهود و الکشف الباطنی، و حیث إن مثل هذا الکشف و الشهود یتوقّف عادة علی تمارین و ریاضات خاصة فقد سمّی منهج السیر و السلوک أو الأسالیب العملیة بالعرفان.

و قد اتضح بهذا ان العارف الحقیقی هو الشخص الحاصل علی المعرفة الشهودیة و الحضوریة بالله تعالی و صفاته و أفعاله عن طریق العمل بمناهج عملیة خاصة.

و الذی أدّی الی وقوع اختلاف کثیر حول حقّانیة العرفان و عدمها و مناهج السیر و السلوک عند العرفاء هو الجواب الذی تبنّاه کل من أجاب عن هذا السؤال و هو انه هل یوجد فی الإسلام شیء اسمه العرفان الإسلامی أو أن المسلمین أخذوه من الآخرین و أدخلوه فی الدین؟

و فی الإجابة عن هذا السؤال أنکر البعض وجود العرفان فی الإسلام مطلقاً و اعتبروه أمراً مبتدعاً و مرفوضاً و أن العرفاء ضالّون، و یعتقد آخرون ان العرفان جزء من الإسلام بل هو بمنزلة لبّ الإسلام و روحه و هو کباقی أجزاء الإسلام ینبع من القرآن الکریم و السنة النبویة.

و من یراجع بدقة الآیات القرآنیة الکریمة و کلمات النبی الأکرم(ص) و أهل بیته الطاهرین(ع) یجد بلا شک أموراً رفیعة جداً و مفاهیم عمیقة فی دائرة العرفان و یجد أیضاً تعالیم کثیرة فیما یتعلّق بالسیر و السلوک العرفانی. و کمثال علی ذلک یمکن الإشارة الی الآیات المرتبطة بتوحید الذات و الصفات و الافعال فی سورة التوحید و أوائل سورة الحدید و أواخر سورة الحشر، و کذلک الآیات الدالة علی الحضور الإلهی فی کل أجزاء الکون و علی احاطته بجمیع الموجودات و علی التسبیح و السجود التکوینی لله تعالی من قبل کل المخلوقات.

و کذلک نجد آیات تشمل علی آداب و سنن خاصة یمکننا تسمیتها بمنهاج السیر و السلوک الإسلامی مثل آیات التفکّر و التأمّل و الذکر و الإنتباه الدائمی و احیاء اللیل و القیام فی السحر و الصوم و السجود و التسبیح الطویل فی اللیالی، و الخضوع و الخشوع و البکاء و الإخلاص فی العبادة و أداء الأعمال الحسنة بدافع الحب و العشق لله و بهدف الوصول الی القرب و الرضوان الإلهی، و أیضاً الآیات المتعلّقة بالتوکل و الرضا و التسلیم أمام الرب، و ما ورد فی أحادیث النبی الأکرم و الأئمة الأطهار(ع) و أدعیتهم و مناجاتهم فیما یتعلّق بهذه الامور فهو غیر قابل للإحصاء و العد.

و فی قبال هذه الآیات و أحادیث النبی الأکرم و أهل البیت(ع) فقد سلک فریق طریق التفریط و سلک فریق آخر طریق الافراط:

فالفریق الأول نظر الیها نظرة ظاهریة و ضیّقة و حملها علی معان ساذجة مبتذلة، و أفرغ الآیات و الروایات من محتواها العالی الرفیع، و هؤلاء هم الذین أنکروا کلّیاً وجود شیء باسم العرفان فی النصوص الإسلامیة.

و الفریق الآخر صار یعتقد باسم العرفان بامور لا یمکن اعتبارها نابعة من المصادر الدینیة و مضامین الکتاب و السنة، بل ربما کان بعضها مخالفاً للنصوص الصریحة و غیر القابلة للتأویل أیضاً. و کذلک فی مقام العمل أیضاً: فهم من جانب قد وضعوا آداباً و رسوماً اختلقوها من قبل أنفسهم أو استعاروها من الفرق غیر الإسلامیة، و من جانب آخر قالوا بسقوط التکلیف عن العارف الواصل.

و اما الفریق الثالث و هم الذین تجنّبوا الإفراط و التفریط فهم یعتقدون بأن السیر و السلوک لیس طریقاً مستقلّاً الی جنب طریق الشرع، بل هو جزء أدقّ و ألطف منه؛ و إذا خصّصنا اصطلاح الشریعة بالأحکام الظاهریة فینبغی أن نقول: ان الطریقة هی فی طول الشریعة أو هی تقع فی باطنها، و کمثال علی ذلک فإن الشریعة تعیّن الأحکام الظاهریة للصلاة و العرفان یتکفّل بطرق تمرکز الحواس و حضور القلب فیها. [1]

و بالطبع فلیس معنی هذا الکلام صحّة کل ما یطرح باسم العرفان، بل ان للعرفان الذی یطرحه الإسلام شواخص و ممیزات مذکورة فی محلّها.

و لمزید الاطلاع حول العرفان الإسلامی و خصائصه راجعوا موقع بلاغ و الأسئلة 2834 (الموقع: 3415) و 1184 (الموقع: 1779) و 2736 (الموقع: 3071) .



[1] خلاصة مقال: مصباح، محمد تقی، فصلیة المعرفة، العدد 21، العرفان و الحکمة الإسلامیة.

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...