بحث متقدم
الزيارة
6021
محدثة عن: 2012/01/19
خلاصة السؤال
ما المراد من الحدیث: "لولانا ما عُبد الله و لولانا ما عُرف الله"؟
السؤال
أرجوا توضیح معنی هذا الحدیث: "لولانا ما عُبد الله و لولانا ما عُرف الله"؟
الجواب الإجمالي

الإنسان موجودٌ یطلب الله بالفطرة و من ثُم یسعی لتحصیل معرفته عزّ و جلّ، لکی یتحقق الهدف الأصلی للخلقة علی أثر المعرفة الإلهیة و هو العبادة لله سبحانه. و من جهة أخری نجد الباری تعالی یخاطب البشر و یذکرهم بان "ِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُون‏" و "ِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُون‏"، لذلک فالإنسان محتاج لأناس فتح الله أمامهم أبواباً من العلوم و المعرفة –لطفاً بهم و تفضّلاً و استحقاقاً لهذا الشیء من قبلهم- فقد علّمهم کل ما یحتاجه البشر من العلوم فی دنیاهم و آخرتهم و هم الرسل الإلهیون.

ثم من بعد الأنبیاء یأتی الدور لخلفائهم و نوّابهم أعنی بذلک الأئمة المعصومین (ع) المنتخبین من قبل الله سبحانه لمواصلة طریق الرسل. فهم قد أخذوا الأوامر الإلهیة من قبل النبی (ص) و لم یفتهم شیءٌ منها، فقد إنبروا لإرشاد البشر و تعلیمهم کالمعلّمین المشفقین علیهم، و استطاعوا أن یجیبوا عن کل سؤال یمکنه أن یخطر فی ذهن البشر لإمتلاکهم ما یحتاجه البشر من العلوم و المعارف، حتی یستطیع البشر بفضلهم و معونتهم أن یتخلّصوا من مستنقع الجهل و الضلال. فلو لم یکن للأنبیاء (ع) و لا للأئمة (ع) من بعدهم وجود، لما استطاع البشر من دونهم معرفة الله سبحانه حق معرفته، بل و لما کان بإمکانهم عبادته بما یستحقه.

الجواب التفصيلي

لقد ورد هذا الحدیث الذی جاء فی متن السؤال فی المصادر الروائیة هکذا: قال أبو عبد الله (ع): "إن الله عزّ و جل خلقنا فأحسن خلقنا و صوّرنا فأحسن صُوَرنا و جعلنا خزانة فی سمائه و أرضه و لنا نطقت الشجرة و بعبادتنا عبد الله و لولانا ما عبد الله".[1]

الإنسان –و کما تعلمون- موجود یطلب الله بالفطرة.[2]و دائماً یسعی وراء تحصیل المزید من المعارف فیما یتعلّق بالله سبحانه و تعالی. و من جهة أخری قد بیّن الله سبحانه فی القرآن أن الهدف الأصلی من الخلقة هو العبادة،[3] و قد ثبت فی محله أن الإنسان کلما ازدادت معرفته بالله سبحانه، کان لهذه المعرفة أثر واضحٌ علی کیفیة عبادته و عمقها.[4]

کما نجد أن سعة وجود الإنسان لیست بالذی یمکنه أن یصل إلی الحد المطلوب من المعرفة الإلهیة و إلی درک حقائق هذا العالم بما یمتلکه من وسائل للمعرفة کالعقل و الفطرة و غیرها، و قد أشار الله سبحانه إلی هذه الحقیقة فی أماکن متفرقة من القرآن الکریم کقوله: "وَ رَبُّکَ أَعْلَمُ بِمَن فىِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیِّنَ عَلىَ‏ بَعْضٍ وَ ءَاتَیْنَا دَاوُدَ زَبُورًا".[5]

ولکن لما کان الباری تعالی حکیما و عادلا و یمتلک جمیع صفات الکمال من الجلال و الجمال، من المسستحیل علیه سبحانه أن یجعل کمال الإنسان مرتبطا بمقدار معرفته بالله و شدة عبادته له، من جهة، و فی نفس الوقت یجعل سعة معلوماته محدودة جداً، و لم یوفّر له شروط المعرفة العالیة الکاملة،و من هنا اقتضت الحکمة الالهیةأرسال الرسل و بیان التعالیم الالهیة المساعدة فی الکمال فی قالب الوحی علی صدور الأنبیاء و عرّفهم بأنهم رسلٌ إلیهیون مرسلون من قبله، و أعطاهم الحکمة و کل ما لا یعلمون، [6] حیث قال: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ وَ أَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْکِتَابَ وَ الْمِیزَانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنزَلْنَا الحْدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَ مَنَفِعُ لِلنَّاسِ وَ لِیَعْلَمَ اللَّهُ مَن یَنصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِیز".[7]

فالأنبیاء هم الحجج الإلهیون الذین أرسلهم الله تعالی و قد جاءوا بکل ما یحتاجه البشر فی طی مدارج الکمال و الوصول إلی قمة المعرفة. و بعد آخر الرسل ألا و هو النبی محمد (ص) یتوجة هذا السؤال و هو ما العمل من بعده؟ هل استغنت البشریة بعده عن التعالیم الدینیة و شرحها و بسطها؟ و هل اُغلقت طرق تلقی العلوم و المعرفة الواسعة بالنسبة لله تعالی؟ هنا یأتی دور بحث خلیفة النبی (ص). لکن من له الحق أن یکون خلیفة الأنبیاء؟ و من هو الذی ینتخبهم؟ هنا یأتی دور العقل الذی یحکم بأن أولا: أن یکون عندهم ما عند الأنبیاء من العلوم و المعارف. ثانیاً: یجب تنصیبهم من قبل الله تعالی لأن معرفتهم غیر ممکنة للبشر حتی یتحقق الهدف و الغرض الإلهی من الخلقة.

و من خلال مراجعة الکتب التأریخیة و الروائیة نفهم بشکل واضح أن بحث وصایة و خلافة النبی (ص) قد طرحت و بیّنها النبی (ص) فی زمان حیاته فی مناسبات مختلفة و کان یصرّح تارة و یکنی أخری حتی یُعلم الناس بأن کل ما یمکن أن تأخذون منی یمکن الحصول علیه بعدی عن طریق اتباع الائمة الاثنا عشر (ع).[8] و لا یمکن أن یروی ظمأ طلب العلم الحقیقی عندکم إلا هم لا غیر هم.[9] نصل الآن إلی هذه النتیجة و هی: أن الإنسان الذی لا نصیب له من العلم إلا الشیء القلیل و الذی لا یعلم ما یضره و ما ینفعه، یتعلّم باتصاله بهؤلاء المعلمین الإلهیین (الأنبیاء و خلفائهم بالحق) کل ما یحتاجه و لا یعلمه و لو لم یکن هذا اللطف الإلهی –لا سمح الله- و لو لم یکن لهؤلاء المرشدین الإلهیین وجود، سنبقی فی جهلنا المرکب و لا یمکننا الخروج من مستنقع الجهل و الضلال.

أخیراً تبیّن بهذه التوضیحات قول الإمام الصادق (ع): "إن الله عزّ و جل خلقنا فأحسن خلقنا و صوّرنا فأحسن صُوَرنا و جعلنا خزانة فی سمائه و أرضه و لنا نطقت الشجرة و بعبادتنا عبد الله و لو لا نا ما عبد الله".



[1]  الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص193، باب أن الأئمة (ع) ولاة أمر الله، ح6، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365؛ المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج25، ص4، باب بدو أرواحهم و أنوارهم و طینتهم، ح7، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ.ق.

[2]  الروم، 30."فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتىِ فَطَرَ النَّاسَ عَلَیهْا لَا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَالِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لَاکِنَّ أَکْثرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُون".

[3]  الذاریات، 56. "وَ مَا خَلَقْتُ الجْنَّ وَ الْانسَ إِلَّا لِیَعْبُدُون".

[4]  الکلینی، الکافی، ج1، ص180، باب معرفة الإمام، ح1، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365.

[5]  إسراء، 85.

[6]  النساء، 113. "وَ لَوْ لَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکَ وَ رَحْمَتُهُ لهَمَّت طَّائفَةٌ مِّنْهُمْ أَن یُضِلُّوکَ وَ مَا یُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَ مَا یَضرُّونَکَ مِن شىَ‏ْءٍ وَ أَنزَلَ اللَّهُ عَلَیْکَ الْکِتَابَ وَ الحْکْمَةَ وَ عَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُن تَعْلَمُ وَ کاَنَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْکَ عَظِیمًا".

[7]  الحدید، 25.

[8]  المجلسی، بحار الأنوار، ج36، ص299، باب نصوص الرسول (ص) علیهم (ع)، ح 133.

[9]  انظر: مصباح، محمد تقی، دروس فی العقائد، الدرس رقم 38.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...