بحث متقدم
الزيارة
8875
محدثة عن: 2010/12/07
خلاصة السؤال
ما هو نوع الولایة التی جعلت لعلی (ع) فی غدیر خم؟
السؤال
ما هو نوع الولایة التی جعلت لعلی (ع) فی غدیر خم؟ هل هو من نوع الولایة السیاسیة أو العرفانیة؟
الجواب الإجمالي

بما أن الروایات الواردة عن النبی الاکرم (ص) کما فی حدیث الغدیر و غیره قد نصبت الإمام علیاً علیه السلام ولیاً و خلیفة بنحو مطلق، من هنا یثبت له کل ما کان للنبی (ص) من ولایة سیاسیة، عرفانیة و....

الجواب التفصيلي

من المسلم فی الفکر الشیعی أن النبی الاکرم (ص) أعلن عن ولایة علی (ع) فی یوم الغدیر و قد أکد (ص) على هذه القضیة فی مناسبات کثیرة سبقت الغدیر و تلته[1]، کل ذلک یکشف عن أن لعلی کل ما للرسول (ص) من صلاحیات و امتیازات فی مجال إدارة المجتمع و الأخذ بیده الى الفلاح و الرقی، و لاریب أن من تلک الابعاد بعد الولایة السیاسیة.

اما اذا اردنا الإجابة عن السؤال إجابة تحلیلیة جذریة، هنا لابد من طرح هذا التساؤل: لماذا مع کل هذه التأکیدات و التوصیات الصادرة عن الرسول الأکرم (ص) على ولایة أمیر المؤمنین (ع) بلا فصل، مع هذا نجد الأمر قد خرج من ید علی (ع) لیقع تحت تصرف أناس آخرین؟ و کیف حدث ذلک الأمر الذی لا یمکن توجیهه و تعقله من قبل الاجیال اللاحقة؟

و نحن هنا لسنا بصدد بیان العلل و الاسباب التی أدت الى حدوث ذلک و انما نرید الاشارة الى نکتة مهمة تتعلق بالسؤال و هی: أن هذه التاکیدات و الاستغراب الجماهیری من اقصاء أمیر المؤمنین (ع) جعلت المؤلفین الموالین للاتجاه الآخر یسعون و بکل جهد الى عدم التعرض لفضائل أمیر المؤمنین و خصائصه، أو الاکتفاء بنقل بعض المقاطع من تلک النصوص. و تارة عندما یواجهون حدیثاً متواتراً لاریب فیه، هنا یقعون بین محذورین إما عدم نقله و هذا ما یعد ثلمة و خللا فی علمیتهم و انتقاصاً لشأنهم باعتبارهم علماء حدیث و رجال فقه؛ أو نقله و الاعتراف باحقیة علی (ع) و هذا محذور آخر لایمکنهم القبول به!! من هنا نراهم ینتخبون طریقاً آخر هو طریق التأویل بنحو ینسجم مع ما هم علیه من معتقد. و حدیث الغدیر نموذجا من تلک الاحادیث فبما انهم لم یستطیعوا التعتیم علیه لوروده فی الکتب المعتبرة عندهم.[2] و الذی یصرح بولایة علی (ع) بعد الرسول (ص) و هکذا غیره من الادلة المصرحة بذلک و التی فهمها الناس و استغربوا من سلب الخلافة عنه و لماذا هذا الاقصاء؟

هنا جاء دور التأویل لافراغ النصوص من محتواها الحقیقی فقالوا: إن المراد من الولایة هو الولایة العرفانیة و المحبة فاخرجوا منها الولایة السیاسیة!!

ولم یقتصر الأمر على حدیث الغدیر بل هنا کثیر من النصوص تم تأویلها، فقد أوّلوا حدیث المنزلة "انت منی بمنزلة هارون من موسى..." بان وزارته تنحصر فی حیاة النبی (ص) و بعد رحیل المصطفى (ص) انتهت تلک الوزارة و انقضى أمدها!!

من هنا نحاول الاستناد الى مصادر أهل السنة بصورة حیادیة من دون جعل عنصر الاعتقاد عاملا مؤثرا فی التفکیر نقول:

ان الملاحظ فی یوم الغدیر أن النبی الاکرم (ص) قام بالخطوات التالیة:

اولا: تقدم لهم بالسؤال:

أَتَعْلَمُونَ أَنِّی أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟

ولما اقروا بذلک و قَالُوا: نَعَمْ یَا رَسُولَ اللَّهِ.

حینئذ قال: مَنْ کُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ.[3]

و العجیب أن الخلیفة الثانی فهم هذا المعنى و توجه الى الامام علیه مهنئاً بقوله: بخ بخ لک یا علی أصبحت مولای ومولى کل مؤمن ومؤمنة.[4]

الحادثة الاخرى التی نقلها علماء أهل السنة و اکدوها، انه لما مضى رسول الله (ص) یسیر فی أصحابه ، حتى قدم تبوک. واستعمل على المدینة علیاً (ع).

وهذه هی الغزوة الوحیدة من الغزوات التی لم یشترک فیها علیُّ بن أبی طالب (ع) مع رسول الله (ص).

فأرجف المنافقون بعلی (ع) و قالوا : ما خلَّفه الا استثقالاً له! فلمَّا سمع علیٌّ (ع) ذلک أخذ سلاحه و لحق برسول الله (ص)، فأخبره ما قال المنافقون، فقال: « کذبوا ، و إنَّما خلفتک لما ورائی، أما ترضى أن تکون منِّی بمنزلة هارون من موسى ؟ الا أنَّه لا نبیَّ بعدی ».[5]

فلو سلمنا جدلاً بکون المراد من الولایة فی یوم الغدیر هی الولایة العرفانیة، فهل یصح حمل حدیث المنزلة علیها أیضاً؟ قطعا لایمکن بحال من الاحوال اخراج الولایة السیاسیة عن مدلول هذا الحدیث قطعاً.

و بعد التأمل فی مضامین تلک الاحادیث والوقائع یثار السؤالان التالیان:

1- هل سؤال النبی "من أولى بالمؤمنین من انفسهم؟" قائم على العلاقة العرفانیة فقط و لا یشمل الولایة السیاسیة لتنحصر ولایة أمیر المؤمنین بالولایة العرفانیة فقط؟!

2- لو کانت الاجابة عن السؤال الاول بالنفی و قلنا بشمولیة و عمومیة الولایة لجمیع الشؤون فقد تم المطلوب، و إن أصر البعض على کون المراد هو الولایة العرفانیة، هنا یثار السؤال التالی: اذا کان هناک شخص له الولایة العرفانیة و الشجاعة فی الحروب و أنه خلیفته و انه منه (ص) بمنزلة هارون من موسى، و ارسله ممثلا عنه لحل ما حدث فی الیمن من مشاکل، هذا من جهة، و من جهة أخرى أن الطرف المقابل –علماء أهل السنة- یعتقدون أن النبی الاکرم (ص) لم یستخلف و إنما ترک الأمر الى الأمة، فلا یعد القول بولایة علی منافیاً لأمر رسول الله (ص)!! فاذا وجدنا هذا العارف قد امتنع عن بیعة الخلیفة الاول مدة ستة اشهر[6].

أ لیس من المناسب أن نتبع هذا الرجل العارف المدبر فی موقفه هذا؟ و أ لیس التمرد على رأیه یعد مخالفاُ لما أمر به النبی الاکرم (ص)؟ و اذا لم نطع هذا العارف فی مثل هکذا مسالة مهمة فماذا تعنی الولایة العرفانیة اذن؟!

اتضح من خلال ذلک أن الولایة المعلنة فی یوم الغدیر هی ولایة عامة و أن ما ذهبوا الیه من توجیه الولایة بأنها ولایةعرفانیة لا یعد مبرراً لاقصائه (ع) عن منصب الخلافة، مع اعتقادنا الجازم بان له علیه السلام ولایة عرفانیة بالاضافة الى الولایة السیاسیة کما کان الامر بالنسبة الى الرسول (ص) و أن التفکیک بین الولایتین لا معنى له، بل لم یتعرض أحد من العلماء للتفکیک بینهما بالنسبة الى الرسول (ص)؛ من هنا من توفرت فیه جمیع خصوصیات النبی (ص) هو الاحق بخلافته مطلقا سیاسیة کانت أم عرفانیة. و أن إقصاءه و منحها لشخص غیره یعد من عجائب الأمور.


[1] کما حدث فی یوم الدار، یوم المباهلة، و فی تبوک، وعندما اعترض بعضهم على قیادته فی الیمن و....

[2]  انظر على سبیل المثال: احمد بن حنبل ، المسند، ج 1، ص 119-118، دار صادر، بیروت، ابن ماجة القزوینی، السنن، ج1، صص 45-43 ، دار الفکر، بیروت و صحیح الترمذی ، 1403 ه ق، ج 5، ص 297، دار الفکر، بیروت و .... . و انظر موسوعة الغدیر للعلامة الامینی التی جمع فیها طرق الحدیث و اسانیده من الکتب المعتبرة عند اهل السنة.

[3] احمد بن حنبل، مسند، ج 4، ص 281، دار صادر، بیروت.

[4] مستدرک الصحیحین للحاکم 3 / 109؛ تذکرة الخواص / 35 - نقلها باختصار - ؛ مناقب ابن المغازلی / 16 - 26 ، الإرشاد، للمفید / 91 ، مجمع البیان 3 / 223.

[5] الکامل فی التاریخ 2 : 150، و انظر الاصابة فی تمییز الصحابة 2 : 507 ترجمة الامام علی، و سیر أعلام النبلاء (سیرة الخلفاء الراشدین ): 229، و أخرجه الترمذی 2999 و3724  قال: صحیح غریب. و انظر طرق الحدیث عن الصحابة فی تاریخ ابن عساکر ـ ترجمة الإمام علی 1 : 306 ـ 390. وانظر: البخاری، الصحیح ، 1401 ه ق، ج 5، ص 129، دار الفکر، بیروت.

[6] انظر: البخاری ، الصحیح، ج 5 ، صص 82 و 83 .

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...