Please Wait
6478
فی مقام الاجابة عن السؤال لابد من الالتفات الى مسالتین:
الاولى: للمدد الالهی شروط خاصة، فاذا لم تتحقق تلک الشروط لم یحصل. فعلى سبیل المثال کانت الشروط متوفرة فی معرکة بدر فلذلک نزل المدد الالهی و الدعم الربانی على المسلمین کما صرح بذلک القرآن الکریم، لکن الأمر کان على العکس من ذلک فی معرکة أحد.
الثانیة: لا تنحصر فلسفة الغیبة بالخشیة على حیاة الامام (عج) من الخطر؛ بل هناک عوامل و حکم أخرى من قبیل تمحیص المؤمنین و اختبار البشر. و إن کنا نحن معاشر الشیعة نعتقد بان الفلسفة الاساسیة لغیبة الامام سر من الاسرار الالهیة لا یعلم الا بعد ظهورة (عج).
من الحکم التی ذکرها علماء الشیعة لغیبة الامام (عج) الخشیة على حیاته الشریفة، و لعل ذلک هو الذی دعا الى إثارة السؤال المذکور، إذ کیف یجمع بین الخشیة على حیاته الشریفة و بین القول بان الملائکة انصاره و اعوانه؟ و بعبارة أخرى: اذا کانت المدد الالهی لحفظ حیاة الامام موجوداً فما وجه الحاجة لغیبته؟
من هنا یکون السؤال ذا صلة بعلة الغیبة و حکمتها؛ و على هذا الاساس لابد من الاشارة الى مسالتین:
الاولى: ما هی شروط تحقق المدد الالهی؟
الثانیة: ماهی العلة الاساسیة للغیبة؟ وهل ینحصر ذلک بالخشیة على حیاة الامام؟
1- المدد الالهی نظام ممنهج
بقطع النظر عن صحة أو سقم الروایة التی وردت فی متن الحدیث، لابد من الالتفات الى قضیة مهمة و هی: المستفاد من الروایات أن ظهور الامام (عج) لایعتمد على الاعجاز و الامکانات غیر الطبیعیة الکثیرة فقط، و اما بالنسبة الى المدد الالهی فقد ورد فی الروایات: " اذا ظهر القائم کانت طائفة من الملائکة نصیراً له و لأصحابه"[1].
و الجدیر بالذکر أن المدد الالهی الغیبی تابع لنظام و منهج خاص، فقد ورد فی الآیتین 123- 124 من سورة آل عمران ما یشیر الى المدد الالهی فی معرکة بدر: " وَ لَقَدْ نَصَرَکُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنینَ أَ لَنْ یَکْفِیَکُمْ أَنْ یُمِدَّکُمْ رَبُّکُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِکَةِ مُنْزَلین"[2] و الملاحظ أن الآیة اللاحقة لهاتین الآیتین تشیر الى أن المدد الالهی مشروط بالصبر و التقوى.
ویمکن اقتناص تلک الشروط من خلال آیات الذکر الحکیم منها قوله تعالى " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ یَنْصُرْکُمْ وَ یُثَبِّتْ أَقْدامَکُم"[3] و.... فیستفاد من تلک الآیات أن المدد الالهی لم یکن حالة عشوائیة و غیر منضبطة بنظام خاص. فالمدد الالهی و انزال الملائکة فی معرکة بدر و انعدامه فی معرکة أحد یکشف عن کونه مشروطاً بشروط خاصة. فهل یستطیع أحد القول اذا کانت الملائکة مدداً و عوناً للمؤمنین فلماذا انهزموا فی معرکة أحد؟! فمن المسلّم به أن المؤمنین فی معرکة أحد لم یکونوا فی حالة مثلى مما سبب فی انعدام النصر الالهی و المدد الغیبی عنهم.
و الامر بالنسبة الى الامام المهدی (عج) لایختلف من هذه الناحیة عن المؤمنین فی عصر البعثة. فمن المسلم أن هذا المدد انما یتحقق اذا توفرت الشروط اللازمة لنزوله و من تلک الشروط وجود انصار مخلصین کانصار النبی الاکرم (ص) فی معرکة بدر.
فقد ورد فی الروایة انه لو کان لدى المعصوم انصار بعدد أهل بدر لوجب علیه القیام. وقد وجه الشیخ المفید الروایة بقوله انهم بالعدد والکیفیة التی علیها أهل بدر من الایمان والاخلاص "[4].
وعلیه فاذا توفر بعدد أهل بدر وبنفس الاخلاص یجب على الامام حینئذ الظهور.(طبعاً مع توفر سائر الشروط والظروف التی سنتحدث عنها فی القسم الثانی) وحینئذ سوف تنزل الملائکة للعون و لنصرة المؤمنین وسیشملهم النصر الالهی.
2- الخشیة على حیاة الامام، من الحکم الالهیة التی ذکرها علماء الشیعیة هی الخوف على حیاة الامام و قالوا إن غیبة الامام شأنها شأن اختفاء النبی (فی الغار تارة وفی شعب ابی طالب تارة اخرى) خوفا على نفسه کذلک غیبة الامام [5].
الجدیر بالذکر أن حکمة غیبة الامام لا تنحصر فلسفة الغیبة بالخشیة على حیاة الامام (عج) من الخطر؛ بل هناک عوامل وحکم اخرى من قبیل:1- تمحیص المؤمنین واختبار البشر؛2- حتى لا تکون فی عنقه بیعة (عج) لظالم.[6]
أضف الى ذلک إنا معاشر الشیعة نعتقد أن الفلسفة الاساسیة لغیبة الامام سر من الاسرار الالهیة لم تبیّن بعد للامة وانها لاتعلم الا بعد ظهورة (عج).[7] روی عن الامام الصادق (ع) انه قال: "إِنَّ لصاحب هذا الأَمر غیبة لا بُدَّ منها یرتابُ فیها کلُّ مبطلٍ. فقال الروای: و لم جعلت فدَاکَ؟ قال: لأَمْر لَمْ یُؤْذَنْ لنا فی کشفه لکمْ. فقال: فما وجهُ الحکمةِ فی غیبته؟ فقال: وجه الحکمة فی غیبته وجه الحکمة فی غَیْبَاتِ منْ تقدَّمَهُ منْ حججِ اللَّهِ تعالى ذکره، إِنَّ وجه الحکمة فی ذلک لا ینکشِفُ إِلا بعدَ ظهوره کما لا ینکشفُ وجهُ الحکمةِ لمَّا أَتاهُ الخضرُ (ع) مِنْ خَرْق السَّفِینةِ و قتل الغلام و إِقامَةِ الجدار، لموسى (ع) إِلا وقت افتراقهما. ثم قال الامام: یا ابن الفضل إِنَّ هذا الأَمرَ أَمْرٌ من أَمْر اللَّهِ، و سِرٌّ منَ اللَّهِ و غیْبٌ مِنْ غیْبِ اللَّه".[8]
من هنا یمکن الوصول الى النتیجة التالیة: أولا: إن المدد الالهی تابع لنظام خاص و مشروط بشروط خاصة؛ و ثانیاً: إن علة غیبة الامام لا تنحصر فی الخشیة على حیاته حتى یقال بانه لا معنى للغیبة مع وجود الملائکة المناصرین له والمدافعین عنه.[9]
لمزید الاطلاع انظر:
1- الادلة العقلیة على حیاة الامام (عج)، سؤال رقم2420 (الرقم فی الموقع،2940).
2- فلسفة طول عمر الامام (عج)، سؤال رقم،209( الرقم فی الموقع:1405).
3- المدد الغیبی وحفظ حیاة الامام (عج)، السؤال رقم1426 ( الرقم فی الموقع:1437).
4- الفائدة من وجود الامام (عج) فی عصر الغیبة، رقم السؤال654، ( الرقم فی الموقع:705).
[1] انظر: العلامة المجلسی، بحار الانوار، ج 52، ص 328 و 361 و 387.
[2] آل عمران،123-124.
[3] محمد،7.
[4] الشیخ المفید، الرسالة الثالثة فی الغیبة، علاء آل جعفر، ص 12، الطبعة الاولی، المؤتمر العالمی لالفیة الشیخ المفید.
[5] الشیخ الطوسی، الغیبة، تقدیم آقابزرگ الطهرانی، ص 61، مکتبة الصادق فی النجف الاشرف.
[6] الامینی، ابراهیم، دادگستر جهان، ص 147، الطبعة العاشرة، انتشارات شفق.
[7] المصدر، ص146.
[8] العلامة المجلسی، بحار الانوار، ج 52، ص 91، دار احیاء التراث العربی، بیروت.
[9] لمزید الاطلاع على فلسفة غیبة الامام (عج) انظر: کتاب با گام های سبز انتظار، انتشارات خانه خرد.