Please Wait
7826
التعلّم تارة یکون من أجل العمل و أداء التکلیف و اخری من أجل تعلیم الآخرین.
و القسم الأول ینقسم بتقسیم عام الی قسمین:
الأول ما یرتبط بالأحکام المتعلّقة بجمیع المسلمین و لا تختص بشغل خاص أو حرفة أو سن و جنسیة معیّنة، بل ترتبط فی الوهلة الاولی بجمیع المکلّفین، مثل أحکام الصلاة و الصوم و الخمس و ... و الثانی ما یرتبط بصنف خاص من المجتمع، و لهذا یجب علی ذلک الصنف فقط أن یتعلّمها و لا یجب علی الآخرین، مثل التجّار الذین یجب علیهم تعلّم أحکام تجارتهم من قبیل أنواع المعاملات و المعاملات الصحیحة و الباطلة و أنواع الخیارات و حق الفسخ و ...، و کالمزارعین الذین یجب علیهم ان یتعلّموا أحکام المزارعة و المساقاة و ... و من هنا نری العلماء یفتون استناداً الی الآیات و الروایات: یجب علی المکلّف تعلّم المسائل التی یحتاج الیها غالباً.
و اما القسم الثانی (التعلّم من أجل تعلیم الآخرین لا لعمل المکلّف نفسه فقط) فنقول: حیث إن أصل الدین و التدیّن و الاعتقاد بالمعنویة واجب علی الناس، فیجب ان یتخصّص بعض الناس للمعرفة الدقیقة و الصحیحة للدین لکی لا ینفصل الدین عن مسیره الحقیقی، و لا یتعرّض للانحرافات و الخرافات و هذا لوحده یدلّ علی أهمیة تعلّم العلوم الدینیة.
لقد طرح هذا السؤال بشکل مختصر و مبهم الی حدٍ ما، و لا یعرف بالدقة انکم عن أی جنبة من تعلّم العلوم الدینیة تسألون.
و علی هذا الأساس نذکر الموارد التی یمکن أن یکون سؤالکم ناظراً الیها ثم نتعرّض لبحثها بنفس هذا الترتیب:
1. ما المراد بالعلوم الدینیة و لماذا یجب تعلّمها؟
2. ما هو مقدار أهمیة هذه العلوم و ما هو عدد الأفراد الذین یجب ان یتوجّهوا لدراسة هذه العلوم و فی أی مستوی؟
و اما الإجابة عن هذه الأسئلة:
1. علم الدین هو العلم الذی یؤدّی الی التعرّف علی الدین بشکل أفضل و أدق.
و قد تکون بعض أقسام هذا العلم مرتبطة مباشرة بالمواضیع الدینیة و تنحصر فی مجال الدین مثل علم التفسیر الذی یرتبط بالقرآن مباشرة و هو الکتاب الذی یعتبر أهم مصدر للتعرّف علی الدین الإسلامی. و یمکن إدراج علوم اخری مثل علم الفقة و الکلام أیضاً فی هذا القسم.
و القسم الآخر و هو الذی یدرس باعتباره مقدّمات العلم الدینی، و رغم انه لا یرتبط مباشرة بالمصادر الدینیة لکننا نحتاج الیه من أجل فهم أفضل للمصادر الدینیة؛ مثل الفروع المختلفة للآداب العربیة، و رغم انه لا تنحصر فائدة تعلّم مثل هذه العلوم بمعرفة الدین و لکن علی أی حال فحیث إن لغة دیننا الرسمیة هی العربیة فکل من ینوی البحث و التحقیق عن الدین الإسلامی لا یکون مستغنیاً عن تعلم مثل هذا القسم من باب المقدمة.
و قد یمکن ان تدرس علوم اخری تبدو فی الظاهر غیر مرتبطة أیضاً و تجعل فی خدمة العلوم الدینیة فی ظروف متنوّعة (کتعلم اللغات الأجنبیة و علم الکامبیوتر و تبلیغ الدین) و اما لماذا یجب أن نتعلم العلوم الدینیة؟! ان التعرّض للإجابة عن هذا السؤال إنما یکون منطقیّاً فیما إذا اعتبرنا ان أصل الحاجة إلی الدین من قبل الفرد و المجتمع أمراً مسلّماً، ثم حصل ابهام فی تعلّم العلوم الدینیة. و بعبارة اخری ان الحاجة الی العلوم الدینیة فرع الحاجة الی الدین. فإذا اعتقد شخص خطأً، ان البشر لا یحتاج الی الدین فان الحوار معه حول العلوم الدینیة سیکون بلافائدة أصلاً، بل یجب أوّلاً ان تذکر لمثل هذا الشخص أدلة حاجة البشر الی الدین.
و اما ان اعتبر الشخص التدیّن أمراً ضروریاً و لکنه ابتلی بالتردّد فی أهمیة تعلم العلوم الدینیة فنحن نسأله: إذا أردنا أن نکون متدیّنین فما هو طریق التدیّن؟ کیف یمکننا التعرّف علی الدین و ازالة الإبهامات حول الجوانب المختلفة للدین و الحصول علی اجابات لأسئلتنا؟ فهل یوجد فی هذا المجال سوی الطرق الثلاثة الآتیة:
الف: ان نکون نحن بأنفسنا مرتبطین بعالم الغیب مثل الأنبیاء و الأئمة(ع) و نحصل علی أجوبة أسئلتنا من الله مباشرة، أو ان نجعل هؤلاء – بعد إثبات رسالتهم و امامتهم بالمعجزات و البیّنات- هداةً لنا، و نلتزم بکل ما یأمرون به.
ب: أو ان نعتبر رأینا الشخصی هو الصحیح فی کل الموارد من دون أن یکون لنا أیة سابقة فی المطالعة و تحصیل علم الدین. أو أن نطرح اسئلتنا علی أول من نراه ظاهر التدین من دون أن نعرف مستواه العلمی، و نعمل برأیه و قوله الذی لا یعلم انه علی أی اسلوب و فی أی اطار.
ج: و بالتالی فاما أن نقوم بتعلم علم الدین بأنفسنا و نتمکّن عن طریق تعلم طرق معرفة الدین من الوصول الی أجوبة أسئلتنا، أو أن نطلب من أشخاص سلکوا هذا المسیر أن یرفعوا ابهاماتنا.
و لن یکون هناک طریق رابع![1]
و نتعرّض الآن الی تحلیل الموارد المتقدمة:
الف: یمکن أن یکون المورد الأول هو أدقّ الطرق، و لکن بعد ختم النبوّة و غیبة آخر إمام(ع) لا یوجد مثل هذا الإمکان بالنسبة لنا. ثم اننا نعلم انه حتی فی زمن حیاة مثل هؤلاء المعصومین، فإنه لم یمکنهم الاتصال بجمیع أتباعهم بسبب عدم توفّر وسائل الاتصال المتطورة، فکان قسم کبیر من تبلیغ الدین یتم من قبل أشخاص قد تعلّموا عند هؤلاء المعصومین. و ربما یوجد فی عصرنا الحالی بعض الأشخاص یدّعون الارتباط المباشر بالله و بالمعصومین و لکن لا یمکن قبول مثل هذا الادّعاء بسبب فقدان المستندات الکافیة و اللازمة، و خصوصاً إذا لم یکن لهم المعرفة الدینیة اللازمة فیتخذون من مثل هذا الادّعاء طریقاً لجذب المریدین و تحقیق أهدافهم الدنیویة!
ب: أن أی انسان منصف إذا لاحظ الطریق الثانی فإنه یستنتج أن العمل بمثل هذا الطریق سوف لا یؤدّی الّا الی الفوضی الدینیة، و انه سوف لن یبق دین واحد أساساً بل سیکون لکل فرد دین منعزل و مختلف عن دین الآخرین، و سوف تنتشر الانحرافات الدینیة و الخرافات أیضاً فی المجتمع، و بطلان مثل هذا الطریق واضح و جلی الی درجة بحیث لا یحتاج الی مزید استدلال.
ج: و بعد ملاحظة ان طریق الأول لیس ممکناً، و الطریق الثانی أیضاً یؤدی الی هدم أساس الدین، فانه یبقی طریق واحد للحصول علی المفاهیم و المسائل الدینیة و هو انه بملاحظة المصادر الموجودة مثل القرآن و الحدیث، فنحن نتعلّم أسالیب الفهم و الاستنباط الصحیح منها بالاستفادة من تجارب العلماء الماضین و بهذا الطریق نحافظ علی دیننا و نوصله الی الأجیال اللاحقة، و لیس هناک طریق رابع.
و بالالتفات الی الدور المهم الذی یقوم به التعلّم المسائل الدینیة و نقلها الی الآخرین فی الحفاظ علی الدین، فان القرآن الکریم أوصی المؤمنین حتی فی زمان الحرب و الجهاد أیضاً بأن یبقی عدد من الأفراد فی المدینة من أجل تعلم العلوم الدینیة لکی یعلّموا أخوانهم المجاهدین بعد رجوعهم[2]. و رغم انه لا یمکن أن یستفاد من هذه الآیة إعفاء طلبة العلوم الدینیة من الجهاد، بل هی و بحسب قول الإمام الباقر(ع) ناظرة فقط الی التناوب فی الذهاب الی الجبهات، و فی زمن کفایة القوة الجهادیة[3] و لکن جعل الجهاد و تعلم العلوم الدینیة فی مستوی واحد کافٍ بنفسه لبیان أهمیة هذه العلوم و لا یحتاج الی دلیل آخر.
2. ان التعلّم إما أم یکون من أجل العمل و أداء التکلیف من قبل المتعلّم نفسه، أو هو من أجل تعلیم الآخرین. و التعلم من أجل العمل ینقسم بشکل عام الی قسمین:
الأول: تعلم الأحکام الشاملة لجمیع المسلمین و لا تختص بشغل و حرفة أو سن أو جنسیة خاصة بل ترتبط فی الوهلة الاولی بجمیع المکلفین مثل أحکام الصلاة و الصوم و الخمس و ... .[4]
و الثانی ما یرتبط بصنف خاص من المجتمع، و لذا یجب علی ذلک الصنف فقط أن یتعلّمها و لا یجب علی الآخرین، مثل التجّار الذین یجب علیهم تعلّم أحکام تجارتهم من قبیل أنواع المعاملات و المعاملات الصحیحة و الباطلة و أنواع الخیارات و حق الفسخ و ...، و المزارعین الذین یجب علیهم ان یتعلّموا أحکام المزارعة و المساقاة و ... و من هنا نری علماءنا یفتون استناداً الی الآیات و الروایات انه یجب علی المکلف تعلم المسائل التی یحتاج الیها غالباً.[5]
و اما التعلم من أجل تعلیم الآخرین فینبغی أن یقال أولاً: ان التعلم العلوم الدینیة لیس انحصاریاً فنحن لا نحصر التحقیق و البحث الدینی بطلاب الحوزات العلمیة، بل یجب کفائیا علی جمیع المتدیّنین - و بمقدار امکانیتهم و ظرفیتهم و من دون أن یترکوا أعمالهم- أن یتعلموا المسائل المتعلقة بالدین.[6]
و من البدیهی فإن نوع التعلم و مستوی تخصص هؤلاء الأشخاص یتوقّف علی مقدار الزمان و السعی الذی یبذلونه فی هذا المجال اضافة الی قابلیتهم و لیاقتهم الذاتیة. و یمکنکم فی هذا المجال مراجعة السؤال 2868 فی نفس هذا الموقع و لکن و بملاحظة سعة العلوم الدینیة و التی یتطلّب تعلمها وقتاً طویلاً، فیجب علی بعض الأفراد أن یخصّصوا وقتاً کافیاً فی هذا المجال و التفرغ لذلک العمل فقط، و اما عدد هؤلاء الأفراد و الفروع الدینیة التی یجب أن یتخصصوا فیها فهو یتوقف علی مقدار حاجة المجتمع فیما یرتبط بالمسائل الدینیة.
ثانیاً: حیث إن أصل الدین و التدیّن و الاعتقاد بالمعنویة هو أمر ضروری للناس، فإنه یجب أن یتخصصّ أفراد فی المعرفة الصحیحة و الدقیقة للدین لکی لا ینفصل الدین عن مسیره الحقیقی و لا یتعرّض للانحرافات و الخرافات و هذا لوحده یدل علی أهمیة تعلم العلوم الدینیة.
و فی الختام لا یخلوا التذکیر بهذه الملاحظة من فائدة و هی ان الانتقاد و التساؤل حول الأسالیب و أنواع العلوم التی تدرس فی هذا المجال لیس أمراً ممنوعاً، و کمثال علی ذلک یمکنکم أن تطرحوا مثلاً هذا السؤال و هو ان العلم الکذائی هل یعد من العلوم الدینیة و هل ان فی تدریسه و تعلمه فائدة أم لا؟ أو انه لماذا یقع الترکیز علی بعض الفروع المرتبطة بالعلوم الدینیة و الحال ان حاجة المجتمع الی بعض الفروع الدینیة الاخری أکثر! أو هل یجب أن یکون اسلوب التبلیغ الدینی منحصراً بالطرق السابقة أو انه یجب تجربة أسالیب جدیدة أیضاً؟ فمثل هذه الانتقادات قد طرحت من قبل نفس علماء الدین أیضاً، و الکثیر منهم یعتبر من المبتکرین لأسالیب جدیدة فی التعلیم و التبلیغ الدینی.
و لکن ینبغی الالتفات الی أمر مهم أیضاً و هو ان انتقاد أی شیء یجب أن یکون مقروناً باقتراح عملی أو باسلوب أفضل، و الّا نکون قد أضعفنا بانتقاداتنا المؤسسات القدیمة فی الوقت الذی لم نضع مکانها مؤسسة جدیدة أکثر فاعلیة فلا یمکن اعتبار مثل هذا الانتقاد بنّاءً.
[1] یقول أمیر المؤمنین علی(ع) مخاطباً کمیل:"الناس ثلاثة: عالم ربّانی و متعلّم علی سبیل نجاة و همج رعاع ینعقون مع کل ناعق"، نهج البلاغة، ص 495 - 496، الکلمات القصار، الرقم 147، منشورات دار الهجرة، قم.
[2] التوبة، 122.
[3] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 19، ص 157، مؤسسة الوفاء، بیروت 1404 هـ.ق (کان هذا حین کثر الناس ... و إن یکون الغزو...)
[4] و بالطبع فتوجد بعض الأحکام فی هذا القسم مختصة بجنس خاص مثل الحیض و النفاس.
[5] توضیح المسائل المحشی للإمام الخمینی، ج1، ص 24، مسألة 11.
[6] لا لأجل عمل أنفسهم فقط بل من أجل تعلیم الآخرین.