بحث متقدم
الزيارة
5957
محدثة عن: 2010/01/31
خلاصة السؤال
هل أن الله قد جعل لکل نبی شیطاناً یکون مأموراً من قبل الله بالوسوسة؟
السؤال
هل أن الله قد جعل لکل نبی شیطاناً یکون مأموراً من قبل الله بالوسوسة؟ و فی هذه الحالة، هل ذلک الشیطان مأمور معذور؟
الجواب الإجمالي

علی أساس آیات القرآن الکریم الواردة فی شرح نظام الخلقة و تقابل الخیر و الشرّ فیه، فإن شیاطین الانس و الجن قد اجیزوا بممارسة المکر و الحیلة مع الناس و العداوة مع أولیاء الله و لکن لا یصح أبداً اعتبار هذا الإذن التکوینی تکلیفاً من قبل الله تعالی بحیث یجب علی الشیاطین تنفیذه و یکونون معذورین فی القیام به.

الجواب التفصيلي

یمکن أن یکون هذا التساؤل ناشئاً من الفهم الخاطئ للآیة 52 من سورة الحج أو الآیة 112 من سورة الأنعام و التی تخاطب النبی الأکرم(ص) بقولها: "و ما أرسلنا قبلک من رسول و لا نبی الّا إذا تمنّی ألقی الشیطان فی امنیته"[1] أو "و کذلک جعلنا لکل نبی عدواً شیاطین الانس و الجن یوحی بعضهم الی بعض زخرف القول غرورا ...".[2]

و الآیة الاولی و بغضّ النظر عن کیفیة تفسیرها [3] ناظرة الی عمل الشیطان نفسه و لیس فیه ما یدلّ علی التکلیف الإلهی، و لکن قد یفهم من کلمة "جعلنا" فی الآیة الثانیة إنه حیث إن الله تعالی یقول نحن جعلنا الشیاطین أعداء للأنبیاء، فبناء علی هذا یکون هؤلاء مکلّفین بتنفیذ حکم الله فهم لذلک معذورون. و للإجابة عن هذه الشبهة یجب أن نعلم أن إبداء الرأی حول نص قرآنی إنما یکون ممکناً فقط بعد التعرّف علی الاصول العامة المذکورة فی القرآن و دراسة کیفیة استعمال المفردات و الکلمات و الکنایات و الاستعارات فی هذا الکتاب السماوی، و بعد الاستعانة بالآیات المشابهة الاخری أیضاً، و علی هذا الأساس، و قبل استخراج النتیجة النهائیّة، فإننا نقوم بإلقاء نظرة علی الآیات التالیة التی یمکنها أن ترتبط بنحو ما بالسؤال المذکور:

1. "إنّا جعلنا الشیاطین أولیاء للذین لا یؤمنون". [4]

2. "و جعلنا قلوبهم قاسیة یحرّفون الکلم عن مواضعه".[5]

3. "لکلٍ جعلنا منکم شرعة و منهاجاً و لو شاء الله لجعلکم امة واحدة".[6]

4. "و جعلنا علی قلوبهم أکنّة أن یفقهوه و فی آذانهم وقراً".[7]

5. "و کذلک جعلنا فی کل قریة أکابر مجرمیها لیمکروا فیها".[8]

و بالتأمل فی الآیات الخمسة المتقدمة تلاحظون أنه قد استعمل فی جمیعها کلمة "جعلنا" فإذا قبلنا الاستنباط المذکور فی السؤال لوجب أن یکون "الذین لا یؤمنون" فی ولایتهم للشیاطین، و بنی إسرائیل فی تحریف کلام الله، و مجامیع الناس فی التفرّق فی الطرق و المناهج المختلفة و المتناقضة، و فی عدم فهم کلام الله، و اخیراً أکابر المجرمین فی کل منطقة فی مکرهم و خداعهم ... کل هؤلاء یکونون ملکّفین و مأمورین من قبل الله و معذورین فلا ینبغی لأی من أفراد هذه المجامیع المذکورة أن یواجه عقوبة علی أعماله القبیحة!

و لکن هل هذا صحیح؛ فهل یرید القرآن باستعماله لکلمة "جعلنا" أن یبیّن معذوریة هؤلاء و أن یشیع التفکّر الجبری؟! بالتأکید لیس الأمر هکذا فالله لا یرید بهذه الآیات أن ینفی اختیار الناس و الشیاطین أیضاً و ینسب عمل هؤلاء و سلوکهم الی نفسه، بل فی صدد تبیین الحیاة الدنیا و تقابل الخیر و الشر فیها، و مراد الله من الآیات التی اشیر إلیها هو أننا خلقنا الحیاة الدنیا علی هیئة بحیث إن الإنسان أو أی موجود مختار آخر، إذا وضع نفسه فی مسیر إطاعة الله فإنه سیکون فی موضع آمن.[9]

و أن حبّ الله سیدعوه الی اتّباع رسله و أنبیائه[10] و ... و لکن هذا الشخص نفسه إذا صار فی مسیر مخالفة الله و اتباع هوی النفس فإنه سیتحول الی شیطان تکون مهمّته الاولی فی حیاته مواجهة أنبیاء الله و معاداتهم، کما ذکرت الآیة الکریمة التی یحتمل کثیراً إنها کانت السبب فی هذا السؤال، و بالطبع فکما أن طاعة و انقیاد الفریق الأول لم تکن سبب الاجبار و الإکراه فکذلک الشیطنة و التمرّد للفریق الثانی ناشئة من أهوائهم النفسانیة، و من البدیهی أن لا یکون أی من الفریقین قادراً علی القیام بأی عمل من دون إذن الله، و إن کل فعل یقع فی عالم الوجود یمکن إستناده الی الله بهذا اللحاظ،[11] و سواء کان عملاً حسناً أو قبیحاً!

 ذلک إنه لا یمکن لأی نبی أن یأتی بآیة و معجزة من ودن إذنه،[12] و لا یمکن لأی شخص أن یؤمن من دون إذنه[13] و لا یمکن لأی شیطان أن یقوم بالاضرار بشخص عن طریق مکره و حیلته الّا بإذنه.[14]

و النتیجة النهائیة هی أن الشیاطین مأذونون تکویناً من قبل الله أن یقوموا بالمکر و الحیلة و أن یکونوا أعداء للأنبیاء[15] لأنه و کما ذکر فی موضع آخر من القرآن أیضاً فإن الشیطان الکبیر أو إبلیس[16] بعد تمرّده علی الأمر الإلهی بالسجود لآدم خاطب الله بقوله: "لئن اخّرتن الی یوم القیامة لأحتنکنّ ذرّیّتة الاّ قلیلاً" فقال الله تعالی له: "اذهب فمن تبعک منهم " و "و استفزز من استطعت منهم بِصَوْتِکَ وَ أَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بخیلک و رجلک ..."[17]

و واضح أن الموارد التی ذکرت فی هذه الآیات بصیغة فعل الأمر لا تعنی أمر الشیطان و تکلیفه بل هی بمعنی الإذن التکوینی کما أن الناس أیضاً مأذونون تکویناً فی اختیار طریق الخیر و الشرّ،[18] و لکنا نعلم أن الأمر التشریعی الإلهی قد تعلّق باختیار طریق الخیر فقط.[19]

أما لماذا أعطی الله مثل هذا الإذن للشیطان، فهذا بحث آخر یمکن الحصول علی جواب جزء منه فی السؤال 233 (الموقع 1752).



[1] الحج، 52.

[2] الانعام، 12.

[3] ذکر بعض مفسری أهل السنة تفسیراً خاطئاً لهذه الآیة، و کتاب الآیات الشیطانیة لسلمان رشدی المرتد أیضاً مأخوذ من ذلک التفسیر الخاطیء و لکن الأئمة المعصومین(ع) للشیعة و کذلک مفسروا هذه المدرسة عارضوا هذا التفسیر منذ البدایة.

[4] الاعراف، 27.

[5] المائدة، 13.

[6] المائدة، 48.

[7] الانعام، 25.

[8] الانعام، 123.

[9] الدخان، 51، "إن المتّقین فی مقام امین".

[10] آل عمران، 31، "قل إن کنتم تحبون الله فاتبعونی یحببکم الله".

[11] النساء، 78، "قل کل من عند الله".

[12] غافر، 78، "و ما کان لرسول أن یأتی بآیة الا بإذن الله".

[13] یونس، 100، "و ما کان لنفس أن تؤمن الا بإذن الله".

[14] المجادلة، 10، "و لیس بضارهم شیئاً الا بإذن الله".

[15] لاحظ: ابن شهرآشوب المازندرانی، متشابه القرآن، ج1، ص 168-169، منشورات بیدار، 328 ش.

[16] و حول اختلاف ابلیس عن باقی الشیاطین یمکنکم ملاحظة السؤال 1601 (الموقع 1739).

[17] الاسراء، 62-65.

[18] الدهر، 3، "إنّا هدیناه السبیل إما شاکراً و إما کفورا"؛ التغابن، 2 و ... .

[19] الزمر، 55، "و اتبعوا احسن ما انزل الیکم من ربکم" و ... .

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...