Please Wait
6388
إن واقعة عاشوراء و تاریخ کربلاء لها جنبتان: جنبة بیضاء ناصعة و نورانیة تمثل الجانب الملحمی البطولی و الذی یکون مدعاة للإفتخار، و جنبة سوداء قاتمة، تتمثل بالجرائم التی لم یکن لها نظیر او قلّ نظیرها فی تاریخ البشریة، و لذلک یجب علینا ان لا نتصور ان الحوادث و المصائب التی حصلت فی فاجعة کربلاء لیست واقعیة أو غیر ممکنة.
إن الأمور التی یضیفها القرّاء الى قصائدهم تکون على نوعین: القسم الأول: هو ما یطلق علیها إصطلاحاً عند القرّاء بـ (لسان الحال) و المقصود فیه هو التشبیه و التمثیل المتناسب مع بیان الوقائع و المصائب التی لها سند معتبر، و هذا النوع من الإضافات لا إشکال فیه إذا کان لا یتنافى مع شأن و منزلة الأئمة الاطهار و عظماء الدین، أما القسم الثانی: منها فهی مختلقة و غیر واقعیةـ و هی التی لیس لها سند معتبر و لا تتناسب مع منزلة الأئمة الأطهار (ع) و یوجد إشکال على هکذا نوع من الاضافات، و یجب منعها و الحد منها.
لغرض توضیح الإجابة نذکر عدة ملاحظات:
1. ان لواقعة عاشوراء و تاریخ کربلاء وجهان: وجه أبیض نورانی و ملحمی و مدعاة للإفتخار و یمثل التجلی الکامل للحقیقة و الإنسانیة، و الوجه الآخر هو الوجه الأسود المظلم، الذی لا یرى فیه إلا الجرائم التی لم یکن لها نظیر أو قلّ نظیرها فی تاریخ البشریة.
و ان واقعة کربلاء من الناحیة الثانیة عبارة عن مأساة و جریمة کبرى و مصیبة و رزیة عظیمة، و عندما ننظر الى هذا الوجه نرى فیه، قتل الأبریاء، قتل الغلمان، قتل الرضع، وطئ الأجساد بحوافر الخیل، منع العطاشى من شرب الماء، ضرب النساء و الأطفال بالسیاط، حمل الأسارى على الإبل بغیر محمل، و...[1] و على هذا الأساس یجب أن لا نتصور ان المصائب و الحوادث التی حصلت فی کربلاء غیر واقعیة و غیر ممکنة.
2. إن الأمور التی یضیفها القرّاء الى قصائدهم الحسینیة تکون على نوعین: القسم الأول؛ منها هو ما یطلق علیه عند القرّاء اصطلاحاً بـ (لسان الحال)، و هو یعنی الإستفادة من التشبیهات و التمثیلات المناسبة فی بیان و توضیح الحوادث و المصائب التی جرت على أهل البیت (ع). هذا النوع من الاضافات لا إشکال فیه و لا مانع منه، إذا کان أصل الحدث ذا سند معتبر، و کانت التشبیهات و التمثیلات لا تتنافى مع شأن و منزلة الأئمة الأطهار (ع) و عظماء الدین. أما القسم الثانی؛ منها فهی مختلقة و غیر واقعیة ـ و هی التی لا یکون لها سند معتبر و لا تتناسب مع شأن و منزلة الأئمة الأطهار (ع)ـ و یوجد إشکال فی هذا النوع فیجب منعها و الحد منها.
3. الدوافع للأشخاص الذین یضیفون هکذا إضافات:
إن الدوافع لمثل هذه الإضافات تکون مختلفة من شخص لآخر: إن البعض و بدافع العاطفة و بنوایا حسنة، یقولون حسب الروایات فإن البکاء و إبکاء الآخرین على الإمام الحسین (ع) هو عمل حسن جداً، و تکتب لکل دمعة تجری لأجل الإمام الحسین (ع) حسنات کثیرة، و لذلک نبذل قصارى جهدنا لنبکی و نُبکی الآخرین لأجل مصیبة الإمام الحسین (ع) و لهذا السبب فلا داعی ان ندقق فی مصادر و اسناد الروایات.
و على هذا الأساس وقع بعض کبار المؤرخین فی هذا الخطأ الکبیر،[2] حیث إنهم لم یدققوا و یتقصوا الحقائق بالشکل اللازم فی کتبهم، و قد تبعهم فی هذا المجال الکثیر من المتدینین عن طریق اقامة مجالس تعزیة تطرح فیها روایات و مسائل زائفة و مختلفة، حیث کانوا یظنون ان هذا یؤدی الى توسیع و ترسیخ هذا الهدف المقدس.
کذلک ان البعض الآخر و بسبب وجود المیل الى خلق الأساطیر فی أعماقه، یبادر الى المبالغة الغیر معقولة، و مهما تکن دوافعه لهذا الأمر فهو یغفل عما قد یتسببه من إنحراف فی الرسالة الأصلیة للإمام الحسین (ع) فی ثورة عاشوراء، و من تضعیف للمذهب و الدین. و بالطبع فلا یجب ان نغض النظر عن دور الأعداء و المغرضین على مر التاریخ فی السعی لتضعیف مذهب أهل البیت (ع).[3]
4. المسؤولیة الملقاة على عاتقنا تجاه هذه الإنحرافات:
إن مواجهة و محاربة التحریف هو واجب شرعی عام على کل الافراد على حد سواء من أی جهة أو مجموعة کانوا، و یجب أن یهتموا بهذا الأمر و على الخصوص النخبة و الطبقة المثقفة من الناس. و فی هذا المجال روی عن الرسول الأکرم (ص) انه قال: "إذا ظهرت البدع فی أمتی فلیظهر العالم علمه و إلا فعلیه لعنة الله".[4] و هذا لا یعنی ان عامة الناس لا تترتب علیهم مسؤولیة قبال هذا الأمر، حیث إن هنالک کثیراً من المسائل لا تحتاج الى الثقافة و التعلیم لتشخیص صحتها أو بطلانها، و یستطیع الجمیع عن طریق الفطرة و العقل السلیم ان یشخص صحتها من سقمها، و فی بعض الأحیان تسرد بعض القصص یحکم الجمیع بعدم صحتها. و للرد على هذا الإستدلال الذی یقول بانه إذا کان الهدف مقدس فیمکن تبریر الوسیلة، فیجب القول ان هکذا نوع من الإستدلال هو مضلل للبسطاء من الناس و لا یوجد له مجال فی العقل و لا فی النصوص الدینیة.[5]
کیف یمکننا ان نصدق انه من الممکن و لإحیاء ذکرى شهادة الإمام الحسین (ع) الذی ضحى و استشهد للحفاظ على قیم و مقدسات الدین، ان لا ترعى فی مجالس عزائه القیم الدینیة، و تلقى فیها قصائد تعبر عن احداث غیر واقعیّة و کاذبة، او اتخاذ العزاء عذراً لترک الصلاة الواجبة[6]، او تنطلق مجامیع لا تراعى فیها العفة و الأخلاق العامة.[7]
[1] . المطهری، مرتضى، المجموعة الکاملة لتراث الاستاذ المطهری، ج 17، القسم الأول، الفصل الاول، الملحمة الحسینیة.
[2] .الکتب: روضة الشهداء لمحمد حسین الکاشفی، و أسرار الشهادة للملا آغا الدربندی أمثلة واضحة على هکذا نوع من التفکیر.
[3] المجموعة الکاملة لتراث الاستاذ المطهری،ج 17، عوامل التحریف.
أیة الله فاضل لنکرانی حول التعازی و القصائد التی تقرأ بخصوص زواج القاسم فی کربلاء، حیث یقول: الذی قیل أو یقال بشأن زواج القاسم لیس صحیحاَ و لا یوجد أیّ ذکر لهذه القضیة فی الکتب المعتبرة أضافة الى أنه لم یکن قد بلغ سن الزواج، و قد ذکرت فی کتاب منتخب الطریحی أمور تخص مسألة الزواج، و لکن حسب الظاهر أن هناک بعض المغرضین أو الجهال قد أضافوا هذه الأمور للکتاب بعد وفاته، إن المرحوم الطریحی هو اسمى من أن یذکر هذه الأمور التی لا تتناسب و واقعة عاشوراء و نرى فی الوقت نفسه إن الامور التی ذکرت فی کتاب الطریحی لیست بالشکل الخرافی الذی یروج له البعض فی المجالس الحسینیة، جامع المسائل، ج 2، ص 620- 624.
[4] . قال رسول الله (ص): "اذا ظهرت البدع فی أمتی فلیظهر العالم علمه و الا فعلیه لعنة الله".
[5] . للأطلاع أکثر لاحظ: الملحمة الحسینیة، ج 1، الشهید المطهری، و اللؤلؤ و المرجان، المحدث الحاج نوری.
[6] . بالرغم من إن الامام الحسین (ع) قد أقام الصلاة جماعة فی ظهر عاشوراء و مقابل الأعداء مع ان صلاة الجماعة مستحبة و لیست واجبة.
[7] . بالرغم من ان بنت الأمام الحسین (ع) فاطمة الصغرى فی لیلة الحادی عشر من محرم فأن أول عمل قامت به بعدما أفاقت من إغمائها هو أنها طلبت من عمتها زینب (س) قطعة من القماش لتغطی بها رأسها. بحار الأنوار، ج 45، ص60-61.