Please Wait
24914
ذكر الباحثون و المفسرون في الشأن القرآني الكثير من الآراء حول الحروف المقطعة في القرآن منها ما ذهب اليه السيد العلامة الطباطبائي: ... إنّك إن تدبّرت في هذه السور التي تشترك في الحروف المفتتح بها، وجدت في السور المشتركة في الحروف من تشابه المضامين و تناسب السياقات ما ليس بينها و بين غيرها من السور، و يمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذه الحروف المقطّعة و بين مضامين السور المفتتحة بها إرتباطاً خاصاً.
و يستفاد من ذلك أن هذه الحروف رموز بين الله سبحانه و بين رسوله (ص) خفيّة عنّا لا سبيل لأفهامنا العادية إليها إلا بمقدار أن نستشعر أن بينها و بين المضامين المودعة في السور إرتباطاً خاصاً.
محقق معاصر آخر إستطاع بواسطة العقل الإلكتروني أن يصل إلى نتائج مهمة عن الحروف المقطعة في بداية بعض السور القرآنية، و هي أن نسبة وجود الحروف المفتتح بها السورة في كل سورة تبدأ بالحروف المقطعة أكثر من وجود غيرها من الحروف في نفس السورة، و هكذا في بقية السور المفتتحة بالحروف المقطعة.
تحصل من ذلك: الف ـ وجود هذه الحروف في القرآن التي تسمى باصطلاح العلوم القرآنية ـ حروف مقطعة ـ ليس عبثاً.
ب ـ هذه الحروف رموز بين الله و رسوله (ص) و لا يدل عدم معرفة الآخرين بأسرارها على أنها عبث و لا فائدة منها.
ج ـ لا منافاة بين وجود عدة ملاحظات أساسية لا يفهمها إلا الخواص في كتاب، و بين كون هذا الكتاب جاء لهداية عامة الناس.
و هذه الرموز و إن لم تؤثر تأثيراً مباشراً في حلّ مشاكل البشر. لكن لربما انتفع بها النبي (ص) و إستطاع باستخدامها أداء مسؤولية هداية البشر.
إضافة إلى أن بحث الحروف المقطعة و نظائره هو من البحوث الدينية، التي لا يدخل إليها الباحث إلا بعد فراغه من بحث التوحيد و النبوة و... لذلك، نحن عندما عرفنا الله سبحانه و تعالى بصفاته الكمالية الحكيمة و علمنا بأنه من المستحيل أن يصدر منه العبث، عندها لو واجهنا موضوعاً معيناً كاستعمال الحروف المقطّعة فعلى فرض عدم معرفتنا بسرّ وجودها في القرآن و دليله، لا نحكم بأنه عمل عبثي لما وصلنا إليه من حكمة الباري عزّوجلّ.
ذكر الباحثون و المفسرون في الشأن القرآني الكثير من الآراء و النظريات، نشير الى نظريتين مما قاله المفسرون عن الحروف المقطّعة قبل الدخول في الجواب:
إختلف المفسّرون من القدماء و المتأخّرين في تفسير الحروف المقطّعة،[1] فذهب السيد العلامة الطباطبائي في الميزان الى رأي يستحق التوقف عنده، و هكذا التوقف عند نظريةأخرى طرحها بعض المعاصرين لنخرج بنتيجة مهمة في هذا المجال.
يقول العلامة: و الذي لا ينبغي أن يغفل عنه أن هذه الحروف تكرّرت في سور شتى و هي تسع و عشرون سوره افتتح بعضها بحرف واحد و هي "ص" و "ق" و "ن"، و بعضها بحرفين و هي سور "طه" و "يس" و "طس" و "حم"، و بعضها بثلاثة أحرف كما في سور "الم" و "الر" و "طسم" و بعضها باربعة أحرف كما في سورتي "المص" و "المر"، و بعضها بخمسة أحرف كما في سورتي "كهيعص" و "حمعسق".
و تختلف هذه الحروف أيضاً من حيث إن بعضها لم يقع إلا في موضع واحد مثل "ن" و بعضها واقعة في مفتتح عدة من السور مثل "الم" و "الر" و "طس" و "حم".
ثم إنك إن تدبّرت بعض التدبّر في هذه السور التي تشترك في الحروف المفتتح بها مثل "الميمات" و "الراآت"، وجدت في السور المشتركة في الحروف من تشابه المضامين و تناسب السياقات ما ليس بينها و بين غيرها من السور.
و يؤكد ذلك ما في مفتتح أغلبها من تقارب الألفاظ كما في مفتتح الحواميم من قوله: "تنزيل الكتاب من الله" أو ما هو في معناه، و ما في مفتتح الراآت من قوله: "تلك آيات الكتاب" أو ما هو في معناه، و نظير ذلك واقع في مفتتح الطواسين، و ما في مفتتح الميمات من نفي الريب عن الكتاب أو ما هو في معناه.
و يمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذه الحروف المقطّعة و بين مضامين السور المفتتحة بها إرتباطاً خاصاً، يؤيد ذلك ما نجد أن سورة الأعراف المصدّره بـ "المص" في مضمونها كأنها جامعة بين مضامين "الميمات" و "ص" و كذا سورة الرعد المصورة بـ "المر" في مضمونها كأنها جامعة بين مضامين الميمات و الراآت و يستفاد من ذلك أن هذه الحروف رموز بين الله سبحانه و بين رسوله (ص) خفيّة عنّا لا سبيل لأفهامنا العادية إليها إلا بمقدار أن نستشعر أن بيّنها و بيّن المضامين المودعة في السور إرتباطاً خاصاً.[2]
و من المناسب هنا الالتفات إلى ما ذهب اليه أحد المفسرين المعاصرين في هذا الشأن فقبل عدة سنوات وصل أحد المحققين المصريين بعد تحقيق عن الحروف المقطعة المفتتح بها بعض السور القرآنية إلى عدة نتائج، فقد إستطاع بواسطة العقول الألكترونية و بحسابات معقدة أن يثبت وجود علاقة قوية بين هذه الحروف و السورة التي تقع الحروف في صدرها. فوجد أن مقدار وجود الحروف المفردة أو المركبة المفتتح بها السور في نفس السورة أكثر من غيرها من الحروف في هذه السورة. و هذا يدل على أن إعجاز القرآن فوق كونه بليغاً و فصيحاً و منظماً و لا إختلاف به و ... فهذه الحروف و ما يحكمها من حساب و نظم و تناسب خاص هي بحد ذاتها نوع من الإعجاز القرآني.
فهذه الإكتشافات تبيّن و تثبّت بعض النظريات المذكورة في الحروف المقطّعة في أوائل سورة البقرة التي أحدها هي أن هذه الحروف فيها إشارة لإعجاز و تناسب حروف و كلمات آيات السور المفتتحة بهذه الحروف المفردة أو المركبة، و لربما كانت هذه الإكتشافات و النظريات ثغرة للوصول إلى كشف حقائق أعمق و أكثر.[3]
من هنا يمكن التوصل إلى عدة نتائج مهمة:
الف ـ وجود هذه الحروف في القرآن و التي تسمّى باصطلاح العلوم القرآنية ـ حروف مقطعة ـ ليس عبثاً، إذ قد بيّن المفسّرون لها فوائد جمّة، و حتى لو رجع السائل إلى ما عبّر عنه بأنه حروف مرموزة، فلا نظن أنه لو سُئل عن معنى مرموز لقال أنها تعطي معنى العبثية.
ب ـ صار من الواضح بعد ما بيّنا من أقوال المفسرين أن هذه الحروف رموز بين الله تعالى و رسوله (ص) و من الطبيعي قد يمكن للبشر أن يصلوا إلى بعض رموزها، ففي كل رمز من رموزها هناك أسرار مودعة خافية على الآخرين، و لا يدل عدم معرفة الآخرين بأسرارها على أنها عبث و لا فائدة منها.
ج ـ لا منافاة بين وجود عدة ملاحظات أساسية لا يفهمها إلا الخواص في كتاب، و بين كون هذا الكتاب جاء لهداية عامة الناس.
و هذه الرموز و إن لم تؤثر تأثيراً مباشراً في حلّ مشاكل البشر، لكن و كما قلنا، بإن هذه الحروف لما كانت رموزاً بين الله تعالى و رسوله (ص)، فلربما إنتفع بها النبي (ص) و إستطاع باستخدامها أداء مسؤولية هداية البشر.
إضافة إلى أن بحث الحروف المقطعة و نظائره هو من البحوث الدينية، التي لا يدخل إليها الباحث إلا بعد فراغه من بحث التوحيد و النبوة و... لذلك نحن عندما عرفنا الله سبحانه و تعالى بصفاته الكمالية الحكيمة و علمنا بأنه منزه عن العبث[4] عندها لو واجهنا موضوعاً معيناً كاستعمال الحروف المقطّعة فعلى فرض عدم معرفتنا يسرّ وجودها في القرآن و دليله، لا لا يحق لنا ان نحكم بأنه عمل عبثي إنطلاقا مما توصلنا إليه من حكمة الباري عزّوجلّ.
[1] راجعوا في هذا المجال موضوع "معنى الحروف المقطعة في القرآن" رقم 2473 الموجود في نفس هذا الموقع.
[2] الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، ج 18، ص 7 و 8، الناشر: مكتب النشر الإسلامي لجامعة مدرسي الحوزة العلمية في قم، الطبعة الخامسة، 1374 ش.
[3] الطالقاني، السيد محمود، شعاع من القرآن، ج 5، ص 8، الهامش، ج 4، ص 157، الناشر: الشركة التعاونية للنشر، طهران، 1362 ش.
[4] المؤمنون، 115." أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُون".