Please Wait
6351
خلق الله للإنسان الذی هو أشرفِ المخلوقات جمیعَ الکائنات کالحیوانات و الأنعام کی یتنعّم بمنافعها (اللحم، الرکوب، نقل الحمولات الثقیلة و ...) و مصدرنا لشرعیٌة ذبح الحیوانات فی الأعیاد و الاحتفالات الدینیة هو اوامر الشریعة الإسلامیة و توجیهاتها، و نظراً إلى قیمة الحیوانات القابلة للذبح ( البقر و الشاة و الإبل و ...) فی جمیع العصور فیعدّ ذبحها و تضحیتها نوعاً من الإیثار و الإنفاق بالمال المحبوب.
مضافاً إلى هذا فان الذبیحة تشبع بعض الفقراء من العباد و یرفِد کثیراً اقتصاد المجتمع لاسیما الطبقة الضعیفة.
و من جانب آخر أن الأعیاد و الاحتفالات العبادیة هی أوقات ثمینة فینبغی للإنسان أن یذکر نعمات ربه فی هذه الأوقات و یشکره علیها و یتقرب إلیه عز وجل فیها.
و فلسفة ذبح الحیوان فی الأعیاد و المناسبات العبادیة هی التضحیة و انفاق اللحم فی سبیل الله إلى عباده لاسیما السائلین و المحرومین منهم متقرباً الیه و شاکراً لنعمه.
و طبعاً لم یأمر الإسلام بذبح الحیوان فی جمیع الأعیاد و الاحتفالات.
ثم ان قضیة ذبح الحیوان بصورة عامة موجودة عند اغلب الشعوب و الادیان الا بعض الادیان الهندیة، فاذا کان ذبح الحیوان مباحاً فی سائر الاوقات و الازمان فلماذا عندما یکون الذبح یحمل صبغة دینیة یثار الاشکال و تطرح الردود، هذا من جهة، و من جهة ثانیة نحن اذا لاحظنا بعض الدیانات القدیمة نراها مفرطة فی التضحیة حیث تتقرب بقتل الاطفال او تقدیمهم الى الحیوانات او تقوم بالقاء فتاة فی نهر ما و غیر ذلک من الامثلة الکثیرة التی یقشعر لها البدن، من هنا نرى الاسلام قد حقق هدف الانسان فی التقرب الى الله من جهة و فی بذل الطعام للمحتاجین و اشاعة التکافل الاجتماعی من جهة اخرى من دون ای محذورات عقلیة او نفسیة او اخلاقیة.
یعرّف الإنسان فی الرؤیة الإسلامیة بأنه أشرف المخلوقات فالإسلام جعل کل الکائنات للإنسان و لتکامله و تعالیه. کما فی قوله تعالى: "و الذی خلق لکم ما فی الأرض جمیعاً .....".[1] و بعبارة اخرى، جعل الله جمیع الکائنات فی اختیار الإنسان لتلبیة حاجاته و ارتقائه. و من هذه الکائنات، الحیوانات فقال تعالى: "یأیها الذین امنوا أوفوا بالعقود أحلت لکم بهیمة الأنعام إلّا ما یتلى علیکم ...".[2]
مصدرنا فی شرعیة ذبح الحیوان و تضحیته فی الأعیاد و المناسبات العبادیة هو اوامر و توجیهات الشریعة الإسلامیة.
عند ما أمر الله نبیه إبراهیم بأن یذبح ابنه إسماعیل و استعد نبی الله إبراهیم (ع) لذبح ابنه العزیز الوحید دون أن یطرأ علیه شک أو تردید، أثبت بأنه مستعد أن ینقطع عن کل متعلقاته رضاءً لله، فخرج من هذا الامتحان العصیب ـ تضحیة أعزّ ما یملکه فی الحیاة و هو ابنه الوحید ـ منتصراً، ثم منع الله تعالى نبیه إبراهیم (ع) أن یذبح ولده إسماعیل تکریماً لنجاحه فی هذا الاختبار العظیم و أرسل کبشاً من الجنة حتى یذبحه نبیه إبراهیم (ع).[3]
فکذلک نحن عندما نوجّه حیواناً نحو القبلة و نذکر اسم الله علیه و نذبحه فی سبیل الله، فکأنما نذبح أنانیتنا أمام الله مثلما فعل نبیه إبراهیم (ع).
إن الذبح فی سبیله، مضافاً الى وجوبه الشرعی ـ فی بعض الاحتفالات و المناسبات العبادیة ـ و کونه فرض من الله فإنه ینطوی على مصالح و منافع، قال الله تعالى فی محکم کتابه ضمن الآیات التی تبیّن وجوب الحج و تعدّد أعماله:"وَ أَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجالاً وَ عَلى کُلِّ ضامِرٍ یَأْتینَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمیقٍ *لِیَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ یَذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ فی أَیَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهیمَةِ الْأَنْعامِ فَکُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقیر".[4]
و فی آیة أخرى قال تعالى: "و البدن جعلنها لکم من شعائر الله لکم فیها خیر فاذکروا اسم الله علیها صواف فإذا وجبت جنوبها فکلوا منها و أطعموا القانع و المعتر کذلک سخرنها لکم لعلکم تشکرون".[5]
فأشار عز وجل فی هاتین الآیتین إلى حکمتین تکمن فی الذبح عند الحج:
1. الشکر إلى الله لنعمه التی لا تحصى
2. إطعام السائلین و الفقراء
و قال تعالى فی آیة أخرى: "لن ینال الله لحومها و لا دماؤها و لکن یناله التقوى منکم کذلک سخرها لکم لتکبروا الله على ما هداکم و بشر المحسنین".[6]
تشیر هذه الآیة إلى قضیة دقیقة جداً و هی أن لحم و دم الحیوان الذی تذبحونه فی سبیل الله، أبداً لا یصل إلى الله و إنما الذی یصل إلیه هو تقواکم و ورعکم، بمعنى أنه ما تؤثرون به على أنفسکم من مال حتى تطعمون به الفقراء و تکرمونهم هو عمل خیر و یدلّ على تقوى الإنسان.
ینبغی الالفات إلى أن ذبح الحیوان فی الشریعة الإسلامیة له شروط کثیرة،منها:
1. أن یکون الحیوان مما یؤکل لحمه (حتى یستعمله الإنسان لطعامه).
2. أن یذبح الحیوان متجهاً به نحو القبلة و ذاکراً اسم الله علیه.
3. أمر الإسلام فی حکم خاص أن یذبح الحیوان من الأوداج الأربعة.
4. أن یذبح الحیوان بآلة حدیدیة حادة (حتى لا یتألم الحیوان).
و غیرها من الشروط و الآداب الأخرى[7] التی تدل على وجود خلفیّة فلسفیة و غایات قیمة للذبح فی الشریعة الإسلامیة و أنها لیست مجرّد ذبح الحیوان و تلفه فقط حتى یقال ألیس من الأفضل أن نحتفل فی مناسباتنا الدینیة بتحریر الحیوان و عتقه؟
مضافاً إلى هذا، یذبح یومیاً ملایین الحیوانات فی جمیع أنحاء العالم و طبعاً هذا العمل ضروری و لابد منه و لو توقّف هذا العمل لیوم واحد لواجهت حیاة الإنسان أزمة حقیقیة، و الحال ان الغایة من هذا العمل هی مجرّد إشباع بطن الإنسان و لا یستبطن غایات معنویة و إلهیة أبداً، فی حین أن الإسلام جعل لهذا العمل غایات دینیة حتى ینتفع الإنسان من ثمراته المعنویة إلى جانب تلبیة حاجاته المادیة.
فإذن تتعدد أبعاد ذبح الحیوانات فی الاحتفالات العبادیة إلى أخلاقیة و اقتصادیة و اجتماعیة، کما أنه یُذکّر بعمق العلاقة بین المسلمین و الأنبیاء و منهجهم فی الحیاة.
أمّا تحریر الحیوانات و ترکها تعیش لوحدها لاسیما فی العصر الراهن الذی بدأت المنابع الطبیعیة ینخفض حجمها یوماً بعد یوم فبالاضافة الى انه قد یسبّب انقراض الحیوانات لایحتوی على ای ثمرة مادیةً کانت أم معنویة.
خلاصة الکلام: ان قضیة ذبح الحیوان بصورة عامة موجودة عند اغلب الشعوب و الادیان الا بعض الادیان الهندیة، فاذا کان ذبح الحیوان مباحاً فی سائر الاوقات و الازمان فلماذا عندما یکون الذبح یحمل صبغة دینیة یثار الاشکال و تطرح الردود، هذا من جهة، و من جهة ثانیة نحن اذا لاحظنا بعض الدیانات القدیمة نراها مفرطة فی التضحیة حیث تتقرب بقتل الاطفال او تقدیمهم الى الحیوانات او تقوم بالقاء فتاة فی نهر ما و غیر ذلک من الامثلة الکثیرة التی یقشعر لها البدن، من هنا نرى الاسلام قد حقق هدف الانسان فی التقرب الى الله من جهة و فی بذل الطعام للمحتاجین و اشاعة التکافل الاجتماعی من جهة اخرى من دون ای محذورات عقلیة او نفسیة او اخلاقیة.