بما انه لایمکننا دراسة و تحلیل جمیع الحقوق المعترف بها للناس من ناحیة الامام علی(ع) فی هذا الموجز. لابد من ذکر بعض النماذج لکی ترتسم بعض مظاهر حقوق المواطنة من وجهة نظر الامام علی(ع).
قبل ذكر أي قضية، يجب أن يقال؛ أن الحقوق في المجتمع الإسلامي ذات وجهين من وجهة نظر الإمام علي(ع)؛ أي أن للشعب حقوق علی الحکومة و فی المقابل الحكومة لها حقوق علی مواطنيها.
یؤکد الامام علی(ع) فی کلامه بصراحة علی هذه المسألة و یقول: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَ لَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ...».[1]
حقوق المواطنین تجاه الحکومة
انّ امیرالمؤمنین علي(ع)، بصفته کحاكم إسلامي، یقوم اولا بعدّ الحقوق المشروعة للناس تجاه نفسه مراعاة للادب و الاحترام. من البدیهی ان ذکر حقوق الاخرین قبل ذکر حقه علیهم، یکون اقرب للادب و الاحترام و الاجابة: «فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَ تَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَ تَعْلِيمُكُمْ كَيْلَا تَجْهَلُوا وَ تَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا».
قد بیّن الامام(ع) اربعة من حقوق الناس التی تکون مفیدة لصلاحهم و فلاحهم فی الدنیا و الآخرة.
- النصیحة للناس: "النصیحة لکم"، ای ادافع عنکم و افعل ما هو بصالحکم. اول حق لهم علی الامام هو النصیحة لهم. النصیحة هی توجیه الناس الی مکارم الاخلاق و ارشادهم الی الامور التی تکون اکثر فائدة لدنیاهم و آخرتهم.
- التوزیع و التقسیم العادل لبیت المال او الخزانة و ترفیه العیش: "و توفیر فیئکم علیکم". الحق الآخر للشعب على الحاكم، هو أنه یجب ان يعتبر الحاکم بیت المال ملكًا لعامة الناس و یجتهد علی ان یستفید منه الجميع.
في هذه الجملة، يمكن أن يكون تعریضا للقادة السابقين الذين اعتبروا الخزانة او بیت المال من ممتلكاتهم الشخصية، و قدموا و تبرعوا لمن أرادوا دون حساب.
کان الإمام علي(ع) یعتقد انه لاينبغي للحكام أن يأخذوا و یستولوا علی أي مقدار من ممتلكات الخزانة بأي شكل من الأشكال، و لكن يجب توزيع هذه الممتلكات بشكل عادل بين جمیع افراد المجتمع.
- حق التعلیم و التعلم: «و تعليمكم كيلا تجهلوا». حق آخر للأمة علی الحكام، هو ان یوفر لهم امکانیات تعلّم العلوم و المعارف. انّ من واجبات الإمام و الحكام المسلمين، نشر العلوم و المعارف حتى يتم استیصال الجهل و القضاء علیه بين المسلمين.
یعتبر الامام علی(ع) هنا احدی واجبات حکومته تجاه الشعب توفیر مجالات التعليم اللازمة. الجدیر بالذکر أن هذا التعليم لایقتصر علی التعاليم الدينية و لايتم تلخيصه فيها - على الرغم من أنه ذو أهمية أساسية – و لكنه يتضمن أيضًا قضايا علمية و صحية و رفاهية، إلخ..... يجب على الحكومة و الدولة توفیر ظروف تعلیهما من اجل تقدم المجتمع. ان توفير امکانیات التعليم و خلق الفرص و المجالات للتقدم في المستويات العلیا للعلوم یعد من أحد حقوق الشعب على الحكومة.
یبدو، ان ما یستفاد من کلمات امیر المؤمنین فی هذه المسألة(التعلیم و التعلم) هو ان توفیر الوسائل و الامکانیات المتساویة للناس قد تجاوز مرحلة الحق و یستنبط منه حکم الوجوب.
لذلک من الضروری علی الحکومة و المسئولین و المتولین لامر التعلیم و التربیة، اعداد و توفیر امکانیات التعلیم و التعلم للجمیع حتی الذین لم یستطیعوا تحمل و دفع التکالیف الجانبیة؛ لان العلم و المعرفة یلعبان دورا اساسیا فی ارتقاء المستوی التثقافی لای شعب.
انّ هذا الحق، ای التعلیم و التعلم، من مرحلة التعلیم الابتدایی الی اعلی مراحل التعلیم الاکادیمی قد جعل فی دستور الجمهوریة الاسلامیة ایضا علی عهدة الدولة.
- التربیة و التادیب و...: «و تأديبكم كيما تعلموا». من الضروری التربیة بعد التعلیم؛ اي توفیر مجالات تطور و ارتقاء المستوی الفکری و الثقافی لدی الشعب. بالطبع یمکن ان تکون الجملة الثانیة(التادیب و التربیة) تأکیدا للجملة الاولی و فی الحقیقة یمکن تجمیعها فی العبارة التعلیم و التربیة.
حق الحکومة علی الناس
«وَ أَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَ النَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَ الْمَغِيبِ وَ الْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ وَ الطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُم».
- الالتزام بالبیعة: «فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ». ای یجب علی الناس الالتزام و الوفاء بالبیعة التی عقدوها مع الامام.
- النصیحة للامام: «وَ النَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَ الْمَغِيبِ». ای ان یساعدوا الامام فی تحقق اهدافه و أن یدافعوا عنه.
- الحضور فی المشهد: «وَ الْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ». ای أن یحضروا للدفاع عن الحكومة و المجتمع الإسلامي ضد اعتداء الأجانب و حمایة عن الإمام. و عندما یدعوهم إلى الجهاد، یتعبئوا، و إلا یسیطر عليهم العدو و في نهاية المطاف سيفقدون فوائد كبيرة.
- اجابة الدعوة: «وَ الطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُم». ینبغی ان یحضروا فی المواقف و الاماکن التی یکون حضور الناس فیها ضروریا؛ ای ان حق الامام علی الناس الاطاعة و امتثال الاوامر عندما یصدر امرا، من الواضح انه لا یستقیم نظام الامور دون اطاعة اوامر القائد.[2]
ماقیل حتی الآن، کان بعض الحقوق التی جاء التصریح بها فی احدی خطب الامام علي(ع). و لكن هذا لايعني أن الناس لایمتلکون سائر حقوق المواطنة و الطبيعية الاخری، و أن جميع حقوق الناس تتلخص في هذه الحقوق الأربعة، علی حساب حقوق اخری. لذلك، علی سبیل المثال نذکر نماذجا أخرى من حقوق الناس في كلامه و سیرته.
- حریة التعبیر: «فلا تکلّمونی بما تکلم به الجبابرة»؛[3] لاتتحدثوا معی کما کانت العادة عند التحدث مع جبابرة التاریخ. ای تکلموا معی بحریة. عبروا عن طلباتکم و رغباتکم بدون ایّ خوف و خشیة. انّی لست الذی یخشی من قول الحق. ان لهذا الکلام صراحة تامة فی مسألة حریة التعبیر عند الامام علي(ع).
احدی النماذج البارزة علی حریة التعبیر في حکومة الإمام علي(ع)، هی اسئلة عبدالله بن الکواء من امیر المؤمنین(ع). كان هذا الشخص أحد قادة الخوارج و المعارضين العنيدين للإمام و کان یعترض علی الإمام في كل ما فعله و ینتقده، لکن الامام کان یجیبه بصبر علی الشبهات و الغموض التی کان یثیرها.[4]
- الحریة فی الانتقاد: یقول الامام(ع) فیما یتعلق بحریة المواطنین فی الانتقاد: «فَلَا تَكُفُّوا عَنِّي مَقَالَةً بِحَقٍّ»؛[5] و لاتظنوا انه یثقل علي اذا ما قیل لی قول حق؛ أي إذا كان فی رایکم أن هناك شيئًاما خطأ في عملی من ناحیة القضايا السياسية و الاجتماعية، فبینوه بحریة حتی اکون فی صدد اصلاحه و تصحیحه.
- الحریة في التشاور: «أَوْ َمَشُورَةً عَدْل».[6] انّ الامام علي(ع) نفسه یدعوا الناس لتقديم الحلول و الاقتراحات لإدارة شؤون المجتمع. ان المشارکة في اتخاذ القرار علی شکل التشاور، کانت احدی البرامج و السیاسات الرئیسیة للامام علی(ع) في ادارة البلاد؛ هذا يعني مشارکة الناس في تعیین مصيرهم؛ و ایضا مشاركتهم في اتخاذ القرارات.
- حق امتلاک الشخصیة و الکرامة: من أهم القضايا في عالم اليوم هو دور و مكانة و قيمة البشر عند الحكومات! تتابع المؤسسات و المنظمات المسؤولة و الداعمة لحقوق الناس هذه القضية تحت عنوان "حقوق الإنسان".
باعتقادنا، انّ الکرامة و القیمة التی منحها الله للانسان، قد حظیت بعنایة و اهتمام خاص عند الامام علي(ع) و انه ذکّر امراءه بمراعاتها. علی سبیل المثال یقول(ع) لمالک الاشتر: «وأشعر قلبک الرحمة للرعیة والمحبة لهم واللطف بهم». ای يجب أن يکون لقلبک غطاءا سداته و لحمته محبة الناس و صداقتهم و ملاطفتهم.
في الأساس، من وجهة نظر الإمام علي(ع)، إحدى فلسفات بعثة الأنبياء هي إحياء الكرامة الإنسانية: «و وصلت الکرامة علیه حبلهم»؛ ای وجدو الکرامة اساسا لعلاقتهم مع بعض.
عندما تبدلت كرامة الانسان مع مرور الزمن الی الذلّ من قبل الحكومات. حل الجهل و الخرافة محل مکارم الاخلاق، و جاء الأنبياء لإحياء القيم الإلهية و استعادة الکرامة الضائعة للناس.
من وجهة نظر الإمام علي(ع)، ان الاهتمام بكرامة الإنسان لاتتجلی في شكل قواعد قانونية جافة فحسب، بل کان هو(ع) ینبه الناس علی ذلک بسلوکه.
ففی مسیر الامام(ع) الی الشام عندما لقیه دهاقین الانبار فترجلوا له و اخذوا یشتدون و یرکضون امامه. قال لهم الامام: ما هذا الذی صنعتموه؟ قالوا: ان هذا خُلق منا و من تقالیدنا نعظم به امراءنا. فنههاهم الامام(ع) عن ذالک العمل بهذه الکلمات: و الله ما ینتفع بهذا أمراؤکم و انکم لتشقّون به علی انفسکم و تشقون به في آخرتکم.[7]
5- الحق فی الأمن و الصیانة: الأمن هو اوّل شیء یتوقعه کل مواطن من الحکومة، الأمن احد الحقوق الاساسية الآخری للشعب، و الّذي بدونه ستُفقد عدید من الحقوق الأخرى. الحیاة فی حالة الخوف لیست حیاة. فأي مواطن يشعر بأن حقه فی المواطنة یسلب منه و تنتهك حقوقه و تکون وظیفته فی معرض التهدید، في مثل هذه الاحوال التي لاتکون له طمانینة و لاراحة بال، فإن حقه في الحياة أيضًا یکون في معرض الخطر و القلق و الاضطراب.
بعبارة اخری، انّ الأمن من اللوازم الثانویة لحق الحیاة. و لذلك، فإن حماية أمن المواطنين - بما في ذلك الحياة و الأمن المالي و الاقتصادي و الكرامة- من قبل الحكومة هي واحدة من الحقوق الاکثر اساسية للشعب. انّ الامام علی(ع) یحذر مالک الاشتر! احذر من سفک الدم بغیر الحق؛ لأنه لاشيء اسرع فی إنهاء الحکم و القضاء علی حياة الحاكم کسفك الدم بغير الحق.
انّ الأمن، في الواقع، هو عنصر مركزي للمجتمع. أي أن المجتمع سوف یزدهر في ظل الأمن. فيجب أن يتجلى هذا الأمن في مختلف المجالات الشخصية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية و غيرها.
[1]. الشریف الرضی، محمد بن الحسین، نهج البلاغة، المحقق، صالح، صبحی، ص 79، قم، الهجرة، الطبعة الاولی، 1414ق.
[2]. ر. ک: البحرانی، ابن میثم، شرح نهج البلاغه، محمدی مقدم، قربانعلی، نوایی یحیی زاده، علی اصغر، ج 2، ص 179- 180، مشهد، مؤسسة الدراسات اسلامییة التابعة للقدس رضوی، ۱۳۷۵ش.
[3]. الکلینی، محمد بن یعقوب، الكافي، المحقق، المصحح، الغفاری، علی اکبر، آلاخوندی، محمد، ج 8، ص 356، تهران، دار الکتب الاسلامیة، الطبعة الرابعة، 1407ق.
[4]. ر. ک: الطبرسى، احمد بن على، الإحتجاج على أهل اللجاج، المحقق، المصحح، خرسان، محمد باقر، ج 1، ص 228- 229، مشهد، نشر المرتضى، الطبعة الاولی، 1403 ق. ر . ک: الخطوط الحمراء فی حکومة علي، الجواب 49699.
[5]. الكافي، ج 8، ص 356.
[6]. نفس المرجع.
[7]. ابو مخنف الكوفى، لوط بن يحيى، وقعة صفين، المحقق، المصحح، يوسفى الغروى، محمد هادى، ص 144؛ قم، جامعه المدرسین، الطبعة الثالثة، 1417ق؛ نهج البلاغة، ص 475.