بحث متقدم
الزيارة
4661
محدثة عن: 2012/02/15
خلاصة السؤال
عندما نطالع الادعیة القرآنیة نجد الداعی فیها یبدأ بنفسه ثم یعرج على الآخرین، بل هناک آیة تصرح بانه " علیکم انفسکم"، فکیف نوجه ما ورد عن السیدة الزهراء (س) من تقدیمها الدعاء للغیر على نفسها و ابنائها؟
السؤال
عندما نطالع الادعیة القرآنیة نجد الداعی فیها یبدأ بنفسه ثم یعرج على الآخرین، بل هناک آیة تصرح بانه " علیکم انفسکم"، فکیف نوجه ما ورد عن السیدة الزهراء (س) من تقدیمها الدعاء للغیر على نفسها و ابنائها؟
الجواب الإجمالي

هناک مقامان یتحرک فیهما الانسان المؤمن، مقام التزکیة و التطهیر، و مقام التفکیر بالآخرین و الدعاء لهم، أما فی مقام التزکیة و تطهیر الذات فتکون الاولویة لتقدیم الذات و هذا المعنى وردت الاشارة الیه فی القرآن الکریم " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلیکُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ..."؛ و ذلک لان تزکیة الذات مقدمة ضروریة فی هدایة الآخرین و فی استجابة الدعاء لهم. و أما فی مقام الدعاء فتکون الاولویة و الاستحباب فی تقدیم الدعاء للغیر على النفس، و هذا ما اکدته الروایات الکثیرة الواردة عن المعصومین (ع) بالاضافة الى سیرتهم العملیة فی هذا الخصوص. و لا یعنی هذا بان الانسان عندما یدعو للغیر ینقص من ثوابه شیء او یحرم استجابة الدعاء لنفسه، بل نجد الملائکة – کما روی عن الامام السجاد (ع)- تخاطبه بالقول: نعم الأَخُ أَنتَ لأَخیکَ تدعو لهُ بالخیر و هو غائبٌ عنکَ و تذکرهُ بخیر قدْ أَعطاکَ اللَّهُ عزَّ و جلَّ مِثْلَیْ ما سَأَلْتَ لهُ و أَثْنَى علیکَ مِثْلَیْ ما أَثْنَیْتَ علیهِ و لکَ الفَضْلُ علیه.

الجواب التفصيلي

یبدو انه قد وقع خلط بین مقام تزکیة النفس و التحرز من المعاصی و الذنوب و بین مقام الدعاء و الطلب من الله تعالى؛ و ذلک لان المستفاد فی المقام الاول "مقام التزکیة و اصلاح النفس و الابتعاد عن المعاصی" من الآیات و الروایات أن الانسان علیه ان یفکر بنفسه أوّلا فیحاول اصلاحها و من ثم الانتقال لهدایة المجتمع و اصلاح الآخرین، و هذا المعنى وردت الاشارة الیه فی القرآن الکریم " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلیکُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَیْها مَلائِکَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا یَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُون‏".[1] و من الواضح أن المقام هنا لیس مقام الدعاء و التضرع، بل هو مقام التزکیة و تطهیر النفس من الرذائل الاخلاقیة و من الموبقات حیث یجب على الانسان أول الامر أن یفکر بنفسه لیصلحها و ینقذها من النار ثم الأهل و الاقارب و الاصدقاء و.. و لا یعنی ذلک بحال من الاحوال التخلی عن الامر بالمعروف و النهی عن المنکر، و لا یعنی أن یعیش الانسان حالة من اللاأبالیة و عدم الاهتمام بشؤون المسلمین، بل القرآن الکریم یحدثنا ان النبی الاکرم (ص) کان یعیش حالة من التحرق و الألم الشدیدین بسبب انحراف الناس و ضلالهم حتى خاطبه الباری تعالى " فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلیمٌ بِما یَصْنَعُون‏".[2] و ذلک لان هذه القضیة تدخل فی ضمن واجبات الانسان المؤمن و لا شک أن القیام بالواجبات یعد أحدى السبل فی اصلاح النفس و تطهیرها، و لایصح بحال من الاحوال التذرع باصلاح النفس فی التکاسل بعدم القیام بالمسؤولیة.

و أما مقام الدعاء و التضرع و طلب الحوائج من الله تعالى، ففی هذا المقام یستفاد من الروایات کثیرا أن القضیة على العکس من ذلک؛ حیث ترشدنا وصایا المعصومین (ع) الى تقدیم الغیر على النفس فی هذا المقام، کما فی القصة التی رواها الامام الحسن (ع) عن أمّه الزهراء (س) حیث قال: رأیت أمّی فاطمة قائمة فی محرابها لیلة الجمعة فلم تزل راکعة ساجدة حتى إنفلق عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنین و المؤمنات و تسمیهم و تکثر الدعاء لهم و لا تدعو لنفسها بشی‏ء، فقلت: یا أمّاه لم تدعی لنفسک کما تدعین لغیرک؟ قالت: یا بنی الجار ثم الدار.[3]

و روی فی مکان آخر عن الامام السجاد (ع) یقول: إِنَّ الملائکةَ إِذا سمعُوا المؤمن یدعو لأَخیهِ المؤْمن بظهر الغیبِ أَو یذکرهُ بخیرٍ، قالوا: نعم الأَخُ أَنتَ لأَخیکَ تدعو لهُ بالخیر و هو غائبٌ عنکَ و تذکرهُ بخیر قدْ أَعطاکَ اللَّهُ عزَّ و جلَّ مِثْلَیْ ما سَأَلْتَ لهُ و أَثْنَى علیکَ مِثْلَیْ ما أَثْنَیْتَ علیهِ و لکَ الفَضْلُ علیه.[4]

و هناک الکثیر من الروایات فی هذا المجال تعرض لذکرها العلماء فی مصادر الحدیث و الدعاء و قد جمع بعضها الشیخ الحر العاملی تحت عنوان " بَابُ اسْتِحْبَابِ اخْتِیَارِ الْإِنْسَانِ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ" حیث ذکر فیه الکثیر من الروایات الدالة على ترجیح الدعاء للغیر على الدعاء للنفس.

لمزید الاطلاع انظر: « الدعاء للزوج المنحرف و الاقارب»، سؤال 14979 (الموقع: 14755)



[1]التحریم، 6.

[2]فاطر، 8.

[3] الشیخ الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 7، ص 112، بَابُ اسْتِحْبَابِ اخْتِیَارِ الْإِنْسَانِ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ، مؤسسه آل البیت، قم.

[4]نفس المصدر، ص111.

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...