Please Wait
5384
هناک ثلاث عوامل یجب أخذها بنظر الاعتبار فی دراسة هذه المسألة:
1- هل أن کلا من أعضاء هذه لشوری المفترضة فی السؤال مجتهد مطلق أو متجزئ فی اجتهاده؟
2- و هل الأعضاء من المجتهدین الأعلم أم من غیر الأعلم؟
3- و هل المجتهد العضو یجب أن یکون من المتخصصین بالاستفتاء الخاص فی الحوزة أم لا؟
فیجب أن تبحث المسألة من خلال هذه الفروض الثلاثة، و علی هذا الأساس تکون لمسألة شوری المراجع اثناعشر فرضاً. فمن الواضح فی رأی العقلاء ان الشوری تختلف کثیراً باختلاف اعضائها فلیست علی السواء سواءً أ کان کل من أعضائها مجتهداً مطلقاً أم متجزئاً فی اجتهاده أم بعضهم أعلم و بعضهم غیر أعلم. و لا یُمکن القول بأن الرأی فی النهایةللأکثریة، سواء أکان له تخصص خاص أم لم یکن له ذلک. و بعبارة أخری: نحن لا نستطیع القول بشکل عام: بما أن هذه الشوری منعقده من المجتهدین فیتعیّن علی الجمیع تقلید الرأی الصادر عنها، بل نحن مضطرون الی النظر لأعضائها و الی من هم خارجون عنها لنری من هم الأکثریة التی اعطت رأیها لهذه الشوری. فإذا کانوا مختلفین فی الأعلمیة فالعقل یحکم بأن نذهب للأعلم سواء أکان الأعلم بشکل الأقلیة أم الأکثریة، أما إذا کانوا متساوین تقریباً. عندئذٍ یتضح رأی الأکثریة و الأقلیة، و غایة الأمر هنا الاحتکام للاحتیاط؛ و هو أن نعمل مثلاً طبق رأی الأکثریة، و ذلک لأن رأی العقلاء هنا لیس واضحاً مئة بالمئة فهل نأخذ برأی الأکثریة علی أن العمل برأی الأقلیة عمل غیر عقلائی؟ و الصحیح هو کذلک فرأی الأکثریة یکون احتمال مطابقته للواقع أکثر من رأی الأقلیة.
مسألة شوری الإفتاء بحث طرح أصله فی الدورات السابقة، و یعتبر من البحوث الأصلیة للفقه. و فکرة ایجاد شوری الإفتاء و فی الحقیقة تحویل مسألة المرجعیة الی شوری منعقدة من عدّة مراجع، تطرح بین فترة و اخری و خاصة بعد قیام الثورة الإسلامیة فی إیران و قد انتشرت فی الآونة الأخیرة کتب و تحقیقات عن هذه المسألة.
هذه المسألة لها فروض متنوعة جداً، و تبعاً لذلک تکون اجوبتها متعددة أیضاً و لا معنی لأن یکون لها جواب واحد أصلاً. و هذه الشوری التی نرید البحث فی حجّیتها، هناک ثلاثة عوامل فی ترکیب أعضائها یجب أخذها بنظر الاعتبار و علی أساسها ندرس فروض المسألة:
العوامل فی ترکیب أعضاء شوری الإفتاء:
هناک عوامل مهمة لها دخل فی ترکیب اعضاء شوری الافتاء و هی کما یلی:
1- العامل الأول: هل أن کلاً من أعضاء هذه الشوری مجتهد مطلق أم متجزئ؟ و القصد من المتجزئ هو من تکون عنده القدرة علی استنباط بعض المسائل دون غیرها و هذا البعض أما بلحاظ مستوی المسألة من حیث السهولة و الصعوبة أو بلحاظ نوعها فمثلاً یُمکنه استنباط المسائل المعاملاتیة دون غیرها. أما المجتهد المطلق و هو من لا یحد قدرة استنباطه مستوی أو مورد معین أو حدود معینة، لذلک فله القدرة علی الاستنباط فی کل الموارد.
2- العامل الثانی: یجب الالتفات فی هذا البحث الی مسألة الأعلمیة و غیر الأعلمیة، و ذلک لأن المجتهد المطلق لا تکون قدرته کقدرة المجتهد المطلق الآخر، فبالإضافة الی أنه یختلف عن المجتهد المتجزئ فإنه لیس فی مستوی واحد مع نظرائه. و هنا یجب الالتفات الی عدة نکات:
1-2: بحث الأعلمیة فی الثقافة الفقهیة المتعارفة لا تطرح إلا فی المجتهد المطلق، فلا یُمکن القول بأن هذا المجتهد المتجزئ هل هو الأعلم من غیره؟ فمن الأصول الثابتة المسلم بها هو أن المجتهد المتجزئ لا یمکنه أن یکون الإعلم. [1]
2-2: هناک نظریتان مطروحة فی مسألة تقلید الأعلم و هما:
الف: النظریة الاولی هی أن تقلید الأعلم واجب.
ب: النظریة الثانیة هی أن تقلید الأعلم لیس بواجب.
أما بعض الفقهاء [2] الذین یفتون بتقلید الأعلم، فلهم تفسیر خاص للمجتهد الأعلم، یختلف عن تفسیر غیرهم من الفقهاء. فبعض الفقهاء یفسّرون الأعلم بأنه الأعلی مستوی من غیره فی العلمیة. أما البعض الآخر من الفقهاء فیقولون: ان الأعلم هو الذی إذا حصل تعارض فتوائی بینه و بین غیر الأعلم، تکون فتوی غیر الأعلم فی رأی العقلاء فاقدة للقیمة التخصصیة. [3]
فنحن نعتقد ان الأعلم هو الذی تکون الفاصلة بینه و بین غیر الأعلم بلحاظ التخصص بالمقدار الذی عندما یحصل تعارض بین فتواهما یکون الرجوع لغیر الأعلم فاقد للقیمة التخصّصیة. إذن فی الوقت الذی لا یحصل تعارض فی فتواهما لا یوجد أی فرق بین تقلید الأعلم من غیره. و تقلید الأعلم لا تکون له الأهمیة إلا عندما تتعارض فتواه مع غیر الأعلم؛ مثلاً إذا قال الأعلم: هذا العمل واجب و غیر الأعلم قال عنه إنه غیر واجب. أو أن الأعلم قال: هذا حرام و غیره قال عنه إنه غیر حرام.
إذن بحث تقلید الأعلم و غیره یطرح و تکون له قیمة عند التعارض الفتوائی بینهما. فمثلاً فی المسائل الطبیة لو أخذنا بنظر الاعتبار طبیبین متخصصین بالعیون أحدهما جدید عهد بالتخرّج و الآخر متخرّج قبل 20 سنة و عنده سوابق تحقیقیة و تجریبیة عریقة فی هذا المجال فإذا اختلف الاثنان فی مسألةٍ ما خصوصاً إذا کانت فی عملیة جراحیة مهمة فأحدهما یقول: بأن العین تحتاج الی عملیة جراحیة، و الآخر یقول: ان العملیة الجراحیة خطرة و قد تؤدی الی العمی. فهنا العقلاء لا یرون الرجوع الی من لیس له سابقة فی هذا المجال رجوع للمتخصص و إن کان قد حصل علی التخصص فی أمراض العیون بل یجب الرجوع الی من کان له سابقة 20 سنة تخصص. فقصدنا من الأعلم هو هذا لا غیر.
3- العامل الآخر هو عبارة عن "التخصص الخاص" و هذا بحث یختلف عن بحث الاطلاق و التجزئ و یختلف کذلک عن بحث الأعلمیة و غیرها، و التخصص الخاص یعنی: المعلومات التی تساعد علی فهم الموضوع أو فهم الارتکازات فی هذا المجال بشکل أفضل و هذا یعنی:
الف: قد یکون للمجتهد تخصص فی مورد ما من موارد الاستفتاء مثل المسائل الاقتصادیة، فمثلاً إذا وجّه له سؤال اقتصادی یکون لهذا المجتهد المطلق تبحر فی المسائل الاقتصادیة بشکل خاص.
ب: و قد لا یکون للمجتهد المطلق معرفة بالمسائل الاقتصادیة بشکل خاص و لکن عندما یُسأل عنها یبحث عنها و یُجیب جواب المتخصص.
فعلی هذا الأساس تکون لمسألة الشوری اثنا عشر فرضاً. [4] فمن الواضح فی رأی العقلاء ان الشوری تختلف کثیراً باختلاف أعضائها، فلیس علی السواء سواءً أ کان کل من أعضائها مجتهداً مطلقاً أم متجزئاً فی اجتهاده أم بعضهم أعلم و بعضهم غیر أعلم. و لا نقول سیکون الرأی للأکثریة، سواء أکان عنده تخصص خاص أم لم یکن عنده. فلیس عندنا هکذا سیرة عقلائیة نثبت من خلالها ذلک الحکم. و بعبارة اخری: نحن لا نستطیع القول بشکل عام أن هذه الشوری قد عُقدت من المجتهدین فیتعیّن علی الجمیع تقلیدهم، بل نحن مضطرون الی النظر لأعضائها و الی من هم خارجون عنها لنری من هم الأکثریة التی اعطت رأیها لهذه الشوری؟
فإذا کانوا مختلفین فی الأعلمیة فالعقل یحکم بالذهاب للأعلم سواء أکان الأعلم یشکّل الأقلیة أم الأکثریة، أما إذا کانوا متساوین تقریباً عندئذٍ یتضح رأی الأکثریة و الأقلیة، و غایة ما فی الأمر هنا الاحتکام للإحتیاط؛ و هو أن نعمل مثلاً طبق رأی الأکثریة، و ذلک لأن رأی العقلاء هنا لیس واضحاً مئة بالمئة، فهل نأخذ برأی الأکثریة علی أن العمل برأی الأقلیة عمل غیر عُقلائی؟ و الصحیح هو کذلک، فرأی الأکثریة یکون احتمال مطابقته للواقع أکثر من رأی الأقلیة.
النکتة الأخیرة هی ان الشوری الفقهیة هی شوری تخصصیة، و أمر "الشوری التخصصیة" یختلف تماماً عن أمر "الشوری المقرّرة" و الموازنة بینهما ضرب من المغالطة و ذلک لأن الشوری المقرّرة وظیفتها هی إنشاء أو جعل الحکم، أما الشوری التخصصیة فوظیفتها کشف الحکم و عرف الأشخاص له أهمیة خاصة فی مقام الکاشفیة. إذن فی هذا المورد لیس الملاک هو الأکثریة فقط، بل الملاک هو صاحب الرأی، نعم فی إنشاء الحکم تراعی المصالح و المفاسد.
[1] لمزید من التوضیح انظر: الاستاذ الهادوی الطهرانی، بحوث خارج الاصول، بحث الاجتهاد و التقلید.
[2] مثل آیة الله الشیخ الهادوی الطهرانی.
[3] هذا التعریف لآیة الله الشیخ الهادوی الطهرانی.
[4] اربعة من هذه الفروض عندما یکون أعضاء الشوری کلاً منهم من المجتهد المطلق، و أربعة منها عندما یکون الأعضاء کل منهم من المجتهد المتجزیء، و أربعة عندما یکون الأعضاء کل منهم إما مجتهد مطلق أو متجزیء.