Please Wait
6322
من الامور التی نسب الى الإمام المهدی (عج) القیام بها عند الظهور مسألة هدم المساجد و البقاع المتبرکة و التی وردت الاشارة الیها فی بعض المصادر الروائیة.
و نحن اذا تأملنا فی قضیة الهدم و التغیر تلک نصل الى نتیجة مهمة هی: ان الروایات لا تعنی أن الامام یهدم جمیع تلک المساجد لیسقطها عن الانتفاع و یزیلها عن خارطة الاماکن المقدسة الاسلامیة و خاصة المسجد الحرام، فلا ریب أن ذلک من أشد المحرمات قبحاً. و انما بعض المساجد شیّدت من دون أن تراعى فیها الاصول الشرعیة، و البعض الآخر تحولت الى أوکار لمواجهة الدین و التصدی للمؤمنین، و الصنف الثالث منها حدثت فیه على مر التاریخ تغییرات کثیرة أخرجته عن الحالة التی کان علیها أول مرّة و من هنا یعیدها الامام (عج) الى ما کانت علیه. و لیست قضیة الهدم الامر المستغرب فی التأریخ الاسلامی الصحیح و ما مسجد ضرار الذی بناه المنافقون عنا بغائب.
من الامور التی نسب الى الإمام المهدی (عج) القیام بها عند الظهور مسألة هدم المساجد و البقاع المتبرکة و التی وردت الاشارة الیها فی بعض المصادر الروائیة.
و تعود جذور القضیة الى بعض الروایات المتحدثة عن عصر الظهور و ما یقع فیه؛ و لکن هذه الاحادیث قابلة للبحث و المناقشة سنداً و دلالة.
و من تلک الروایات ما رواه أبو بصیر عن الإمام الصادق (ع) أنه (ع) قال:" القائم یهدم المسجد الحرام حتى یرده إلى أساسه و مسجد الرسول (ص) إلى أساسه و یرد البیت إلى موضعه و إقامه على أساسه".[1]
و فی روایة أخرى عن أبی بصیر من دون نسبة الى الإمام الصادق (ع): "إِذَا قَامَ الْقَائِمُ دَخَلَ الْکُوفَةَ وَ أَمَرَ بِهَدْمِ الْمَسَاجِدِ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى یَبْلُغَ أَسَاسَهَا....".[2]
اما سند هذه الروایات ففیه علی بن حمزة البطائنی من رؤساء الواقفة و قد ضعفه علماء الرجال.
یقول الشیخ الطوسی (ره) فی کتاب الغیبة فی خصوص عدم الاعتماد على الواقفة و قبل نقل الاحادیث الذامة لهم: و أما ما روی من الطعن على رواة الواقفة فأکثر من أن یحصى و هو موجود فی کتب أصحابنا نحن نذکر طرفا منه.[3]
لکن الجدیر بالذکر أن مجرد تضعیف راوٍ واحد فی السند لا یعد دلیلاً قطعیاً على ضعف الروایة فربما یجبر ضعف السند هذا بروایات أخرى، و منها لو فرضنا التسلیم بصحة سند الروایتین، هناک بعض النکات التی من الضروری الاشارة الیها:
الف- تصدی الدین و المذهب کثیراً لظاهرة التجمل و الزینة المفرطة و الاهتمام بظواهر الاشیاء. فعلى مر التأریخ الاسلامی و نتیجة لهیمنة الحکومات غیر الجدیرة التی لا تمتلک خلفیة ثقافیة اسلامیة صحیحة، تم تغییر مظاهر الثقافة الاسلامیة المدنیة باشکال مختلفة حتى سرت ظاهرة التجمل تلک الى المؤسسات الدینیة، و المساجد التی تعد مرکزاً للوعی و الثقافة و الارشاد و الهدایة و مرکزاً لاتخاذ القرارات الستراتیجیة و الخطیرة کالجهاد و غیره، بالاضافة الى کونها منابع نور و عروجا روحیا معنویا، تجد البعض منها فی آخر الزمان یفقد تلک الخاصیة و تتحول من مراکز اشعاع و نور الى مجرد زخارف خلابة و نقوش رائعة تجلب نظر الرائی مع کونها خالیة من الرواد و المصلین و العابدین؛ من هنا نجد الرسول الاکرم (ص) یحذر من الوقوع فی هذا الخطأ قائلا: "سیأتی على الناسِ زمانٌ مساجدهم عامرةٌ و هی خرابٌ من الهدى".[4]
و لما کان الامام المهدی (عج) یحمل رسالة الهدایة لله تعالى و الاصلاح فی المجتمع فی شتّى المجالات من هنا ینهض للتصدی لکافة الانحرافات و من تلک الامور التی یعالجها قضیة الافراط فی البهرجة و الزینة و کثرة النقوش و الالوان فی عمارة المساجد مما لا یرتضیة الدین لیجعل منها مراکز خالصة للتوحید و المعرفة الالهیة و مصادر اشعاع معرفی و عبادی و عروجا روحانیاً لله تعالى.
ب- النقطة الاخرى، أن مجال اصلاحات الإمام واسع جداً بحیث یشمل کافة المجالات و الدوائر الدینیة. فعندما یقع الکلام عن تخریب المسجد الفلانی لا یعنی ذلک تعطیلة عن الفائدة بالکامل، حیث توجد روایات أخرى تشیر الى اهتمام الامام ببناء المساجد بنحو لا یؤدی الى الحاق الضرر بالآخرین، و لاریب أن مهمة رفع تلک الاشکالات الورادة على الاماکن المقدسة یقع على کاهل الحکومة الدینیة و التی یتسنم الإمام مقام الصدارة فیها. و هذه القضیة لا انها لیست بمذمومة فحسب بل تعد من الحرکات التی تعکس إهتمام الاسلام بحقوق الناس و ضمانها حتى لو کان ذلک على حساب الاماکن و البقاع المقدسة.
روى أبو بصیر عن الامام الصادق (ع) أنه قال فی حدیث طویل: "إِذا قام القائم دخل الکوفةَ و أَمر بهدم المساجد الأَربعة حتَّى یبلغَ أَساسها و یکونُ المساجدُ کلُّها جمَّاءَ لا شُرَفَ لها و یوسِّعُ الطَّریق الأَعظَم، و یهدمُ کلَّ مسجدٍ على الطَّریق و یسُدُّ کلَّ کُوَّةٍ إِلى الطَّریقِ و کُلَّ جَنَاحٍ و کَنِیفٍ و مِیزَابٍ إِلَى الطَّرِیق".[5]
یتضح من خلال تلک الروایات أن الإمام (عج) یهتم إهتماماً کبیراً بقضیة حقوق الناس التی تعد الیوم من أهم المطالب الجماهیریة، فیولیها الامام (عج) إهتماماً خاصاً بنحو یوجب على الجمیع الالتزام به و عدم التعرض له حتى مع التذرع بالقضایا الدینیة و المقدسات الاسلامیة.
ج- فی خصوص الحدیث عن المساجد الاربعة التی یهدمها الامام (هج) فی الکوفة[6] لعل المراد منها المساجد الاربعة التی بنیت من قبل قادة الجیوش الامویة شکراً لله على قتل الإمام الحسین (ع)!! و التی سمّیت بعد ذلک بالمساجد الملعونة.[7]
وقد ذکرت اسماء تلک المساجد فی روایة عن الامام الباقر (ع) حیث قال: "إِنَّ بالکوفةِ مساجدَ ملعونةً و مساجدَ مبارکةً ... فأَمَّا المساجدُ الملعونةُ فمسجدُ ثقیفٍ و مسجدُ الأَشعث و مسجدُ جریر و مسجد سماکٍ".[8]
و روی کذلک عن الامام الصادق (ع) أنه قال: "إن أمیر المؤمنین (ع) نهى عن الصلاة فی خمسة مساجد بالکوفة مسجد الأشعث بن قیس الکندی و مسجد جریر بن عبد الله البجلی و مسجد سماک بن مخرمة و مسجد شبث بن ربعی و مسجد تیم".[9] و قد وصف الامام الباقر (ع) اربعة منها بالملعونة و لعلها تکون موجودة فی عصر الامام الحجة فیهدمها.
د- إن الامام المهدی (عج) یسلک نفس المنهج الذی اعتمده الرسول الاکرم (ص) فی التصدی للبدع و الانحرافات العقائدیة و یسیر بسیرة جده المصطفى (ص) فعندما شاهد الرسول الاکرم (ص) أن بعض المنافقین حاول التلاعب باحاسیس و مشاعر المسلمین من خلال استغلال الاماکن المقدسة و تشید مسجد ضرار محاولا ضرب الاسلام من الداخل و هو ما اشارت الیه الآیة المبارکة"وَ الَّذینَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ کُفْراً وَ تَفْریقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنینَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَیَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَ اللَّهُ یَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ"[10] فأمر الرسول (ص) بهدمه و إزاحته من الوجود و تصدى له بکل عنف مشیراً فی الوقت نفسه الى نوع آخر من المساجد بنی على التقوى هو الذی یستحق القیام فیه "لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ یَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فیهِ فیهِ رِجالٌ یُحِبُّونَ أَنْ یَتَطَهَّرُوا وَ اللَّهُ یُحِبُّ الْمُطَّهِّرین".[11]
و من الواضح أن استغلال المنافقین للمقدسات الدینیة لیس من الامور التی انحصرت فی عصر الرسول الاکرم (ص) و لا ستنحصر فی زمان غیره. و من هنا وجدناها تکررت على مرّ التاریخ الاسلامی و ستبقى ظاهرة استغلال المقدسات من قبل المنافقین و النفعیین موجود حتى عصر ظهور الامام (عج) و التی سیقف الإمام (عج) بوجهها و یتصدى لها متأسیاً بسیرة جده المصطفى (ص) و سیأمر بهدم و زوال تلک الاوکار حتى اذا تمظهرت بشکل مسجد أو مکان مقدس آخر.
هـ. من الامور الجدیرة بالالتفات الیها أن بعض المساجد لم تشید على وفق العمارة الاسلامیة بل روعی فیها محاکاة عمارة الکنائس المسیحیة و تلک الکنائس حاکت بدورها معابد المشرکین و لقد اثبتت المقارنات و الدراسات أن بعض المساجد تحاکی عمارة هیاکل و معابد المشرکین فی الرومان و الیونان القدمیة و انها لا تنسجم بحال من الاحوال مع الحالة العبادیة لعامة المسلمین فاذا اقیمت حکومة اسلامیة مقتدرة هدمت تلک المساجد و اعادة عمارتها وفقا للعمارة الاسلامیة.[12]
و- من المعروف على مر التأریخ أن الحکام و الملوک الظلمة قاموا بتشیید بعض المساجد بأموال مغصوبة، الأمر الذی یتنافى مع الشریعة الاسلامیة و لما کانت حکومة الامام المهدی (عج) قائمة على القسط و العدل لا یمکن ان تغفل هذا الجانب فلا بد من معالجة تلک الاشکالیة.
ز- فی خصوص الروایات الواردة فی تخریب المسجد الحرام لا تعنی تلک الروایات إزالة تلک الاماکن المقدسة عن الوجود و ازاحتها من خارطة الاماکن المقدسة، فلا ریب أن ذلک من أشد المحرمات قبحاً، و انما تشیر الروایات الى إعادة تلک الاماکن الى حالتها الاصلیة التی کانت علیها و هذا ما اشار الیه الحدیث المروی عن النبی الاکرم (ص) مخاطباً عائشة: "یا عائشة لو لا أن قومک حدیثو عهد بشرک لهدمت الکعبة فألزقتها بالأرض و جعلت لها بابین بابا شرقیا و بابا غربیا و زدت فیها ستة أذرع من الحجر فإن قریشا اقتصرتها حیث بنت الکعبة".[13]
و على کل حال، و بعد ان رحل الرسول الاکرم (ص) ظهرت الکثیر من البدع و سرت شرارتها الى الاماکن المقدسة، من هنا نجد أمیر المؤمنین (ع) یقول: "قد عملت الولاةُ قبلی أَعمالا خالفُوا فیها رسول اللَّه (ص) متعمِّدین لخلافهِ نَاقِضِینَ لعهده مغیِّرِینِ لسُنَّتِهِ و لو حملتُ النَّاسَ على ترکها و حوَّلتها إِلى مواضعها و إِلى ما کَانت فی عهد رسول اللَّهِ (ص) لتفرَّق عنِّی جندی. أَ رَأَیْتُمْ لو أَمرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِیمَ (ع) فرددتُهُ إِلى الموضع الَّذی وضعهُ فیه رسول اللَّه (ص)..... و رددْتُ دار جعْفرٍ إِلى ورثَتِهِ و هدمتُهَا مِنَ الْمَسْجِد".[14]
و لما کان عصر الامام المهدی عصر بسط العدل و القسط و کون الامام (عج) مبسوط الید یمتلک القدرة الکافیة فی تحقیق العدل و اجراء الاحکام الاسلامیة مع انقیاد المجتمع الاسلامی له، یکون من الطبیعی جداً ان تتوقع الجماهیر منه (عج) القضاء على البدع التی تجذرت على مر التاریخ و اصلاح الشأن الاسلامی، و منها قضیة المساجد و الاماکن المقدسة التی حصل فیها تلاعب و استغلال کبیرین من قبل المنافقین و التی لم یتمکن سائر الائمة من القیام بها لعدم توفر الظروف الموضوعیة المناسبة.[15]
یتضح مما مرّ بان تخریب المساجد أو هدم بعضها و اعادة إعمارها فی عصر الامام المهدی (عج) لیس بالامر المستغرب. فان بعض المساجد شیّدت من دون أن تراعى فیها الاصول الشرعیة، و البعض الآخر تحولت الى أوکار لمواجهة الدین و التصدی للمؤمنین و التجسس علیهم، و الصنف الثالث منها حدثت فیه على مر التاریخ تغییرات کثیرة اخرجته عن الحالة التی کان علیها أول مرّة و من هنا یعیدة الامام (عج) الى ما کان علیه.
[1] المجلسی، محمد باقر، بحارالانوار، ج 52، ص 332، مؤسسة النشر الإسلامی، قم، 1407 ق.
[2]نفس المصدر، ص333.
[3] الطوسی، ابو جعفر ،الغیبة، ص 67، مؤسسة المعارف الإسلامیة قم ، الطبعة الاولی، 1411 ق.
[4] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 8، ص 307، دارالکتب الإسلامیة، طهران، الطبعة الرابعة، 1365ش.
[5] بحارالأنوار ج : 52 ص : 333، حدیث 61.
[6]مرت الاشارة الى الروایة.
[7] ابراهیم بن محمد الثقفی الکوفی،الغارات، ج 2، ص 334، مؤسسة دار الکتاب، قم، 1410هـ.
[8] الشیخ الصدوق، الخصال، ج1، ص300، جامعه مدرسی الحوزة، قم، الطبعة الاولی، 1362 ش.
[9] الخصال، ج1، ص302.
[10]التوبة، 107.
[11]التوبة، 108.
[12] الکافی، ترجمه کمرهاى، ج 3، ص 707 ، انتشارات اسوه، قم الطبعة الثالثة، 1375 ش.
[13] الحلی، یحیی بن حسن، العمدة، ص 317.
[14] الکافی، ج 8، ص 58.
[15]انظر: بحارالأنوار، ج 34، ص 168.