بحث متقدم
الزيارة
8607
محدثة عن: 2012/01/18
خلاصة السؤال
هل کان المختار محبّاً لأبی بکر و لعمر؟ و لماذا لم یدافع عن الإمام الحسین (ع) فی کربلاء؟
السؤال
هل من الصحیح إن المختار کان فی قلبه حبّ لأبی بکر و لعمر و لهذا السبب عندما یسقط من الصراط المستقیم فی یوم القیامة یأتی الإمام الحسین (ع) و ینجّیه؟ و أین کان فی زمان ثورة الإمام الحسین (ع) و لم لم یدافع عنه؟
الجواب الإجمالي

الروایات الواردة عن المختار فی الکتب الروائیة علی قسمین. بعضها تمدحه و بعضها تذمه. علماء علم الحدیث و الرجال غالباً ما یختارون روایات المدح فی تعاملهم مع الروایات التی تتکلم عن المختار، و لهم عدة نظریات بالنسبة للروایات المقابلة لها.

الشیخ المجلسی (ره) یری أن روایة (نجاة المختار) تعتبر الوجه الجمعی لسائر روایات مدح المختار و ذمه، حیث یعتقد بأنه و بسبب عقیدته کان من أهل جهنم فی البدایة، لکنه ینجو من العذاب الإلهی بشفاعة الإمام الحسین (ع)، و لکن آیة الله السید الخوئی (ره) یضعّف سند هذه الروایة.

کان المختار الثقفی فی السجن بأمر إبن زیاد فی الکوفة قبل ثورة عاشوراء و قیام الإمام الحسین (ع) فی کربلاء و حتی نهایة هذه الثورة و ذلک بسبب تبنّیه الدفاع عن مسلم بن عقیل سفیر الإمام الحسین (ع) فی الکوفة.

الجواب التفصيلي

المختار بن أبی عبیدة من قبیلة ثقیف؛ کنیته أبو إسحاق؛ و لقبه الکیسان؛ و الکیسان بمعنی فطن و ذکی.[1] و طبقاً لروایة إصبغ بن نباتة، الذی هو من أصحاب أمیر المؤمنین (ع) یقول فیها إن هذا اللقب لقّبه به أمیر المؤمنین (ع).[2]

لقد تعلّم آداب الأخلاق و فضائلها من مدرسة أهل البیت (ع)، و لقد جاء إلی العراق فی أول شبابه بصحبة أبیه و عمه للإشتراک فی فتح بلاد فارس لقد کان المختار إلی جنب أمیر المؤمنین (ع) و بعد شهادته جاء إلی البصرة لفترة قلیلة لکنه إتخذها سکناً له فیما یعد.[3]

یقول العلامة المجلسی (قدس): جعل یتکلّم بفضل آل محمد و ینشر مناقب علی و الحسن و الحسین (ع) و یسیر ذلک و یقول إنهم أحق بالأمر من کل أحد بعد رسول الله (ص) و یتوجع لهم مما نزل بهم.[4]

شخصیة المختار فی الروایات:

تنقسم الروایات التی تتحدث عن المختار فی الکتب الروائیة إلی قسمین. بعضها تنطق بمدحه و بعضها تذمه.

الف) الأحادیث المادحة للمختار:

الروایات الواردة فی الکتب الروائیة و التی تمدح المختار کثیرة. و نحن نشیر هنا إلی ثلاثة نماذج روماً للإختصار.

1ـ عن الإمام الصادق (ع) إنه قال: "ما أکتحلت هاشمیة و لا إختضبت و لا رُئی فی دار هاشمی ٍّ دُخَان‏ خمس حجج حتی قتل عبید الله بن زیاد".[5]

و لقد صحح السید الخوئی هذه الروایة.[6] و هذه الروایة تدل علی تأیید عمل المختار و قیامه.

2ـ عن الإمام الباقر (ع) قال: "لا تسبّوا المختار فإنه قد قتل قتلتنا و طلب بثأرنا و زوّج أراملنا و قسّم فینا المال علی العسرة".[7]

3ـ و قد روی أن الإمام السجاد (ع) لما اُرسل إلیه برأسی عبید الله بن زیاد و عمر بن سعد، سجد لله شکراً و قال: "جزی الله المختار خیراً".[8]

ب) الأحادیث الذامة للمختار:

هنا أیضاً نکتفی بذکر ثلاث نماذج:

1ـ عن الإمام الصادق (ع) قال: "کان المختار یکذب علی علی بن الحسین (ع)".[9]

2ـ نقل إن المختار أرسل إلی علی بن الحسین (ع) بعشرین ألف دینار، فقبلها و بنی بها دار عقیل بن أبی طالب و دارهم التی هدمت، قال: ثم إنه بعث إلیه بأربعین ألف دینار بعدما أظهر الکلام الذی أظهره فردها و لم یقبلها [10] و فی روایة أخری قال: "فإنّی لا أقبل هدایا الکذّابین".[11]

3ـ و من التهم الأخری التی تنسب للمختار هی أنه قائل بإمامة محمد بن الحنفیة و هو الذی دعا الناس إلی محمد بن علی بن أبی طالب إبن الحنفیة، و سمّوا بالکیسانیة و هم المختاریة.[12]

المختار فی رأی العلماء

أکثر علماء الحدیث و الرجال عندما یصلون إلی روایات المختار یرجحون روایات المدح، و لهم عدة نظریات فی توجیه روایات الذم.

الف) إن الروایات التی تذم المختار فی غایة الضعف من حیث السند.[13]

یقول إبن داوود نقلا عن الکشی: و ما روی فیه مما ینافی ذلک (أی المدح) قال الکشی نسبته إلی وضع العامة أشبه.[14]

ب) من المحتمل أن هذه الروایات نقلت تقیة و لأجل حفظ الإمام السجاد (ع) و بنی هاشم من شرّ حکّام الجور.[15]

ج) لقد ورد فی الروایة التی ذکرناها سابقاً أن المختار أرسل هدایا للإمام السجاد (ع) و لأهل بیته مرّتین و لم یقبل الإمام الهدیة الثانیة بعلة أنها من کذاب. و هذا الأمر بعید؛ إذ هذه العلة موجودة فی الأولی و حاشا الإمام (ع) من هذا القول بعد قبول الأولی.[16]

د) إن الروایات التی تنسب فرقة الکیسانیة للمختار و تنقل عنه أنه کذاب، أیضاً بعقیدة علماء علم الرجال هی من تهمة أهل السنة له؛ و ذلک لأن محمد بن الحنفیة لم یدّع الإمامه أبداً حتی یدعو المختار الناس له. بل إن الکیسانیة تشکّلت بعد وفاة محمد بن الحنفیة.[17]

عقیدة المختار

بعض العلماء یرون أن المختار صاحب عقیدة فاسدة و یستدلون علی هذا الأمر بروایتین نشیر إلیها الآن:

1ـ عن أبی عبد الله (ع) قال لی: "یجوز النبی (ص) الصّراط یتلوه علی و یتلو علیاً الحسن و یتلو الحسن الحسین فإذا توسّطوه نادی المختار الحسین (ع): یا أبا عبد الله (ع) طلبت بثارک فیقول النبی (ص) للحسین (ع): أَجِبْه‏، فینقضُّ الحسین (ع) فی النّار کأنه عقابٌ کاسرٌ فیخرج المختار حُممةً و لو شُقّ عن قلبه لوجد حُبُّهما فی قلبه". [18]

2ـ توجد روایة قریبة من هذا المضمون عن الإمام الصادق (ع) فی آخرها یسأله الروای: ...و لم عذّب بالنار و قد فعل ما فعل؟ قال (ع): إنه کان فی قلبه منهما شیء و الذی بعث محمداً بالحق لو أن جبرئیل و میکائیل کان فی قلبهما شیء لأکبهما الله فی النار علی وجوههما.[19]

یری العلامة المجلسی (ره) إن هاتین الروایتین هی الجامعة لروایات المدح و الذم للمختار، فهو بسبب بعض عقائده یعتبر من أهل النار ابتداءً، لکنه و بسبب عمله الجید ینجو أخیراً من النار بشفاعة الإمام الحسین (ع).[20] لکن السید الخوئی (ره) یضعّف سند هاتین الروایتین و یحسّن عقیدة المختار.[21]

المختار و قیام الإمام الحسین (ع)

المختار الثقفی، قبل واقعة عاشوراء و ثورة الإمام الحسین (ع) فی کربلاء، و بسبب دفاعه عن مسلم بن عقیل سفیر الإمام الحسین (ع) فی الکوفة، سجن بأمر إبن زیاد بعد شهادة مسلم و بقی فی السجن إلی نهایة ثورة کربلاء؛[22] لذلک لم یکن حاضراً فی کربلاء لیدافع عن الإمام الحسین (ع).



[1]  المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 45، ص 345، مؤسسة الوفاء، بیروت 1404ق؛ الفیروز آبادی، محمد بن یعقوب، قاموس المحیط، ج 1، ص 257، بیروت، دار أحیاء التراث العربی، 1991م.

[2]  الکشی، الرجال، ص 127، طهران، 1348 ش؛ بحار الأنوار، ج 45، ص344.

[3]  الموسوی المقرم، عبد الرزاق، مقتل الحسین، ص 167، دار الثقافة، الطبعة الثانیة، 1411؛ الزرکلی، خیر الدین، الأعلام، ج 8، ص 70، بیروت، الطبعة الأولی، دار العلم للملایین.

[4] بحار الأنوار، ج 45، ص 352.

[5] بحار الأنوار، ج 45، ص 386، رجال الکشی، ص 127.

[6] الخوئی، أبو القاسم، معجم الرجال، ج 18، ص 94، قم، 1410 ق.

[7] بحار الأنوار، ج 45، ص 343؛ رجال الکشی، ص 125.

[8]  رجال الکشی، ص 127.

[9]  بحار الأنوار، ج45 ،ص 343.

[10]  رجال الکشی، ص 128.

[11]   نفس المصدر، ص 126.

[12]  رجال الکشی، 128.

[13]  معجم الرجال، ج 18، ص 97.

[14]  رجال إبن داوود، ص514.

[15]  معجم الرجال، ج 18، ص 100.

[16]  رجال إبن داوود، ص 514.

[17]  نفس المصدر، معجم الرجال، ج 18، ص 101.

[18]  شیخ الطوسی، تهذیب الأحکام، ج 1، ص 467، ح 1528، طهران، 1365ش.

[19]  مستطرفات السرائر، ص 567.

[20]  بحار الأنوار، ج 45، ص 345، ح 5.

[21]  معجم الرجال، ج 18، ص 100.

[22]  المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 45، ص 353، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق؛ الکرمی، علی، در سوگ امیر ازادی = فی مأتم رجل الحریة- ص398، الناشر: حاذق، قم، الطبعة الأولی، 1380 ش؛ إبن حجر العسقلانی، أحمد بن علی، الإصابة فی تمییز الصحابة، تحقیق: عادل أحمد عبد الموجود و علی محمد المعوّض، ج6، ص250، دار الکتب العلمیة، بیروت، الطبعة الأولی، 1415 ق؛ أبو جعفر محمد بن جریر، تاریخ الطبری، تحقیق محمد أبو الفضل إبراهیم، ج5، ص571، دار التراث، بیروت، الطبعة الثانیة، 1387 ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...