بحث متقدم
الزيارة
6014
محدثة عن: 2011/12/20
خلاصة السؤال
أنتم تقولون إن الدین قد أقرّ العقل لذلک أمکن الاعتماد علیه، فإذا کان کذلک یمکننا إذن الاستنتاج بتحکیم عقولنا؟ و أساساً ما هی أهمیة و تعریف و ضرورة التقلید؟
السؤال
أنتم تقولون إن الدین قد أقرّ العقل لذلک أمکن الاعتماد علیه، فإذا کان کذلک یمکننا إذن الاستنتاج بتحکیم عقولنا؟ و أساساً ما هی أهمیة و تعریف و ضرورة التقلید؟
الجواب الإجمالي

العقل الذی یُقرّه الشرع، غیر العقل الریاضی الذی یفکّر بالمصلحة و الذی نستعمله دائماً، مع کون الأخیر یُقرّه الشارع أیضاً. لکن النکتة التی تحتاج إلی تأمل هی إن العقل محدود بإدراکاته فیدرک الکلیات و لا یُمکنه الدخول فی الخصوصیات و الجزئیات. فالإنسان یحتاج فی دائرة الجزئیات إلی مصدر علمی آخر حتی یساعده فی إدراک الخصوصیات و الجزئیات و هذا المصدر العلمی هو الوحی.

یمکن تصور معنیین للتقلید: أحدهما معنیً سلبی قد یفرّ المرء من معناه عند تصوره طبقاً لبعض الأعراف، و الآخر معنی ایجابی. و التقلید الموجود فی الفقه اصطلاح فقهی خاص نعنی به فی الثقافة العربیة "الرجوع الی المتخصص فی أمرٍ تخصصی ما". فلا نقلّد شخصاً متخصصاً و مجتهداً إلا لأننا غیر متخصصین و غیر مجتهدین فی استنباط الاحکام الدینیة.

الجواب التفصيلي

العقل الذی یُقرّه الشرع، غیر العقل الریاضی الذی یفکّر بالمصلحة و الذی نستعمله دائماً، مع کون الأخیر یُقرّه الشارع أیضاً(إلی حدٍّ ما). لکن النکتة التی تحتاج إلی تأمل هی إن العقل محدود بإدراکاته فیدرک الکلیات و لا یُمکنه الدخول فی الخصوصیات و الجزئیات. فالإنسان یحتاج فی دائرة الجزئیات إلی مصدر علمی آخر کی یساعده فی إدراک الخصوصیات و الجزئیات و هذا المنبع العلمی هو الوحی الذی یتجلّی فی الإسلام فی موردین:

1- فی الکتاب و السنة: یعنی إن ألفاظ الکتاب وحی إلهی کما أن معانیه کذلک و ما قیل بأن معانی القرآن وحدها هی التی جاء بها الوحی علی قلب النبی (ص) غیر الألفاظ رأی غیر صحیح قطعا. و هذا هو الفرق فی الثقافة الإسلامیة بین الأحادیث القدسیة و الآیات القرآنیة، فالمضمون فی الأحادیث القدسیة إلهی و وحیانی، لکن الألفاظ من النبی (ص)، أما القرآن، فألفاظه وحیانیة و هی التی نزل بها الوحی علی قلب النبی (ص).

2- تجلیه الآخر فی مبانی الوحی فی الروایات: بمعنی أن النبی (ص) لا یتکلّم بدوافع الهوی کما یعبّر عنه القرآن الکریم "وَ مَا یَنطِقُ عَنِ الهْوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحَى" [1] .

کما جاء فی الروایات: عن عبد الله بن عمرو قال: کنت أکتب کل شیء أسمعه عن رسول الله (ص) أرید حفظه. فنهتنی قریش فقالوا: إنک تکتب کل شیء تسمعه من رسول الله (ص) و رسول الله (ص) بشر یتکلّم فی الغضب و الرضا، فأمسکت عن الکتابة فذکرت ذلک له فقال: اکتب فوالذی نفسی بیده ما خرج منی إلا الحق". [2]

و أهل البیت (ع) یعرفون تأویل القرآن، کما یعبّر القرآن الکریم " وَ مَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فىِ الْعِلْمِ یَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ کلُ‏ٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَ مَا یَذَّکَّرُ إِلَّا أُوْلُواْ الْأَلْبَاب ". [3] و الراسخون فی العلم هم الأئمة (ع) و هم یعرفون تأویل القرآن، أی یعرفون أصله و بطنه و أساسه، و هذا لم یتم لهم إلا بالعلم الإلهی الذی تجلّی فی کلامهم و نقلوه إلینا. إذن لو أردنا أن نعرف مسألة من المسائل الدینیة، یتحتّم علینا الرجوع للقرآن و للحدیث، مع الإلتفات إلی أن فهم القرآن یتعلّق بعدة أمور منها: فهم اللغة العربیة بشکل جیّد، معرفة المفاهیم و الثقافة الحاکمة فی زمن النزول و کذلک یتحتم علینا معرفة الروایات، لأنها المفسّرة للقرآن و قد تخصص و تُقیّد بعضها، کما أن معرفة الروایات یحتاج إلی معرفة سندها، صحته عن سُقمه، و هل یمکن العمل بهذه الروایة أو تلک أم لا؟ و هذا البحث یحتاج إلی بحوث منهجیة تدرس فی أصول الفقه.

و مجموع هذه المعلومات یعبّر عنها بالإجتهاد، و الإجتهاد هو نوع تخصّص یستطیع الشخص إستنباط الأحکام الشرعیة به من الأدلیة الأصلیة للدین ألا و هی الکتاب و السنة و العقل.

أما مجال العقل فمحدود جدّاً و کثیر من الأحکام یستخرجها المجتهد المتخصّص من مبانی و ألفاظ الکتاب و السنّة لا من العقل. لذلک فمما لا شک فیه لا یمکن لکل الناس أن یکونوا مجتهدین و متخصصین فی الأحکام، فالإجتهاد أمرٌ یحتاج إلی طاقة و استعداد وافرین. و القرآن الکریم یشیر إلی عدم لزوم کون البشر کلهم مجتهدین و متخصصین فی الدین، بل یجب علی طائفة من الناس التفقه و فهم الدین [4] ، و لاریب أن المجتهدین مصداق بارز لتلک الطائفة.

أهمیة التقلید فی الأحکام الشرعیة

یمکن تصور معنیین للتقلید:

1- المعنی المنفی: قد یلزم من تصور معنی التقلید المنفی احیاناً الفرار منه عرفا. فالتقلید بمعناه المنفی، یعنی الإتباع بدون دلیل، فعندما یکون شیء من الأشیاء موضة و یتبعه کثیر من الناس فهذا الإتباع یؤدی إلی ضلالهم و عدم هدایتهم إلی الصراط السوی.

2- المعنی المثبت: و هو التقلید المذکور فی الفقه، و هو اصطلاح خاصّ فقهی و هو بمعنی الرجوع إلی المتخصّصین فی أمر تخصصی. فعندما نقلّد شخصاً مجتهداً و متخصصاً فی الأمور الدینیة لا لشیء إلا لأننا غیر متخصصین و غیر مجتهدین فی أمور الدین، حتی نعرف رأیه و هذه الطریقة یستعملها العقل فی کل المسائل التخصصیة، فعندما یمرض الشخص یراجع الطبیب، لعدم تخصّصه فی هذا المجال، فبما أن الناس لا یُمکنهم جمیعا التخصص فی الفقه، لذلک یتحتم علیهم الرجوع إلی المجتهد المتخصص فی الأمور الدینیة، و هذا الأمر عقلائی، و هذا هو التقلید ذو المعنی المثبت.

مراجعة المواضیع التالیة مفید لکسب مزید من المعلومات عن التقلید:

"العقل و رحاب فعالیته"، السؤال 1110 (الموقع: 1888).

"العقل الریاضی و القلب و الإیمان و الحب"، السؤال 839 (الموقع: 909).

"العقل و الدین"، السؤال 4910 (الموقع: 5284).

"حکمة تقلید المراجع و عدم بیان الأدلة"، السؤال 2441 (الموقع: 2991).

"العمل بالتحقیق بدلاً عن التقلید"، السؤال 14499 (الموقع: 14311).

"أدلة ضرورة تقلید المراجع"، السؤال 975 (الموقع: 1078).

"التقلید المذموم"، السرال 8165 (الموقع: 8320).



[1]     النجم، 3-4.

[2]    أحمد بن حنبل، المسند، ج2، ص162، نقلاً عن الشیخ جعفر السبحانی، موسوعة طبقات الفقهاء، ج1، ص179؛ الطنطاوی، السید محمد، التفسیر الوسیط للقرآن الکریم، ج14، ص59.

[3]    آل عمران، 7.

[4]    التوبة، 122 " وَ مَا کاَنَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنفِرُواْ کَافَّةً فَلَوْ لَا نَفَرَ مِن کلُ‏ِّ فِرْقَةٍ مِّنهْمْ طَائفَةٌ لِّیَتَفَقَّهُواْ فىِ الدِّینِ وَ لِیُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَیهْمْ لَعَلَّهُمْ یحَذَرُون".

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...