Please Wait
5199
أقام المرحوم اللاهیجی فی کتابه "گوهر مراد" اربعة أدلة لاثبات ضرورة الوحی و بعثة الانبیاء، هی:
1. الطریق الذی أقامه الامام الصادق (ع) فی جواب الزندیق: إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالیاً عنّا و عن جمیع ما خلق، و کان ذلک الصانع حکیماً لم یجز أن یشاهده خلقه و لا یلامسوه، و لا یباشرهم ولا یباشروه، و یحاجّهم و یحاجّوه، فثبت (ضرورة) أنّ (یکون) له سفراء فی خلقه، یدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم و ما به بقاؤهم و فی ترکه فناؤهم.
2. طریق المتکلمین، فقد اقام المتکلمون دلیلهم على ضرورة النبوة فی کونها تنطوی على فوائد کثیرة و لما کان الباری تعالى حکیما من جهة و قد خلق الانسان لغایة محددة من جهة اخرى، فلابد ان یبین له ما یساعدة فی تحقیق تلک الغایة، من هنا اقتضت حکمة تعالى ان یرسل للبشر من یبین لهم ذلک لان ترک البشر عرضة للهلاک یخالف الحکمة الالهیة.
3. طریق الحکماء، و حاصله ان الانسان لما کان مدنیا بالطبع و ان الحیاة الاجتماعیة تحتاج الى قانون یضمن العدالة و یحقق الاستقرار، و ان المقنن البشری یعجز عن تحقیق هکذا قانون جامع و شامل من هنا اقتضت الضرورة ان یرسم للبشریة هذا القانون و یوصله الیهم عن طریق الانبیاء المزودین بالمعجزة التی تثبث حقانیتهم.
4. طریق المتصوفة، حاصل ما ذهب الیه المتصوفة لاثبات ضرورة النبوة کون الغایة من وجود الانسان هی الکدح و الحرکة نحو الله تعالى، و عملیة السیر هذه لها اربع مراتب، هی: "السیر من الخلق الى الله" و "السیر فی الله"، و "السیر مع الله"، و "السیر من الله الى الخلق"، یعنی العودة الى عالم الوجود الامکانی محملا بالاوامر و النواهی الالهیة و القوانین و السنن الربانیة، و المراد من النبی هو ذلک الشخص الذی طوى المراحل الثلاثة و سار فی الرابعة.
أقام المرحوم اللاهیجی فی کتابه "گوهر مراد" اربعة ادلة لاثبات ضرورة الوحی و بعثة الانبیاء.[1] الطریق الاول منها نفس الطریق الذی اقامه الامام الصادق (ع) فی رده على الزندیق، و الثانی هو الطریق الذی أقامه المتکلمون و الثالث طریق الحکماء و الربع طریق المتصوفة.
و سنحاول هنا استعراض تلک الادلة بنحو اوضح.
1. الطریق الذی أقامه الامام الصادق (ع) لاثبات النبوة.
روى الکلینی فی اصول الکافی عن هشام بن الحکم عن الامام الصادق (ع) أنه قال للزندیق الذی سأله من أین أثبت الرسل و الأنبیاء؟ : «إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالیاً عنّا و عن جمیع ما خلق، و کان ذلک الصانع حکیماً لم یجز أن یشاهده خلقه و لا یلامسوه، و لا یباشرهم و لا یباشروه، و یحاجّهم و یحاجّوه، فثبت أنّ له سفراء فی خلقه، یدلّونهم على مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و فی ترکه فناؤهم، فثبت الآمرون و الناهون عن الحکیم العلیم فی خلقه، و ثبت عند ذلک أنّه له معبّرین و هم الأنبیاء و صفوته فی خلقه، حکماء مؤدَّبین بالحکمة مبعوثین بها، غیر مشارکین للناس فی أحوالهم على مشارکتهم لهم فی الخلق و الترکیب، مؤیدین من عند الحکیم العلیم بالحکمة و الدلائل و البراهین و الشواهد من إحیاء الموتى ... فلا تخلو أرض اللَّه من حجة یکون معه علم یدلّ على صدق مقال الرسول و وجوب عدالته".[2] و یعتقد اللاهیجی أن الإمام الصادق (ع) فی کلامه هذا اشار الى معان عمیقة و شاملة لکثیر من البراهین و الاقوال التی تمسک بها المتکلمون و الحکماء فیما بعد.
2. طریق المتکلمین لاثبات ضرورة بعثة الانبیاء
یتمحور الدلیل الذی أقامه المتکلمون لاثبات ضرورة بعثة الانبیاء على کون النبوة تنطوی على فوائد جمة فهی تدعیم العقل البشری فی احکامه المستقلة و تأخذ بیده لمعرفة الاحکام التی لا طریق له للوصول الیها منفردا، کذلک من فوائد البعثة ایقاظ العقل و ازاحة ستار الغفلة عنه لتحصیل المعارف الالهیة و الوصول الى السعاد الاخرویة الخالدة، و من فوائد بعثة الانبیاء – حسب رأی الحکماء- ان الانسان بطبیعته العضویة المادیة یحتاج الى انواع الاطعمة و الاشربة لمواصلة الحیاة، و ان للطعام تأثیراً کبیراً على حیاته فمن هنا هو بحاجة الى معرفة الطیب من الطعام و تمییزه عن الخبیث و هذا مما لامجال للعقل لادراکه منفردا الا من خلال التجربة و من الواضح ان التجربة قد تؤدی الى هلاک الانسان، هذا فی الاطعمة المهلکة و المدمرة للبدن و اما الاطعمة التی تترک تاثیراتها على الروح فلا ریب ان الانسان لا یمکنه ان یدرک ذلک منفرداً. من هنا اقتضت حکمة الباری تعالى ان یرسل للبشر من یبین لهم ذلک لان ترک البشر عرضة للهلاک یخالف الحکمة الالهیة، إذن بعثة الانبیاء واجبة فی الجملة.
الامر الآخر ان الانسان یعرف بان علاقته مع الله لابد ان تحکمها مجموعة من القوانین و التکالیف و لما کان العقل البشری عاجزاً عن ادراک تلک القوانین و التشریعات من هنا اقتضت الضرورة ان یرسل الله تعالى من یرشد البشریة الى تلک التشریعات و القوانین الواجبة و المحرمة و...
3. طریق الحکماء والفلاسفة فی اثبات ضرورة بعثة الانبیاء
للحکماء فی إثبات ضرورة النبوّة طریق آخر، وهو أنّ الإنسان مدنیّ بالطبع، أی لا یمکن تعیّشه إلّا باجتماعه مع أبناء نوعه، لیقوم کلّ واحد بشیء ممّا یحتاجون إلیه فی معایشهم من الأغذیة و الملبوسات و الأبنیة و غیر ذلک، فیتعاونون فی ذلک. إذ یمتنع أن یقدر کل واحد منهم على توفیر جمیع ما یحتاج إلیه من غیر معاونة غیره فیه.
و إذا کان کلّ إنسان مجبولًا على شهوة و غضب و حب الذات و تفضیلها على الآخرین، فمن الممکن أن یستخدم أبناء نوعه و یستغل جهودهم و اتعابهم من غیر أن یعینهم او یقدم لهم فی مقابل ذلک أیة خدمة او أجر، و هذا هو الظلم القبیح. و من هنا لا یستقیم أمرهم إلّا بعدل.
و لایجوز أن یکون مقرّر ذلک العدل أحداً منهم من غیر مزیّة تمیزه عن غیره من ابناء نوعه، إذ لو کان کذلک لما استقام أمرهم. ومن هنا جاء دور تزوید النبی بالمعجز لیمتاز به مقرّر العدل عن غیره، فعندما یأتی المبعوث بالمعجزة یذعن له الآخرون اذ لو لم یکن ذلک من عند اللَّه لم یکن مقبولًا عند الجمور؛ فتزویده سبحانه للرسول بالمعجز یحقق غرضین الاول اثبات حقانیة مدعی النبوة و الثانی تمییز ما جاء به من تشریعات عما یأتی به الآخرون، و بهذا یکون قد وفر للبشریة الشریعة الحقة و التی تمتلک مبررات التمسک بها و ترجیحها على غیرها.[3]
4. طریق المتصوفة فی اثبات ضرورة النبوة
سلک المتصوفة طریقا أخرى لاثبات ضرورة النبوة یتمثل فی کون الغایة من وجود الانسان هی الکدح و الحرکة نحو الله تعالى (السیر و السلوک)، و عملیة السیر هذه لها اربع مراتب، هی:
الف: السیر من الخلق الى الله، و هی عبارة عن نفی ماسوى الذات بل حتى نفی الذات، و مشاهدة الذات الاحدیة بنحو مطلق من دون ملاحظة التعینات و الشؤون و الاعتباریات.
ب: السیر فی الله، و یعنی مشاهدة الذات الاحدیة باعتبارها تعینا من تعینات صفات الباری تعالى و الانتقال من التعیّن صفة الى صفة اخرى من صفات الباری حتى نهایة التعینات الصفاتیة.
ج: السیر مع الله، و یعنی مشاهدة الهویة المطلقة فی کل تعین من التعینات الکونیة و المکانیة الى الحد الذی لم یبق أی تعین امکانی و لا ماهیة اعتباریة، الا و قد یشاهد فیه تلک الحقیقة المطلقة و یتیقن بان الماهیة الامکانیة اعتباریة محضة.
د. السیر من الله الى الخلق، یعنی العودة الى عالم الوجود الامکانی بعد التحقق بالحقیقة الوجوبیة مزودا بالاوامر و النواهی الالهیة و القوانین و السنن الربانیة نزلت لتروی عطش الظمأى فی عالم الامکان و انسان عوالم التراب و ان الکثرات الاعتباربة فی هذا العالم تعود الى الوحدة الحقیقة و هذه الرسالة هی الغایة العظمى لبعثة الانبیاء. و هذه الاسفار لابد ان تطوى بصورة مرتبة ینتقل فیها من السابقة الى اللاحقة و المراد من النبی هو ذلک الشخص الذی طوى المراحل الثلاثة و سار فی الرابعة، و وجود هکذا مسافر ضروری و لازم فی تحقق حرکة الانسان نحو الله و السیر و السوک باتجاه الخالق سبحانه و الحرکة من عالم الامکان الى عالم الوجوب.