Please Wait
6937
الفرح و السرور الحقیقی لدى الإنسان المؤمن ما یقربه خطوة إلى الله. و مع هذا فبإمکان الناس و تبعا لرغبتهم الفطریة إلى التنویع أن یتمتعوا باللذات الدنیویة المباحة و أن یسترّوا بها. حتى نستطیع أن نعتبر هذا الفرح دافعا لازدیاد البهجة المعنویة فی المؤمنین.
و من جانب آخر یجب أن نعلم أن الفرح و المرح السطحی و الظاهری الذی ینشأ من التصرفات اللا منطقیة و اللا أخلاقیة مرفوض فی الإسلام.
و لابد أن نلتفت إلى هذه القضیة و هی أن هذا هو أصل منطقی و مقبول لدى جمیع الأنظمة الحضاریة بأن لا ینبغی أن نمارس کل شیء بذریعة الفرح، مع الفارق الموجود فی سعة الأعمال المباحة و غیر المباحة.
من أجل دراسة هذا الموضوع لابد فی البدایة أن نعرف ما معنى "الفرح"؟! أما الفرح بنفسه فلا نستطیع أن نعتبره أمرا مادیا. بعبارة أخرى إن العوامل المفرحة و المسرة تارة تکون مادیة و تارة معنویة، لکن أصل "الفرح" أمر معنوی دائما و هو عبارة عن ردّ فعل الإنسان المصحوب بالرضا تجاه ما یقع حوله من أحداث. کذا الشأن فی مفهوم "الحزن" و إن الناس لیفرحون من بعض الأحداث و یحزنون لأحداث أخرى بحسب رؤیتهم، و لهذا یمکن أن یکون حدث مفرحا لشخص و محزنا لآخر. فعلى سبیل المثال إن "الألعاب الناریة" قد تکون مفرحة للکثیر بما فیها من صوت الانفجار و إسعار النار فی الأزقة و الشوارع، و لکن من المؤکد أن هناک بعض المرضى و العجزة الذین یتأذون من هذه الألعاب.
فعلى أساس ما ذکر و مع الالتفات إلى أن کل فرح لم یصحب بمعصیة فهو مباح فی الإسلام، نتناول موقف الدین المقدس تجاه الفرح و نقسّمه إلى ثلاثة أقسام و هی الأفراح الحقیقیة و الأفراح المباحة و الأفراح المحرمة:
1. الأفراح الحقیقیة: باعتبار أن أصول دین الإسلام هو الاعتقاد بالمعاد و الحیاة الأبدیة، و بما أن الموت فی هذه الرؤیة لیس فناء بل هو قنطرة للعبور من عالم صغیر و محدود إلى عالم لا متناهی، فلا یتحقق السرور الحقیقی إلا إذا امتدّ مدى تأثیره إلى حیاة الإنسان الأبدیة. و من هذا المنطلق أیّ عمل صالح یقوم به الإنسان المؤمن یزیده فرحا و ابتهاجا من دون أن یجرّه إلى العجب و الغرور. إن الفرح و السرور الذی یشعر به المؤمن بعد الإنفاق أو الصیام أو الصلاة أو الحج و… لا یمکن أن یقاس بهذه الأفراح المؤقتة المادیة. و بعبارة أخرى إن شدة حلاوة الارتباط مع الله تطغی على أی لذة و بهجة أخرى و حتى إن الحزن على فراق الحبیب مفرح و مسرّ.
یقول القرآن: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِکَ فَلْیَفْرَحُوا هُوَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُون)[1]
ولهذا جاء فی مناجاة رائعة للإمام السجاد (ع): "إلهی من ذا الذی ذاق حلاوة محبتک فرام منک بدلا"[2]
2. الأفراح الدنیویة المباحة: بالرغم من کل ما قلناه آنفا و مع أنه لا یمکن أن تقاس حلاوة الارتباط مع الله بأی فرح آخر، لکن روح الإنسان و بمقتضى رغبتها فی التنویع ترغب فی أن تجرّب أفراحا أخرى ـ لا على سبیل اتخاذ البدیل ـ و لا یمکن مذمتها لهذا السبب.
إن هذه الرغبة فی التنویع من خصائص الإنسان بصفته أشرف المخلوقات و لا یمکن اعتبارها ضعفا أو قوة له. الأمر الذی یبدل هذه الروح و الرغبة إلى صفة إیجابیة أو سلبیة هو أسلوب تعامل الإنسان مع هذه الروح الإلهیة.
الإسلام یعتبر المؤمنین الأکیاس و الأذکیاء هم الذین یواجهون الناس بوجه بشاش طلق و یشحنون المجتمع بطاقة و نشاط و سرور حتى و لو کانوا حزینین.[3]
من تحرّى حقیقة الدهر أضحى
عنده الحزن و السرور سواء
إن یکن حادث الزمان سیفنی
فلیکن کله أسى أو هناء
إذن کیف نستطیع أن نعتبر المجتمع المتدین مجتمعا کئیبا حزینا؟! هناک الکثیر من الأفراح المباحة التی لم یمنعها الإسلام بل أکّد علیها و ندب إلیها أحیانا کالأفراح الناشئة من:
1ـ2. تطوّر الإنسان و ذویه فی المجالات العلمیة و الاجتماعیة.
2ـ2. اکتشاف قضیة علمیة جدیدة.
3ـ2. السفر و التمتع بالمناظر و المشاهد الطبیعیة الجمیلة.
4ـ2. ممارسة الألعاب الریاضیة و الفنون التی تروض جسم الإنسان و روحه مضافا إلى کونها تسلیة.
5ـ2. التمتع بأنواع الأطعمة و الألبسة.
6ـ2. اختیار الکثیر من الأصدقاء و تشکیل الجمعیات و الفئات و المنتدیات الاجتماعیة المختلفة.
7ـ2. الزواج و تکوین عوائل جدیدة.
والعشرات و المئات من النماذج الأخرى.
و قد أکد الإمام الصادق (ع) فی روایة على أن اللذات الحلال الدنیویة تعین الإنسان على کسب اللذات المعنویة. حیث قال (ع): إِنَّ فِی حِکْمَةِ آلِ دَاوُدَ یَنْبَغِی لِلْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ أَنْ لَا یُرَى ظَاعِناً إِلَّا فِی ثَلَاثٍ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ أَوْ لَذَّةٍ فِی غَیْرِ ذَاتِ مُحَرَّمٍ وَ یَنْبَغِی لِلْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ أَنْ یَکُونَ لَهُ سَاعَةٌ یُفْضِی بِهَا إِلَى عَمَلِهِ فِیمَا بَیْنَهُ و بَیْنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سَاعَةٌ یُلَاقِی إِخْوَانَهُ الَّذِینَ یُفَاوِضُهُمْ وَ یُفَاوِضُونَهُ فِی أَمْرِ آخِرَتِهِ وَ سَاعَةٌ یُخَلِّی بَیْنَ نَفْسِهِ وَ لَذَّاتِهَا فِی غَیْرِ مُحَرَّمٍ فَإِنَّهَا عَوْنٌ عَلَى تِلْکَ السَّاعَتَیْن.[4]
ثم لا یخفى أن بعض الأشخاص الذین بلغوا الدرجات العلیا فی علاقتهم المعنویة مع الله قد یمتنعوا عن بعض الأفراح و اللذات الحلال و لکن لا یدل ذلک على حرمتها بشکل عام، بل بمسامحة بسیطة یمکن أن نعتبر هذه اللذات و الأفراح من القسم الأول إن کانت مصحوبة بذکر الله.
3. الأفراح المحرمة: لقد جاء فی القرآن: (إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْفَرِحین)[5] و قال سبحانه (وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاکُم)[6] و…
فهل یمکن أن نعتبر هذه الآیات نفیا لجمیع أنواع الفرح و السرور فی الإسلام؟! على أساس ما ذکر نستطیع أن نجیب بالنفی بکل جزم، إذ أن الأفراح الوحیدة التی حرمها الإسلام هی التی تؤدی إلى تبعات سیئة فردیة و اجتماعیة.
ولابد أن نلتفت إلى هذه القضیة و هی أن هذا هو أصل منطقی و مقبول لدى جمیع الأنظمة الحضاریة بأن لا ینبغی أن نمارس کل شیء بذریعة الفرح، مع الفارق الموجود فی سعة الأعمال المباحة و غیر المباحة.
إن اللذة الناشئة من مختلف العلاقات الجنسیة التی تحطم أسس الأسرة و المجتمع، و النشوة الناشئة من فقدان وعی الإنسان بسبب شرب الخمور و المخدرات، و الفرح الحاصل من إیذاء الآخرین فی العلاقات الاجتماعیة (السیاقة المزعجة و هتک عرض الآخرین، و تخریب الأموال العامة و…)، و الفرح الحاصل من الإسراف و التبذیر و التفریط بنعم الله، و الفرح الناشئ من الکبر و التفاخر على الغیر بسبب الغنى أو المنصب الاجتماعی، الفرح الناشئ من الفرار من الزحف[7] و الفرح الناشئ من هزیمة المؤمنین بحسب الظاهر[8] و… فهی من مصادیق الأفراح التی قد رفضها الإسلام و أکثرها مرفوضة لدى باقی المجتمعات البشریة أیضا.
الإنسان القاسی الذی یضرب طفلا بریئاً و یرفع صوته بالضحک و العربدة بعد ما یسمع صراخ الطفل و أنینه فهو مرفوض لدى جمیع الناس، إذ کلنا ندرک قبح عمله بکل سهولة، و لکن فی کثیر من الموارد التی لم یتضح لدى الجمیع قبح العمل فیها مثل هذا العمل، یصعب القبول بحرمة السرور الحاصل منها، و لکن لابد أن نعلم إن وراء تحریم اللذات و الأفراح المحرمة هناک برهان و منطق قوی یمکن کشفه من خلال التدبر و التمعن الکافی.
یحاول البعض أن یبرز تلک الأفراح المقطعیة المؤقتة التی لا یبالی بها حتى النخب فی المجتمعات غیر الدینیة، و یرید أن یعطی هذه الصورة الخاطئة للمجتمع من أن الإسلام لا ینسجم مع أیّ فرح و سرور.
و خلافا لأطروحة الإسلام الذی یذهب إلى الاعتدال فی الفرح و الحزن، یباشر هؤلاء و من أجل تحصیل الفرح و السرور بأعمال غیر متعارفة و بدلا من أن یبتهجوا حقیقة، یشعرون بسرور زائف و کاذب، و فی المقابل فی الأحزان و المشاکل و بسبب عدم إیمانهم بالمعاد یصابون بکآبة شدیدة و قد یقعون فی تصرفات غیر معتدلة أخرى کالانتحار!
وهو عمل محرّم فی الإسلام بشکل مطلق، إذ أن فی الإسلام لا ینبغی للأحزان أن تخرج الإنسان عن طوره و تنسیه الله و أوامره.
الآن قارن أفراح المؤمنین بهؤلاء و انظر أین هذا من ذاک؟! إذا استطعنا أن نکون واقعیین نجد بسهولة أن الإسلام لم یمنع سوى الأفراح اللا أخلاقیة، و أما ما سواها من الأفراح المعنویة و الطبیعیة فهی لیست مباحة فحسب، بل قد وجبت فی کثیر من الموارد، و إذا کان کلام فی محاسبة الناس بسبب فرحهم، فإنما المقصود هو الأفراح المنحرفة عن الحق "ذلِکُمْ بِما کُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ بِما کُنْتُمْ تَمْرَحُون"[9]
إذن یستطیع الإنسان المؤمن أن یحصل على السرور و الفرح فی الدنیا و الآخرة معا، کما ورد فی الروایة أن للصائم فرحتین فرحة عند إفطاره حیث یتمتع بالطعام و الشراب و الأخرى عند لقاء ربه حیث یحصل على أجر صیامه.[10]
أما إذا کان فی بالکم مورد خاص من الفرح و السرور الذی حرّمه الإسلام، فاذکروه لنا مع بیان شرح تام لما ترونه فی هذا الخصوص، لنتناوله بالبحث والتوضیح.
[1] یونس، 58.
[2] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 91، ص 148، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.
[3] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 226، ح 1، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.
[4] الکافی، ج 5، ص 87، ح 1.
[5] القصص، 76.
[6] الحدید، 23.
[7] التویة، 81.
[8] التوبة، 50؛ آل عمران، 120.
[9] الغافر، 75.
[10] الشیخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص 134، مکتبة الداوری، قم، بی تا.