بحث متقدم
الزيارة
7243
محدثة عن: 2009/05/09
خلاصة السؤال
هل وضع الإمام الحسین(ع) فرقاً بین العرب و العجم، و أنه ذمَّ العجم؟
السؤال
ما هو رأیکم فیما یخص کلام الإمام الحسین (ع) الوارد فی الصفحة 164 من کتاب «سفینة البحار» و «مدینة الأحکام و الآثار» للمرحوم الحاج الشیخ عباس القمی (ره) و ذلک بخصوص العرب و العجم؟
الجواب الإجمالي

الروایات التی أشرتم إلیها منقولة عن أبی عبد الله الصادق (ع) (و لیس عن الإمام الحسین) حیث قال: «نحن من قریش و شیعتنا من العرب و أعداؤنا من العجم» و هذه الروایة لا یمکن الأخذ بها و اعتماد ظاهرها الذی هو دعوة الى القومیة والعنصریة؛ کما أنها غیر معتبرة بلحاظ السند و الدلالة. أما بلحاظ السند فإن بعض رواة السند ضعاف، و أما بلحاظ الدلالة فإن مضمونها مخالف لآیات القرآن و حکم العقل و الروایات الکثیرة، لأن ملاک التفاضل الوحید هو التقوى و الإیمان، و أن التمییز العنصری مرفوض، و قد صرح النبی الأکرم(ص) و الأئمة المعصومون(ع): «إن ما خالف القرآن فاضربوا به عرض الحائط».

و هذا الکلام یتم على أساس اعتماد المعنى الظاهری لهذه الرویات و الأحادیث، و لکن یمکن القول ایضا أن لفظ العرب و العجم فی اللغة لا یأتی بقصد عنصر أو قوم بعینهم و إنما یأتی لتحدید وصف معین. و هذه الأوصاف ممکن أن توجد فی قبیلة و قوم، کما أن المراد بالعرب قد یکون الأصیل و صاحب النسب، و المراد من العجم ما لا أصل له و على هذا الاساس فإن الروایة اذا صح سندها لا إشکال فیها من جهة الدلالة، و لذلک لأن العدید من الروایات أشارت لقبائل غیر عربیة و وصفتها بقوة الإیمان و ثباته و رسوخه.

الجواب التفصيلي

یخصص الشیخ عباس القمی الصفحة 164 من کتاب سفینة البحار باللغة العربیة للأحادیث الواردة بخصوص لفظ «العجم» و قد جمع هذا المحدث القمی الأحادیث المتعلقة بالعجم المذکورة فی بحار الأنوار. و لم توجد بین الروایات المذکورة روایة عن الإمام الحسین (ع)، و لکن الوارد روایة عن أبی عبد الله، و المقصود به الإمام الصادق(ع)، و الروایة على النحو التالی: «نحن قریش، و شیعتنا العرب، و عدونا العجم».[1]

و لدراسة مثل هذه الروایات لا بد من مراعاة عدة نقاط منها:

1ـ المسألة الأولى التی لا بد من مراعاتها، سند الروایة، و أن یکون ناقلوها ممن یعتمد علیهم فی الروایة و نقل الحدیث. و نحن اذا رجعنا الى سند الروایة نجد احد رواتها شخص إسمه سلمة بن الخطاب، و هو راوٍ ضعّفه علماء الرجال و لم یجیزوا الاعتماد علیه[2]. إضافة إلى وجود الفاصلة الکبیرة بین راواة السند مما یجعلها تتصف بالانقطاع، و هذا یعنی أن عدم ذکربعض رواة سلسلة السند مما یجعل الروایة غیر قابلة للاعتماد.

2ـ دراسة محتوى الروایة و تطبیق دلالتها على الآیات القرآنیة و الروایات القطعیة،.فإن المعنى الظاهری[3] للروایة یخالف آیات القرآن[4]، و الروایات الکثیرة[5]، و کذلک فإنها تخالف العقل. فإن المعیار الأساسی للتفاضل هو الإیمان و التقوى، و أن التفاضل على أساس الأعراق باطل و مرفوض فی الإسلام.

و قد روی عن الرسول الأعظم و الأئمة المعصومین: إذا کان الحدیث مخالفاً لکتاب الله أو السنة القطعیة فلا بد من رده و ترک الأخذ به[6]. فالروایة مرفوضة إذاً حتى و إن کانت صحیحة السند.

3ـ المسألة الثالثة: إن هذه الأبحاث انما تتم عند ما یکون المراد من لفظ العرب و العجم معناهما الظاهری، و لکن لفظ العرب و العجم غالباً ما یستعمل فی اللغة العربیة للإشارة لأوصاف معینة یمکن أن تکون موجودة فی قبیلة أو عرق، کما یراد فی لفظ العرب أنه ذو أصل و جذر، و المراد بالعجم ما لا أساس له و لا أصل و إذا کان هذا هو المراد، فإن کانت الروایة صحیحة السند فلا إشکال فی مدلولها.

و توضیح المطلب کما یلی:

من اللازم بالنسبة لفهم الألفاظ و معرفة معانیها ملاحظة الأجواء و الظروف المحیطة حین استعمالها، لأن التغییر حاصل فی کل زمان مع تقدم الزمن، و أن لفظی العرب و العجم لهما معنیان آخران على الرغم من استعمالها و إرادة الناطقین بالعربیة و غیر الناطقین بها، کقولهم «أعرب» بمعنى أوضح قصده بشکل صحیح، و کذلک لفظ «العرب» استعمل فی النشاط[7]. و «أعجم» استعمل لمن لا یتحدث بشکل واضح و مفهوم، و إن کان عربیاً، و «العجماء» یراد به الحیوانات و کل الأحیاء التی لا تملک لساناً للتفاهم[8]. و قد ورد فی الروایة جواباً على السؤال القائل: ما المراد بالعجم، قیل: یعنی البقر و الغنم و الطیر[9].

و على هذا الأساس فمن الضروری فهم ما کان یقصده الإمام فی الروایة حینما استعمل لفظ العرب و العجم، و علیه لا بد من ملاحظة استعمال اللفظین فی روایات أخرى و التعرف على المراد من استعمالهما.

و من الأحادیث الواردة بهذا الخصوص یفهم[10] أن المقصود بلفظ العرب فی هذه المواضع الأصیل الثابت أو الواضح دون إبهام و المراد بلفظ «العجم» الذی لا أصل له المتزلزل أو ما لا عقل له، و کل هذه المعانی لها نوع ارتباط و نسبة بالمعنى الأصلی.

و لعل العلة فی وجود العلاقة و الارتباط بین هذه المعانی ما کان فی ذلک الوقت من المقایسة و التفاضل ما بین العرب و غیر العرب، و ما وقع من بحث موسع فی تحدید الأصل العربی و إثباته، و أن مرتبة العربی الأصیل تحظى بدرجة و مقامٍ أعلى. و لذلک انبرى الإمام لإصلاح هذا التفکیر الخاطئ و المیزان الباطل الذی یعتبر الأصل العربی قیمة مقابل غیر العربی، فقال أن الأصالة تعتمد على أتباع المذهب الحق، و بذلک جاء قوله أنا و شیعتنا العرب ذوی الأصل؛ من باب محاربة هذه الأفکار و ما ورد عنه فی قوله: «نحن العرب و شیعتنا منا»[11] و الروایة الأخرى: «کل من ولد مسلماً فهو عربی»[12]. یؤید هذا المطلب.

و بلحاظ ما تقدم فإن لفظ «قریش» التی تعد من أکثر العرب أصالة و ثباتاً استعملت لهذا الغرض و لإیضاح هذا المعنى أی أن المعنى: أنا أکثر الناس أصالة و أن شیعتنا أصلاء من أهل الثبات، و أن أعداءنا متزلزلون لا أصل لهم و لا ثبات.

4ـ إضافة إلى ذلک فقد وردت روایات کثیرة تشید بأقوام من غیر العرب و ترفع من شأنهم، و من تلک الروایات:

أ ـ ذکر الإمام الباقر: أن العدید من أنصار المهدی(عج) هم من أولاد العجم.[13]

ب ـ و روی عن أمیر المؤمنین قوله: «کأنی أنظر إلى شیعتنا بمسجد الکوفة، و قد ضربوا الفساطیط یعلمون الناس القرآن کما أنزل»[14].

جـ ـ و نقل عنه أیضاً: « قال فی فارس‏ ضربتموهم على تنزیله و لا تنقضی الدنیا حتى یضربوکم على تأویله »[15].



[1] المصدر أصلی للروایة کتاب معانی الأخبار، ص404.

[2] آیة الله الخوئی(ره)، سید ابو القاسم، معجم الرجال، ج 4، ص 9.

[3] المراد من لفظ العرب و قریش و العجم هذه الأصول المعروفة.

[4] «یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثَى وَ جَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ» (الحجرات13).

[5] قال سیدنا رسول الله (ص): أیها الناس إن ربکم واحد و إن أباکم واحد لا فضل لعربی على عجمی و لا لعجمی على عربی و لا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى قال الله تعالى إن أکرمکم عند الله أتقاکم (معدن الجواهر، ص 21).

[6] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): إِنَّ عَلَى کُلِّ حَقٍّ حَقِیقَةً وَ عَلَى کُلِّ صَوَابٍ نُوراً فَمَا وَافَقَ کِتَابَ اللَّهِ فَخُذُوهُ وَ مَا خَالَفَ کِتَابَ اللَّهِ فَدَعُوهُ .(کافی، ج 1، ص 69).

[7] المصدر نفسه، ج 12، ص 386.

[8] مجمع البحرین، ج 6، ص 112.

[9] معانی الأخبار، ص 404.

[10] المصدر نفسه.

[11] نفسه.

[12] نفسه

[13] سفینة البحار، ج 2، ص 164.

[14] نفسه.

[15] قرب الإسناد، ص 52؛ بحار الأنوار، ج 64، ص 174.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...