بحث متقدم
الزيارة
6937
محدثة عن: 2006/11/13
خلاصة السؤال
کیف یمکن توجیه و تعقّل الامامة فی سن الطفولة؟
السؤال
کیف یمکن توجیه و تعقّل الامامة فی سن الطفولة؟
الجواب الإجمالي

ان الامامة منصب الهی، و هذا من معتقدات الشیعة الضروریة المستنبطة من آیات کثیرة و احادیث نبویة شریفة  و علیه فاذا أحرز نصب شخص ما من قبل الله تعالی لهذا المنصب، وجب علی المسلمین تولیه و اطاعة اوامره من باب التعبد  وبدون أی نقاش او جدال، و ذلک لان الله الحکیم المتعال (اعلم حیث یجعل رسالته)[i]

ثم إنّ احراز کون شخص ما منصوباً من قبل الله لهذا المنصب یتم بعدة طرق:

1 ـ النص من قبل النبی(ص) فی الاحادیث النبویة. 2 ـ تعیینه و النص علیه من قبل الائمة و خصوصاً الامام السابق له. 3 ـ توفّره علی الشروط الخاصّة کالعلم اللدنی و کونه أعلم أهل زمانه، و عصمته و سلامته و اتزانه الجسمی و الروحی و النفسی، و قیامه ببعض الامور الخارقة للعادة علی وجه الاعجاز.

و لم تکن هذه الامور خافیة علی الشیعة المعاصرین للائمة صغار السن کالامام الجواد(ع) فی سنته الثامنة، و الامام الهادی(ع) فی سنته التاسعة، و الامام المهدی فی سنته الخامسة، فانهم توصلوا بعد التحقیق و البحث المعمقّ الی الیقین بامامتهم و ولایتهم فاذعنوا لهم بالولاء والطاعة، ثم اعتمدت الاجیال اللاحقة علی الوثائق التاریخیة، و تحقیقات المعاصرین للائمة مضافاً الی النصوص المأثورة.

و من ناحیة اخری فان مقام الإمامة و التأیید الالهی للائمة (ع) و ظهور خوارق العادات علی أیدیهم یمنع من قیاسهم علی باقی الناس العادیین، مضافاً الی أن اعطاء المقام الالهی الناشئ من الحکمة و العلم و العنایة الالهیة لطفل صغیر، لاینبغی ان یکون امراً مستغرباً بالنسبة للمسلم المؤمن بالقرآن الذی اثبت النبوة لعیسی و یحیی و سلیمان فی سن الطفولة ایضاً، و مع هنا نری الائمة(ع) یستشهدون کراراً بمثل هذه ا لآیات الکریمة.



[i]  ـ سورة الانعام : 124.

الجواب التفصيلي

الإمامة من وجهة نظر الشیعة إعمال ولایة ولی الله علی سائر الناس،[1] و بعبارة اخری: الإمامة منصب إلهی لادارة الدین و دنیا الناس و هدایتم الی ذروة السعادة و الانسانیة . و علیه فلا یمکن للناس معرفة الامام و انتخابه، لان العلم اللدنی و العصمة الباطنیة أمر خفی لایطلّع علیه الا الله، و هذان الامران هما من أهم لوازم الولایة.

ان الانسان الموحد المعتقد بولایة الله تعالى علیه، یکون مطیعاً لاوامر و نواهی الله من جمیع الجهات، و علی هذا فیجب علیه الانقیاد و الطاعة لولایة من عینه الله سبحانه، و الخضوع له و عدم قیاسه علی الآخرین، و تجنب الاسئلة و الاعتراضات واثارة الاشکالیات.

و هناک عدة طرق للتعرف علی من نصبّه الله للامامة:

1 ـ البحث عن سیرته و سلوکه العملی .

2-ـ مراجعة الخصائص و السمات التی عینها الاولیاء السابقون بالنسبة للولی اللاحق.

3 - طلب المعجز و الفحص عن وجود شروط و لوازم الامامة التی یمکن معرفتها عن طریق تتبع السیر و التواریخ و التعرف علی احواله و سیرته. و بالرجوع الی المصادر الروائیة یمکن التوصل إلی الروایات الصادرة عن النبی(ص) فی النص علی الائمة(ع) ثم الرجوع الی روایات کل إمام فی النص علی الامام الذی یلیه.

ان لکل امام فی حیاته و حتی بعد شهادته معاجز و کرامات مشهودة فی کل عصر وجیل، و وقوع هذه الخوارق للعادة للمتوسلین بهم کثیر جداً و خارج عن حد الاحصاء، و هذا من الامور الجلّیة لکل طالب حقیقة.

النتیجة هی انه لا یشترط سن خاص لاحراز مقامه الإمامة، فیمکن ان یمنتح الله البلوغ الروحی و العلمی و الفکری اللازم لهذا الامر للإمام ساعة ولادته، فیکون نفس هذا الامر، احد خوارق العادة التی تثبت امامته، لا أن یکون ذلک مخلاًّ بامامته.

و انه لأمر واضح وبدیهی انّ خضوع العلماء و الفضلاء و الشیوخ و الشباب و ... لولایة شخص صغیر السن یبدو فی النظر السطحی الظاهری ثقیلاً، فلیس قبول مثل هذه الولایة و الامامة بالنسبة للاشخاص العادیین بنفس سهولة قبول الاولیاء الآخرین الذین بلغوا من السنّ مرحلة والاذعان لهم.

و لا یستثنی من القاعدة المعاصرون للائمة صغار السن کالامام الجواد(ع) الذی نال الامامة فی سن الثامنة، و الامام الهادی(ع) فی سن التاسعة و الامام المهدی(عج) فی سن الخامسة، حیث طرحوا هذه الشبهة علی الامام الرضا(ع) و طلبوا منه توضیحاً بهذا الشأن، و نورد فیما یلی نموذجاً لذلک:

روی عن الحسن بن الجهم قال: دخلت علی الرضا و ابو جعفر صغیر بین یدیه فقال لی - بعد کلام طویل جری- : لو قلت لک یا حسن ان هذا إمام ما کنت تقول؟ قال: قلت: ما تقوله لی جعلت فداک. قال : اصبت، ثم کشف عن کتف ابی جعفر فأرانی مثل رمز اصبعین، فقال لی: مثل هذا کان فی مثل هذا الموضع من أبی موسی".

و أیضا روی عن المحمودی قال: کنت واقفاً على رأس الرضا بطوس فقال له بعض اصحابه: ان حدث حادث فإلی من؟ قال: الی إبنی ابی جعفر. قال: استصغر سنه، فقال له ابوالحسن(ع) : ان الله بعث عیسی بن مریم قائماً بشریعة فی دون السن التی یقوم فیها ابو جعفر علی شریعته).[2]

ولکن و علی الرغم من وجود هذه النصوص فقد انشغل بعض الشیعة بالبحث و الفحص عن الامام اللاحق لشکهم و عدم اطمئنانهم (فلذا لجأ البعض منهم الی عبدالله بن موسی(ع) اخ الامام الرضا(ع) ولکن حیث انهم لم یکونوا لیتقبلوا امامة احد من دون دلیل فقد طرحوا بعض الاسئلة علیه و حین انکشف عجزه عن الاجابة علیها ترکوه)[3]

ذلک ان المهم عندهم هو وجود تلک الوجهة الالهیة فی علم الائمة . و علی هذا فقد روعی هذا الأصل مع جمیع الائمة فقد اخضعوا لانواع الاسئلة، فمن استطاع منهم الاجابة الوافیة عنها (مع وجود النص علی إمامته) فانه یقبل به حینئذة عند الشیعة کامام معصوم).[4] ـ و لیس الائمة صغار السن مستثنین من ذلک فقد اخضعوا للسؤال من قبل اعلام الشیعة حیث تیقنّوا من قدراتهم العلمیة و معاجزهم و کراماتهم.

معه ناحیة اخری فان أعداء الائمة(ع) کانوا یتحینّون الفرص لعزل الأئمة و إبعاد شیعتهم عنهم، فکانت جهودهم مستمرة فی تشکیل المجامع العلمیة و... من أجل أبعاد الائمة عن ساحة المجتمع بحجّة صغر السن، لکن کل تلک الجهود عادت بالفشل علیهم و افتضحت محاولاتهم و أثبتت أعلمیة الائمة من جمیع معاصریهم من العلماء).[5]

مضافاً إلی ما تقدم فانه لا یخفى على المتتبّعین للقرآن  الکریم و قصص الأنبیاء، ان هناک عدة انبیاء نالوا مقام النبوة و الرسالة بل و الإمامة و ذلک فی صغر سنّهم، کعیسى(ع)[6] و یحیى(ع)[7] فی حین نالها أغلب الانبیاء الآخرین فی سن الکهولة أی سن الاربعین فصاعدا.

إذن یجب ایکال هذا الأمر إلى الحکمة و العلم الإلهی، والرجوع فی مقام تشخیص الإمام إلى القرائن و الادلة و الشواهد. قال تعالى (قل اللهم مالک الملک تؤتی الملک من تشاء و تنزع الملک ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء بیدک الخیر انک على کل شی قدیر).[8]

و یقول القرآن فی بیان شبهة بنی اسرائیل و الجواب عنها: (و قال لهم نبیهم ان الله قد بعث لکم طالوت ملکا قالوا أنّی یکون له الملک علینا و نحن أحق بالملک منه و لم یؤت سعة من المال قال ان الله اصطفاه علیکم و زاده بسطة فی العلم و الجسم و الله یؤتی ملکه من یشاء و الله واسع علیم و قال له نبیهم إن آیة ملکه إن یإتیکم التابوت فیة سکینة من ربکم و بقیة مما ترک آل موسى و آل هرون تحمله الملائکة ان فی ذلک لآیة لکم ان کنتم مؤمنین).[9]

مصادر للمراجعة:

1-فاضل جواد،المعصومون الاربعة عشر، شرکة طباعة ونشر الکتب فی ایران ،طهران.

2- پیشوائی، مهدی ، سیرة الهداة، مؤسسة الامام الصادق علیه السلام، الطبعة الثانیة1374 هجری شمسی.

3- النجفی ، محمد جواد، الکواکب المتلالة ج11و14 المکتبة الاسلامیة، الطبعة الخامسة1371 طهران.ج11ص22-25وج14ص67-69.

4- مجموعة من المؤلفین،المعارف الاسلامیةج2.

5-القمی ، الشیخ عباس، منتهى الامالص943-955.

الهوامش



[1]  ـ مواضیع مشابهة: سؤال 128 معنی الولایة.

[2]  ـ النجفی، محمد جواد، الکواکب المتألقة ج 11 (حیاة الامام الجواد(ع) ص 24 – 25).

[3]  ـ جعفریان، رسول، الحیاة الفکریة لائمة الشیعة ص 473.

[4]  ـ نفس المصدر ـ ص 474.

[5]  ـ راجع ـ الشیخ عباس القمی، منتهی الآمال ص 955 – 943، و ایضاً العاملی، جعفر مرتضی، الحیاة السیاسیة للامام الجواد(ع) ص 109 – 68.

[6]  ـ مریم 26 – 34.

[7]  ـ مریم 12 – 101.

[8]  ـ آل عمران 26.

[9]  البقرة: 246-247.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...