Please Wait
5883
1- یتعلق الفتح المبین الملازم لتجلی الصفات ببحث الولایة و الفناء و... و یتضح من خلال تبیین أقسام الولایة و الأسفار الأربعة للعرفاء و مراتب الفناء ومراحل القیامة بالنسبة للشخص، ان الفتح المبین ملازم لظهور التوحید الأفعالی و الصفاتی، ومع أن القیامة الکبرى بالنسبة إلى العارف لم تظهر فی هذه المرحلة من مراحل سیره لأن قیام هذه القیامة منوط بحصول مقام (الخفی) و (الأخفى) أو مقام (أو أدنى) الذی یتجلى بتجلٍ خاص على منصة الظهور بالولایة الخاصة یصاحبه الفتح المطلق، ولکن المراتب الأدنى من (مرتبة القیامة) کظهور وجه الله فی قالب التوحید الأفعالی و الصفاتی فی المراتب الأدنى من مرتبة الفناء و الولایة، فی الفتح القریب و المبین فإنها قابلة للتحقق.
2- التجلی الذاتی عبارة عن نوع من أنواع تجلی الحق بالنسبة للعبد، الموجب لفناء السالک الذاتی و مشاهدة حصر الموجودات فی وجود حضرة الحق، وموطن هذه التجلیات هی الذات، و رؤیة هذه التجلیات یسمونه المشاهدة.
و لکن یجب التوجه الى أن الذات بما هو ذات لا یرتبط بشیء آخر و لا یظهر لشیء، و بلحاظ هذه النکتة فإن البعض اعتبر تجلی الذات باعتبار الألوهیة و الواحدیة، وقد قال عدة من العظماء: إن المراد بالتجلی الذاتی هو؛ أن لا یشاهد فی قلب السالک غلبة صفة من الصفات ولا اسم من الأسماء و أن یکون قلبه فارغاً من کل التعلقات و الارتباطات حتى التوجه إلى الحق باسم مخصوص.
الجواب عن السؤالین المتقدمین یتضح من خلال بیان المسائل التالیة:
1- (الفتح) هو ما یتجلى للسالک فی طریق سیره إلى الله، فی حال یکون فیه هذا الباب مغلقاً من قبل بالنسبة له، سواء کان المفتوح هو النعم الظاهریة أو النعم الباطنیة. و من البدیهی أن الفتح و التوسعة فی أبواب الطریق تکون میسرة عن طریق الاستفادة من (المفاتیح) و المفاتیح سواء کانت مشتقة من (مفْتَح) (مخزن) أو مِفتح (مفتاح) فهی من أسماء الله الحسنى، وکلا النوعین هی من عند الله و فی قبضته و طوع یده. «وَ إِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ»،[1] «وَ عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَیْبِ»،[2] «لَهُ مَقَالِیدُ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ».[3] وفی العرفان فإن (مفاتح الغیب) تبین على أساس ظهور و خفاء الأسماء الإلهیة، و تتمتع بهذه الخصوصیة و هی أنها مجرى الفیض الإلهی و واسطة فتح أبواب الخزائن، و وسیلة للإطلاع على أسرار العوالم، و لذلک فإن استجابة کل دعاء منوطة بالتمسک بهذه الأسماء المناسبة، و إن الاطلاع على الأسرار فی محیط تعلم هذه الأسماء أیضاً.
و من الضروری الالتفات إلى مسألة معینة و هی أن هذه الأسماء من جانب حقیقتها لیست هی من سنخ الألفاظ و المفاهیم، و إن تحصیلها و تعلیمها یحتاج إلى حضور و وجدان واقعیتها، و من جهة أخرى فإن هذه المفاتیح هی عند الله، و مع أن فتح هذه الأبواب یتم عن طریق الاستفادة من المفاتیح، و لکن هذه المفاتیح هی أیضاً لا تحصل إلاّ بمشیئته و إرادته.
2- للفتح مراحل و أقسام یصل إلیها السالک فی طریق سیره و بالاستفادة من المفاتح المخصوصة بکل مرحلة، فإنه یتمکن من التقدم و الظفر و فتح الأبواب المغلقة:
أ- (الفتح القریب) و هو عبارة عن ظهور الکمالات الروحیة و القلبیة و التی تحصل بعد العبور من المنازل النفسانیة فتکون «نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِیبٌ».[4]
ب- (الفتح المبین) و یحصل بعد طی الکمالات الروحیة و القلبیة و هو عبارة: عن الظهور بمقام الولایة، و تجلیات أنوار الأسماء الإلهیة بنحو تفنى معه (الروح و القلب) من أثر شدة الجلاء و النورانیة، کما یتم إثبات کمال (السر) الذی هو من اللطائف السبعة.[5] «إِنَّا فَتَحْنَا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً * لِیَغْفِرَ لَکَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَمَا تَأَخَّر».[6]
و فی هذا الفتح تغسل و تطهر جمیع المراتب النفسیة المتقدمة و المراتب القلبیة المتأخرة، و إن ما تبقى بعد هذا الفتح مما لم یفتح بعد، هو وجود الإنسان المذکور فی الآیة بالضمیر (ک) و هذا الوجود هو ذلک (الذنب الکبیر) الذی لا یقاس به ذنب آخر (وجودک ذنب لا یقاس به ذنب)؛ لأن الإنسان ما دام مقیداً بقیود محدودیة هذا الوجود لا یمکن أن یکون قادراً على النهوض بثقل اللا محدودیة للحق.
و على هذا الأساس فإن آخر خطوة للارتباط (بالحقیقة المطلقة)، هی نفض الید و تطهیرها من هذا (الوجود المقید) و ما ورد فی لغة العرفاء من تعبیر (الفناء) هو عبارة عن هذا العبور من قیود النفس التی تحصل مراتبها العلیا بآخر مرحلة من مراحل الفتح، مع أنه من الممکن حصول مراحل أدنى للفناء فی مراحل هابطة للفتح.
ج – (الفتح المطلق) و هو عبارة عن: تجلی الذات الأحدیة و الاستغراق فی عین الجمع، بفناء جمیع الصور و الرسوم الخلقیة «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ».[7]
السالک عندما یصل إلى الفتح المطلق یصل الی آخر مراحل الفتح و ینال لقاء الحق تعالى، و لذلک قال رسول الله (ص) بعد نزول سورة النصر: «بشرنا بالارتحال»؛ لأن الإنسان السالک و بعد أن یطوی آخر مقطع من أی عالم فإنه یرد عالماً آخر حتى یطوی جمیع مقاطع العوالم، فیرحل عن کل ما سواه و ینال لقاء الحق تعالى.[8]
3- (التجلی) عند العرفاء عبارة عن: انکشاف ذات الحق تعالى المطلقة و کمالاته بعد تعینها بالتعینات الذاتیة أو الأسمائیة أو الأفعالیة؛ لذاتها أو لغیرها یعنی فی مرآت الفعل، بنحو لا یلزم منه التجافی أو الحلول أو الاتحاد.[9]
و قد ورد الحدیث عن هذا المصطلح فی العرفان فی قسم (قوس النزول) و کذلک فی (قوس الصعود) فقد قیل فی قوس النزول مثلاً بأن الخلق یکون على أساس التجلی و ..[10].
و أما فی بحث قوس الصعود فالحدیث عن التجلیات (العروجیة) أو (الشهودیة) و مقصود العرفاء هو أن مراحل و درجات السیر و السلوک لا تطوى إلاّ عن طریق تجلیات الحق فی العبد و حیث أن لکل تجل عروجی محطاته و مواطنه و کذلک له حکم و أثر، فإن بلوغ أی مرحلة و رؤیتها توسط العارف لها اسم مخصوص، و إنه من الطبیعی إمکانیة القول إن هذه التجلیات تتحقق فی ضمن أقسام الفتح، و فی الواقع فإن ثلاثة أقسام من الفتح تستلزم ثلاث کیفیات من التجلی، نجمل توضیحها بما یلی:
أ- التجلی الفعلی: و موطنه فعل الحق و الفیض المقدس و موجب للفناء الأفعالی، و نیل التوحید الأفعالی، و مشاهدة الأفعال فی فعل الحق الواحد، و رؤیة هذه التجلیات للعارف تسمى (بالمحاضرة) و (الفتح القریب) نتیجة و غرض لهذا النوع من التجلی![11]
ب- (التجلی الصفتی): و موطنه و محله الأسماء الحسنى و الکمالات الذاتیة و باعث على فناء السالک الصفاتی، و یقال لرؤیة العارف لمثل هذه الکیفیة من التجلیات (المکاشفة) و (الفتح المبین) یکون ملازماً لهذا النوع من التجلی، یقول الأستاذ جلال الدین الآشتیانی فی هذا المورد:
"تجلی الحق فی العبد تارة یکون فی حال التفرقة، و فی هذا المقام لا یکون قلب السالک خالیاً من الأحکام الکونیة و الکثرات و الشوائب و التعلقات، و تکون هذه التجلیات فی داخل العارف بحکم الصفة الغالبة على قلبه، لیصطبغ القلب بلون الکثرة، و تارة یکون بحالة الجمع الذی یکون قلب العارف فی هذا المقام متعریاً و خالیاً من الأحکام الکونیة و الکثرات، و هذا القسم من التجلی یکون متعیناً إما بالاسم الظاهر، أو الاسم الباطن.
و السالک فی مقام (التجلی) فی حال التفرقة یرى الحق فی کل شیء و یظهر التوحید فی حسه و خیاله، و حیث أنه یرى الحق فی کل شیء، فإنه لا یغفل عن کل شیء و لا یعرض عن أی شیء، ولکن فی مقام (التجلی فی حال الجمع) فإنه یقف فی مقام الأحدیة الوجودیة و تظهر أحکام التوحید فی عقله، ربما أنه منغمر فی أحدیة الوجود فإنه معرض عن موجودات عالم الظاهر و الحس.
و أما فی التجلی الصفتی ففی عین کون الوجود ظاهراً فی کل کیان السالک، و إن التوحید تجاوزت الحس و الخیال و وصلت إلى مقام (العقل) بالنسبة إلیه فإن أحکام الکثرة بالنسبة إلیه لم تکن لتصرفه عن أحدیة الوجود، و إن الانغمار فی التوحید لا یصرفه بشکل کلی عن ملاحظة الکثرات".[12]
ج: التجلی الذاتی: و موطنه الذات و هو موجب لفناء السالک الذاتی و حصر مشاهدة الموجودات فی وجود الحق، و تسمى هذا التجلیات من قبل العارف (بالمشاهدة).[13]
یقول الأستاذ الآشتیانی فی هذا الباب: "إن الحق فی هذا التجلی یطهر قلب العارف من علائق الکثرات بشکل کامل، و یصل العارف إلى مرتبة شهود الاعتقاد الخاص و الاسم المخصوص، و المرتبة النازلة لهذا التجلی هی مقام (قرب الفرائض) و بعد التجافی عن هذه المرتبة یأتی مقام (الجمع بین قرب الفرائض و قرب النوافل) و حینما یتخطى السالک الراسخ هذین المقامین لیصل إلى مقام (الفناء من هذین القربین) بل و یتجاوز هذه المرتبة إلى ما بعدها و هی مرتبة (الجمع بین الفنائین)، ثم مرتبة (الفناء عن الفنائین)، ثم (الجمع بین الحسنیین) و (التمکین بعد التلوین).
و هذه المرتبة فی لسان البعض هی مرتبة و مقام التمحض و التشکیک و مرتبة استخلاف الحق و الاستهلاک فی الحق من جهة العین و بقاؤه من جهة الحکم.
إن هذا المقام، بل و مظهریة جمیع أقسام التجلی الذاتی هو من مشخصات الحقیقة المحمدیة و الأئمة الأطهار (ع)، و من الطبیعی أن یکون هذا التجلی من قبیل الأصالة فی الحقیقة المحمدیة، و الإراءات و الاتحاد فی الحقیقة المحمدیة بالنسبة للأئمة (ع)".[14]
4- و طبقاً لما یقوله صدر المتألهین: إن لفظ (القیامة الصغرى) هو یوم الموت الطبیعی، لأن النبی (ص) قال: «من مات فقد قامت قیامته» و (القیامة العظمى) هی فناء جمیع الموجودات بالمحو و الطمس من الله، لأنه لا بقاء لأحد غیر الحی القیوم. «لِمَنِ الْمُلْکُ الْیَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ».[15]
و قد جاء فی شرح الفصوص: کما أن للجنة و النار مظاهر فی جمیع العوالم، فکذلک بالنسبة للساعة فإن لها أنواع خمسة على عدد الحضرات الخمس و هی عبارة عن:
أ- الساعة؛ التی تتجلى فی کل لحظة و آن، لأنه فی کل آن تظهر تجلیات و معانٍ من عالم الغیب إلى عالم الشهادة و من الشهادة إلى الغیب. «بَلْ هُمْ فِی لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِیدٍ»، «کُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ».
ب- الموت الطبیعی؛ کما قال رسول الله (ص): « من مات قامت قیامته».
ج- الموت الإرادی؛ فالذی ینکشف للسالکین هو نفسه الذی ینکشف للمیت، وهذا ما یسمونه بالقیامة الصغرى.[16]
د – الموت الذی وعد به الجمیع؛ «وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ لا رَیْبَ فِیهَا»، «إِنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ أَکَادُ أُخْفِیهَا» و هذا ما یکون فی بزوغ شمس الذات الأحدیة من غروب مظاهر الخلقیة و انکشاف الحقیقة الکلیة و ظهور الوحدة التامة و انقهار الکثرات. «لِمَنِ الْمُلْکُ الْیَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ».
هـ - و هو الموت الذی یکون بإزاء الموت من القسم الرابع؛ أی أنه قبل وقوع حکم هذا التجلی لجمیع الخلائق، فإنه یحصل للعارفین الموحدین من خلال الفناء فی الله و البقاء به.[17]
و کذلک یقول فی توضیح مقام الاستخلاف الإلهی: و یظهر هذا المقام للعارف عند التجلی الذاتی له، لتقوم قیامته الکبرى، فیفنى و یفنى الخلق ثم یبقى فیشاهد ربه بربه.[18]
5- و فی بحث الولایة قسم العرفاء الولایة بمعنى القرب إلى قسمین، العامة و الخاصة، و الفتح القریب و الفتح المبین یختصان بالقسم الأوّل، و أما الفتح المطلق فهو مختص بالقسم الثانی، و کل قسم یلازم مرتبة من مراتب الفناء.
یقول الأستاذ الآشتیانی فی بیان هذه المسألة: الولایة العامة على قسمین:
أ- الولایة التی لها عمومیة و التی تشمل جمیع المؤمنین، و هذه الولایة تحصل عن طریق الإیمان بالله و ملائکته و کتبه و رسله. «اللَّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ».
و ابتداء هذه الولایة مرتبة التخلیة و هی من مراتب العقل العملی، و انتهاء هذه المرتبة قرب النوافل من مراتب الفناء.
و صاحب هذا المقام یستفید فی أوائل سلوکه من لطیفة القلب و من الإیمان الیقینی المجرد من البرهان (وهو مرتبة من مراتب الإیمان) و ینتهی إلى لطیفة الروح و حق الیقین و الفتح القریب و البطن الثانی و الثالث من البطون.
ب- الولایة العامة المختصة بأصحاب القلوب و الکمل من أهل السلوک.
و صاحب هذه الولایة متصف بمقام قرب النوافل و الفرائض و فانٍ فی الحق و باقٍ به، أی أنه خلع الوجود الإمکانی و لبس الوجود الحقانی، و ابتداء حصول هذا المقام یمثل نهایة السفر الأوّل و بدایة السفر الثانی و لطیفة السرّ أو الروح، و ینتهی إلى مقام (قاب قوسین) و بدایة (أو أدنى) و ینال صاحب هذا المقام فی سیره و سلوکه الفتح المبین و البطن الرابع و الخامس و السادس من البطون القرآنیة السبعة.
و حیث أن هذا المقام یشمل جمیع الأولیاء الواصلین إلى الحق و الأنبیاء و المرسلین، فلذلک سمی (بالولایة العامة) و فی مقابل هذا المقام (الولایة الخاصة) المنحصرة بالحقیقة المحمدیة و أولاده الطاهرین.
(الولایة الخاصة) و یحصل هذا المقام للإنسان عندما یصل إلى أعلى مرتبة من مراتب الفناء و المحو التام و المحو المطلق، فتزول الأحکام الإمکانیة بعد خلع الوجود الإمکانی، و یرتفع الشرک الخفی و الأخفى، و... و یتولد بالجمع و الامتزاج بین الأسماء الذاتیة و مفاتیح الغیب الأسمائیة المتحققة فی الأحدیة الذاتیة و الأسماء الکلیة الثابتة فی الواحدیة، قلب فضائله و کمالاته غیر متناهیة، و ابتداء هذا المقام هو نهایة سیر الرسل من أولی العزم، الذی هو نهایة مقام (قاب قوسین) و الشروع فی بدایة مقام (أو أدنى) الذی هو ابتداء السیر الاستکمالی للحقیقة المحمدیة.
و صاحب هذا المقام یستفید من مقام الفتح المطلق و مرتبة الأکملیة و التمحض و التشکیک و مقام (أو أدنى) و البطن السابع و اللطیفة السابعة، و له رئاسة کلیة و تامة على جمیع تعینات الوجود، و لیس من حد و لا نهایة لحسناته و فضائله.[19]
6- الأسفار الأربعة للعرفاء و محل الفناء:
لا یمکن تبیین الأسفار العملیة للعرفاء فی هذا المقال،[20] و لکن اللازم بیانه هنا هو أن السالک یحصل له (السرّ) فی نهایة السفر الأوّل، و السر هو فناء ذات العارف فی الحق تعالى و بعد ذلک تأتی النوبة إلى السفر الثانی، و فی هذا السفر تکون ولایته تامة متممة، و إن ذاته و صفاته و أفعاله تفنى فی ذات و صفات و أفعال الحق تعالى، و عندما تفنى الصفات و الأفعال یطلقون علیه اسم (الخفی)، ثم تأتی بعد ذلک نوبة (الأخفى) و الفناء فیها عبارة عن فنائین و به تکون الولایة تامة و یکون السفر الثانی قد بلغ نهایته.
و یصل العارف بالسیر فی السفر الثالث إلى بقاء الله، و یشاهد جمیع العوالم بأعیانها و لوازمها...[21].
و یعتقد العلماء الکبار أن العارف یرى جمال الحق بظهوره الفعلی، و ذلک فی السفر الأوّل و من خلال رفع الحجب التی لها جنبة مما یلی (الخلق) و فی الواقع فإن وجه الحق ینکشف له. و أما فی السفر الثانی التی تظهر فیه الوحدة التامة و تقوم (القیامة الکبرى) بالنسبة إلى العارف و أن الحق فی هذه المرتبة یتجلى للعارف بمقام وحدانیته، فلا یرى الأشیاء أصلاً و یحدث له الفناء فی الذات و الأفعال و الصفات.[22]
الخلاصة و النتیجة:
کما لا حظنا فإن بحث (الفتح) و (التجلی) لیسا مرتبطین ببعضهما فقط، و إنما لهما ارتباط بعالم من المباحث الأخرى کالأسفار الأربعة و الفناء و الولایة و القیامة و ... و یمکن أن یقال: إن قیامة الشخص بمعنى موته الإرادی لها مراتب، و إذا تحققت مرتبة من مراتبه فی (الفتح القریب) بتجلی الحق الفعلی فی السفر الأوّل.[23] فإن المراتب الأخرى تحصل عندما یواصل السالک سیره إلى مقام (السرّ) و فناء الصفات و الأفعال و الاستفادة من مقام الولایة و بتجلی أفعال و صفات الحق تعالى فی مقام الفتح المبین، سواء قلنا بتحقق هذا الأمر فی السفر الأوّل أم فی السفر الثانی.[24]
و بعبارة أخرى، إذا کان ظهور القیامة الکبرى[25] بالنسبة إلى العارف المصحوبة بتجلی ذات الحق فی المراحل العلیا للولایة و الفناء و ... و فی النهایة یتحقق الأمر فی الفتح المطلق، و لکن هناک مراتب أدنى للفتح لیست بعیدة و لا غریبة عن واقعیة قیامة السالک.
و إنه بالإمکان القول: إن کل ما یحدث للعارف فی أی سفر من الفناء و مراتب الولایة و التجلی یقابله ما یناسبُهُ من مراتب قیامة العارف بالموت الإرادی و قبل الموت الطبیعی.
و یظهر التوحید الأفعالی و الصفاتی و الذاتی بعد الموت الطبیعی و لکن هذه الثلاثة قابل حصولها لدى السالک إلى الله قبل الموت الطبیعی، و تقوم قیامة العارف بما یتناسب مع کل مرتبة من هذه المراتب. و إن ما یتناسب مع الفتح المبین هو ظهور التوحید الأفعالی و الصفاتی.
و نقطة الختام هی أن معنى التجلی الذاتی اتضح فی الأبحاث السابقة، و لکن من المناسب أن یطرح السؤال التالی: إذا لاحظنا الذات بما هی ذات لا یرتبط بشیء آخر و لا یظهر لشیء، فماذا یکون معنى التجلی الذاتی؟
لقد أقر الجامی و الجرجانی فی تقسیم تعریف تجلی الذات أن الله من جهة ذاته لا یتجلى إلاّ من وراء حجاب من الحجب الأسمائیة.[26] و لذلک وجدت عدة طرق لحل هذا المعضل.
1. یقول الجامی: إن المقصود من تجلی الذات هو التجلی باعتبار الألوهیة و الواحدیة....[27]
2. وقال الأستاذ الآشتیانی فی الشرح مقدمة القیصری:
إذا لم تشاهد غلبة و حکم صفة من الصفات أو اسم من الأسماء على قلب السالک و العارف، و کان قلبه فارغاً من جمیع التعلقات حتى تعلق التوجه إلى الحق باسم مخصوص، فهذا التجلی هو تجلی أحدیة الجمع الذاتی الوارد إلى قلب السالک الوسیع، و إن شمس الذات الأحدیة تبزغ فی قلب الجمع الأحدی بالنسبة للعبد، و نتیجة هذا التجلی، الخلاص من الأحکام و القیود و الوصل بمرکز دائرة جمع جمیع المراتب الاعتدالیة.[28]
[1] الحجر، 21.
[2] الأنعام، 59.
[3] الزمر، 63.
[4] الصف، 13.
[5] اللطائف السبع أو بتعبیر آخر الأطوار السبعة، التی قسمت على أساسها مراتب تکامل حقیقة الإنسان تتلخص بالآتی: الطبع، النفس، القلب، الروح، السرّ، خفی، أخفى، انظر: المبدأ و المعاد، للملا صدرا، ص171؛ حاشیة السبزواری على الأسفار، ج1، ص13-18.
[6] الفتح، 1،2؛ علاوة على الإشارة إلى الفتح المبین فی هذه الآیة فقد بینت خواص و آثار هذا الفتح و معنى (ما تقدم وما تأخر) فی الآیة لیست بمعنى الذنب المتقدم و المتأخر، بل المراد الصفات القلبیة و النفسانیة و ذلک أولاً: وجود الفارق بین ما تأخر و ما یأتی، فإن ما یأتی بمعنى المستقبل، و ثانیاً إن العفو عن الذنب الآتی المستقبلی؛ یعنی رفع التکلیف و هذا خلاف لسان القرآن، لأن جمیع الناس مکلفون ما داموا أحیاء. إذن فالمراد بما تقدم و ما تأخر الجدید و القدیم أو کما یعبر العرفاء هی الصفات القلبیة و النفسانیة، و القلب و النفس و بلحاظ ما تقدم و ما تأخر یکونان مشمولین للعنوانین المتقدمین. ثالثاً: إن المراد بالذنب لیس هو الذنب الشرعی لأن ما جاء فی الآیة من مغفرة الذنب مرادف لأربعة من النعم المترتبة على الفتح، و لا یکون سبب مغفرة الذنب هو الفتح و النصر على الأعداء و إنما التوبة و الإنابة إلى الله. انظر: تحریر تمهید القواعد، جوادی الآملی، ص186-188.
[7] النصر، 1.
[8] انظر: مصباح الأنس، ابن فناری، ص15و 25؛ تحریر تمهید القواعد، ص184-189؛ شرح مقدمة القیصری على فصوص الحکم، السید جلال الدین، الآشتیانی، ص902-904؛ شرح فصوص الحکم بتعلیقات السید جلال الدین، الآشتیانی، ص114، تعلیقة، ص 12.
[9] من أجل توضیح أکثر یرجع إلى کتاب: التجلی و الظهور فی العرفان النظری، سعید، رحیمیان، ص38-53.
[10] للاطلاع على هذا القسم راجع: مبادئ العرفان النظری فی کلمات الإمام علی (ع)، قاسم ترخان؛ التجلی و الظهور فی العرفان النظری، رحیمیان؛ فلسفة العرفان، الدکتور یثربی، ص470.
[11] انظر: الإنسان الکامل، ج1، عبد الکریم الجیلی، ص56-62، التجلی و الظهور فی العرفان النظری، ص189-191.
[12] شرح مقدمة القیصری، ص104-107.
[13] التجلی و الظهور فی العرفان النظری، ص188؛ انظر: الفتوحات، ج2، الطبعة الجدیدة، ص84.
[14] شرح مقدمة القیصری (مع تغییر جزئی)، ص107، و من أجل تفصیل أکثر فی أمور التجلیات العروجیة یمکن الرجوع إلى: مرصاد العباد، للرازی، الفصل 17 ص 298؛ مصباح الهدایة للکاشانی، ص130؛ نقد النصوص للجامی، تحقیق ولیام جینیک، ص111 و 115؛ گلشن راز، شبستری، ص151؛ تفسیر سورة الحمد، الإمام الخمینی، ص86؛ اصطلاحات الصوفیة الکاشانی، و تعریفات الجرجانی؛ الفتوحات، ج1، ص91 و 154.
[15] مفاتیح الغیب، الملا صدرا، المشهد السادس من المفتاح 19، نقلاً عن شرح الفصوص، ص257.
[16] و قد سماها البعض (القیامة الوسطى) و ذلک من جهة کونها ما فوق الموت الطبیعی و ما دون الفناء فی الله. شرح الفصوص ص257.
[17] تلخیص من شرح فصوص الحکم، قیصری، مع تعلیقات الأستاذ الآشتیانی، ص129-131 و 257.
[18] نفس المصدر، ص390، لمعرفة ارتباط التجلی و القیامة یرجع إلى: التجلی و الظهور فی العرفان النظری، ص419، 427.
[19] شرح مقدمة القیصری، مع قلیل من التلخیص و التغییر، ص543-586.
[20] انظر: العرفان النظری فی کلمات علی (ع)، ص56 – 76.
[21] انظر: حاشیة الأسفار، المرحوم السبزواری، ج1، ص1-13.
[22] مصباح الهدایة إلى الخلافة و الولایة، الإمام الخمینی، ص207 – 213.
[23] انظر: بیان الإمام الخمینی للأسفار الأربعة، مصباح الهدایة إلى الخلافة و الولایة، ص207-213.
[24] انظر: بیان المرحوم السبزواری فی الأسفار الأربعة، حاشیة الأسفار، ج1، ص1-13.
[25] المعنى الخامس للقیامة الذی بین فی النقطة الرابعة.
[26] نقد النصوص، ص114.
[27] نفس المصدر.
[28] شرح مقدمة القیصری، ص828 و 829؛ التجلی و الظهور فی العرفان النظری، ص191 – 192.