Please Wait
5792
الدین الاسلام خاتم الدیانات السماویة و الالهیة لم یختص بقوم دون قوم أو بزمن خاصین بل هو للناس کافة. و قد شاءت الارادة الالهیة أن تکون الشریعة المحمدیة هی خاتمة الشرائع التی یجب على کافة الشعوب و اتباع سائر الادیان الاخرى الالهیة و غیر الالهیة التعبد بها و العمل وفقا لها، و قد اعتبر الله تعالى ذلک أمراً یجب على الجمیع امتثاله: "وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلامِ دیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِی الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرینَ".
وقد واجه الاسلام ثلاثة طوائف من المخالفین هم: 1. المشرکون و عبدة الاوثان؛ 2. المنافقون؛ 3. أهل الکتاب. و قد حاول بقوة اعتماد رکیزتین اساسیتین فی التعامل معهم الاولى التأکید على کرامة الانسان و الثانیة الدعوة الى الله تعالى بالحکمة و الموعظة الحسنة. بالاضافة الى عقد الهدنة و العقود و المعاهدات معهم، و من بعد ذلک تعامل مع کل طائفة بما یناسبها.
اما طائفة المشرکین فقد نبذ الیهم عهدهم و دعاهم الى التوبة ثم منحهم اربعة اشهر للتفکیر و الانابة، و و لاریب أن ذلک لم یکن أمراً مفاجئا بل حدث بعد سنین طویلة اعتمد فیها الاسلام منطق العقل و الحکمة و الجدال بالتی هی احسن و تحمل المسلمون فیها من المشرکین أشد انواع التعذیب و التهجیر و القتل و نهب الاموال و....
ثم إن ّإلغاء هذه العهود من جانب واحد- و رفض عهد المشرکین- یختص بأولئک الذین دلّت القرائن على استعدادهم لنقض عهدهم و بدت بوادره، لذلک فإنّ الآیة استثنت قسما منهم لوفائهم بالعهد، فقالت (إِلَّا الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکِین...).[i]
و أما طائفة المنافقین، فهذه الطائفة قد خیرت – اذا کانت معلنة النفاق- بین العودة الى الحق و الدخول فی الاسلام بصدق و الابتعاد عن الحرکات النفاقیة و بین المواجهة، و من المسلّم أنّ النّبی (ص) لم یجاهدهم عسکریا و لم یقابلهم بحد السیف، لأنّ المنافق هو الذی أظهر الإسلام، فهو یتمتع بکل حقوق المسلمین و حمایة القانون الإسلامی بالرغم من أنّه یسعى لهدم الإسلام فی الباطن، و المستفاد من الرّوایات و أقوال المفسّرین هو أنّ المقصود من جهاد المنافقین هو الاشکال و الطرق الأخرى للجهاد غیر الجهاد الحربی و العسکری، کالذم و التوبیخ و التهدید و الفضیحة.
أما الطائفة الثالثة (أهل الکتاب)، فبعد القاء الحجة علیهم و دعوتهم بالحکمة و الموعظة الحسنة و بیان البراهین و الادلة التی تثبت أحقیة الدین الاسلامی الحنیف، و مع أصرار بعض هؤلاء على عنادهم و عدم الخضوع للحق انتهج معهم الاسلام منهجا وسطا بین المشرکین و المسلمین و هو التخییر بین البقاء على دینهم و دفع الجزیة و عندها تتکفل لهم الدولة الاسلامیة تأمین الحمایة الکاملة، و بین اختیار المواجهة.
و من خلال التأمل فی الآیات نستطیع أن نستوحی الفکرة الإسلامیة، التی تضع مسألة الدعوة إلى القتال فی نطاقها الطبیعی المعقول، فلا تکون عملیّة سیطرة غاشمة للقوّة ضد حریّة الإنسان و إرادته، بل تکون عملیة إخضاع قانونیّ للسلطة الحاکمة فی عملیة تنظیمیّة دقیقة.(تجد ذلک مدعوما بالدلیل فی الجواب التفصیلی).
الدین الاسلام خاتم الدیانات السماویة و الالهیة لم یختص بقوم دون بقوم أو بزمن خاصین بل هو للناس کافة، و قد أکد هذه الحقیقة الکثیر من الآیات المبارکة، منها قوله تعالى: "الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتی وَ رَضیتُ لَکُمُ الْإِسْلام دینا".[1]
و قد شاءت الارادة الالهیة أن تکون الشریعة المحمدیة هی خاتمة الشرائع التی یجب على کافة الشعوب و اتباع سائر الادیان الاخرى الالهیة و غیر الالهیة التعبد بها و العمل وفقا لها، و قد اعتبر الله تعالى ذلک أمراً یجب على الجمیع امتثاله: "وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلامِ دیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِی الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرینَ".[2]
و قبل أن نشرع ببیان الاصناف و المجامیع التی کانت تعیش فی عصر الدعوة الاسلامیة نرى من الضروری الاشارة الى قضیة مهمة، و هی:
إن المنهج الارشادی للدین الاسلامی یقوم على دعامتین أو رکیزتین اساسیتین:
الرکیزة الاولى: احترام الانسان و تکریمه مهما کان "وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنی آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى کَثیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضیلا".[3] و ان الانسان لم یخلق للقتل أو الاعتداء علیه أو نهب ممتلکاته و انما بعث الله الانبیاء عامة و النبی الاکرم (ص) لاحیاء الانسان و اعادته الى فطرته السلیمة لیصنعوا منه مصداق خلیفة لله تعالى فی الارض "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا اسْتَجیبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاکُمْ لِما یُحْییکُم".[4]
الرکیزة الثانیة: أن المنطق المعتمد فی الدعوة هو منطق الحکمة و الکلمة الطیبة و الجدال بالتی هی احسن "ادْعُ إِلى سَبیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبیلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدین".[5]
هذه هی الحقیقة و لکن بعض المناوئین للاسلام یحاول أن یصور الدین الاسلام دینا انتصر بالسیف و یفرض نفسه على الناس تحت حد السیف و الرمح؟!!
و هذا أمر یحتاج بحثه الى استقصاء و کلام طویل لا یسمح المجال هنا للتعرض له.
اما الاصناف التی و اجهت الاسلام و ما زالت تواجهه، فیمکن تصنیفها الى ثلاث طوائف، هم:
1. المشرکون و عبدة الاوثان.
2. المنافقون.
3. أهل الکتاب.
أما الطائفة الاولى فتقسم بدورها الى طائفتین:
الف: الطائفة التی لا ترتبط مع النبی الاکرم (ص) بأی عقد او میثاق و لا توجد معاهدة تلزم النبی الاکرم (ص) اتجاه هذه الطائفة.
ب: الطائفة الاخرى التی عقد معها الرسول (ص) معاهدة صلح کما فی الحدیبیة و غیرها. و تلک المعاهدات و الاتفاقیات بعضها کانت محددة بزمن معین و بعضها مطلقة من الناحیة الزمانیة. و هنا نجد بعض المتعاقدین قد وفى بعهد و التزم به و منهم من نکث العهد و لم یلتزم ببنود الاتفاقیة المنعقدة بینه و بین المسلمین، و لم یکتف بذلک بل التحق بصفوف خصوم الاسلام و اعدائه لیشد من أزرهم فی مواجهة الرسالة الفتیة!.
و قد اوضحت سورة براءة الموقف من هؤلاء بعد أن دعتهم الى التوبة و الانابة و العودة الى الاسلام و التراجع عن الخصام و المعاندة: "فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَیْرٌ لَکُم".[6]
ثم وجهت تحذیرا شدیدا للمعاندین و المخاصمین "وَ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّکُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللَّهِ وَ بَشِّرِ الَّذینَ کَفَرُوا بِعَذابٍ أَلیمٍ".[7]
بعد ذلک اشارت الآیة الى الغاء العقود المبرمة بین الطرفین " بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکین".[8]
ثم منحتهم فرصة اربعة اشهر لیتخذوا الموقف المناسب "فَسیحُوا فِی الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّکُمْ غَیْرُ مُعْجِزِی اللَّهِ وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِی الْکافِرین".[9]
نعم، استثنت السورة تلک الطائفة التی کانت تربطها بالمسلمین معاهدات و اتفاقیات محددة بزمن خاص حیث قال تعالى "إِلاَّ الَّذینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکینَ ثُمَّ لَمْ یَنْقُصُوکُمْ شَیْئاً وَ لَمْ یُظاهِرُوا عَلَیْکُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقین".[10]
و من الملاحظ أن الله تعالى قد منح الطائفة الاولى فرصة التفکیر و الانابة الى الحق، فی الوقت الذی نرى فیه الهدف الاساسی للاسلام القضاء على الصنمیة و عبادة الاوثان و اقتلاء جذورها من الارض و الأخذ بید البشریة الى توحید الله الفرد الصمد، و لکن مع ذلک تراه یعطیهم تلک الفرصة الذهبیة اتماما للحجة علیهم.
و فی الحقیقة، أنّ اللّه سبحانه یرید فی هذا الإعلان العام فی مکّة المکرمة، و فی ذلک الیوم العظیم، أن یوصد کل ذریعة یتذرع بها المشرکون و الأعداء، و یقطع ألسنة المفسدین، لئلا یقولوا: إنّهم استغفلوا فی الحملة أو الهجوم علیهم، و إن ذلک لیس من الشّهامة و الرجولة.
کما أنّ التّعبیر ب «إلى الناس» مکان أن یقال «إلى المشرکین» یدل على وجوب إبلاغ هذا «الأذان» و الإعلام لجمیع الناس الحاضرین فی مکّة ذلک الیوم، لیکون غیر المشرکین شاهدا على هذا الأمر أیضا.
ثمّ یتوجه الخطاب فی الآیة إلى المشرکین أنفسهم ترغیبا و ترهیبا، لعلهم یهتدون، إذ تقول الآیة: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ.
أی أنّ الاستجابة لرسالة التوحید فیها صلاحکم و فیها خیر لکم و لمجتمعکم و دنیاکم و آخرتکم، فلو تدبّرتم بجد و صدق لرأیتم أن قبول الدعوة هو البلسم الشافی لکلّ جراحاتکم و لیس فی الأمر منفعة للّه أو لرسوله.[11]
و لاریب أن ذلک لم یکن أمراً مفاجئا بل حدث بعد سنین طویلة اعتمد فیها الاسلام منطق العقل و الحکمة و الجدال بالتی هی احسن و تحمل المسلمون فیها من المشرکین أشد انواع التعذیب و التهجیر و القتل و نهب الاموال و....
ثم إن ّإلغاء هذه العهود من جانب واحد- و رفض عهد المشرکین- یختص بأولئک الذین دلّت القرائن على استعدادهم لنقض عهدهم و بدت بوادره، لذلک فإنّ الآیة استثنت قسما منهم لوفائهم بالعهد، فقالت (إِلَّا الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِکِین...)[12]
أما طائفة المنافقین، فهذه الطائفة قد خیرت – اذا کانت معلنة النفاق- بین العودة الى الحق و الدخول فی الاسلام بصدق و الابتعاد عن الحرکات النفاقیة و بین المواجهة، و هذا ما اشارت الیه الآیة المبارکة: "یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْکُفَّارَ وَ الْمُنافِقینَ وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ".[13]
ومن المسلّم أنّ النّبی (ص) لم یجاهدهم عسکریا و لم یقابلهم بحد السیف، لأنّ المنافق هو الذی أظهر الإسلام، فهو یتمتع بکل حقوق المسلمین و حمایة القانون الإسلامی بالرغم من أنّه یسعى لهدم الإسلام فی الباطن فکم من الأفراد لا حظّ لهم من الإیمان، و لا یؤمنون حقیقة بالإسلام، غیر أنّنا لا نستطیع أن نعاملهم معاملة غیر المسلمین.
اذن، فالمستفاد من الرّوایات و أقوال المفسّرین هو أنّ المقصود من جهاد المنافقین هو الاشکال و الطرق الأخرى للجهاد غیر الجهاد الحربی و العسکری، کالذم و التوبیخ و التهدید و الفضیحة، و ربّما تشیر جملة (وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ) إلى هذا المعنى.
و یحتمل فی تفسیر هذه الآیة: أنّ المنافقین یتمتعون بأحکام الإسلام و حقوقه و حمایته ما دامت أسرارهم مجهولة، و لم یتّضح وضعهم على حقیقته، أمّا إذا تبیّن وضعهم و انکشفت خبیئة أسرارهم فسوف یحکمون بأنّهم کفار حربیون، و فی هذه الحالة یمکن جهادهم حتى بالسیف.
لکن الذی یضعف هذا الاحتمال أنّ إطلاق کلمة المنافقین على هؤلاء لا یصح فی مثل هذه الحالة، بل إنّهم یعتبرون من جملة الکفار الحربیین، لأنّ المنافق هو الذی یظهر الإسلام و یبطن الکفر.[14]
أما الطائفة الثالثة (أهل الکتاب)، فلما کانت الدعوة الاسلامیة عامة و شاملة للجمیع لم یستثنى منها فریق دون فریق کانت الخطاب الاسلامی موجها لأهل الکتاب أیضا، و بطبیعة الحال بعد القاء الحجة و الدعوة بالحکمة و الموعظة الحسنة و بیان البراهین و الادلة التی تثبت أحقیة الدین الاسلامی الحنیف، و مع ذلک لما أصر بعض هؤلاء على عنادهم و عدم الخضوع للحق انتهج معهم الاسلام منهجا وسطا بین المشرکین و المسلمین و هو التخییر بین البقاء على دینهم و دفع الجزیة و عندها تتکفل لهم الدولة الاسلامیة تأمین الحمایة الکاملة، و بین اختیار المواجهة، کما فی قوله تعالى: "قاتِلُوا الَّذینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ وَ لا یُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا یَدینُونَ دینَ الْحَقِّ مِنَ الَّذینَ أُوتُوا الْکِتابَ حَتَّى یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ وَ هُمْ صاغِرُون".[15]
و الحقیقة أن دعوتهم الى الایمان تعنی دعوتهم الى تنقیة معتقداتهم مما علق بها من الخرافات و الشرکیات و الامور التی لا تنسجم مع العقل و الفطرة.[16]
و من خلال التأمل فی الآیات نستطیع أن نستوحی الفکرة الإسلامیة، التی تضع مسألة الدعوة إلى القتال فی نطاقها الطبیعی المعقول، فلا تکون عملیّة سیطرة غاشمة للقوّة ضد حریّة الإنسان و إرادته، بل تکون عملیة إخضاع قانونیّ للسلطة الحاکمة فی عملیة تنظیمیّة دقیقة. و هذا ما یمکننا أن نفهمه بقلیل من التفصیل.
إن علینا أن ندرس الأسلوب العملی الذی یحاول الإسلام من خلاله إخضاع الناس لحکمه، فهو یعمل- فی البدایة- على أن یخطط الطریق للوصول بهم إلى قناعاته الفکریة و العملیّة على أساس الدعوة إلى التأمل و التفکیر و المناقشة و الحوار الجدّی الذی یثیر أمام الفکر مختلف القضایا المطروحة لدراستها بطریقة موضوعیّة هادئة، لیکون الرفض أو التأیید من مواقع الفکر الذی لا یتعقّد من أیّة علامة استفهام ترتسم أمام الطروحات العقیدیّة أو النتائج الأخیرة، بل یظل مع أجواء المعرفة التی یعتبرها حقّا لطالبها حتى یصل إلى القناعة، بشرط أن تکون القضیة قضیة المعرفة، لا قضیّة العناد، لأن مسألة العناد لا تتصل بقضیة الحریّة، بل ترتبط بقضیة العقدة المتأصلة فی النفس، المتحرکة فی خلفیّات العدوان.
فإذا لم یصل البحث إلى نتیجة، و لم یمکن الوصول إلى قناعات مشترکة حول القاعدة العقیدیة التی یرتکز علیها الحکم، سواء کان ذلک عن عدم اقتناع أو عناد، کان من حق الحکم الشرعی أن یحمی وجوده و استمراره و توازنه، و ذلک بإخضاع هؤلاء للالتزام بمشروعیة السلطة فی الجانب العملیّ منها، إمّا بالدخول فی النطاق الرسمیّ للعقیدة، و ذلک بإظهار الإسلام باعتباره الشکل القانونیّ للاعتراف بشرعیّة الالتزام بالقانون کله، أو بدفع الضریبة المحدّدة بقانون معیّن- و هی تسمى بالجزیة- فی مقابل تحمّل الدولة مسئولیة رعایتهم و حمایتهم من کل عدوان أو إساءة أو انتهاک لحرمتهم، و ذلک بإدخالهم فی ذمّة المسلمین و عهدهم، مع إعفائهم من کل الالتزامات التی لا تتناسب مع التزامهم الدینی کإدخالهم فی الجیش الذی یحارب بعض إخوانهم فی دینهم، أو لا یتناسب مع مصلحة النظام بشکل عام. فإذا لم یوافقوا على ذلک و رفضوا کل أساس للالتزام بالشروط المطلوبة لصفة المواطن، کان ذلک دلیلا على أنّهم قد أعلنوا التمرّد على الإسلام و المسلمین، و عند ذلک یجوز قتالهم، لمنع التمرّد و التعدّی على نظام الأمّة، حتى یدفعوا الجزیة تحت ضغط القوّة، بعد أن امتنعوا عن دفعها المعبّر عن حالة السلم مع الدولة، بالرضا و القبول.
و فی ضوء ذلک، نفهم أنه لا مجال للقتال فی الحالات التی ینطلق منها التراضی بینهم و بین المسلمین بدفع الضریبة و الاحتکام إلى عقد الذمّة، الذی یحفظ لهم صفة المواطنیة بأفضل طریق.[17]
إذن الإسلام لا یجیز الحرب و القتال من أجل استعباد الشعوب، و نهب مقدراتها، و السیطرة على أسواقها کما یفعل المستعمرون فی اثارتهم للحروب، و سفک الدماء، و تسخیر العلم للتخریب و الفناء من أجل النهب و السلب، و سیادة الظلم و العدوان. وانما الإسلام ایجابی، لا سلبی وانه حرب على کل من لا یدین بدین الحق و العدل، و یبغی فی الأرض الفساد. و الکفر باللّه ظلم و فساد فی دین الإسلام و شریعته.[18] و کل ذلک بعد القاء الحجة و البرهان و الدلیل على الحق و الحقیقة.
[1]المائدة، 3.
[2]آل عمران، 85.
[3]الاسراء، 70.
[4]الانفال، 24.
[5]النحل، 125.
[6]التوبة، 3.
[7]نفس الآیة.
[8]التوبة، 1.
[9]التوبة، 2.
[10]التوبة،4.
[11]مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج5، ص: 531، نشر مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.
[12]نفس المصدر.
[13]التوبة، 73.
[14] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج6، ص: 124- 125.
[15]التوبة، 29.
[16]انظر: الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج5، ص: 584.
[17] فضل الله، السید محمد حسین، تفسیر من وحی القرآن، ج11، ص: 83- 84.
[18]مغنیة، محمد جواد، تفسیر الکاشف، ج1، ص: 297.