بحث متقدم
الزيارة
5951
محدثة عن: 2009/02/03
خلاصة السؤال
لماذا نرتکب الذنوب مع علمنا بالصفات الالهیة؟
السؤال
لماذا نتمرد علی الاوامر الالهیة مع علمنا بأن الله علیم و قادر و حکیم؟
الجواب الإجمالي

ان العلم بکون الله عالماً باعمالنا و قادراً و حکیماً لا یکفی لتحریک الانسان نحو الطاعة، فقد کان الشیطان عالماً بالله تعالی لکنه مع ذلک تمرد علی امره.

ان العلم بصفات الله اذا کان مقروناً بالاعتقاد و الایمان فانه یحرک الانسان نحو العمل، اما القلب المنقاد للاهواء النفسانیة فلیس فیه محل للاعتقاد و الایمان و بالتالی للعبودیة لله تعالی.

و فی النتیجة یجب فی حصول العبودیة لله اضافة الی العلم ان یتوفر الایمان به، و لاجل حصول الایمان فی القلب یجب ازالة اسباب سلب الایمان و إضعافه (کهوی النفس و التعلق بالدنیا و دخول الوساوس الشیطانیة فی القلب و...) و توفیر أجواء حصول الایمان فی القلب کالتفکر فی الآثار الایجابیة لطاعة الله فی الحیاة الدنیا و فی الآخرة و فی العواقب الوخیمة للعصیان و التمرد و ...)

الجواب التفصيلي

ورد فی القرآن الکریم و روایات المعصومین (ع) بعض الصفات لله تعالی المرتبطة بالانسان بنحو من الانحاء. من هذه الصفات صفة الخالقیة التی هی اساس وجود الانسان.

و الربوبیة و هی صفة أخری من صفات الله و التی هی بمعنی المدبر و المربی.

و العالمیة و القادریة، و تعنی ان الله تعالی عالم بکل شیء و قادر علی کل شیء.

و الرؤفیة، و تعنی انه تعالی أراف بالانسان من کل شخص آخر حتی من نفس الانسان و کلما کان العلم بهذه الصفات اکثر عمقاً لدی الانسان فانه یساعد الانسان کثیراً فی مسیرة أداء التکالیف الالهیة.

و لکن من المسلم ان العلم وحده لا یکفی فی تحریک الانسان نحو الالتزام بلوازم علمه [1] فقد کان الفراعنة علماء و لکنهم کفروا مع ذلک، یقول الله تعالی بشأنهم: "و جحدوا بها و استیقنتها انفسهم ظلما و علوا" [2].

و من النماذج الاخری التی ذکرها الله تعالی هو بلعم باعورا، فهو بالرغم من کونه عالماً و لکنه زل فی العمل، یقول القرآن: "و اتل علیهم نبأ الذی آتیناه ایاتنا فانسلخ منها فاتبعه الشیطان فکان من الغاوین" [3] و لو شئنا لرفعناه بها و لکنه اخلد الی الارض و اتبع هواه ..."[4].

و لذا فان العلم یوفر الارضیة فقط للالتزام بمضمونه، و لکن هذه الارضیة انما تؤثر فیما لو استتبعها الایمان. فبالعلم و الایمان یتعبد طریق العمل، و بالطبع فانه یجب ازالة الموانع عن الطریق ایضاً و القرآن الکریم یورد هذه الموانع کما یلی:

الف. اتباع هوی النفس:

ان اتباع الاهواء النفسانیة من دون ملاحظة الجوانب العقلانیة و الشرعیة،‌ یؤدی الی الابتعاد عن الصراط المستقیم و عدم الاعتناء بالتعالیم الالهیة، یقول القرآن الکریم فی هذا المجال: "أ فرأیت من اتخذ الهه هواه و اضله الله علی علم و ختم علی سمعه و قلبه و جعل علی بصره غشاوة فمن یهدیه من بعد الله أ فلا تذکرون"[5] و یقول فی آیه أخری :"‏ فان لم یستجیبوا لک فاعلم انما یتبعون أهواءهم و من اضل ممن اتبع هواه بغیر هدی من الله ان الله لا یهدی القوم الظالمین".[6]

ب. الانبهار بالدنیا و النظرة الخاطئة الیها:

اذا اعتقد الانسان بعدم وجود حیاة بعد الحیاة الدنیویة فاختار الحیاة الدنیا باعتبارها هدفاً نهائیاً و اعتبر ان همّه الاساسی هو توفیر الاحتیاجات الدنیویة فاصبح بالتالی غافلاً عن الحیاة الاخرویة و عن العبودیة لله [7]، فان مثل هذه الافکار و المیول تحول دون حصول الایمان و العبودیة لله تعالی. و الله تعالی یصف مثل هؤلاء بقوله: "‏ ان الذین لا یرجون لقاءنا و رضوا بالحیاة الدنیا و اطمأنوا بها و الذین هم عن آیاتنا غافلون اولئک مأواهم النار بما کانوا یکسبون"[8] و یقول فی آیة أخری: "تریدون عرض الدنیا و الله یرید الآخرة..."[9].

ج. اتباع الوساوس الشیطانیة:

الوساوس الشیطانیة عن طریق القلب [10] بواسطة التزیین (الاظهار بصورة حسنة) للاعمال القبیحة [11]، و الوعود الکاذبة للانسان [12] و تخویف الانسان من المستقبل، تصیر مانعاً من الایمان و العبودیة لله تعالی،[13] و الله تعالی یحذر من ذلک بقوله: " یا بنی آدم لا یفتننکم الشیطان کما اخرج ابوبکم من الجنة ".‌[14]

ان حصول الایمان و العبودیة یحتاج الی محرک داخلی، و حیث ان المحرک الاساسی للسلوک الانسانی هو رجاؤه بان یصل الی الکمال من اللذة و الخوف و الفرار من الاضرار و المهالک، فقد أشار القرآن الکریم الی المنافع الدنیویة و الاخرویة للایمان و العبودیة و کذلک الی‌ العقوبات الدنیویة و الاخرویة للکفر و التمرد و قد وصف الانبیاء بأنهم مبشرون و منذرون [15].

1. الثواب الدنیوی للاعمال: "و لو أن اهل القری آمنوا و اتقوا لفتجنا علیهم برکات من السماء و الارض".[16]

2. الثواب الاخروی للایمان و العبودیة: "و من یعمل من الصالحات من ذکر أو انثی و هو مؤمن فاولئک یدخلون الجنة و لا یظلمون نقیراً". [17]

3. العقوبة الدنیویة للکفر و العصیان: "و ما اصابکم من مصیبة فبما کسبت ایدیکم و یعفو عن کثیر".[18]

4. العقوبة الاخرویة للکفر و العصیان: لهم فی الدنیا خزی و لهم فی الآخرة عذاب عظیم [19]

و فی النتیجة ینبغی القول بان العبودیة لله تعالی انما تحصل بالاضافة الی‌ العلم التوحیدی و الالهی عن طریق الایمان و الیقین و ازالة الموانع من طریق العمل الصالح.



[1] للاطلاع اکثر حول الفرق بین العلم و الایمان، لاحظ: الاربعون حدیثاً، للامام الخمینی: ص 37، الاخلاق فی القرآن، مصباح الیزدی، ص 140.

[2] النمل، 14.

[3] الاعراف، .175

[4] الاعراف، 176.

[5] الجاثیة، 23.

[6] القصص، 50 و یراجع فی هذا المجال سورة الاعراف، 176؛ الکهف، 28؛ طه، 16؛ الفرقان، 23؛ ص، 26؛ محمد (ص)، 16؛ النجم، 23.

[7] و من الواضح انه لولا الحیاة الدنیا لم تکن هناک حیاة اخرویة، فاذا لم تکن الدنیا موجودة فالجنة ایضاً لیست موجودة، فالدنیا باعتبارها مخلوقاً من مخلوقات الله لا تقع علیها المذمة، و المذموم فی الواقع هو الاستخدام الخاطی لهذه النعمة.

[8] یونس، 7 و 8.

[9] الانفال، 67.

[10] جل عمل الشیطان هو الوسوسة، طه 120.

[11] النحل، 63، النمل، 24.

[12] النساء، 120.

[13] البقرة، 268.

[14] الاعراف، 27.

[15] النساء، 165.

[16] الاعراف، 96.

[17] النساء، 124.

[18] الشوری، 30.

[19] البقرة، 114، و حول اوصاف الجنة و النار، یراجع: مصباح الیزدی، تعلیم العقائد، 3، 90، 91.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...