بحث متقدم
الزيارة
5955
محدثة عن: 2007/12/12
خلاصة السؤال
لماذا لا اتفاعل مع الصلاة؟
السؤال
لم أجد تفاعلاً حین أداء الصلاة، فماذا أفعل؟
الجواب الإجمالي

للصلاة ظاهر و باطن، کما أن صورتها الخارجیة لها شروط و آداب، و فصولها أیضاً لها آداب و شروط.

و على هذا الأساس، فکما تکون للشروط و الضوابط الظاهریة بالنسبة إلى الصلاة أهمیة کطهارة اللباس، و التوجه إلى القبلة، و أن یکون المصلی على طهارة (وضوء)، فتکون عاملا من عوامل صحتها، کذلک الحال بالنسبة إلى باطن الصلاة و ما یحکمه من شروط باطنیة و معنویة، کالتوجه إلى الله تعالى، و الخشوع، و الطمأنینة و ... ، فإنه من عوامل صحة الصلاة الباطنیة، و فی واقع الأمر یعتمد علیها قبول الصلاة.

و على أساس هذه المقدمة لابد من تحدید العلة فی عدم التوجه فی الصلاة و أی شرط و عامل باطنی یکون هو المنشأ لهذا التثاقل و عدم الحیویة الروحیة أثناء الصلاة حتى یمکن معالجة هذا الأمر لیحصل ما هو المطلوب من التوجه و الخشوع و الإقبال فی الصلاة.

الجواب التفصيلي

تمثل الصلاة القمة و الذروة بین العبادات، حتى ورد فی الروایات أنها معراج المؤمن أو عمود الدین، و إن هذا اللون من التعبیر یکشف عن الأهمیة الکبرى لهذا الفرض الإلهی.

و من جهة أخرى فإن تحقق أی ظاهرة فی الخارج یحتاج إلى أن یکون المقتضی موجوداً و المانع مفقوداً، و لیست الصلاة بخارجة عن هذه القاعدة، فالصلاة تخضع لقضیة تحقق المقتضی و رفع الموانع لیکون الوصول إلى الصلاة الواقعیة میسوراً من خلال رعایة الضوابط و الشرائط و الآداب الظاهریة و الباطنیة.

و ما قیل بخصوص الآداب الباطنیة للصلاة کثیر جداً، و لکنا نشیر إلى بعض الموارد و بشکل مختصر:

1- التوجه إلى الله تعالى فی العبادة:

أی أن المصلی یحتاج إلى معرفة صحیحة نسبیاً بالله تعالى، و لابد له أن یعلم بعظمة من یقف بین یدیه حال الصلاة.

إن الله سبحانه کمال محض، و جامع لجمیع الکمالات، بل هو عین الکمال و من وجوه الکمال الإلهی الحکمة، و بهذا فجمیع أعمال الله سبحانه هادفة و ذات غایة، و من أفعاله سبحانه خلق عالم الوجود، و الإنسان هو الوردة الجمیلة فی حدیقة الوجود، و إن الهدف من خلقه بلوغه مرتبة الکمال، و هذه الحقیقة لا تکون میسرة إلا من خلال سلوک (الصراط المستقیم) و الصراط المستقیم فی طاعة الله و عبادته: «وَ أَنِ اعْبُدُونِی هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِیمٌ».[1] و ذلک لا یعنی إطاعة کل ما یصدر عن الله من أوامر و قوانین و تشریعات، و من أهم هذه الأوامر و التشریعات ما أمر به من العبادات.

و إذا لم یکن الفرد عارفاً بفلسفة هذه العبادات، فلیس له من نصیب فی الاستفادة منها، و فلسفة العبادة لا یمکن أن تتجلى و تفهم إلا فی حدود دائرة الرؤیا الدینیة.

2- تجنب ما یتنافى مع العبادة:

یعتمد میزان التأثیر بالنسبة إلى الأعمال على الأرضیة التی تسبق أدائه و لذلک نلاحظ هذه التأثیرات المتفاوتة التی تترکها العبادات بالنسبة إلى الأشخاص.

اجتناب الأمور التی تتنافى مع العبادة و تبطل مفعولها و تلغی آثارها من أهم العوامل المؤثرة على العبادة، و مثل ذلک وجود مریضین یلتزمان الدقة فی تناول الدواء الذی یصفه الطبیب لهما، إلا أن أحدهما یحرص على تجنب ما یبطل مفعول الدواء بینما لا یلتزم الآخر بهذه الحمیة و لا یحجم عما یضرّ به، ففی مثل هذه الحالة یکون أثر الدواء و ارشادات الطبیب معدوماً و غیر فعال بالنسبة للثانی.

فلابد من تجنب المعاصی و ظلمات الذنوب حتى تؤثر العبادة فی بواطننا و تحفز النشاط فی أرواحنا، و لذلک جاء التأکید فی الروایات على ضرورة اجتناب الذنوب و اتقاء آثار ظلمتها، لأن هذه الظلمة تجد طریقها إلى الباطن: «إذا أذنب الرجل دخل فی قلبه نقطة سوداء».[2]

یقول الإمام الصادق (ع): کان أبی (ع) یقول: «ما من شیء أفسد للقلب من خطیئة، إن القلب لیواقع الخطیئة فما تزال به حتى تغلب علیه فیصیر أعلاه أسفله».[3]

أی أن القلب بطبعه الأولی ملکوتی، و متوجه إلى الله تعالى، و ما یصیبه من انقلاب و تبدل مرده إلى الذنوب و المعاصی یقول الإمام الصادق (ع): «إن الرجل یذنب الذنب فیحرم صلاة اللیل، و إن العمل السیء أسرع فی صاحبه من السکین فی اللحم».[4] ، [5]

و یوضح المولوی فی المثنوی ذلک فی قصة الرجل المذنب مع شعیب (ع) و یقول:

قال أحدهم فی عهد شعیب

إن الله یرى فیَّ عیوباً

إنه رأى منی العدید من الذنوب و الخطایا

و لکنه یعفو عنه بکرمه

و قد همس الحق فی أذن شعیب

فجاءه الجواب البلیغ من عالم الغیب

إنک تقول إن لی عدة ذنوب

و أنها سوف تمحى بکرم الإله

قل عکس ذلک أیها السفیه

یا من أضل الطریق و سقط فی حیرة التیه

لقد ضبطت عدة مرات و أنت سادر

و قد کبلتک السلاسل من قدمک إلى رأسک

إن الصدأ الذی أوجدته ران على قلبک

فسود باطنک حتى أظلم بعتمته

لقد تراکم الصدأ على قلبک

حتى صار أعمى عن إدراک الأسرار

صلیت و زکیت و عبدت

و لکنک لم تجد لها طعماً و لذة

تفعل الطاعات و صالح الأعمال

و لم تنعم بصفوها و عذوبة مذاقها

...

لابد من التذوق فی العبادة

و لابد من اللب فی ثمر الشجر

فالحبة بلا لب لا قیمة لها

و الصورة بلا روح لیست إلا خیالاً

و عندما قرأ شعیب علیه هذه النقاط

لم یکن فی فکره إلا کالحمار العالق بالوحل[6]

3- السعی لتهذیب النفس:

الهدف من تهذیب النفس هو التخلص من الحجب التی تحول بین الإنسان و فطرته، فتمنع من تجلی الخالق سبحانه على مرآة الفطرة، و هذه الحجب و الأستار إنما تنشأ بفعل الذنوب کالغفلة و الولوغ فی عالم المادة و المادیات و نسیان الله تعالى و الیوم الآخر و عالم الملکوت، و إن جمیع التعالیم و الأحکام الواردة فی الشرع المقدس تلتقی فی هدف واحد و هو التخفیف من هذه الحجب ما أمکن أو إزالتها بالکمال لتصقل الفطرة الإنسانیة و یتلألأ جوهر الفطرة الصافی و حقیقة الإنسان المدفونة تحت أنقاض الغفلة و العصیان «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکَّاهَا * وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا».[7]

4- القیام بالأعمال الصالحة:

إن جمیع الأعمال الصادرة عن أعضاء البدن و جوارح الإنسان خاضعة للروح و مؤتمرة بأوامرها، و من جهة أخرى فإن النفس و الروح هی المحل للظلمة و النورانیة، و إنها تتأثر بالأعمال الصادرة عن الإنسان.

إن التأثیر الفوری لأعمال الإنسان الصالحة و الطالحة على نفسه أمر لا یخفى على أحد، و من جملة الأعمال الصالحة ما یؤدیه من عبادات، فلو أن الإنسان یملک عشر درجات من النورانیة و إنه یؤدی صلاة اللیل، و یسعى فی قضاء حوائج الناس، فإن هذه الأعمال الصالحة تزیده نوراً على نوره و تشکل عامل قوة یضاف إلى روحه و یؤدی إلى إحکام باطنه، و هذه النورانیة العظیمة تکون سبباً فی نشاط الروح فی العبادة کالصلاة و غیرها، و عکس ذلک صادق فیما یتعلق بأعمال الظلمة «قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلَى شَاکِلَتِهِ».[8]

5- حب الله تعالى:

إن أعمال الإنسان الطالحة و ذنوبه لها جذور متعلقة فی أرضیة حب الدنیا، و المیل المفرط إلى المادیات فی هذه الحیاة الدنیا، «حب الدنیا رأس کل خطیئة» و علیه فإذا کان الإنسان راغباً فی إفراغ قلبه من أثر الذنوب و الخطایا فلابد له من السعی لاقتلاع ذلک من جذوره، فیسعى لتخفیف شدة حب الدنیا فی قلبه، و یعدل عن میولها بالنسبة لمسألة الإشباع الطبیعی، فإذا فعل هذا مقروناً بالاستعانة بالله تعالى فإنه یمسک بحبل الموفقیة من الله سبحانه، و بذلک یتمکن من تطهیر قلبه من الذنوب، و یستبدل ذلک بحب الله و محبة أولیائه.

و النتیجة هی: إذا أردنا أن نکون فی حالة توجه و خشوع عند أداء الصلاة فلابد من رعایة الآداب الباطنیة، و تهیئ الأرضیة الصالحة لذلک من خلال الأعمال النورانیة التی تقوی الروح و تنشط الباطن، و تطهر وجود الإنسان من الأمراض الأخلاقیة حتى یتمکن من إدراک و تذوق لذة العبادة، فالمریض لا یتمکن من إدراک لذة الطعام أیاً کانت درجة طیبة، و لا یجد فی نفسه میلاً إلى تناول الطعام اللذیذ. و لا یفوتنا القول أن تناول الغذاء له الأثر الأکبر و الدور الأساسی فی تماثل المریض للشفاء، و من هنا - و کما قلنا فیما مر من البحث - بأن الأمرین یتبادلان التأثیر و لکل أثره على الآخر.

المصادر:

آداب الصلاة، الإمام الخمینی.

راه های خروج از صفات رذیله "طرق الخلاص من الصفات الرذیلة"، السید رحیم، توکل

أسرار الصلاة،الإمام الخمینی.



[1] یس، 61.

[2] أصول الکافی، ج 3، باب الذنوب، الروایة 13.

[3] أصول الکافی، ج 2، ص 268، باب الذنوب، حدیث1.

[4] المصدر نفسه، ص272 ، حدیث 16؛ جامع السعادات، ج3 ، ص 48.

[5] مهدوی کنى، محمد رضا، نقطه‏هاى‏آغاز دراخلاق ‏عملى "نقطة البدایة فی الأخلاق العملیة"، ص 116.

[6] الجعفری، محمد تقی ، شرح مثنوی، "شرح المثنوی"، ج 5، ص 512.

[7] الشمس، 9 و 10.

[8] الإسراء، 84.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...