Please Wait
6874
التعريف الواضح و المختصر للقاعدة هو: أنه اذا امتنع المكلف عن أداء الحق (بالمعنى العام) الذي عليه فللحاكم الولاية في اجباره على أداء ذلك الحق.
و يكفي أن يطل الباحث اطلالة سريعة على التراث الفقهي لتتجلى له بوضوح أن قاعدة "ولاية الحاكم على الممتنع" من الاصول الموضوعة و القواعد المسلمة لدى جميع الفقهاء و لم يناقش فيها أحد، و إن اختلفوا في بعض مصاديق القاعدة.
بيان القاعدة
من الابحاث التي تضرب بجذورها في عمق تاريخ البحث الفقهي مبحث " ولاية الحاكم" و التي تترتب عليها الكثير من الآثار الفقهية. و كان لطبيعة قوانين الشريعة و الرسالة الاسلامية الكبرى بالاضافة الى الكثير من الادلة، الدور الكبير في ضرورة طرح تلك الابحاث كاحد أركان الفقه الاسلامي.
و يكفي أن يطل الباحث اطلالة سريعة على التراث الفقهي لتتجلى له بوضوح أن قاعدة "ولاية الحاكم على الممتنع" من الاصول الموضوعة و القواعد المسلمة لدى جميع الفقهاء و لم يناقش فيها أحد، و إن اختلفوا في بعض مصاديق القاعدة.
التعريف الواضح و المختصر للقاعدة هو: أنه اذا امتنع المكلف عن أداء الحق (بالمعنى العام) الذي عليه فللحاكم الولاية في اجباره على أداء ذلك الحق.[1]
ما المراد من الحاكم؟
لابد من تحديد المراد من الحاكم هنا، فهل المراد منه الحاكم - الذي له تلك الصلاحيات و الولاية- مطلق الحاكم المسلم؟ او المراد منه الاشخاص العارفين بالاحكام و مسائل الشريعة من العبادات و المعاملات و المتمكنيين من المباني الفقهية؟
قال صاحب "القواعد الفقهية" بعد تفصيل الكلام في المسالة و استعراض الآيات و الروايات و كلمات الفقهاء: إن المقصود من الحاكم كما يظهر من خلال الاستعمالات الاخرى للحاكم في الفقه الاسلامي، هو الفقيه الجامع للشرائط المتوفر - بالاضافة الى القضاء و الحكم – على ولاية الحسبة بالمعنى العام، ذو الكفاءة الادارية العالية.[2]
و قال البجنوردي في القواعد الفقهية: و المراد من الحاكم في عصر غيبة صاحب الأمر و العصر و الزمان- عجّل اللّه فرجه- هو المجتهد المطلق العادل المخالف للهوى، حيث أنّهم عليهم السّلام نصبوه مرجعا عامّا إليه ينتهي الأمور.[3]
دليل القاعدة:
الف- الدليل العام (الدليل العقلي و العقلائي): لاريب أن من الأهداف الكبرى لجميع الافراد و المجتمعات البشرية، حفظ النظام الاجتماعي و إقامة العدل و القسط، من هنا يحكم العقل بوجوب تحقيق تلك العدالة. و من جهة أخرى ان المجتمع الذي رسم لنفسه نظاما اجتماعيا عاما و الزم الجميع بالعمل به، لابد من أن يضع عقوبات رادعة لجميع المخالفين و المتمردين على القانون العام؛ ليؤمن بذلك الحفاظ على حرمة القانون العام و تأمين النظام الاجتماعي العام. و يمكن عد ذلك دليلا على القاعدة المذكورة. من هنا نرى أكثر الفقهاء في غنى عن سوق الدليل على القاعدة و انما اعتبروها من الاصول المسلمة التي لا ريب فيها، و" و قد أرسلت في كلمات الأصحاب إرسال المسلمات بحيث يستدل بها لا عليها".[4]
ب- الدليل الخاص: الملاحظة ان عبارة "الحاكم ولي الممتنع" لم تأت بتلك الصيغة في أي رواية، نعم، ورد نفس المضمون في بعض الروايات.
1. عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت عليا (ع) يقول لشريح: انظر الى أهل المعك و المطل و رفع حقوق الناس من أهل القدرة و اليسار ممن يدلي بأموال المسلمين الى الحكام فخذ للناس بحقوقهم منهم، و بع فيها العقار و الديار، فانى سمعت رسول الله عليه السلام يقول: مطل المسلم الموسر ظلم للمسلم، و من لم يكن له عقار و لا دار و لا مال فلا سبيل عليه» الحديث.[5]
و الرواية و ان كان في سندها سهل بن زياد الذي ذهب البعض الى تضعيفه الا ان الرواية مقبولة متنا.[6]
2. عن حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللَّه (ع) قال: نفد الطعام على عهد رسول اللَّه (ص)، فأتاه المسلمون فقالوا: يا رسول اللَّه، قد نفد الطعام، و لم يبق منه شيء إلّا عند فلان، فمره يبيعه الناس.
قال: فحمد اللَّه و أثنى عليه، ثمّ قال: يا فلان، إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد نفد إلّا شيئاً عندك، فأخرجه و بعه كيف شئت، و لا تحبسه.[7]
علما أنه لم يرد في الرواية المذكورة ذكر "للامتناع" كي تصل النوبة لاعمال الولاية بمعنى البيع المباشر من قبل الرسول الاكرم (ص). و لكن ورد الامتناع في حالات مشابهة لهذه الروايات، و يمكن استظهار ذلك من خلالا مراجعة المسلمين للرسول الاكرم (ص) و الطلب منه بأن يأمر بالبيع.[8]
3. عن أَبي بصير قال: سمعتُ أَبا جعفر (ع) يقول: من كانت عندهُ امرأَةٌ فلمْ يَكْسُهَا ما يواري عورتها و يُطْعِمْهَا ما يُقِيمُ صُلْبَهَا كان حقّاً على الإِمامِ أَن يُفَرِّقَ بينَهُما.[9] و الرواية ظاهرة في الممتنع عن الطلاق.
4. الاجماع: قال صاحب الجواهر: قيل لا خلاف بين الأصحاب في أن الامام و من يقوم مقامه يجبر المحتكر على البيع بل عن جماعة الإجماع عليه,[10] و هذا الاجماع و إن لم يقم على نفس القاعدة و لكنه قائم على مصاديقها بكثرة.[11]
و بهذا اتضح المراد من القاعدة مع مستندها الفقهي، و للقاعدة الكثير من التطبيقات التي لابد أن تدرس بصورة مفصلة كلا على حدة.
[1] شهیدي تبریزي، فتاح، هداية الطالب إلی أسرار المكاسب، ج 3، ص 605، طبع اطلاعات، تبریز، 1375ق.
[2] المحقق الداماد، سید مصطفی، قواعد فقه، ج 3، ص 213، مركز نشر علوم اسلامي، طهران، 1406ق.
[3] القواعد الفقهية (للبجنوردي)، ج6، ص: 362.
[4] انظر: الاصفهاني، محمد حسین، حاشية كتاب المكاسب، ج 2، ص 399، انوار الهدی، قم، الطبعة الحدیثة، 1418ق.
[5] الکلیني، محمد بن یعقوب، الکافي، ج 7، ص 412، دار الکتب الاسلامیه، طهران، 1407ق.
[6] قواعد فقه ، ج 3، ص 205.
[7] الکافي، ج 5، ص 164.
[8] قواعد فقه ، ج 3، ص 206.
[9] الصدوق، محمد بن علي، من لا یحضره الفقیه، ج 3، ص 441، دفتر انتشارات اسلامي، قم، 1413ق.
[10] النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام، ج 22، ص 485، دار احیاء التراث العربي، بیروت.
[11] يقول الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني في هذا المجال: إنّ ولاية الحاكم في كثير من تلك الموارد اجماعية، و قد أرسلت في كلمات الأصحاب إرسال المسلمات. (حاشية كتاب المكاسب (للأصفهاني، ط-الحديثة)، ج2، ص: 399).