بحث متقدم
الزيارة
7329
محدثة عن: 2008/12/10
خلاصة السؤال
لماذا ینتقل اهل الجنة من لذة الى اخرى مع عدم فناء الاولى؟
السؤال
ذا کانت لذات الجنة لا یتسرب إلیها الملل فما هو تفسیر ترک أهل الجنة لذة ما و الانتقال إلى غیرها؟
الجواب الإجمالي

یبدو من السؤال أنه فیه نوع مقارنة للخصائص و القوانین الجاریة فی الحیاة الدنیا بما یجری فی الآخرة، فالنقص و العیب و المرض و الضعف و الموت و الحاجة کلها من خصائص الحیاة الدنیا، لکن الآخرة وفقا لما ورد فی الآیات و الروایات لا تشابه فی خصائصها و قوانینها ما هو جار فی هذا العالم.

فرفع الید عن نعمة و الانشغال بغیرها (على فرض وجود هکذا حالة فی الجنة) لیس بسبب الملل من تلک النعمة، بل بسبب تنوع اللذات و تجددها، فالجنة هی الکمال الذی یبتغیه الأنبیاء و الأئمة و الصالحون، و حسب قول أمیر المؤمنین: " فلو رمیت ببصر قلبک نحو ما یوصف لک منها لعزفت نفسک عن بدائع ما أخرج إلى الدنیا من شهواتها، و لذاتها و زخارف مناظرها".

فالانسان فی الجنة فی سعی دائم مستمر، تشرق علیه التجلیات، و یرتقی من التجلیات الجسمانیة نحو رضوان الله، و یستقر فی عالم الربوبیة لیشاهد عالم الخلق.

و المسألة الأخرى المتعلقة بأهل الجنة أن لذتهم تقوم على أساس استضافة الله لهم، فهم یجلسون على مائدة ضیافته، أی هم متصلون بهذه الحقیقة فلا معنى للتعب و الملل فی حقهم.

الجواب التفصيلي

یبدو من السؤال أنه فیه نوع مقارنة للخصائص و القوانین الجاریة فی الحیاة الدنیا بما یجری فی الآخرة، فالنقص و العیب و المرض و الضعف و الموت و الحاجة کلها من خصائص الحیاة الدنیا، لکن الآخرة وفقا لما ورد فی الآیات و الروایات لا تشابه فی خصائصها و قوانینها ما هو جار فی هذا العالم. فلا یوجد فی الجنة جهات عدم و نقص، فتکون اللذة متواصلة لا یتسرب إلیها التغییر و الخلل، یقول تعالى: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِیَ الْحَیَوَانُ لَوْ کَانُوا یَعْلَمُونَ)[1]، فعالم الآخرة و کل ما فیه مفعم بالحیاة، و التجدد، و الإنسان فی الجنة دائم السعی لأنه فی معرض مختلف التجلیات، یرتقی من التجلیات الجسمانیة إلى الرضوان الإلهی، و یستقر فی عالم الربوبیة لیشاهد عالم الخلق. فرفع الید عن نعمة و الانشغال بغیرها لیس بسبب الملل من تلک النعمة، بل بسبب تنوع اللذات، و اتصاف النعم الأخرویة بالحیاة و التجدد.

«الجنة» منزل رفیع خالد، و هی الکمال المقصود لجمیع الأنبیاء و الأولیاء، و المؤمنین، و بعبارة أشمل هی غایة آمال کل عباد الله الصالحین.

الإمام علی(ع) یصف جانبا من نعم الجنة فی أحد خطبه قائلا:

"فلو رمیت ببصر قلبک نحو ما یوصف لک منها لعزفت نفسک عن بدائع ما أخرج إلى الدنیا من شهواتها و لذاتها و زخارف مناظرها، و لذهلت بالفکر فی اصطفاق أشجار غیبت عروقها فی کثبان المسک على سواحل أنهارها، و فی تعلیق کبائس اللؤلؤ الرطب فی عسالیجها و أفنانها، و طلوع تلک الثمار مختلفة فی غلف أکمامها. تحنى من غیر تکلف فتأتی على منیة مجتنیها، و یطاف على نزالها فی أفنیة قصورها بالأعسال المصفقة، و الخمور المروقة. قوم لم تزل الکرامة تتمادى بهم حتى حلوا دار القرار، و أمنوا نقلة الأسفار. فلو شغلت قلبک أیها المستمع بالوصول إلى ما یهجم علیک من تلک المناظر المونقة لزهقت نفسک شوقا إلیها، و لتحملت من مجلسی هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالا بها"[2].

النقطة الأخرى التی ینغی الالتفات الیها أن الجنة هی الجائزة الإلهیة للمؤمنین التی وعدهم الله ایاها ثوابا و تفضلا لتجارتهم مع الله سبحانه. أساس استضافة الله لهم، فهم یجلسون على مائدة ضیافته، أی هم متصلون بهذه الحقیقة فلا معنى للتعب و الملل فی حقهم. فی الحیاة الدنیا لذة النکاح و الطعام اللذیذ و الشراب المنعش یضعف تأثیره و یزول بالتدریج، بسبب نقص هذه الدنیا، و لو فرضنا أنه لا یوجد هناک أی نقص؛ فلن یتحول السرور و البهجة إلى غم و حزن أبدا، و کل لذة ستبقى خالدة إلى الأبد، دون أی نوع من الضعف و الفتور.

و کأن القرآن یجیب عن هذا التساؤل بعینه قال تعالى: «ان الذین امنوا و عملوا الصالحات کانت لهم جنات الفردوس نزلا، خالدین فیها لایبغون عنها حولا»[3]. فلا یواجه أهل الجنة أی شعور بالملل و التعب، و لا یرغبون بالتحول عنها.



[1] - العنکبوت، 64.

[2] - نهج البلاغة، خ 165.

[3] - الکهف، 108.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...