بحث متقدم
الزيارة
5861
محدثة عن: 2012/07/17
خلاصة السؤال
بالالتفات الی ان نبي الاسلام (ص) کان یصلي صلاته عادة في خمسة أوقات، لماذا یصلیها الشیعة في ثلاثة أوقات، و یقیمون الدلیل علی ذلک بذکر عدة موارد محددة من فعل النبي؟
السؤال
یصلي الشیعة في ثلاثة أوقات طبقاً لعدة روایات محددة في صلاة نبي الاسلام (ص) في ثلاثة أوقات. و العقل و منطق الانسان یرجح ما کان یقوم به النبي في غالب الأوقات. و قد صلی النبي طیلة حیاته في خمسة أوقات، فکیف یجوز الاستناد الی عدة موارد صلی فیها في ثلاثة أوقات و يغض النظر عن کل ما صلاه في خمسة أوقات؟
الجواب الإجمالي

فیما یرتبط بهذا السؤال ینبغي البحث بشکل منفصل عن موضوعین اساسيين هما:

  1. جواز أداء الصلاة في ثلاثة أوقات.
  2. أفضلیة الجمع او التفریق في أداء الصلوات.

و من الملاحظ أن بعض أهل السنة لایجیز أداء الصلوات في ثلاثة أوقات في الظروف العادیة. و لکن الشیعة یرون استناداً الی المصادر الدینیة جواز الجمع بین صلاة الظهر و العصر و کذلک المغرب و العشاء حتی في الظروف العادیة ایضاً.

وقد وردت في المصادر الشیعیة روایات تدل علی أفضلیة اقامة الصلوات في خمسة أوقات. و لکن مع ذلک، و خصوصاً في عصرنا الحالي و بسبب الحیاة المدنیة، فانه لیس باستطاعة الکثیر من الناس الحضور في المساجد في خمسة أوقات من أجل أداء الصلوات، أو أنه یسبب المشقة، و علیه فلا بأس بالعمل بالتخفیف الذي جعل من قبل رسول الله (ص) في هذا المجال و أداء الصلوات في ثلاثة أوقات کما عمل المسلمون بالتخفیف الوارد في آخر آیة من سورة المزمل فهم یتهجدون بمقدار استطاعتهم فحسب.

الجواب التفصيلي

لتوضیح المسألة الواردة في السؤال، أي جواز أداء الصلوات في ثلاثة أوقات، و أفضلیة الثلاث او الخمس مرات، من الضروري ان تبحث هاتان المسألتان بشکل منفصل:

  1.  جواز أداء الصلوات في ثلاثة أوقات:

قد دار البحث کثیراً بين الاعلام المسلمين حول جواز أداء الصلوات في ثلاثة أوقات، حيث اعترض بعض أهل السنة علی الشیعة بسبب جمعهم بين الصلاتين و قالوا: بانه لایجوز أداء الصلوات في ثلاثة أوقات و أنه محل اشکال، و في قبال ذلک نجد الشیعة يبررون عملهم بوجود مجموعة من الروایات الصريحة بجواز هذا العمل، منها أنه سئل الامام الصادق (ع) حول وقت صلاة الظهر والعصر فقال(ع): " إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ جَمِيعاً إِلَّا أَنَّ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ ثُمَّ أَنْتَ فِي وَقْتٍ مِنْهُمَا جَمِيعاً حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ"[1].

و لم يقتصر الامر على المصادر الشيعية بل المصادر السنية هي الاخرى أثبتت أن رسول الله (ص) جمع بين الصلاتين من غير علة أو مطر أو خوف،  فقد رَوى مُسْلم في صحيحه الحديث الآتي: «صَلّى رسولُ اللَّه الظُّهرَ والعَصرَ جميعاً، والمغرب والعِشاء جميعاً في غير خوف ولا سَفَرٍ»[2].

وقد أُشير في بعض الرّوايات إلى حِكمة هذا العمل فقد جاء في إحدى تلك الروايات ما هذا نصُّه: «جَمَعَ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بين الظُّهر والعصر وبين المغرب والعِشاء. فقيلَ له في ذلك. فقال: صَنَعْتُ هذا لِئلّا تُحرَجَ أُمّتي».[3]

إنّ الروايات التي تحدّثت عن جمع النبي صلى الله عليه و آله و سلم بين الصلاتين وردت في الصحاح و المسانيد و هي تنص على جواز الجمع بين الصلاتين تربو على واحدة و عشرين رواية، بعضُها يرتبط بالسَّفر، و البعض الآخر يكون في غير السفر و المرض و المطر. و في بعضها أُشيرَ إلى حكمة الجَمع بين الصَّلاتين و هو التوسعة و التخفيف عن المسلمين، و قد استفاد فقهاء الشيعة من هذا التسهيل تجويز الجمع بين الصلاتين (الظهرين والعشائين) مطلقاً.

علماً أن جوازَ الجمع بين الصلاتين (الظّهرين، والعِشائين) موضعُ اتّفاق بين جميع فقهاء الإسلام، فجميع الفقهاء يجوّزُون الجمع بين الصلاتين: الظُّهر و العَصر في عرفة و المغرب و العشاء في المزدلفة. كما أنّ فريقاً كبيراً من فُقَهاءِ أهل السُّنّة يجوّزُون الجمعَ بين الصَلاتين في السَّفر. و ما يَختلفُ فيه الشيعةُ عن الآخرين هو أنّهم يتوسَّعُون في هذه المسألة إستناداً إلى الأدِلّة السّابقة (مع القبول بأفضلية الإتيان بالصلوات الخمس في أوقات فضيلتها والقول به وترجيحِهِ). فيجوّزُونَ الجمعَ بين الصَّلاتين مطلقاً. [4]

و هذا المقدار من الروايات يكفي في اثبات الشق الاول من البحث، و اثبات جواز الجمع بين الصلاتين و ليس القضية مجرد استحسانات عقلية أو ما شابه ذلك.

  1.  أفضلیة أداء الصلوات في ثلاثة مرات او خمسة:

و في هذا المجال یقول اکثر علماء الشیعة و أهل السنة بان الافضل و الارجح هو أداء الصلوات في خمس مرات. و قد خصص فقهاء الشيعة لذلک جزءً من الرسائل العملیة أیضاً، و کنموذج علی ذلک نشير الى النماذج التالية:

(یستحب أداء الصلوات الخمس في خمسة أوقات، أي أداء کل منها بوقت فضیلتها)[5]. و المستند في هذا الحکم روایات تدل علی افضلیة أداء الصلوات في خمسة أوقات، یقول الامام الصادق (ع): " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) كان في السَّفَرِ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَ الْعِشَاءِ وَ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مُسْتَعْجِلًا.  ثم قال (ع): و تَفْرِيقُهُمَا أَفْضَلُ[6].

و بناء علی هذا فقد اتضح ان الشیعة عندما یوردون الروایات الدالة علی جواز أداء الصلوات في ثلاثة أوقات، لیسوا في مقام بیان افضلیة ذلک، بل لبیان جواز ذلک، فهم یوافقون علی افضلیة أداء الصلوات في خمسة أوقات ایضاً.

وهنا ینبغي التعرض لسبب أداء الشیعة للصلوات في ثلاثة أوقات مع قولهم بافضلیة ادائها في خمسة أوقات انطلاقا من التسهيل الوارد في القرآن الكريم، حيث ورد فيه الاشارة الى أفضلیة أن یقوم الانسان ثلثي اللیل أو نصفه أو ثلثه و یشتغل بالعبادة: " إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى‏ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذينَ مَعَكَ وَ اللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ"[7]. و یستفاد من بدایة هذه الآیة وآیات أخری من القرآن بان قیام اللیل و العبادة فیه له فضیلة کبیرة، و هو من معتقدات الشیعة و أهل السنة، و لکن الآیة تتعرض بعد ذلک لذکر المشاکل التي تعترض المؤمنین فتخفف عنهم وتقول توسعة علی المؤمنین: " فاقرأوا ما تیسر من القرآن"، و الملاحظ في اوساط المسلمین أنهم لا یستطیعون بسبب صعوبات الحیاة القیام بالعبادة آکثر اللیل، و القیام باعمالهم الیومیة اثناء النهار ایضاً، بل یقومون بذلک بحسب ما یستطیعون، مع کونهم مقرین بأهمیة هذا الامر، و لا یکونون عاصین بسبب عدم القیام الکامل بهذا العمل.

والموضوع مورد البحث يدخل في هذا السياق أيضاً. فان أداء الصلاة في خمسة أوقات و ان کان فیه فضيلة، و لکنه لا یتیسر للجمیع و خصوصاً في هذا العصر الذي تعقدت فیه الحیاة و مشاکلها و لذا أجیز أداء الصلوات في ثلاثة أوقات، حتی انه قد ورد في كما مر عن النبي (ص) في سبب جواز الصلاة في ثلاثة أوقات انه قال: (.: صَنَعْتُ هذا لِئلّا تُحرَجَ أُمّتي)[8].

و مع ذلک فان أداء الصلوات الواجبة الیومیة في خمسة أوقات هو الافضل، و أداؤها في أوقات فضیلتها في صورة التمکن هو الافضل، و هناک في الاوساط الشیعیة مساجد تقیم الصلوات في خمسة أوقات من أجل الحصول علی تلك الفضیلة.

 


[1] الشیخ الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصیل وسائل الشیعة الی تحصیل مسائل الشریعة، ج4، ص126، مؤسسة آل البیت(ع)، قم،  الطبعة الاولی، 1409ق، لاحظ: موضوع( أدلة جواز أداء الصلوات فی ثلاثة أوقات)، السؤال: 2205.

[2] صحيح مسلم: 2/ 151، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر

[3] شرح الزرقاني على موطأ مالك، ج 1، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر ص 294

[4] انظر: السبحاني، جعفر، العقيدة إلاسلامية، ص: 340.

[5] مکارم الشیرازي، ناصر، توضیح المسائل، ص138، مدرسة الامام علي بن أبی طالب(ع)، قم، الطبعة الثانیة و الخمسون، 1429ق.

[6] وسائل الشیعة، ج4، ص220.

[7] المزمل: 20.

[8] وسائل الشیعة، ج4، ص221.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...