Please Wait
6351
یرى البعض ان موضوع «ولایة الفقیه» بمعنی ادارة المجتمع الاسلامی من قبل المجتهد فی الفقه، موضوع مستحدث فی تاریخ الفکر الاسلامی و أنه ظهر فی القرنین الأخیرین. إلا اننا نجد فی الثقافة الشیعیة انه کان من الواضح ان ادارة امور المجتمع فی عصر الغیبة أوکلت من قبل الشارع المقدس الی الفقیه العادل.
ثمة أفکار حول ولایة الفقیه سجلها المرحوم الشیخ المفید الذی یعد من اکبر الفقهاء فی تاریخ الشیعة فی القرن الرابع و الخامس الهجریین، و قد مر على کتابتها اکثر من الف عام.
یعتقد البعض أن «ولایة الفقیه» بالمعنی الدال على قیادة المجتمع الاسلامی من قبل الشخص الحائز على مرتبة الاجتهاد مسألة حدیثة العهد فی تاریخ الفکر الإسلامی حیث یصل تاریخها الی أقل من قرنین ماضیین. یقول هؤلاء ان علماء الشیعة و السنة لم یتطرقوا الی مسأله تولی الفقیه شؤون الحکم و القیادة لبلد اسلامی أو للبلدان الاسلامیة أو لکل بلدان العالم، الی جانب مهامة فی الإفتاء و القضاء. و إن أول من ابتکر هذا الموضوع هو المرحوم الملا احمد النراقی المعروف بالفاضل الکاشانی و المعاصر لفتح علی شاه القاجاری قبل قرنین من الزمن و حسب. یضیف هؤلاء ان اثارة النراقی لهذا الموضوع استهدفت دعم و مساعدة الملک!! [1]
و بالطبع لو کان المرحوم النراقی یستهدف دعم الملک و الوقوف الی جانبه لکان من الافضل له اتباع الطریق الذی سلکه البعض قبله عبر اللجوء الی احادیث من قبیل ان «السلطان ظل الله»، [2] و تطبیقها على الحاکم و إعلان ان طاعته واجب شرعی و إلهی [3] و ذلک دون القول بأن الفقیه هو الحاکم و الزعیم، مما لا یحتمل أن ینطبق على هذا الملک.
ربما قیل: أن النراقی قام أولاً بإثبات هذا المنصب للفقیه ثم عمد باعتباره فقیهاً، الی تأیید سلطة الملک و إضفاء الشرعیة علیها. لکننا نعلق على ذلک بالقول: ما فائدة هذا الدور و لماذا لا ینهی المسألة بإعلان الملک مباشرة، ظلاً لله تجب طاعته؟
و لو کنا نحتمل ان الملا النراقی طمع بالمنصب و أنه کان یهدف الی إرضاء میوله النفسیة، فنسب هذه الأسطورة الی الإسلام، فعلینا ان ندرک أن حیاة هذا الفقیه العظیم و معلم الأخلاق و الشاعر العارف رضوان الله علیه، هی أرفع من هذه التهم الساذجة له، بل إنما تتناسب هذه التهم بشکل أکبر مع أولئک الذین ینسبون له هذه التهم و أحوالهم الحالیة و السابقة.
و إذا تجاهلنا هذه القصة التی تشبه حدیثاً عن أمر مؤلم، أکثر منها بحثاً علمیاً، و ألقینا نظرة عابرة على تاریخ الفکر الإسلامی، فسوف ندرک انه کان من الواضح فی الثقافة الشیعیة ان ادارة امور المجتمع فی عصر الغیبة أو کلت من قبل الشارع المقدس الی الفقیه العادل. لذا فإنهم لم یبحثوا أصل المسألة، بل قاموا بتناول معطیاتها و مستلزماتها.
حین نلاحظ نصوص المرحوم الشیخ المفید (333 أو 338-413 هـ) و هو من کبار فقهاء الشیعة فی القرنین الرابع و الخامس الهجری، سنری انها جمیعاً تدل على قبوله مبدأ ولایة الفقیه و أن الفقهاء ینوبون عن الأئمة (علیهم السلام) فی زعامة المجتمع الإسلامی فی عصر الغیبة، و لا تزال کلماته هذه تتألق رغم مرور أکثر من ألف سنة علیها، و بالرغم من أن البعض لا یرون ألقها هذا أو لا یریدون رؤیته [4] .
ثم قام علماء آخرون بعد الشیخ المفید ببحث ولایة الفقیه واحداً تلو الآخر و تعیین حدودها و صلاحیاتها. و یمکن الإشارة الی بعض منهم مثل: الشیخ أبو الصلاح الحلبی (ت: 447 هـ)، ابن ادریس الحلی (ت: 598 هـ)، المولی أحمد المقدس الاردبیلی (ت: 990 هـ)، جواد بن محمد الحسینی العاملی (ت: 1226 هـ)، الملا أحمد النراقی (ت: 1245 هـ)، میر فتاح عبد الفتاح بن الحسینی المراغی (ت: 1266، 1274، هـ)، الشیخ محمد حسن النجفی، صاحب الجواهر (ت: 1266 هـ)، الشیخ مرتضی الأنصاری (ت: 1281 هـ)، الحاج رضا الهمدانی (ت: 1322 هـ)، السید محمد بحر العلوم (ت: 1326 هـ)، آیة الله البروجردی (ت: 1382 هـ.ق)، آیةالله الشیخ مرتضی الحائری (ت: 1362 هـ.ش)، الإمام الخمینی (ت: 1368 هـ.ش) [5] .
لمزید من الاطلاع لاحظ:
1. هادوی طهرانی، ولایت و دیانت "الولایة و الدیانة"، مؤسسه فرهنگی خانه خرد " مؤسسة دار العقل الثقافیة"، قم، ط 2، 1380.
[1] - لاحظ: مهدی الحائری الیزدی، حکمت و حکومت، 178.
[2] - المجلسی، بحار الانوار، ج 72، ص 354 (کتاب العشرة، باب أحوال الملوک و الامراء الحدیث 69)، یقدم الامام الخمینی (رحمة الله علیه) تفسیراً أخر لهذا الحدیث حیث یقول ان المقصود بالسلطان هنا الفقیه أو الامام المعصوم (علیه السلام).
[3] - لا بد ان نتنبه إلی ان روایات کهذه تفسر بطریقتین:
أ: من کانت له السلطة و الحکومة فهو ظل الله و هو واجب الطاعة . و طبقاً لهذا التفسیر فإن مواصفات الحاکم و طریقة وصوله إلی الحکم لیس لهما أی دخل فی وجوب طاعته. و هذا تفسیر کان یرضی السلاطین و یمنح المشروعیة لحکمهم.
ب: ان من یستلم زمام الحکم و السلطة یجب ان یکون ظل الله، و هذا یعنی انه لا بد ان تکون طریقة حکمه و مواصفاته الشخصیة متسقة مع شریعة الله، و فی ضوء هذا فإن الشخص الوحید الذی تجب طاعته هو من کانت له الصفات التی یصادق علیها السلام، و من تطابق حکمه مع التعالیم الاسلامیة، و تری نظریة ولایة الفقیه ان الفقیه الجامع للشرائط یتمتع بکل تلک الصفات.