Please Wait
الزيارة
40499
40499
محدثة عن:
2015/05/23
خلاصة السؤال
ما المراد من الصراط المستقيم الوارد في سورة الفاتحة؟
السؤال
ما المراد من الصراط المستقيم الوارد في سورة الفاتحة؟
الجواب الإجمالي
اعتمد المفسرون في مجال البحث عن هذا المفهوم منهجين وسا روا بطريقين: نظري و مصداقي؛ و المراد من المنهج النظري ذلك الطريق الذي يسلط الأضواء على معرفة الخصائص القرآنية لذلك الطريق القويم، فيما يراد من المنهج أو الطريق المصداقي رصد الشخصيات و الرجال الذين سلكوا هذا الطريق و بيان خصائصهم التي صيّرت منهم قدوة يستن بهداها على مرّ التاريخ.
و قد ذكر المفسرون الكثير من التفاسير لكلمة الصراط المستقيم على مستوى المفهوم و التطبيق المصداقي، سنشير إلى نماذج من تلك التفسيرات:
1. الصراط المستقيم يعني كتاب الله تعالى.
2. الصراط المستقيم يعني طريق الانبياء.
3. الصراط المستقيم، يعني الاسلام (التسليم لله تعالى).
4. أما مصداق الصراط المستقيم من وجهة نظر القرآن فهو "الدين القيّم": " قُلْ إِنَّني هَداني رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ ديناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكين"
5. التفاسير المختلفة للصراط المستقيم، كل هذا المعاني تعود إلى نفس الدين الإلهي في جوانبه الاعتقادية و العملية.
6. الصراط المستقيم هو الإمام الواجب الطاعة الذي تعد طاعته وسيلة لعبور الصراط على جهنم في العالم الآخروي.
و قد ذكر المفسرون الكثير من التفاسير لكلمة الصراط المستقيم على مستوى المفهوم و التطبيق المصداقي، سنشير إلى نماذج من تلك التفسيرات:
1. الصراط المستقيم يعني كتاب الله تعالى.
2. الصراط المستقيم يعني طريق الانبياء.
3. الصراط المستقيم، يعني الاسلام (التسليم لله تعالى).
4. أما مصداق الصراط المستقيم من وجهة نظر القرآن فهو "الدين القيّم": " قُلْ إِنَّني هَداني رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ ديناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكين"
5. التفاسير المختلفة للصراط المستقيم، كل هذا المعاني تعود إلى نفس الدين الإلهي في جوانبه الاعتقادية و العملية.
6. الصراط المستقيم هو الإمام الواجب الطاعة الذي تعد طاعته وسيلة لعبور الصراط على جهنم في العالم الآخروي.
الجواب التفصيلي
قال اللغويون: السراط: الطريق، و يبدل من السين صادا، فيقال صراط. و قال في التهذيب 12/ 329 "اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ": كتبت بالصاد و الأصل السين، و معناه- ثبّتنا على المنهاج الواضح. و قال الفرّاء: إذا كان بعد السين طاء أو قاف أو غين أو خاء، فانّ تلك السين تقلب صادا صورتها صورة الطاء. و الصراط بالصاد لغة قريش الأوّلين الّتي جاء بها الكتاب. و عامّة العرب تجعلها سينا. و إنّما قيل للطريق الواضح: صراط لأنّه كان يسترط المارّة لكثرة سلوكهم لأحبه (و هو الطريق الواضح).
و قل صاحب التحقيق في مفردات القرآن: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الطريق الواضح الواسع، مادّيا أو معنويّا، و قد مرّ في السبيل: أنّ الطريق ما يتحصّل بالعمل و الصنع من غير سهولة، و السبيل هو الطريق السهل الطبيعيّ الممتدّ الموصل الى نقطة مقصودة.[1]
قال الراغب: هذه المفردة في الأصل (سراط) بمعنى البلع، و حيث إنّ الطريق المفتوح و العام لما فيه من سعة و وضوح كأنّه يبتلع السلاك و يسرطه في جوفه لذلك قيل له "صراط".[2] و اعتبر بعض الباحثين في مفردات القرآن أنّ هذا الرأي خطأ و قالوا: إن صراط مفردة مستقلة و غير مبدلة؛ لأن (سراط) لها مشتقات كثيرة، في حين إنّ (صراط) ليس لها تلك المشتقات.[3]
المستقيم: و أصل هذه المفردة من مادة ( ق و م) و بواسطة الهيئة الخاصّة في باب الإستفعال فهي تدل على طلب القيام، وحيث إنّ الإنسان في حال القيام قادر على تأدية أكثر أعماله لذلك كانت مفردة (القيام) اسماً لافضل حالة يكون فيها الشيء. و الاستقامة طلب القيام من الشيء، و طلب القيام كناية عن ظهور ثمرة الشيء، و آثاره و منافعه، و بما أنّ آثار و منافع الطريق تكون في استوائه و عدم اعوجاجه و عدم تضليل السالك، فان مثل هذه الحالة تعدّ قياما لهذا الطريق. إذن فالطريق المستقيم هو الطريق الذي يراد منه عدم الاعوجاج، و أن يكون عدم الاعوجاج حاصلا فيه. و لهذا فانّ صفة المستقيم للصراط توضيحية لا احترازية.[4] و قد وردت المفردة في القرآن الكريم قرابة الأربعين مرّة منها ما ورد في الآية السادسة من سورة الحمد (فاتحة الكتاب).
و الملاحظ أن مفردة الصراط المستقيم تستعمل في القرآن الكريم و يراد منها معنى خاصّاً مركباً من مفردتي الصراط و الاستقامة.
و قد اعتمد المفسرون في مجال البحث عن هذا المفهوم منهجين وسا روا بطريقين: نظري و مصداقي؛ و المراد من المنهج النظري ذلك الطريق الذي يسلط الأضواء على معرفة الخصائص القرآنية لذلك الطريق القويم، فيما يراد من المنهج أو الطريق المصداقي رصد الشخصيات و الرجال الذين سلكوا هذا الطريق و بيان خصائصهم التي صيّرت منهم قدوة يستن بهداها على مرّ التاريخ.
و قد اختلفت كلمة المفسرين في بيان و تحديد المراد القرآني من الصراط المستقيم، نرى من المناسب هنا التعرض لما ذكره الشهيد المطهري كمقدمة لتفسير الآية ثم الخوض في بيان معاني الصراط في كلمات المفسرين، حيث قال الشهيد رحمه الله: إننا لكي نلقي الضوء على الصراط المستقيم يجب أن بين بعض النقاط:
1. كلّ الموجودات تسير في مسيرة كونية لا إرادية حتمية نحو الله في صيرورة " ِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصيرُ الْأُمُورُ "[5] و " وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى"[6] و الإنسان لا يخرج عن هذا بحكم كونه من الموجودات: "يا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقيهِ".[7]
2. هناك بين الطرق الكثيرة طريق مستقيم لاحب واحد، هو طريق السعادة، و هو إختياري، أي على الإنسان أنْ يختاره بنفسه.
3. بما أنّ ما يختاره الإنسان هو طريق من الطرق؛ فإنّه لذلك يتحرّك في مسيره و يطوي الطريق نحو هدفه.
و بعبارة أخرى، إنّه يريد أنْ يتقدّم نحو الكمال. و عليه فانّ الإنسان كائن يطلب الكمال و يبحث عنه. فجملة: إهدنا الصراط المستقيم، تعني: ربّنا أرشدنا إلى الطرق المستقيم الذي يوصلنا إلى التكامل.
4. طريق التكامل طريق يكتشف، لا أنّه يبتدع، بخلاف نظرية الوجوديين التي تدعي أنّه لا وجود لأي طريق و لا لأي هدف، و أنّ الإنسان هو الذي يخلق بنفسه مكانة و هدفاً و طريقاً، فهو نفسه خالق الهدف و خالق الطريق و خالق الكمال؛ أي أنّه هو الذي يخلق كمال كماله و قيمة قيمته. في حين يرى القرآن أنّ الكمال و الطريق و كمال الهدف و تقويم القيمة متعينة منذ بدء الخليقة و الوجود، و على الإنسان أنْ يكتشفها و أن يعثر على الهدف و يقطع الطريق.
5. الطريق المستقيم هو طريق وجهته و معرفته منذ البداية، بخلاف الطرق غير المستقيمة المنحنية أو المتعرجة أو المنكسرة التي يفترض فيها أنْ توصل الإنسان إلى الهدف بعد كثير من تعدد الوجهات. وعلى ذلك فانّ طريق الإنسان نحو الكمال ليس ذلك الطريق الذي يمرّ عبر الأضداد و الانحراف من ضد الى ضد كما يقول الديالكتيكيون.[8]
و على كلّ حال فالصراط و السبيل و إن كانا متقاربين من حيث المعنى، لكنّ كلمة الصراط استعملت في القرآن الكريم في جميع المواضع بصيغة المفرد خلافا لكلمة السبيل التي استعملت في صيغتي المفرد و الجمع: " وَ أَنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِه" و السرّ في عدم قبول الصراط للتعدد هو أنّ الصراط يستند الى الله، و الطريق الإلهي المستقيم هو واحد ليس أكثر. و كل ما هو بخلافه هو (سبيل بغي)، أما الطرق المنحرفة ( السُبُل) فهي كثيرة. و هذا الطريق الأعظم الذي هو واحد لا أكثر مرتبط بالله سبحانه من جهة، و من جهة أخرى فهو مستقر في فطرة أفراد الإنسانية.... وسبل الله هي الطرق الفرعية التي ترتبط بالطريق الرئيسي (الصراط) و إذا لم ينته السبيل الى الصراط فهو من طرق الضلال التي نهي الناس عن سلوكها لأنها تؤدي بهم الى السقوط. و سبل الله الكثيرة غير منفصلة عن الصراط المستقيم، و علاقة سبل الله مع الصراط المستقيم يمكن تصويرها بنحوين:
الف: أن تكون السبل طرقا فرعية تتصل بالصراط كالاضواء الضعيفة المتعددة التي تتصل بالشمس.
ب: إن الصراط المستقيم بما له من وحدة منبسطة و واسعة يشمل بسعته الطرق الفرعية (السبل) أيضا. و على أساس هذا التصوير فالطرق الفرعية تقع في الحقيقة في متن الصراط و تعد من مراحله و مراتبه الأساسية.[9]
الصراط المستقيم في كلمات المفسرين
ذكر المفسرون الكثير من التفاسير لكلمة الصراط المستقيم على مستوى المفهوم و التطبيق المصداقي، و قد روي عن أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال مجموعة من الكلمات، سنشير إلى نماذج من تلك التفسيرات:
1. الصراط المستقيم يعني كتاب الله تعالى، و قد روي ذلك عن كل من النبي الأكرم (ص) و الإمام علي (ع) حينما سئلا عن معنى الصراط المستقيم قالا: هو كتاب الله.[10]
2. الصراط المستقيم يعني طريق الانبياء، فقد روي أن النبي (ص) سئل عن معنى الصراط المستقيم فقال: هو صراط الأنبياء.[11] و روي أنّ رسول اللّه (ص) خط للمسلمين خطاً ثم قال: هذا سبيل اللّه، ثم خط خطوطا عن يمينه و عن شماله ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ (وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً).[12]
3. الصراط المستقيم، يعني الاسلام (التسليم لله تعالى) قال (ص): "...فالصراط الإسلام".[13]
4. أما مصداق الصراط المستقيم من وجهة نظر القرآن فهو "الدين القيّم": " قُلْ إِنَّني هَداني رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ ديناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكين"[14] و الدين القيم هو الدين القائم بنفسه، و الذي يقيم الآخرين، و السرُّ في أنّ الدين القيم الذي هو الصراط المستقيم يعبّر عنه بـ (ملة إبراهيم) و ينسب الدين الى طريقته هو: أنّ إبراهيم الخليل (ع) قدّم أفضل الأساليب في هذا المضمار، و (الحنيف) يعني الشخص الذي يسير في وسط الطريق في مقابل (الجنيف) و (المتجانف) و هو الذي ينحرف نحو اليمين أو الشمال.[15]
5. قال صاحب تفسير الأمثل: إن التفاسير المختلفة للصراط المستقيم، تعود كلها إلى معنى واحد. فقد قالوا: إنه الإسلام. و قالوا: إنه القرآن. و قالوا: إنه الأنبياء و الأئمة. و قالوا: إنه دين اللّه، الذي لا يقبل سواه. و كل هذا المعاني تعود إلى نفس الدين الإلهي في جوانبه الاعتقادية و العملية.[16]
6. قال الإمام الصادق (ع) في بيان معنى الآية "اهدنا الصراط المستقيم": يعني "ارشدنا الى لزوم الطريق المؤدي الى محبتك و المبلغ الى جنتك و المانع من أنْ نتبع أهواءنا فنعطب أو أن نأخذ بآرائينا فنهلك".[17] و[18]
7. الصراط المستقيم هو الإمام الواجب الطاعة الذي تعد طاعته وسيلة لعبور الصراط على جهنم في العالم الآخروي، روي عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصراط فقال: هو الطريق الى معرفة الله عزّ و جل. و هما صراطان: صراط في الدنيا، و صراط في الاخرة، فاما الصراط في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة، و من لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة، فتردى في نار جهنم.[19]
8. قال صاحب تفسير مجمع البيان في ذيل الآية المباركة: الأولى حمل الآية على العموم حتى يدخل جميع ذلك فيه لأن الصراط المستقيم هو الدين الذي أمر الله به من التوحيد و العدل و ولاية من أوجب الله طاعته.[20]
9. الصراط المستقيم هو صراط من أنعم الله عليهم لا المغضوب عليهم، فقد روي عن الامام الصادق (ع) أنّه سئل عن الضالين و المغضوب عليهم فقال: هم اليهود و النصارى.[21]
10. و قال العلامة الطباطبائي هنا: إذا عرفت هذا علمت أن الصراط المستقيم الذي هو صراط غير الضالين صراط لا يقع فيه شرك و لا ظلم البتة كما لا يقع فيه ضلال البتة، لا في باطن الجنان من كفر أو خطور لا يرضى به الله سبحانه، و لا في ظاهر الجوارح و الأركان من فعل معصية أو قصور في طاعة، و هذا هو حق التوحيد علما و عملا إذ لا ثالث لهما و ما ذا بعد الحق إلا الضلال؟.[22]
11. و قال الإمام الخميني (ره) في تفسير عرفاني للصراط: الصراط المستقيم هو صراط الإسلام و هو عين صراط الإنسانية و صراط الكمال الآخذ بيد الإنسان الى الله تعالى؛ لأنّ الصرط ثلاثة: المستقيم؛ و الشرقي "المغضوب عليهم"؛ و الغربي "الضالين"، فالطريق المستقيم ينتهي ما لم يتعرج صاحبه يمنة او يسره يسوق الإنسان الى الله و ينتهي عنده سبحانه[23] و هذا المعنى يتطابق مع ما ورد في كلام أمير المؤمنين عليهم السلام: " اليمين و الشمال مضلّة و الطريق الوسطى هى الجادة".[24]
و يضيف الإمام الخميني (ره) في مكان آخر: إنّ الصراط هو صراط الذين منّ الله عليهم بفضله و نعمه بنعمة الإسلام، و نعمة الإنسانية، و الدفاع عن حريم الإسلام و القرآن الكريم و الجهاد في سبيل الله المستقيم، و هو نفس الصراط الذي يدعو به العباد في صلاتهم.[25]
تحصل مما مرّ: أن جميع التفاسير و التطبيقات التي ذكرت في الكتب الحديثية و التفسيرية، تفسيرات يمكن الركون إليها و القول بها؛ و ذلك لعدم تضاربها فيما بينها و لانها تشير أحيانا الى المصاديق العامة و الشاملة و البارزة كالقرآن الكريم الذي يمثل الحق المطلق و الصراط القويم السائق الى الله، و هكذا القول في أهل البيت الذين هم عدل القرآن الكريم كما صرح بذلك حديث الثقلين المعروف لدى المسلمين، و قد يشار أحيانا الى مصاديق أخرى للصراط تتمثل في المؤمنين المتمسكين بهدي القرآن و العترة الطاهرة المنسجمة تمام الانسجام مع سيرة النبي الأكرم (ص) و هديه.
انظر: الجسر و الصراط في القرآن الكريم، السؤال رقم 1453
و قل صاحب التحقيق في مفردات القرآن: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الطريق الواضح الواسع، مادّيا أو معنويّا، و قد مرّ في السبيل: أنّ الطريق ما يتحصّل بالعمل و الصنع من غير سهولة، و السبيل هو الطريق السهل الطبيعيّ الممتدّ الموصل الى نقطة مقصودة.[1]
قال الراغب: هذه المفردة في الأصل (سراط) بمعنى البلع، و حيث إنّ الطريق المفتوح و العام لما فيه من سعة و وضوح كأنّه يبتلع السلاك و يسرطه في جوفه لذلك قيل له "صراط".[2] و اعتبر بعض الباحثين في مفردات القرآن أنّ هذا الرأي خطأ و قالوا: إن صراط مفردة مستقلة و غير مبدلة؛ لأن (سراط) لها مشتقات كثيرة، في حين إنّ (صراط) ليس لها تلك المشتقات.[3]
المستقيم: و أصل هذه المفردة من مادة ( ق و م) و بواسطة الهيئة الخاصّة في باب الإستفعال فهي تدل على طلب القيام، وحيث إنّ الإنسان في حال القيام قادر على تأدية أكثر أعماله لذلك كانت مفردة (القيام) اسماً لافضل حالة يكون فيها الشيء. و الاستقامة طلب القيام من الشيء، و طلب القيام كناية عن ظهور ثمرة الشيء، و آثاره و منافعه، و بما أنّ آثار و منافع الطريق تكون في استوائه و عدم اعوجاجه و عدم تضليل السالك، فان مثل هذه الحالة تعدّ قياما لهذا الطريق. إذن فالطريق المستقيم هو الطريق الذي يراد منه عدم الاعوجاج، و أن يكون عدم الاعوجاج حاصلا فيه. و لهذا فانّ صفة المستقيم للصراط توضيحية لا احترازية.[4] و قد وردت المفردة في القرآن الكريم قرابة الأربعين مرّة منها ما ورد في الآية السادسة من سورة الحمد (فاتحة الكتاب).
و الملاحظ أن مفردة الصراط المستقيم تستعمل في القرآن الكريم و يراد منها معنى خاصّاً مركباً من مفردتي الصراط و الاستقامة.
و قد اعتمد المفسرون في مجال البحث عن هذا المفهوم منهجين وسا روا بطريقين: نظري و مصداقي؛ و المراد من المنهج النظري ذلك الطريق الذي يسلط الأضواء على معرفة الخصائص القرآنية لذلك الطريق القويم، فيما يراد من المنهج أو الطريق المصداقي رصد الشخصيات و الرجال الذين سلكوا هذا الطريق و بيان خصائصهم التي صيّرت منهم قدوة يستن بهداها على مرّ التاريخ.
و قد اختلفت كلمة المفسرين في بيان و تحديد المراد القرآني من الصراط المستقيم، نرى من المناسب هنا التعرض لما ذكره الشهيد المطهري كمقدمة لتفسير الآية ثم الخوض في بيان معاني الصراط في كلمات المفسرين، حيث قال الشهيد رحمه الله: إننا لكي نلقي الضوء على الصراط المستقيم يجب أن بين بعض النقاط:
1. كلّ الموجودات تسير في مسيرة كونية لا إرادية حتمية نحو الله في صيرورة " ِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصيرُ الْأُمُورُ "[5] و " وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى"[6] و الإنسان لا يخرج عن هذا بحكم كونه من الموجودات: "يا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقيهِ".[7]
2. هناك بين الطرق الكثيرة طريق مستقيم لاحب واحد، هو طريق السعادة، و هو إختياري، أي على الإنسان أنْ يختاره بنفسه.
3. بما أنّ ما يختاره الإنسان هو طريق من الطرق؛ فإنّه لذلك يتحرّك في مسيره و يطوي الطريق نحو هدفه.
و بعبارة أخرى، إنّه يريد أنْ يتقدّم نحو الكمال. و عليه فانّ الإنسان كائن يطلب الكمال و يبحث عنه. فجملة: إهدنا الصراط المستقيم، تعني: ربّنا أرشدنا إلى الطرق المستقيم الذي يوصلنا إلى التكامل.
4. طريق التكامل طريق يكتشف، لا أنّه يبتدع، بخلاف نظرية الوجوديين التي تدعي أنّه لا وجود لأي طريق و لا لأي هدف، و أنّ الإنسان هو الذي يخلق بنفسه مكانة و هدفاً و طريقاً، فهو نفسه خالق الهدف و خالق الطريق و خالق الكمال؛ أي أنّه هو الذي يخلق كمال كماله و قيمة قيمته. في حين يرى القرآن أنّ الكمال و الطريق و كمال الهدف و تقويم القيمة متعينة منذ بدء الخليقة و الوجود، و على الإنسان أنْ يكتشفها و أن يعثر على الهدف و يقطع الطريق.
5. الطريق المستقيم هو طريق وجهته و معرفته منذ البداية، بخلاف الطرق غير المستقيمة المنحنية أو المتعرجة أو المنكسرة التي يفترض فيها أنْ توصل الإنسان إلى الهدف بعد كثير من تعدد الوجهات. وعلى ذلك فانّ طريق الإنسان نحو الكمال ليس ذلك الطريق الذي يمرّ عبر الأضداد و الانحراف من ضد الى ضد كما يقول الديالكتيكيون.[8]
و على كلّ حال فالصراط و السبيل و إن كانا متقاربين من حيث المعنى، لكنّ كلمة الصراط استعملت في القرآن الكريم في جميع المواضع بصيغة المفرد خلافا لكلمة السبيل التي استعملت في صيغتي المفرد و الجمع: " وَ أَنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِه" و السرّ في عدم قبول الصراط للتعدد هو أنّ الصراط يستند الى الله، و الطريق الإلهي المستقيم هو واحد ليس أكثر. و كل ما هو بخلافه هو (سبيل بغي)، أما الطرق المنحرفة ( السُبُل) فهي كثيرة. و هذا الطريق الأعظم الذي هو واحد لا أكثر مرتبط بالله سبحانه من جهة، و من جهة أخرى فهو مستقر في فطرة أفراد الإنسانية.... وسبل الله هي الطرق الفرعية التي ترتبط بالطريق الرئيسي (الصراط) و إذا لم ينته السبيل الى الصراط فهو من طرق الضلال التي نهي الناس عن سلوكها لأنها تؤدي بهم الى السقوط. و سبل الله الكثيرة غير منفصلة عن الصراط المستقيم، و علاقة سبل الله مع الصراط المستقيم يمكن تصويرها بنحوين:
الف: أن تكون السبل طرقا فرعية تتصل بالصراط كالاضواء الضعيفة المتعددة التي تتصل بالشمس.
ب: إن الصراط المستقيم بما له من وحدة منبسطة و واسعة يشمل بسعته الطرق الفرعية (السبل) أيضا. و على أساس هذا التصوير فالطرق الفرعية تقع في الحقيقة في متن الصراط و تعد من مراحله و مراتبه الأساسية.[9]
الصراط المستقيم في كلمات المفسرين
ذكر المفسرون الكثير من التفاسير لكلمة الصراط المستقيم على مستوى المفهوم و التطبيق المصداقي، و قد روي عن أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال مجموعة من الكلمات، سنشير إلى نماذج من تلك التفسيرات:
1. الصراط المستقيم يعني كتاب الله تعالى، و قد روي ذلك عن كل من النبي الأكرم (ص) و الإمام علي (ع) حينما سئلا عن معنى الصراط المستقيم قالا: هو كتاب الله.[10]
2. الصراط المستقيم يعني طريق الانبياء، فقد روي أن النبي (ص) سئل عن معنى الصراط المستقيم فقال: هو صراط الأنبياء.[11] و روي أنّ رسول اللّه (ص) خط للمسلمين خطاً ثم قال: هذا سبيل اللّه، ثم خط خطوطا عن يمينه و عن شماله ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ (وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً).[12]
3. الصراط المستقيم، يعني الاسلام (التسليم لله تعالى) قال (ص): "...فالصراط الإسلام".[13]
4. أما مصداق الصراط المستقيم من وجهة نظر القرآن فهو "الدين القيّم": " قُلْ إِنَّني هَداني رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ ديناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكين"[14] و الدين القيم هو الدين القائم بنفسه، و الذي يقيم الآخرين، و السرُّ في أنّ الدين القيم الذي هو الصراط المستقيم يعبّر عنه بـ (ملة إبراهيم) و ينسب الدين الى طريقته هو: أنّ إبراهيم الخليل (ع) قدّم أفضل الأساليب في هذا المضمار، و (الحنيف) يعني الشخص الذي يسير في وسط الطريق في مقابل (الجنيف) و (المتجانف) و هو الذي ينحرف نحو اليمين أو الشمال.[15]
5. قال صاحب تفسير الأمثل: إن التفاسير المختلفة للصراط المستقيم، تعود كلها إلى معنى واحد. فقد قالوا: إنه الإسلام. و قالوا: إنه القرآن. و قالوا: إنه الأنبياء و الأئمة. و قالوا: إنه دين اللّه، الذي لا يقبل سواه. و كل هذا المعاني تعود إلى نفس الدين الإلهي في جوانبه الاعتقادية و العملية.[16]
6. قال الإمام الصادق (ع) في بيان معنى الآية "اهدنا الصراط المستقيم": يعني "ارشدنا الى لزوم الطريق المؤدي الى محبتك و المبلغ الى جنتك و المانع من أنْ نتبع أهواءنا فنعطب أو أن نأخذ بآرائينا فنهلك".[17] و[18]
7. الصراط المستقيم هو الإمام الواجب الطاعة الذي تعد طاعته وسيلة لعبور الصراط على جهنم في العالم الآخروي، روي عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصراط فقال: هو الطريق الى معرفة الله عزّ و جل. و هما صراطان: صراط في الدنيا، و صراط في الاخرة، فاما الصراط في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة، و من لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة، فتردى في نار جهنم.[19]
8. قال صاحب تفسير مجمع البيان في ذيل الآية المباركة: الأولى حمل الآية على العموم حتى يدخل جميع ذلك فيه لأن الصراط المستقيم هو الدين الذي أمر الله به من التوحيد و العدل و ولاية من أوجب الله طاعته.[20]
9. الصراط المستقيم هو صراط من أنعم الله عليهم لا المغضوب عليهم، فقد روي عن الامام الصادق (ع) أنّه سئل عن الضالين و المغضوب عليهم فقال: هم اليهود و النصارى.[21]
10. و قال العلامة الطباطبائي هنا: إذا عرفت هذا علمت أن الصراط المستقيم الذي هو صراط غير الضالين صراط لا يقع فيه شرك و لا ظلم البتة كما لا يقع فيه ضلال البتة، لا في باطن الجنان من كفر أو خطور لا يرضى به الله سبحانه، و لا في ظاهر الجوارح و الأركان من فعل معصية أو قصور في طاعة، و هذا هو حق التوحيد علما و عملا إذ لا ثالث لهما و ما ذا بعد الحق إلا الضلال؟.[22]
11. و قال الإمام الخميني (ره) في تفسير عرفاني للصراط: الصراط المستقيم هو صراط الإسلام و هو عين صراط الإنسانية و صراط الكمال الآخذ بيد الإنسان الى الله تعالى؛ لأنّ الصرط ثلاثة: المستقيم؛ و الشرقي "المغضوب عليهم"؛ و الغربي "الضالين"، فالطريق المستقيم ينتهي ما لم يتعرج صاحبه يمنة او يسره يسوق الإنسان الى الله و ينتهي عنده سبحانه[23] و هذا المعنى يتطابق مع ما ورد في كلام أمير المؤمنين عليهم السلام: " اليمين و الشمال مضلّة و الطريق الوسطى هى الجادة".[24]
و يضيف الإمام الخميني (ره) في مكان آخر: إنّ الصراط هو صراط الذين منّ الله عليهم بفضله و نعمه بنعمة الإسلام، و نعمة الإنسانية، و الدفاع عن حريم الإسلام و القرآن الكريم و الجهاد في سبيل الله المستقيم، و هو نفس الصراط الذي يدعو به العباد في صلاتهم.[25]
تحصل مما مرّ: أن جميع التفاسير و التطبيقات التي ذكرت في الكتب الحديثية و التفسيرية، تفسيرات يمكن الركون إليها و القول بها؛ و ذلك لعدم تضاربها فيما بينها و لانها تشير أحيانا الى المصاديق العامة و الشاملة و البارزة كالقرآن الكريم الذي يمثل الحق المطلق و الصراط القويم السائق الى الله، و هكذا القول في أهل البيت الذين هم عدل القرآن الكريم كما صرح بذلك حديث الثقلين المعروف لدى المسلمين، و قد يشار أحيانا الى مصاديق أخرى للصراط تتمثل في المؤمنين المتمسكين بهدي القرآن و العترة الطاهرة المنسجمة تمام الانسجام مع سيرة النبي الأكرم (ص) و هديه.
انظر: الجسر و الصراط في القرآن الكريم، السؤال رقم 1453
[1]. انظر: حسن مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج6، ص: 228، بنگاه ترجمه و نشر كتاب، طهران، 1360شمسي.
[2] الراغب الأصفهاني، مفردات الفاظ القرآن، مفردة صراط
[3] التحقيق، ج6، ص 264.
[4]. جوادي آملي، عبداللَّه، تفسير تسنيم، ج 1، ص 518 – 519، قم، تعريب السيد عبد المطلب رضا، اشرف على الترجمة الشيخ محمد عبد المنعم الخاقاني، نشر دار الاسراء للنشر، الطبعة الثانية، سنة 1432ق- 2011م، بيروت.
[5] الشورى، 53.
[6]. النجم، 42.
[7] سورة الانشقاق، 6.
[8] الشهيد الشيخ مرتضى المطهري، معرفة القرآن، ص 150- 152، ترجمة جعفر صادق الخليلي، دار التعارف للمطبوعات، بيروت،
[9] . جوادي أملي، تفسير تسنيم ج1، ص529- 530.
[10] الطبرسي، مجمع البیان، ج 1، ص 58، طهران، ناصرخسرو، الطبعة الثالثة، 1372 ؛ العروسي الحويزي، نور الثقلین، ج 1، ص 20 ح 87.
[11]. کتاب التفسیر، للعیاشي، ج 1، ص 22، طهران، المطعبة العلمية، 1380ق ؛ العروسي الحویزي، نور الثقلین، ج 1، ص 17، ح 86، قم، اسماعیلیان، 1415ق.
[12]. سيد محمد طنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج5، ص222؛ و انظر: المطهري، مرتضی، آشنای با قرآن، (تفسير سوره حمد)، ص 50، طهران، صدرا، الطبعة 16، 1381ش.
[13]. الدر المنثور، ج 1، ص 39.
[14] الانعام، 161.
[15] تفسير تسنيم، ج1، ص 528-529.
[16] ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص: 57، نشر مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421.
[17] الطباطبائي، سيد محمد حسين، الميزان، ج 1، ص 38، قم، انتشارات اسلامي، الطبعة السادسة، 1421ق؛ آداب الصلاة، الإمام الخميني، ص 294 - 286؛ تفسير الصافي، ج 1، ذيل الآيه 6 من سورة الحمد.
.[19] نور الثقلین، ج 1، ص 21، ح 91.
[20] الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج1، ص: 104، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372 ش، الطبعة الثالثة، مقدمة محمد جواد البلاغي.
[21]. تفسیر العیاشی، ج 1، ص 24، ح 27؛ نور الثقلین، ح 1، ص 25، ح 111.
[22]. المیزان، ج 1، ص30.
[23]. الإمام الخمینی، تفسیر سورة الحمد، ص 250، مؤسسة تنظیم و نشر آثار الإمام الخمینی، طهران، الطبعة السادسة، 1381ش.
[24]. نهج البلاغة، خطبه 16، بند 7.
[25]. تفسير سورة الحمد، ص 250.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات