Please Wait
2795
انّ الحرّیة هی احدی الحقوق الموکدة والمعترف بها لكل مواطن في الحكومة العلوية. لم تكن هناك خطوط حمراء للحرية في حكم الإمام علي(ع) طالما لم یحمل المعارضون والانتهازيون السلاح ولم يهددوا حرية الآخرين وأمنهم، أو طالما لم یتحدّوا الأمن الفكري للناس من خلال الترويج للأفكار الملحدة، لم تُحدد حرياتهم الفردية والمدنية من قِبل حکومة الإمام علي(ع) ولم توجد لها خطوط حمراء.
بالطبع، ما نعني به من الحرية في هذا المقال، هو الحريات الفكرية والأيديولوجية، وليس الحرية في الانحرافات الأخلاقية. يمكن العثور على نماذج واضحة لهذه الحرية في كلمات الامام علي(ع)، منها قوله(ع): فلا تکلّمونی بما تکلم به الجبابرة، أو، فلا تکفوا عني مقالة بحقّ. وکذلک فی سلوکه(ع) حیث أنه کان یعامل الخوارج الّذین هم اشد معارضیه بمنتهی الحریة والديمقراطية. لم یسجنهم، ولم یلجدهم و حتی لم یقطع حصصهم من بیت المال.
المقدمة
في مدرسة الإسلام الواهبة للحياة، تعدّ حرّية الإنسان من اهم الحقوق الطبيعية الّتي منحها الله لهم. الحرّية جزء من جوهر الإنسان وأعظم هدية کان یحلم بها المجتمع البشري دائما؛ لأن کمال البشر وسموه یتحقق دائمًا في سياق الحرية.
ان الحرية من وجهة نظر الإمام علي(ع)، مرتبطة بفطرة الإنسان وهي أحد المواهب الرئيسية التي اودعها الله فی وجود الانسان ولیس بامکان احد ان یسلبها منه؛ لأن الحرية خلقت مع الإنسان: «وَ لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَ قَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ حُرّاً».[1]
الجَعل في هذه الرواية بمعنی "الخلق"؛ أي أنّ الحرية هي ودیعة إلهية جعلها الله فی وجود الإنسان أثناء الخلق. ان العبودیة لغير الله تتعارض مع الحرية، فی نظر الامام علي(ع)؛ لأن البشر يتشاركون في الإنسانية، والعبادة والعبودية هي فقط أمام الله.
إن أحد أهداف الأنبياء اساسا، هو إذاقة الناس طعم الحرية والتحرر. ولهذا كان معظم أنصار الأنبياء و المؤمنون بهم، المضطهدین والمحرومين من الناس، وکان خصومهم الظالمین وأصحاب السلطة وفراعنة التاريخ. يقول القرآن الكريم في هذا الصدد: «الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ... وَیَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِمْ».[2]
إن الفقر والتمييز والاستبداد، وما إلى ذلك الامور التی تفرض على المجتمع والشعب من قبل الظالمين واصحاب السلطة، هي أمثلة واضحة "للاصر والاغلال" وجاء الأنبياء لرفع هذه الاغلال عن أعناق البشر و لإذاقتهم حلاوة الحرية والتحرر.
بالنظر الی هذه المقدمة، يجب أن يقال؛ انّ الحرّية هي واحدة من أهم الحقوق المسلّمة و المعترف بها لكل مواطن في الحكومة العلوية. لم يكن هناك خط أحمر لهذه الحرية طالما لم یحمل المعارضون والانتهازيون السلاح، ولم یهددوا حرية الآخرين وأمنهم الفكري والديني. أو أنهم لم يتحدّوا الأمن الفكري للناس من خلال الترويج للأفكار الإلحادية. بالطبع نعني بالحرية في هذا المقال، الحريات الفكرية والأيديولوجية، وليس الحرية في الانحرافات الأخلاقية و الشذوذات الجسیة.
اولئك الذين هم على دراية بتاريخ الحكومة العلوية، يفهمون بوضوح أن الحكومة من وجهة نظر الإمام علي(ع)، لیست الهدف النهایی، بل هي وسيلة للدفاع عن الحقوق المنتهكة للناس، وخاصة الشرائح الضعيفة في المجتمع کالمحرومین والمظلومین. إنّ حقیقة عدم تحدید الحرية في حكومة الإمام أوضح من أن تحتاج الی دلیل، مع ذلک سنذكر نماذج من کلامه وسلوکه(ع) فی ما یختص بهذا الموضوع.
- حریة التعبیر: «فلا تکلّمونی بما تکلم به الجبابرة»؛[3] أي، تکلم معي بحرية و عبّر عن مطالبک ورغباتك دون أي خوف، إني لا أخاف من قول الحق. ان لهذا الکلام وضوح تام حول حرية التعبیر من وجهة نظر الإمام علي(ع).
- المثال الآخر لحرية التعبیر في حكم الامام علي(ع) هو اسئلة عبد الله بن الكوا من أمير المؤمنين(ع). كان هذا الشخص أحد قادة الخوارج ومعارضًا عنيدًا للإمام علي(ع). وکان یعترض وینتقد علی کل ما کان یفعله الامام(ع). لکن الامام(ع) کان یجبیب عن مسائله و شبهاته التی کان یلقیها، بصبر وسعة.[4]
- الحرية في النقد: یقول الامام(ع) فيما يتعلق بحرية المواطنين: «فَلَا تَكُفُّوا عَنِّي مَقَالَةً بِحَقٍّ»؛[5] أي إذا كان هناك خطأ في عملي بشأن القضايا الاجتماعية والسياسية، فعبروا عنها بحریة حتی اقوم باصلاحها.
- الحرية في التشاور: «أَوْ َمَشُورَةً عَدْل».[6] ان الامام علي(ع) نفسه دعا الناس لتقديم الحلول والاقتراحات في إدارة شؤون المجتمع. المشاركة في صنع القرار بشكل المشورة هی إحدی البرامج والسياسات الرئيسية للإمام علي(ع) في إدارة البلاد. هذا يعني أن الناس يشاركون في مصيرهم. أي المشاركة في اتخاذ القرارات.
- عدم إکراه الناس على ما لم یریدوه: «و لیس لی أَن أحمِلکم علی ما تکرهون».[7]
- كذلك، عندما أهان أحد الخوارج الإمام(ع) فقال قاتله اللّه كافرا ما أفقهه!! فوثب أصحابه ليقتلوه فقال لهم: رويدا إمّا سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب ».[8]
لذلک فانا نعتقد، بان الحریة بکل اشکالها، کالحریة الاجتماعیة، والحریة السياسية، وحریة التعبير، وحریة العقیدة، إلخ. كانت موجودة في حكم الإمام علي(ع)، وقد اعتنى بها. ربما یكون هذه المقدار من الحرية غير مسبوق في العالم حیث تتعامل الحکومة مع خصومها بهذه الدرجة من الديمقراطية.
إن الامام(ع) قد عامل الخوارج الذین کانوا من المعارضین الرئیسیین له، بمنتهی الحریة والدیمقراطیة. انه لم يسجنهم، ولم یجلدهم، وحتى لم یقطع حصصهم من بیت المال. وكانوا آنذاک أحرارا في التعبير عن آرائهم في كل مكان، لأن الإمام علي(ع) وأصحابه قد واجهوهم بحریة الفكر و القول. لذلک نری أن الناس قد تمتعوا بحرية واسعة خلال الحكم العلوي. کان المسلمون واليهود والمسيحیون والمجوس وكل البشر من جميع الأديان يعيشون بكرامة واحترام تحت ظل الإسلام. لأنه(ع) کان يعتقد أن الناس: «... إمّا أخ لك في الدّين وإما نظير لك في الخلق».[9]
[1]. ابن شعبة الحرانى، الحسن بن على، تحف العقول، المحقق، الغفاری، علی اکبر، النص، ص 77، قم، جامعة المدرسين، الطبعة الثانیة، 1404ق، 1363ش؛ الشریف الرضی، محمد بن الحسین، نهج البلاغة، المحقق، صالح، صبحی، ص 401، قم، الهجرة، الطبعة، 1414ق.
[2]. اعراف، ۱۵۷.
[3]. الکلینی، محمد بن یعقوب، الكافي، المحقق، المصحح، الغفاری، علی اکبر، الآخوندی، محمد، ج 8، ص 356، طهران، دار الکتب الاسلامیة، الطبعة الرابعة، 1407ق.
[4]. ر. ک: الطبرسى، احمد بن على، الاحتجاج على أهل اللجاج، المحقق، المصحح، الخرسان، محمد باقر، ج 1، ص 228- 229، مشهد، نشر المرتضى، الطبعة الاولی، 1403 ق.
[5]. الكافي، ج 8، ص 356.
[6]. نفس المصدر.
[7]. نهج البلاغة، ص 324.
[8]. نهج البلاغة، ص 550.
[9]. تحف العقول، ص 127؛ نهج البلاغة، ص 427.