بحث متقدم
الزيارة
7276
محدثة عن: 2009/07/19
خلاصة السؤال
ما هی الرؤیة القرآنیة لکرویة الارض؟
السؤال
قال الله تعالى فی سورة الحجر الایة 19 "وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَیْنا فیها رَواسِیَ وَ أَنْبَتْنا فیها مِنْ کُلِّ شَیْ‏ءٍ مَوْزُون‏" و قال تعالى"أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادا"؟ فمن الواضح ان الله تعالى قد طمأن الانسان بانه خلق الارض له کالسطح المستوی؛ أ لیس فی هذه الایات دلالة على عدم کرویة الارض؟
الجواب الإجمالي

ان الله تعالى قرر فی القرآن الکریم بانه قد خلق الارض و جعلها مهیئة للعیش فیها؛ اما الاصطلاحات من قبیل " المد، المهد، التسطیح فهی اشارة الى ما یقابلها من مکونات الارض نفسها کالجبال و الودیان لا انها فی مقابل الکرویة. من هنا لانجد فی القرآن الکریم ای آیة تدل بصراحة على کون الارض مسطحة و غیر کرویة؛ و ذلک لان المد بمعنى التوسعة لاجل الراحة و الاطمئنان فی مقابل التعرجات لا فی مقابل الکرویة؛ و کذلک الکلام فی التعبیر بالمهاد فانه من اجل الاشارة الى خاصیة الاطمئنان التی توفرها الارض لکی یشعر الانسان و هو یعیش على متنها انه یعیش حالة من الاستقرار و الاطمئنان.

فالمتحصل ان هذه الآیات لیس فیها ادنى دلالة على انکار کرویة الارض. بل توجد آیات کثیرة تنسجم مع القول بکرویة الارض و تصحح فکرة کون الارض کرویة، و هذا فی الحقیقة احدى المعاجز العلمیة للقرآن الکریم و الدالة على عظمته و الهیته.

الجواب التفصيلي

لکی یتضح الامر فی دلالة الآیات التی ذکرت فی متن السؤال و هل انها تدل على عدم کرویة الارض لابد من تفسیر الآیات المبارکة:

الف: اما الایة الاولى "وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَیْنا فیها رَواسِیَ وَ أَنْبَتْنا فیها مِنْ کُلِّ شَیْ‏ءٍ مَوْزُون‏".[1]

مد الأرض بسطها طولا و عرضا و بذلک صلحت للزرع و السکنى و لو أغشیت جبالا شاهقة مضرسة لفقدت کمال حیاة الحیوان علیها.[2]

فان المراد من المد و البسط لیس بمعنى انکار کرویة الارض، بل المراد کون سطح الارض لیس متکونا من الجبال الراسیات ذات التضاریس الشدیدة فقط، بل ان سطح الارض یشتمل على الکثیر من المناطق المبسوطة التی تسهل الحیاة فیها، و لو کانت الارض کلها جبلیة و وعرة لما استطاع الانسان ان یعیش فیها بیسر و سهولة و راحة بال؛ و هذا ما اشارت الیه الآیات الاخرى التی تعرضت لبیان النعم الالهیة التی تؤدی الى خلق حیاة مستقرة و مریحة للانسان على متن الارض.

ب: الایة الثانیة: "أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادا"[3]

المهاد: کما یقول الراغب فی المفردات: المکان الممهّد الموطأ، و هو فی الأصل مشتق من «المهد»، أی المکان المهیأ للصبی.

و فسّره بعض أهل اللغة و المفسّرین بالفراش، لنعومته و استوائه و کونه محلا للراحة.[4] و قد اطلق المهد على مهد الصبی " کَیْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کانَ فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا "[5]

من هنا المهد و المهاد یطلق على المکان المعد للتربیة و العیش فیه کما جاء فی قوله تعالى " الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ مَهْداً"[6] و هو نفس معنى قوله تعالى " الْأَرْضَ فِراشاً "[7] و المهاد الوطاء و القرار الذی یتصرف فیه، و یطلق على البساط الذی یجلس علیه و المعنى قد جعلنا الأرض قرارا لکم تستقرون علیها و تتصرفون فیها [8]

و على هذا الاساس یمکن القول ان الایة بصدد بیان النعمة التی انعم الله بها على العباد اذ جعل لهم الارض بنحو من الخلقة بحیث یستطیع الانسان ان یعیش على متنها بکل راحة و اطمئنان و ان مثلها مثل المهد فی بعث الاستقرار و الاطمئنان فی النفس.

هذا من جهة، و من جهة اخرى هناک الکثیر من الایات التی یرى الباحثون و المفسرون انها تنسجم مع القول بکرویة الارض و انها من الایات التی تدل على الاعجاز العلمی للقرآن الکریم؛ نشیر الى بعضها:

1- الایة الاولى قوله تعالى " یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهارَ یَطْلُبُهُ حَثیثا"[9] یقول العلامة الطباطبائی(قدس) : و إجمال القول الذی یظهر به معنى قوله: «سِتَّةِ أَیَّامٍ» و قوله: «وَ کانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ» هو أن الظاهر أن ما یذکره تعالى من السماوات- بلفظ الجمع- و یقارنها بالأرض و یصف خلقها فی ستة أیام طبقات من الخلق الجسمانی المشهود تعلو أرضنا فکل ما علاک و أظلک فهو سماء على ما قیل و العلو و السفل من المعانی الإضافیة.

فهی طبقات من الخلق الجسمانی المشهود تعلو أرضنا و تحیط بها فإن الأرض کرویة الشکل على ما یفیده قوله تعالى: «یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثاً:»[10]

2- قوله تعالى " یُکَوِّرُ اللَّیْلَ عَلَى النَّهارِ وَ یُکَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّیْل"[11]

و قد ورد فی تفسیر الایة: فلو وقف الإنسان فی منطقة تقع خارج نطاق الکرة الأرضیة، و نظر إلى مشهد حرکة الأرض حول نفسها و تکوّن اللیل و النهار اللذین یطوقان سطحها المکور، لشاهد- بصورة منتظمة- أن سواد اللیل یستولی على طرف النهار من جهة و من الجهة المقابلة یرى بأن ضوء النهار یستولی بحرکة مستمرة على ظلام اللیل.

«یکور» من (تکویر) و تعنی الشی‏ء المتکور أو المنحنی.

یکشف عن بعض الأسرار، فمن هذه الآیة یتجلّى لنا أن الأرض کرویة و تدور حول نفسها، و من جراء هذا الدوران، یطوّق الأرض دائما شریطان، أحدهما سواد اللیل، و الثّانی بیاض النهار، و لا یبقى هذان الشریطان ثابتین، و إنّما یغطی الشریط الأسود الأبیض، من جهة و الشریط الأبیض یغطی الأسود من جهة اخرى، أثناء حرکة الأرض حول نفسها.[12]

3- الایة الثالثة قوله تعالى " فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ "[13]

یقول السید هبة الدین الشهرستانی فی تفسیر الایة: الایة تدل على تعدد المشارق و المغارب و هذا یستلزم کرویة الارض حیث کل نقطة منها تعد مغربا لسکانها. فتعدد المشارق و المغارب ینسجم مع القول بکرویة الارض.[14] و من المعانی الاخرى لکلمة «المشارق»، هو أنّ الأرض لکونها کرویة الشکل، فإنّ کلّ نقطة علیها تعتبر بالنسبة إلى النقطة الاخرى إمّا مشرقا أو مغربا، و بهذا فإنّ الآیة تؤکّد کرویة الأرض و وجود المشارق و المغارب‏.[15]

4- الایة الرابعة" و الی الارض کیف سطحت"[16] و قد ذهب بعض المعاصرین الى دلالة هذه الایة و الایة 137 من سورة الاعراف و الخامسة من سورة الصافات و سورة المعارج الایة 40، على کرویة الارض؛ و هذا یعد احدى الاعجازات العلمیة فی القرآن الکریم حیث یقول: ان تسطیح الارض لایمنع من کرویتها و ذلک لان کل کرة لها سطح و لذلک عدت الکرة فی الهندس من اقسام المسطحات؛ ثم یقول: ان المسطح مقابل الکروی انما هو اصطلاح هندسی جدید و المراد من " سطحت" فی الایة بمعنى مدت.[17]

تحصل: ان القرآن لا یدل بحال من الاحوال على کون الارض مسطحة مقابل الکرویة، بل ان کثیرا من الآیات تنسجم مع کرویة الارض.



[1] الحجر، 19.

[2] الطباطبائی، السید محمد حسین، المیزان فى تفسیر القرآن، ج 12، ص 138 و 139، دفتر انتشارات اسلامى جامعه مدرسی الحوزة العلمیة قم، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق؛ مکارم شیرازى، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج ‏8، ص 49، نشر مدرسة امیر المؤمنین، قم.

[3] النبأ، 6.

[4] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج ‏19، ص 327.

[5] مریم،29.

[6] طه،53.

[7] البقرة،22.

[8] تفسیر المیزان ، ج 20 ، ص 161 و 162.

[9] الاعراف، 54.

[10] المیزان فی تفسیر القرآن، ج ‏10، ص 150.

[11] الزمر، 5.

[12] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج ‏15، ص 19-20.

[13] المعارج،40.

[14] رضائی اصفهانی، محمد علی، پژوهشی در اعجاز علمی قرآن"دراسة فی الاعجاز العلمی للقرآن"، ص 188 و 189، انتشارات کتاب مبین ، الطبعة الثالثة، 1381 ش.

[15] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج ‏14، ص 284.

[16] الغاشیة،20.

[17] گودرزی، نجف، مطالب شگفت انگیز قرآن" من عجائب القرآن الکریم" ، ص 28 - 30؛ امین، احمد، کتاب راه تکامل" ترجمة کتاب التکامل فی الاسلام"، ج 7 ، ص 145؛ مجلة مکتب الاسلام ، السنة 12 ، ش 11؛ نیازمند، ید الله، اعجاز قرآن از نظر علوم امروزی، ص 189، نقلا عن: پژوهشی در اعجاز علمی قرآن ، رضائی ، ص 190.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...