Please Wait
8230
لم تصرّح الآیات القرآنیة بالإجابة عن هذا السؤال، و الروایات المعتبرة أیضاً ـ حسب ما استقصیناه ـ لم تتناول هذا الموضوع، لکن یجب الالتفات إلى أن عدم معرفتنا بإجابات هذه التساؤلات لا یقدح فی عقائدنا، ففی الواقع نحن الآن لسنا فی الجنة بل نسکن هذه الکرة الأرضیة، فیجب علینا أن نُحسِن سلوکنا و عملنا بالشکل الذی یضمن لنا جنة الخلد و الرضوان الإلهی .
لکن العلامة الطباطبائی یعتقد بأنه:
یفهم من سیاق آیات متعددة بأن آدم أساساً و من البدایة خلق لأجل أن یستقر فی الأرض، و یموت فیها، و إذا أسکنه الله تعالى لبعض الأیام فی الجنة فکان لأجل أن یمتحنه .
و بعبارة أخرى، الغایة الأساسیة من خلق آدم هی استقراره فی الأرض، و حتى وصوله إلى هذه الغایة (الاستقرار فی الأرض) کان لابد أن یمرّ بمرحلة السکن فی الجنة، لیثبت أفضلیته على الملائکة، و استعداده للخلافة.
مجموعة من التساؤلات تثار هنا:
هل نبی الله آدم (ع) ارتکب ذنباً أم لا؟ ما هی زلة آدم(ع)؟[1]
هل جنته کانت فی الأرض أم فی السماء؟[2]
ماذا یعنی إخراج آدم و هبوطه إلى الأرض؟[3]
لماذا لم یخلق الإنسان منذ البدایة فی الجنة؟[4]
کیف کان وضع الإنسان حالیاً لو لا خطأ آدم(ع)؟
ربما یحلو لنا معرفة إجابات هذه التساؤلات و مثلها، و تکون مثیرة لنا، لکن لو تأملنا قلیلاً لوجدنا أن معرفة هذه التساؤلات أو جهلها لا تلعب دوراً کبیراً فی بناء أصولنا الدینیة و توجّهاتنا الفکریة.
و قد نقول ـ إذا کنا جداً متفائلین ـ فی الإجابة عن هذا السؤال، أنه لو لا خطأ آدم لکُنّا ـ مثل ملائکتها و کائناتها الأخرى ـ نقطن الجنة، و نحظى بالراحة و الرفاهة! و قد نقول ـ إذا تشاءمنا جداً ـ کان من الممکن أن نُمتَحَن جمیعاً بنفس الامتحان الذی لم یوفّق به آدم (ع) و فی حال عدم النجاح نلقى فی جهنم بدلاً من الهبوط إلى الأرض، و قد نقول ـ فی نظرة معتدلة ـ کنّا نحن أیضاً نهبط إلى الأرض کما هبط آدم (ع)، و نصبح کما نحن علیه الآن! مهما کان الجواب، فیا ترى ما هو تأثیره على مسؤولیاتنا الحالیة؟
و قد تُطرح مثل هذه التساؤلات فی مساحات أخرى مثلاً:
ما هو الموقف لو لم یتحقق دعاء نوح (ع) على قومه ثم نزول الطوفان؟!
ماذا لو قدر لإبراهیم (ع) الشهادة و عدم النجاة من النار؟!
ماذا لو لم یأخذ فرعون بکلام زوجته و لم یتخذ موسى(ع) طفلاً له؟!
و اخیرا ماذا لو انتصر الإمام الحسین (ع) ـ ظاهریاً أیضاً ـ فی ثورته على یزید و أقام حکومة إسلامیة؟!
و هناک آلاف التساؤلات المشابهة التی یمکن أن نسأل فیه أنه لو لم یکن هکذا فکیف کان؟ و غیرها من التساؤلات، مثلما لو سألنا عن نوع الحوت الذی التقم یونس، أو عن مساحة سفینة نوح .
إن الله تعالى بعد بیان قصة أصحاب الکهف، یشیر إلى قضیة لا یخلو الإمعان فیها من جدوى:
یقول تعالى فی الآیة 22 من سورة کهف: "سیقولون ثلاثة رابعهم کلبهم و یقولون خمسة سادسهم کلبهم رجما بالغیب و یقولون سبعة و ثامنهم کلبهم قل ربی أعلم بعدتهم ما یعلمهم إلا قلیل فلا تمار فیهم إلا مراء ظاهرا و لا تستفت فیهم منهم أحدا".
و ما یعنینا هنا، هو أن الناس کانت تجادل فی عدد أصحاب الکهف و کانت الآراء فی المسألة مختلفة، و بالرغم من أن الله تعالى فصّل فی بعض جزئیات القصة کمدة منامهم فی الکهف فی قوله تعالى: "و لبثوا فی کهفهم ثلاث مائة سنین و ازدادوا تسعاً"[5] و لکنه عز و جل اکتفى فی مسألة عدد هؤلاء ببیان الاختلاف الذی قام بین الناس دون أن یرفع الإبهام عن المسألة.
و ربما نستطیع أن نفسّر هذا الأسلوب فی بیان الله تعالى، بأن النقاش و الجدال الزائد حول بعض التفاصیل الجزئیة، التی لا یترتب على جهلها ضرر لا فی التدین و لا فی فهم التوجیهات الإلهیة، یعدّ انحرافاً و ابتعاداً عن المسائل الجوهریة الأکثر أهمیة، فلا حاجة لمثل هذه النقاشات.
و الرسالة الإلهیة التی أراد الله إبلاغها عن طریق هذه القصة هی أنه لا یجوز الخضوع للکفر و الظلم، و أنه إذا تطلّب الأمر فیجب التضحیة بالمصالح الدنیویة و الهجرة من البلاد، و أن الله قادر لما یشاء فهو قادر على أن یتلبّث أناس مئات السنین من غیر طعام و شراب، و یبقیهم أحیاء فی حالة النوم لیکونوا آیة للمعاد و الیوم الآخر.
و أما معرفة عدد الذین لبثوا فی الکهف فلا دور له فی معرفة تلک الرسالة الإلهیة فیمکن اهمالها و عدم الالتفات الیها.
و على ضوء ذلک، نقول بصراحة إننا نجهل الإجابة عن سؤالکم ـ حال ذریة آدم(ع) فیما لو کان یبقى آدم(ع) فی الجنة ـ و علم ذلک عند الله، و لکن نعتقد أیضاً بأن هذا الموضوع لیس من الأمور المؤثرة فی عقائدنا و مسؤولیاتنا الحالیة، فما دمنا لسنا فی الجنة و أصبحنا خلیفة الله فی هذه الکرة الأرضیة، من الأفضل أن نسعى فی حیاتنا على الفوز بالجنة بل نسعى لنیل رضوان الله، و لنعلم أن الله الذی قبل توبة آدم قادر على أن یرزقنا جوار رحمته مرة أخرى، لأنه قال فی إحدى الآیات التی تشیر إلى هبوط آدم (ع) مخاطباً بها ذریته: "قلنا اهبطوا .. فمن تبع هدای فلا خوف علیهم و لا هم یحزنون"[6] و صرّح تعالى فی آیة أخرى: "قال اهبطا.. فمن اتبع هدای فلا یضل و لا یشقى"[7].
و لکن مع ذلک، فإن العلامة الطباطبائی ذکر فی تفسیر المیزان ملاحظة قد تعینکم على الإجابة، حیث قال:
سیاق الآیات و خاصة قوله تعالى فی صدر القصة: إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً یعطی أن آدم (ع) إنما خلق لیحیا فی الأرض و یموت [جنة آدم علیه السلام.] فیها و إنما أسکنهما الله الجنة لاختبارهما و لتبدو لهما سوآتهما حتى یهبطا إلى الأرض، و کذا سیاق قوله تعالى فی سورة طه: فَقُلْنا یا آدَمُ، و فی سورة الأعراف: وَ یا آدَمُ اسْکُنْ حیث سبک قصة الجنة مع قصة إسجاد الملائکة کلتیهما کقصة واحدة متواصلة، و بالجملة فهو (ع) کان مخلوقا لیسکن الأرض، و کان الطریق إلى الاستقرار فی الأرض هذا الطریق، و هو تفضیله على الملائکة لإثبات خلافته، ثم أمرهم بالسجدة، ثم إسکان الجنة. و النهی عن قرب الشجرة المنهیة حتى یأکلا منها فیبدو لهما سوآتهما فیهبطا إلى الأرض، فآخر العوامل للاستقرار فی الأرض، و انتخاب الحیاة الدنیویة ظهور السوأة، و هی العورة بقرینة قوله تعالى: وَ طَفِقا یَخْصِفانِ عَلَیْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ فهو التمایل الحیوانی و یستلزم التغذی و النمو أیضا فما کان لإبلیس هم إلا إبداء سوآتهما، و آدم و زوجته و إن کانا قد سواهما الله تعالى تسویة أرضیة بشریة ... فظهور السوآة کان مقضیا محتوما فی الحیاة الأرضیة و مع أکل الشجرة ... و لو لم تکن الحیاة الأرضیة مع أکل الشجرة و ظهور السوآة حتما مقضیا، و الرجوع إلى الجنة مع ذلک محالا، لرجعا إلیها بعد حط الخطیئة [8]