بحث متقدم
الزيارة
5799
محدثة عن: 2010/05/15
خلاصة السؤال
هل إن علاقة جبرئیل بالنبی و نزوله علیه مقتصر على زمن الوحی، أم أنه دائم الاتصال به؟
السؤال
هل أن نزول جبرئیل على النبی (ص) یقتصر على زمن الوحی أم أن إتصاله به دائماً؟ و إذا کان مصاحباً له باستمرار ألا یعنی أن النبی ملک بصورة إنسان و هذا ینقض قوله تعالى فی القرآن الکریم «قل إنما أنا بشرٌ مثلکم». و إذا لم یکن معه بشکلٍ دائم فمعنى ذلک أن سنن النبی لیست مستحکمة ، و علیه فهی قابلة للتجدید و إعادة النظر.
الجواب الإجمالي

إن جبرئیل یأتی إلى النبی فی أوقات نزول الوحی فقط. و لدینا العدید من الروایات التی تقول أن النبی کان مشغولاً بالعمل الفلانی ـ مثلاً ـ فنزل علیه جبرئیل. و هذا یعنی أن جبرئیل لم یکن مصاحباً له بشکل دائم. و لو کان مصاحباً له فی جمیع أوقاته فلا معنى للقول بنزوله علیه، لأن معنى النزول کونه فی مرتبة علیا ثم ینزل إلى مرتبة أقل، و فی صورة کونه مع النبی فلا معنى للنزول. و کون جبرئیل مع النبی أو لیس معه فلیس لهذا الأمر أی تأثیر فی مسألة بشریة النبی و عدمها. و ما جبرئیل إلا ملک یحمل الوحی إلى رسول الله و أی تلازم بین ملازمة جبرئیل للنبی(ص) و کون النبی ملکاً؟!

الجواب التفصيلي

یضم سؤالکم عدة أقسام نجیب عنها بالترتیب:

1ـ إن جبرئیل ینزل على النبی(ص) فی أوقات الوحی فقط و ذلک لوجود العدید من الروایات التی تؤکد أن النبی(ص) کان مشغولاً بالعمل الفلانی فنزل علیه جبرئیل [1] . و هذا یدل على أن جبرئیل لم یکن معه بشکلٍ دائم، و لو کان معه بشکل دائم لما کان هناک معنىً للنزول، لأن معنى النزول الکون فی مرتبة علیا ثم الهبوط منها إلى مرتبة أدنى و حینما یکون معه دائماً لا یبقى معنىً للنزول.

بل قد یقال هل من الممکن أن یکون جبرئیل مع النبی(ص) و فی نفس الوقت  یوحی إلیه کما فی الآیة 19 من سورة مریم و آیات سورة الضحى، حیث جاء فی أسباب النزول لهذه الآیات تأخر نزول الوحی على رسول الله(ص) و لمدة تتراوح بین 25 ـ 45 یوماً [2] .

2ـ جواب القسم الثانی من السؤال: لا شک ـ و طبقاً لتعالیم الدین ـ إن الله خصص ملکاً لتعلیم النبی(ص) مکارم الأخلاق [3] ، و لکن هل تعنی مصاحبة الملک للنبی أنه (ص) کان ملکاً؟!

إنکم تقولون أن معنى ملازمة جبرئیل الدائمة للنبی(ص) یقتضی کون النبی ملکاً و ما جبرئیل إلا ملک یحمل الوحی للرسول(ص) فهو واسطة فی حمل الوحی و إیصاله إلى رسول الله؟ إن التلازم بین مرافقة جبرئیل للنبی و کونه ملکاً غیر واضحة. و کیف توصلتم إلى استنتاج کون النبی ملکاً إذا ما افترضنا أن جبرئیل یرافقه دائماً، و هل أن الصحبة الدائمة بین موجودین  تعنی التجانس حتماً؟

فإذا کنا نصطحب خاتماً بشکل دائم، فهل هذا یعنی أننا نتحول إلى خاتم؟ إن الله معنا دائماً فهل یعنی ذلک أننا آلهة؟! و کذلک فالملائکة تصاحبنا و تکتب أعمالنا بشکل مستمر، فهل یعنی هذا أن جمیع الناس ملائکة. إن هذا الاستدلال لا یستند إلى أسس عقلیة، و حتى مع فرض الصحبة الدائمة بین جبرئیل و النبی الأکرم(ص) فلیس فی ذلک ما یخدش ببشریته (ص)، و لا یتنافى مع آیات القرآن [4] .

3ـ المسألة الأخرى أن نزول جبرئیل على النبی لیس هو السبب فی عصمته (ص) و إنما العکس صحیح، أی أن عصمة النبی(ص) هی السبب فی نزول جبرئیل علیه، لأن الإنسان لا یکون لائقاً لمقام النبوة ما لم یکن معصوماً و یصلح محلاً لنزول الوحی، و علیه فإن حضور جبرئیل عند النبی أو عدم حضوره لا علاقة له بعصمة النبی الأکرم(ص)، لأنه أمین الله تعالى و جبرئیل حامل وحی الله.

و من الضروری أن نعرف العلة و الملاک فی اتباعنا للنبی الأکرم(ص)؟ و لماذا نطیعه، و هل أن مرافقة جبرئیل له هی العلة فی ذلک؟ و لا توجد علة أخرى و ملاک وراء ذلک؟

إن جبرئیل یقتصر دوره على حمل الوحی، و لا أثر له فیما یتعلق بعصمة النبی (ص)، و لا فی وجوب اتباعه و إطاعته و علیه فإن سنن النبی لا تخدش من هذه الناحیة و لیست قابلة لإعادة النظر، لأنها مأخوذة من سیرة النبی(ص) المصون من أی خطأ و الذی یتمتع بأعلى درجات الکمال الإنسانی، حتى قال تعالى فیما یخص درجة قربه «أنه قاب قوسین أو أدنى».



[1] الکلینی، الکافی، ج 6، ص 52، الطبعة الرابعة، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365؛ المصدر نفسه، ج 5، ص 304؛ العلامة المجلسی، بحار الأنوار، ج 17، ص 378، باب 52، الیقین و الصبر على الشدائد، مؤسسة الوفاء، بیروت.

[2] السیدة اصفهانی، سیده نصرت امین، مخزن العرفان فی تفسیر قرآن، ج ‏15، ص 169،نهضة المرأة المسلمة ، طهران، 1361 ش؛ کاشانی، ملا فتح الله، تفسیر منهج الصادقین فی الزام المخالفین، ج ‏10، ص 269، مکتبة محمد حسن علمی، طهران، 1336 ش؛ حسینی شاه عبدالعظیمی، حسین بن احمد، تفسیر اثنا عشری، ج ‏14، ص 249، منشورات میقات، طهران، الطبعة الأولى، 1363 ش؛ رشید الدین میبدى، احمد بن أبی سعد، کشف الأسرار و عدة الأبرار، ج ‏6، ص 140، منشورات أمیر کبیر، طهران، الطبعة الخامسة، 1371 ش.

[3] یقول الإمام علی(ع): «لَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ مِنْ لَدُنْ أَنْ کَانَ فَطِیماً أَعْظَمَ مَلَکٍ مِنْ مَلَائِکَتِهِ یَسْلُکُ بِهِ طَرِیقَ الْمَکَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَیْلَهُ وَ نَهَارَه»؛ نهج‏البلاغة، ص 300، انتشارات دار الهجره قم.

[4] یراجع السؤال 3972 (الموقع: 4408) (منزلة وجود الملائکة).

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...