بحث متقدم
الزيارة
6178
محدثة عن: 2010/10/21
خلاصة السؤال
ما ضرر شرب قطرة من الخمر؟
السؤال
لا شک فی أن الخمر فیه أضرار کثیرة، لکن ما ضرر شرب قطرة منه؟ هل یوجد دلیل عقلی غیر الدلیل القرآنی و الروائی؟
الجواب الإجمالي

مع أن السؤال لم یصرح بحکم شرب قطرة من الخمر، لکن یبدو أن السؤال هو حکم شرب قطرة من الخمر، فنجیب عنه بالنحو التالی:

طبقا لرؤیة الشیعة، کل الأحکام لها مصالح و مفاسد و قد وضعها الشارع المقدس على المکلفین على أساس تلک المصالح و المفاسد، لکنه لم یذکر لنا جمیع هذه المصالح و المفاسد.[1] و العلل التی قد ذکرت لبعض الأحکام فی الواقع إنما هی من قبیل الحکم أی العلل الناقصة و لیس من قبیل العلة التامة، و لهذا لا نستطیع أن ننفی الحکم بانتفاء تلک العلة الناقصة.

و بناءً على طلبکم سنتناول المسألة من الجانب العقلی لا الجانب التعبدی، و للوصول إلى الجواب المطلوب لابد من ذکر عدة قضایا:

أ: کما ذکرتم فی سؤالکم، إن فی الخمر أضراراً جمسیة و روحیة کثیرة، لکن لا ینبغی أن نغفل عن هذه الحقیقة و هی أن ما یضرّ کثیره فیضر قلیله أیضاً و إن اختلف مدى ضرر هذین المقدارین.

ب: أجمع فقهاء الشیعة على أن الخمر من بین النجاسات التی حددها الشارع [2] و أکل الشیء النجس حرام[3]، سواء کان کثیراً أم قلیلاً.

وقد جاء فی تفسیر العیاشی عن الإمام الصادق أنه قال: إن الله حرم الخمر قلیلها و کثیرها کما حرم المیتة و الدم و لحم الخنزیر.[4] و قالت السیدة الزهراء (ع) فی خطبتها: و النهی عن شرب الخمر تنزیها عن الرجس.[5]

ج: لیست کل المحرمات فی درجة واحدة من الحرمة. إذ یرى المشرّع بعضها أکثر أهمیة و البعض الآخر أقل اهمیة، و لهذا من أجل ترک المحرمات الأکثر أهمیة، اتخذت إجراءات أشد. من باب المثال یقول الله سبحانه فی القرآن فی باب الزنا: "وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى‏ إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبیلا".[6]

لقد نهت هذه الآیة عن الزنا و بالغت فی تحریمه، لأنها لم تقل لا ترتکبوا الزنا بل قالت لا تقربوه.[7] و یقول سبحانه فی مال الیتیم: "وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتیمِ إِلاَّ بِالَّتی‏ هِیَ أَحْسَن"[8] و عندما ینهى عن الاقتراب إلى مال الیتیم بدل أن ینهى عن أکله فهذا مبالغة لإفادة اشتداد الحرمة.[9] ولهذا لم یمنع عن أکل مال الیتیم فسحب، بل منع حتی من الاقتراب من حریمهم و عدم المساس به.[10]

من هنا قد یقال، کما شدد الشارع فی الزنا و أکل مال الیتیم فمنع من الاقتراب إلیهما لشدة حرمتها، کذلک حکم بالنسبة إلى الخمر فیجب الاجتناب عن قطرة واحدة فلا یجوز الاقتراب منه بل لا یجوز معاشرة شاربی الخمر.

النتیجة: لا یمکن القول بجواز شرب قطرة من الخمر إلا إذا ثبت أن العلة التامة لحرمة شرب الخمر هی الضرر و ثبت أنه لا ضرر فی شرب قطرة منه، أولا. و یثبت أن الخمر لیس نجساٌ، ثانیا. و أن لا یؤدی شرب القطرة إلى الجرأة و التجاسر على شرب الأکثر منها ثالثاٌ. و بما أنه لم تثبت أی واحدة من هذه المقدمات الثلاث، بل ثبت عکسها، فنحکم بحرمة شرب الخمر ولو قطرة واحدة.

من البدیهی أن فی عملیة وضع الأحکام و القوانین سواء أ کانت من قبل الشارع المقدس أم من قبل المؤسسات المدنیة و الحکومیة ینظر المقنن إلى الکلیات و الحالة العامّة و الغالبة. مثلاً إذا منع المقنّن فی قوانین المرور، السیر فی الشوارع ذات الاتجاه الواحد من الاتجاه المعاکس، فقد أخذ بنظر الاعتبار أنه إذا جاء سائق من الجانب المقابل و سار بالاتجاه المعاکس لما هو مقرر، سیؤدی هذا إلى حوادث و خسائر فی الأرواح و الأموال. فهل یعقل هنا أن یقول سائق إنی أرید أن أسوق خلاف الاتجاه بقدر أمتار قلیلة فقط؟ من الطبیعی أن لا یقبل هذا الکلام من أی أحد و لا یمکن أن یستثنى القانون. طبعاً فی حالات الاضطرار ترفع حرمة الکثیر من الأحکام، مثل حرمة أکل المیتة فی المکان الذی یتعذر الطعام فیه على الإنسان، فترفع حرمة أکلها فی سبیل حفظه من الموت.



[1]  و کثیر منها لم تصل إلینا.

[2]  تحریر الوسیلة للإمام الخمینی (ره) ج1، ص118، المسکر المائع بالأصل نجس.

[3]  تحریر الوسیلة للإمام الخمینی (ره) ج2، ص163، یحرم تناول الأعیان النجسة و کذا المتنجسة ما دامت باقیة على النجاسة مائعة کانت أو جامدة.

[4]  الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج6، ص136، النشر الإسلامی لجماعة المدرسین، قم 1407ق. الجدیر بالذکر أننا أوردنا هذا الحدیث لا من باب التعبد به بل بسبب التعلیل المذکور فی ذیل الروایة.

[5]  الطبرسی، أحمد بن علی، الاحتجاج، ص97 نشر المرتضى، مشهد 1403ق.

[6]  الإسراء، 32.

[7]  المیزان فی تفسیر القرآن، ج13، ص85ـ 86.

[8]  الانعام، 152؛ الإسراء، 32.

[9]  المیزان فی تفسیر القرآن، ج13، ص91.

[10]  مکارم شیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج8، ص469، نشر مدرسة

لإمام علی بن أبی طالب، قم 1421ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...