Please Wait
5888
أنا أرغب فی الحب الالهی و لکن بعض الاصدقاء قال لی: إنه مرعب و مخیف جدا.و الآخر قال لی: من الممکن أن تعشق الله تعالى عن بعد و اما اذا اقتربت منه فلعلک تذوب فیه و لم یبق منک شیء... و الثالث قال لی: إن النبی الاکرم (ص) مع کونه قد عبد الله تعالى اربعین سنة و لکنه مع ذلک غشی علیه لما رأى جبرئیل فکیف اذا رأى الله نفسه؟! و قد صعق موسى (ع) و صحبه لما تجلى ربّه للجبل، فکیف بنا نحن...!!!
الهدف من وراء العشق المجازی الوصول الى العشق الحقیقی و اذا ما اقترن بالعفة و الورع فانه یأخذ بید الانسان بعد التحوّل و التغیّر الى ساحة العشق الالهی. فالعشق الالهی و الوصول الى ساحة القدس الالهی یعد الهدف الاساسی للدین و یعتبر جوهره الباطنی. و یتجلى هذا الفهم للحب الالهی واضحاً فی الفکر الاسلامی حیث هناک إهتمام کبیر بهذه القضیة و یعد أئمتنا و کبار العرفاء عندنا القدوة و النماذج المثلى فی العشق الالهی و الذوبان فی الله تعالى و الوصول الى حریم القدس الإلهی.
فمن نزع قلبه عن حب ما سوى الله تعالى و امتلأ قلبه بحبّه تعالى و رغب فی الحب الإلهی فقد وصل الى مقام سام ٍو مکانة خاصة بلحاظ السلوک الروحی فعلیه أن یدرک قیمتها و أن لا یفرط بتلک الجوهرة التی عثر علیها. فعندما سؤل الإمام الصادق (ع) عن ماهیة العشق المجازی، قال: "قلوب خلت من ذکر الله فأذاقها الله حب غیره"، فالعشق المجازی لا یعد الا غفلة عن المعشوق الحقیقی و المبتلی به عندما یعیش العذاب الحاصل منه – و الذی هو لطف من الطاف الله- ینتقل الى الفطرة التوحیدیة و العشق الازلی. فالعشق الحقیقی المتمثل بالعشق الالهی یسوق الانسان الى الاقتراب من الفطرة الالهیة و ینقذه من العذاب و یخلق فی نفسه حالة من الاطمئنان و الهدوء القلبی. و ملاحظة حیاة العرفاء التی ملؤها العشق و الاطمئنان الروحی و الترنم بذکر الله تعالى، تکشفل عن تلک الحیاة التی حرم منها اللاهثون وراء الدنیا و زخارفها، حتى أنهم لم یتذوقوا ذرة من طعم تلک الحیاة.
ثم أن العشق الالهی و إن استلزم التخلص من التعلقات الدنیویة و أسرها، الا أن ذلک لا یعنی بحال من الاحوال عدم الانتفاع بمواهب الحیاة الدنیویة؛ لکن الفارق الاساسی هنا هو فی عدم الوقوع فی أسر المادة و التخلص من العذاب و التبعیة الناتجة من عالم الکثرة،. و أن العارف و العاشق الالهی یحب جمیع الاشیاء انطلاقاً من حبّه لله تعالى.
إن الذائبین فی عالم المادة لا یریدون مواجهة الوجود الالهی بفنائهم -و ان کانت نهایة الطریق ستؤدی بهم الى ذلک المصیر- فهم یهربون من العشق الالهی و یکتفون بالتظاهر بالعشق أمام العاشقین، و کذلک لا یرون خلاصهم و تحررهم أمراً حسناً لیصلوا الى ذلک التحول الکبیر فی نفوسهم. و بالرغم من انهم یعیشون التبعات الصعبة للتعلق بالدنیا و الذوبان فیها الا انهم لا یدرکون أهمیة تحررهم و تخلصهم من تبعاتها.
الهدف من وراء العشق المجازی الوصول الى العشق الحقیقی و اذا ما اقترن بالعفة و الورع فانه یأخذ بید الانسان بعد التحول و التغیّر الى ساحة العشق الالهی ففی الحدیث المشهور "من عشق فکتم و عف و صبر فمات مات شهیدا"[1] اشارة الى هذه الحقیقة کما یذهب الى ذلک بعض العرفاء. و العشق الالهی و الوصول الى ساحة القدس الالهی یعد الهدف الاساسی للدین و یعتبر جوهره الباطنی؛ ففی واقع الأمر أن جمیع الاعمال و العبادات و مراتب السیر و السلوک ثمرتها الوصول الى مقام الحب الإلهی و یتجلى هذا الفهم للحب الالهی واضحاً فی الفکر الاسلامی حیث هناک إهتمام کبیر بهذه القضیة و یعد أئمتنا و کبار العرفاء عندنا القدوة و النماذج المثلى فی العشق الالهی و الذوبان فی الله تعالى و الوصول الى حریم القدس الإلهی.
فمن نزع قلبه عن حب ما سوى الله تعالى و امتلأ قلبه بحبه تعالى و رغب فی الحب الإلهی فقد وصل الى مقام سام ٍو مکانة خاصة بلحاظ السلوک الروحی فعلیه أن یدرک قیمتها و أن لا یفرط بتلک الجوهرة التی عثر علیها. فقلب هکذا انسان مملوء بالشوق و التعطش الى الله تعالى لیعود الى مالکه الحقیقی و هو الله تعالى؛ و فی الحقیقة أن مثل هکذا انسان جوهرته الحقیقیة تکمن فی قلبه الذی انقذه من أسر المغریات و المشوقات الدنیویة و عذابها و ساقه نحو المحبوب الحقیقی.
فعندما سؤل الإمام الصادق (ع) عن ماهیة العشق المجازی، قال: "قلوب خلت من ذکر الله فأذاقها الله حب غیره"[2] و ربّما یکون القرآن الکریم قصد هذا المعنى فی قوله تعالى: " وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْری فَإِنَّ لَهُ مَعیشَةً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمى".[3] و الذی یستفاد منه آن ثمرة العشق المجازی لا تکون الا حیاة ملؤها الحرمان و العذاب و القلق الناتج عن الغفلة عن الله تعالى و الابتعاد عن ذکره.
خلافاً للعشق الحقیقی المتمثل بالعشق الالهی حیث یسوق الانسان الى الاقتراب من الفطرة الالهیة و ینقذه من العذاب و یخلق فی نفسه حالة من الاطمئنان و الهدوء القلبی. ثم إن ملاحظة حیاة العرفاء التی ملؤها العشق و الاطمئنان الروحی و الترنم بذکر الله تعالى، تلک الحیاة التی حرم منها اللاهثون وراء الدنیا و زخارفها، کل ذلک یکشف عن حقیقة ما ذکرناه.
و الجدیر بالذکر أن العشق الالهی و إن استلزم التخلص من التعلقات الدنیویة و اسرها، الا أن ذلک لا یعنی بحال من الاحوال عدم الانتفاع بمواهب الحیاة الدنیویة؛ لکن الفارق الاساسی هنا هو فی عدم الوقوع فی اسر المادة و التخلص من العذاب و التبعیة الناتجة من عالم الکثرة، و هذا المعنى یختلف عن التصور الخاطئ الذی یقول أن العشق الالهی یعنی الدمار و الانعدام، بل لو ترقینا قلیلا لوجدنا أن حیاة العارف تخلصت من الانعدام و الدمار الحقیقی و انتقلت الى البقاء الإلهی. ثم ان عالم المجاز فی نظرة العارف الالهیة عالم الهی أیضاً و تجلیاً من تجلیاته سبحانه و تعالى و ذلک لان العارف لا یرى الا الله تعالى و لا یتعلق بما سواه. و کما یقول الشاعر الایرانی:
انما عشقت عالم الجمال لان عالم الجمال منه و لم اعشق العالم بأسره الا لکون العالم بأسره له سبحانه
و ربّما تخون الدنیا طالبها، و تمیل الى من رغب عنها و تعلّق بالله تعالى، و ان محبة العارف بالنسبة الى الامور المجازیة و الدنیویة محبة بعیدة عن التبعیة و مجردة عن قیود و آسار عالم المجاز و المادة فلا یقع صیداً سهلاً فی شباکه و ذلک لانه یرى کل تلک المادیات انما هی تجلیات للحقیقة الالهیة الواحدة، و فی الحقیقة أن حبّه للدنیا من باب محبة الکل بالجزء لا من باب عبادة الدنیا. إن المفتونین بالدنیا و اللاهثین وراء زبرجها ینکرون دائماً حیاة العارفین و یخشونها لجهلهم بحال العرفاء و یتناسون أنهم ذابوا فی هذا الدنیا بالحب الالهی و غرقوا فی بحر من بحور الحب لایدرک قعره!! فلانهم لم یتمکنوا من تصور تلک المقامات السامیة تراهم یهربون منها ظنا منهم انهم یفقدون کل شیء اذا خاضوا فی بحر العشق الالهی. ان العارف ینظر الى عالم المجاز نظرة إلهیة و ان العارف یضفی على عالم المجاز حیاة الهیة.
و کما یقول الشاعر الایرانی:
إن البحر یهزء بالامواج لما فیه من الجواهر،و ان عالم البحار لایرغب الا فی الحریة، فلایصل الى عالم العرفان من بهرته الالوان، کما ان البحر لا تؤسره الموجة.[4]
فالدنیا و ما فیها اذا قورنت بوجه الله تعالى لا تعد الا العوبة و دمیة لیس الا. ثم ان الله تعالى مع أنه وهب لمحبّه العالمین (الحقیقی و المجازی) لکنه لا یرید من ربّه سواه و انه فی سبیل الوصول الى المعشوق الحقیقی یطلب من ربّه الفناء لیتجلى الله تعالى فی روحه، فلا یخشى الموت و لا یفر منه و کذلک لاتقلقه الامور الدنیویة، لانه یرى الموت حیاة و فناءه وجوداً أفضل.
إن المفتونین بالدنیا و اللاهثین وراء زبرجها ینکرون دائماً حیاة العارفین و یخشونها لجهلهم بحال العرفاء و یتناسون أنهم ذابوا فی هذا الدنیا بالحب الالهی و غرقوا فی بحر من بحور الحب لایدرک قعره!! فلانهم لم یتمکنوا من تصور تلک المقامات السامیة تراهم یهربون منها ظنا منهم انهم یفقدون کل شیء اذا خاضوا فی بحر العشق الالهی، فاصحاب الدنیا اذا ما قارناهم بالعارف کمثل الطفل الذی تعلّق بلعبة لا قیمة لها و مع ذلک ذاب فیها شوقاً بنحو لا یکون مستعدا لا ستبدالها حتى لو اعطی الجواهر الثمینة و القصور المشیدة فی قبالها، فلو عرضت علیه کل تلک الاثمان لوجد نفسه مغبونا و ان العارضین علیه ذلک الثمن انما یریدون منها استبدال الذی هو خیر بما هو ادنى و انهم یریدون الفصل بینه و بین معشوقه لیعیش الحرمان و العذاب!!!
إن الذائبین فی عالم المادة لا یریدون مواجهة الوجود الالهی بفنائهم -و ان کانت نهایة الطریق ستؤدی بهم الى ذلک المصیر- فهم یهربون من العشق الالهی و یکتفون بالتظاهر بالعشق أمام العاشقین، و کذلک لا یرون خلاصهم و تحررهم أمراً حسنا لیصلوا الى ذلک التحول الکبیر فی نفوسهم.
من هنا، إن الحب الالهی هو المقصد الاسنى و الهدف الاکبر للانسان و أنه ضرورة من ضروریات الحیاة و خاصة فی عصرنا الراهن الذی یواجه فیه الانسان العقد الکثیرة فی الابعاد العاطفیة و العقیدیة و الاخلاقیة و... الامر الذی سیجر البشریة شاءت أم أبت- الى الله و العودة الى العشق الالهی و هذه حقیقة لا یمکن التهرب منها و إنکارها.