Please Wait
5097
صحیح أن الدعاء لیس له حدود معینة، و لکن استجابة الدعاء لها شروط معینة منها قابلیة و ظرفیة الفرد الذی ندعو له، فحتى لو جاز لنا الدعاء للکافر و المنافق و المرتد فی حال حیاتهم، و لکن اذا مات الکافر على کفره، فهذا الکفر سیرفع أرضیة استجابة الدعاء، فلا یستجاب دعاؤنا فی حقه هذا من جهة، و من جهة أخرى لا معنى للدعاء لهم و لا یجوّز الإسلام لنا ذلک.
الدعاء هو ارتباط قلبی بین العبد و ربّه و طلب منه سبحانه، ثم ان الله سبحانه و تعالى حث عباده على دُعائه و الطلب منه حیث قال فی محکم کتابه «ادعونی استجب لکم».[1]
فحتى لو فرضنا أن الاسلام لم یرسم لنا حدوداً معینة للدعاء و لم یقید ایدینا فی نحو و مجال خاصین، و لکن استجابة الدعاء لها شروط معینة، منها قابلیة الفرد الذی نرید الدعاء له، فالدعاء بالنسبة للأفراد المرتدین الذین ترکوا الإیمان بالله باختیارهم و اختاروا الکفر و ماتوا على هذه الحالة، فهؤلاء کمن رفع قابلیة استجابة الدعاء فی حقه، لذا نجد القرآن الکریم ینهى النبی الأکرم (ص) و المؤمنین من الدعاء و طلب المغفرة لهم حیث یقول«ما کان للنبی و الذین آمنوا أن یستغفروا للمشرکین و لو کانوا اُولی قربى مِن بعد ما تبین لهم أنّهم أصحاب الجحیم». [2]
فبناءً على هذه الآیة یکون الاستغفار للمشرکین غیر جائز لأنه لغو و لا فائدة له. و ذلک لأن الفرد الذی یستحق العذاب و العقوبة الإلهیة لا یخرج من أمرین: فإما أن یکون الله قد أراد عقابه بسبب هذا التقصیر الذی صدر منه، و إما أن یکون العبد قد وصل الى مرحلة کونه عدواً لله. فإذا صدر من العبد ذنب و لم یصل الى حد کونه عدواً لله، بل کان یظهر التذلل و الخضوع و یطلب من الله أن یرحمه لما صدر منه من العصیان ففی مثل هذه الحالة یمکن الدعاء له اعتمادا على سعة رحمة الله سبحانه. إما اذا کان العبد عدواً لله کالمشرکین المعاندین و یرى نفسه أرفع من أن یخضع لله سبحانه، ففی هذه الحالة یحکم العقل بصراحة أن الشفاعة و الدعاء لمثل هکذا انسان متمرد و متکبر لا معنى له الّا بعد أن یضع العناد جانباً و یرجع الى الله ثانیاً و یلبس لباس الذلة و المسکنة.
و إلّا فما معنى الاستغفار و طلب المغفرة لشخص لا یقبل الرحمة و المغفرة الإلهیة اصلاً و لا یرضى أن یلبس لباس العبودیة، فمثل هذا الاستغفار و الشفاعة یعتبران استهزاء بمقام الربوبیة و لعباً بمقام العبودیة، و بحکم الفطرة یعتبر غیر مقبول و غیر جائز. و الله سبحانه عبّر عن هذا المنع بقوله «ما کان للنبی و الذین آمنوا» و معناه لا یحق لنبی و لا للمؤمنین الاستغفار لأولئک المجرمین "مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحیم". و فی تفسیر الآیة « ما کانَ لِلْمُشْرِکِینَ أَنْ یَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ» أن حکم الجواز مسبوق فی الشرع بجعل الحق. [3]
نفهم من هذه الآیة أن الدعاء و طلب المغفرة للمرتدین الذین فارقوا الدنیا على حال الکفر و الالحاد أمرٌ لغو و لا فائدة فیه، و ذلک لأنهم اختاروا طریق العناد و العداء لله باختیارهم فلذا لا یجوز الاستغفار لهم.