بحث متقدم
الزيارة
5466
محدثة عن: 2011/05/16
خلاصة السؤال
هل أن فعل بعض المعاصی کالانتحار یؤدی الی دخول الانسان تلقائیا الی جهنم؟
السؤال
هل ان فعل بعض المعاصی یؤدی الی دخول الانسان تلقائیاً الی جهنم؟ و کمثال علی ذلک، اذا ارتکبت معصیة الانتحار، فهل یؤدی ذلک الی دخوله جهنم بصورة تلقائیاً؟
الجواب الإجمالي

 کما ان رمی الانسان بنفسه من مرتفع من دون استخدام مظلة انقاذ أو أی مستلزمات آخری یؤدی الی تحطم جسم الانسان، و کما ان رمی النفس فی بحر عمیق من دون معرفة بفن السباحة، سیؤدی بطبعه الی غرق الانسان، و فی کلا الموردین لن یکون هناک طریق للعودة، فان بعض المعاصی ایضاً بملاحظة وجود خصوصیة فیها و هی انعدام احتمال التوبة، فانها تلقی بمرتکبها فی طریق جهنم الذی لا عودة فیه. و ینبغی ان یعلم بالطبع ان کلمة (اتوماتیکیاً او تلقائیاً) انما یمکن اطلاقها فی هذه الموارد بالتعبیر المسامحی فقط، حیث اننا نعلم ان مثل هذه النتیجة هی الاثر المباشر لذلک السلوک.

الجواب التفصيلي

قبل البدء بالجواب لابد من الالتفات الی هذه الملاحظة و هی ما المراد من (کلمة اتوماتیکیاً أوتلقائیا)؟ فهل ان مرادنا تسریة هذه العبارة الی الموارد التی تکون نتیجة مباشرة لسلوک معین ایضاً، و نقول کمثال علی ذلک ان الانسان اذا دخل النار فانه یحترق اتوماتیکیاً و سیفنی بدنه و...؟

ان الله تعالی بعد ان خلق الناس حرم علیهم بعض التصرفات و جعل اقترافها مؤدیا للدخول فی جهنم. و نحن نعلم ان بعض المعاصی تشبه الطعام الفاسد یؤدی الاکثار منها الى فساد بصورة تدریجیة، و بعضها الآخر یحطم حیاة الانسان المعنویة کالانفجار المدمر فلم یمهله فرصة للتدارک. و من جانب آخر و نظراً للرحمة الالهیة الواسعة فقد فتح أمام الانسان بعض السبل التی یؤدی سلوکها الی الغاء بعض العقوبات أو تخفیفها.

و یعد تدارک الاضرار، و طلب العفو من المتضررین بسبب المعصیة، و بالتالی التوبة الی الله، من تلک السبل لتدارک المعصیة.

و بدیهی ان تکون هذه الموارد المتدارکة و خصوصاً التوبة، حاصلة قبل موت الانسان، و إن التوبة التی تقع عند الموت او بعده لا اثر لها.[1]

انطلاقا من ذلک کله، نعود الی معصیة الانتحار التی اشیر الیها فی متن السؤال.

فقد ورد عن الامام الباقر(ع) قوله "إِنَّ الْمُؤْمِنَ یُبْتَلَى بِکُلِّ بَلِیَّةٍ وَ یَمُوتُ بِکُلِّ مِیتَةٍ إِلَّا أَنَّهُ لا یَقْتُلُ نَفْسَهُ"[2]. و یقول الامام الصادق (ع) ایضاً فی هذا المجال: "مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ مُتَعَمِّداً فَهُوَ فِی نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً فِیهَا"[3].

و بعبارة أخری یمکننا ان نقول بتعبیر مسامحی، ان الانتحار معصیة تدخل الانسان تلقائیاً فی جهنم، و لکن لماذا؟

1-                  کما تقدم ذکره، فان امکان الغاء و تخفیف عقوبة المعاصی انما یحصل بالتوبة، و هذه التوبة یجب ان تقع قبل الموت، و لکن معصیة الانتحار تسلب من الانسان امکانیة الحیاة و تفوت علیه فرصة التوبة. و بعبارة أخری: ان الشخص حینما یرتکب مثل هذه المعصیة فانه یکون قد فوت آخر فرصة له فی الغاء العقوبة او تخفیفها، و یؤدی ذلک بطبعه الی دخوله جهنم.

2. ان الحیاة هبة ثمینة قدمت للانسان من قبل الله. و هذه الهدیة و الهبة فی الواقع تعد فرصة یمکن للانسان بواسطتها ان ینال اعلی درجات الکمال، و المنتحر باتلاف نفسه یفرط بهذه الفرصة الثمینة، و احتراقه فی النار هو فی الحقیقة نتیجة مباشرة لاتلافه هذه الفرصة، کما ان من یلقی بنفسه فی النار فان احتراق بدنه نتیجة مباشرة لسلوکه غیر المناسب. فکما ان سلب الحیاة جریمة لا تغتفر، کذلک سلب فرصة الحیاة من الآخرین ایضاً لها عقوبة لا یمکن الرجوع فیها. یقول الامام الصادق(ع): "لَا یَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِی فُسْحَةٍ مِنْ دِینِهِ مَا لَمْ یُصِبْ دَماً حَرَاماً. و قَال: لا یُوَفَّقُ قَاتِلُ الْمُؤْمِنِ مُتَعَمِّداً لِلتَّوْبَةِ[4].

و بعض الذنوب مع انها لا تفوت امکان التوبة و لکنها تقلل من فرص نیلها، روی عن أبی عبد الله (ع) و قد سئل عن الرجل إذا شرب المسکر ما حاله؟ قال: "لا یقبل الله صلاته أربعین یوما و لیس له توبة فی الأربعین فإن مات فیها دخل النار"[5].

و فی الختام یمکننا ان نستنسج انه: نعم ان بعض الذنوب تؤدی الی دخول مرتکبها الی جهنم بصورة اتوماتیکیة، و لکن لیس بحیث ینتزع منها مفهوم الجبر، و التقلیل من مسؤولیة الشخص تجاه معصیته، بل ان هذا الدخول الاوتوماتیکی هو نتیجة مباشرة للسلوک الذی صدر من قبل العاصی، کما ان التحطم الاوتوماتیکی لبدن الشخص الذی یلقی بنفسه من مرتفع، لا ینفی مسؤولیته فی ذلک، و علی مبنی تجسم الاعمال او عینیة العمل و الجزاء، فان الجنة و النار فی الواقع هی نفس عمل الانسان و ان الانسان فی الحقیقة هو الذی یصنع باعماله الجنة و النار، و لیس انه قد قام بعمل و انه طبقاً لاتفاق مسبقاً سینال جزاؤه من جنة او نار. و علی هذا المبنی فان عبارة (اوتوماتیکیاً) ستفقد معناها فیما یرتبط بالذنوب.



[1] انظرالنساء ،18.

[2] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی،ج3، ص112، ج8، دار الکتب الاسلامیة، طهران،136 5هش.

[3] نفس المصدر، ج7، ص45، ح1.

[4] نفس المصدر، ج7، ص272، ح7.

[5] الشیخ الصدوق، ثواب الاعمال، ص244، دار الرضی للنشر، قم،1406هق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • إذا کانت بین صلاتی الجماعة فرصة عمل مستحب واحد، عندئذ أیهما أرجح تسبیحات الزهراء (س) أم أداء النافلة؟
    5508 الحقوق والاحکام 2010/12/07
    إن جواب مراجع العظام على السؤال المذکور ما یلی:مکتب سماحة آیة الله العظمى الخامنئی (مد ظله العالی): لا رجحان لأحدهما على الآخر فکلاهما مستحبان و المکلف مخیّر بأداء واحد من هذین.مکتب ...
  • هل العصمة أمر اختیاری؟
    5824 الفلسفة الدین 2011/09/06
    تعتبر قضیة العصمة من المعتقدات الاساسیة لدى الطائفة الشیعیة و قد بحثناها فی اکثر من سؤال فی موقع اسلام کوئست یمکنکم الرجوع الى الاسئلة التالیة: 1738 (الموقع: 1885)،3588 (الموقع: 4223) ...
  • هل أن حدیث القلم و القرطاس الوارد فی کتب أهل السنة صحیح؟
    11426 درایة الحدیث 2010/01/11
    أن هذا الحدیث أولاً قد نقل باسناد اخری صحیحة فی نظر أهل السنة فی أکثر الکتب الروائیة؛ مثل صحیح البخاری و صحیح مسلم و مسند أحمد و ... و جاء فی سنده أیضاً طرق مختلفة قد قبلها علماء أهل السنة أیضاً، بالرغم من أنه ربما ...
  • ما هی الشرائط المذکورة فی الکتب الفقهیة لاعتبار وثیقة المکاتبة؟
    4949 الحقوق والاحکام 2011/08/20
    فی رأی الإسلام، ایجاب المعاملة و لزومها لا یحتاج الی کتابة عقد أو سند أو أی شیء آخر من هذا القبیل، بل یکفی قراءة صیغة العقد فی إحدی العقود الشرعیة، أو یحصل تبادل بعض الکلمات بینهم الدالة علی رضا الطرفین بهذا العقد، فهذا یکفی فی دلالته علی انعقاد العقد و ...
  • ما هو حکم صوم الذین یذهبون فی شهر رمضان المبارک لاداء مهمة خاصة؟
    7566 الحقوق والاحکام 2010/07/17
    تکون صلاة مثل هؤلاء الأشخاص قصراً و یجب علیهم قضاء صیامهم بعد شهر رمضان أیضاً و لا یمکن صیام شهر رمضان فی حال السفر فی شهر رمضان بنیّة النذر.و فی حالة وصولهم قبل الظهر الی وطنهم أو المحل الذی یریدون البقاء فیه عشرة أیّام، و ...
  • من هم الأنصار؟
    6311 تاريخ بزرگان 2010/11/22
    "الأنصار" جمع ناصر من مادة "نصر"، و هو بمعنی المعین. و فی صدر الإسلام کان یطلق علی المسلمین من سکنة المدینة و خصوصاً أفراد قبیلتی الأوس و الخزرج، بأنهم الأنصار، و ذلک لأنهم ساهموا بشکل کبیر فی نصرة نبی الإسلام(ص) و المسلمین المهاجرین المکییّن و غیرهم، و کان لهم الأثر ...
  • ما المراد من قوله تعالى "وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه‏" في سورة التوبة؟
    6791 التفسیر 2012/05/19
    «مرجون» مأخوذ من مادة (إرجاء) بمعنى التأخير و التوقيف، و في الأصل أخذت من (رجاء) بمعنى الأمل، و لما كان الإنسان قد يؤخر شيئا ما أحيانا رجاء تحقق هدف من هذا التأخير، فإنّ هذه الكلمة قد جاءت بمعنى التأخير، إلّا أنّه تأخير ممزوج بنوع من الأمل. أي: ...
  • ما هو الاساس الذی یقوم علیه تکلیف الذکور و الاناث؟
    7478 الحقوق والاحکام 2010/11/09
    سن التکلیف فی الاسلام یقوم على أساس البلوغ، بمعنى أنه عندما تظهر علامات البلوغ التی منها (الحیض بالنسبة للبنات و الاحتلام بالنسبة للذکور) یکلفون بالشریعة و یکونوا ملزمین بالاوامر و النواهی، و هناک علامات أخرى غیر العلامات الطبیعیة اعتمدها الاسلام فی تحدید سن التکلیف الشرعی منها التحدید ...
  • بأی قسط من أقساط السلفة یتعلق الخمس؟
    5026 الحقوق والاحکام 2010/10/21
    بما أن السلفة نوع من القرض و الدین فلا خمس على المبلغ الذی یقترضه الإنسان حتى و إن کانت عین المال موجودة، و ذلک مادام لم یسدّد الأقساط. أما الأقساط التی سددت إلى نهایة السنة الخمسیة فیتعلق بها الخمس إن کانت باقیة، فعلى سبیل المثال لو ...
  • ما المراد من الصلاة النافلة؟ و ما هی کیفیتها؟
    9017 العملیة 2010/08/21
    قال الامام الخمینی (ره) فی تصنیف الصلاة: الصلاة واجبة و مندوبة (أی نافلة)، فالواجبة خمس، الیومیة، و منها الجمعة، و کذا قضاء ولد الأکبر عن والده، و صلاة الآیات، و الطواف الواجب، و الأموات، و ما التزمه المکلف بنذر أو إجارة أو غیرهما، و فی ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280820 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259604 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130064 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    117208 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89891 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61598 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    61278 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57617 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52746 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    49028 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...