Please Wait
6266
توجد فی شرق آسیا قواعد و سنن عرفانیة مختلفة، نظیر العرفان الهندوسی، العرفان البوذی، العرفان الصینی، و جمیع هذه الأنواع لها حکم واحد، إن اختلاف العرفان الإسلامی عن العرفان الشرقی یمکن أن یبحث من بعدین، البعد الأول هو البعد الداخلی و الثانی البعد الخارجی. بالنسبة للبعد الداخلی فی العرفان الشرقی لا توجد نبوّة تشریعیة و لذلک فإنه یعتمد على الأساطیر و المفاهیم الذهنیة الانتزاعیة و علیه فلا یوجد کلام عن الربوبیة، و خلافة الإنسان، و الولی الکامل و البقاء بعد الفناء، و مقام المحبة و غیرها من المفاهیم التی ترد کثیراً فی العرفان الإسلامی. أما بالنسبة للبعد الخارجی فهناک ما یمیز العرفان الإسلامی کالمناداة بالعدالة، الثوریة و مناهضة ثقافة الشرک الغربی و هذا وجه من وجوه التمایز بین العرفان الإسلامی و العرفان الشرقی.
الف ـ تعریف المفاهیم و المصطلحات الواردة فی البحث:
العرفان: العرفان طریق للتواصل مع الله، و بعبارة أخرى الاحساس العمیق بالله تعالى فی داخل النفس و التسلیم له و عشقه و حبّه الذی ینتهی بالوصال و یمکن أن یقال بکلمة واحدة أن العرفان هو معرفة النفس التی تنتهی إلى معرفة الرب.
المعرفة «معرفة الله»: المراد بالمعرفة حالة العارف التی یوصله الله إلیها و هو مقام الشهود الذی یعنی رؤیة الحق بالحق و ظهور مثل هذا المقام للشخص لا یتیسر من دون توجهات و عنایات الحق تعالى.
العرفان الإسلامی: یمکن أن یعرف العرفان الإسلامی «Islamic Mysticism» بأنه العلم و المعرفة التی یتطابق فیها العشق مع الوحی.
العشق: المراد بالعشق عشق مظاهر و تجلیات الله سبحانه و فی النهایة هو عشق «الإنسان الکامل» الذی یمثل مظهر جمیع أسماء الله و صفاته و تجلیه فی العالم.
الإمام: الإنسان الکامل أو الإمام «فی الاصطلاح الشیعی» هو منبع و قطب العرفان و هو الحامل لأمر الامامة «صاحب الأمر»، أو أنه الروح النازل فی لیلة القدر بحسب التعبیر القرآنی «تنزل الملائکة و الروح فیها بإذن ربهم من کل أمر»[1] و على هذا الأساس فالإمام مهبط للوحی بعد النبی (ص) و محل نزول الملائکة و الروح[2].
و موقع الإمام بالنسبة الى العرفاء أشبه بالشمس التی تدور حولها مجموعة من الأقمار التی لها درجات و مراتب فی البعد و القرب، و إن الکمال النهائی للإنسان هو الوصول لى هذا المقام[3].
نکتفی بهذا القدر بالنسبة للأبعاد النظریة للعرفان الإسلامی و للاطلاع و التحقیق یجب الرجوع إلى الآثار العرفانیة فی العالم الإسلامی.
العرفان الشرقی:
العرفان الشرقی اصطلاح یستعمل عادة لتعریف السنن و القواعد المختلفة للعرفان فی شرق آسیا، حیث توجد أعراف و قواعد مختلفة للعرفان فی شرق آسیا مثل العرفان الهندی العرفان البوذی، العرفان الصینی والجینی و... و جمیعها تخضع لحکم واحد، بمعنى أن لشرق آسیا تقدیراً واحداً، و أن الحکم الذی یطلق على الرؤیة الهندیة یمکن أن یطلق على الرؤیة البوذیة و الصینیةو... بهذه الحیثیة الخاصة.
و مع أن الرؤیة الهندیة تختلف عن الرؤیة البوذیة و الرؤیة البوذیة تختلف عن رؤیة «ذن» و أن الهنود لا یعتقدون بمشروعیة الطریقة البوذیة أساساً و لکن هذه المسائل لا تمنع من فرض وحدة حقیقیة للجمیع، فکل هذه الرؤى و التوجهات هی شرقیة.
ب ـ مقارنة العرفان الإسلامی بالعرفان الشرقی:
توجدمشترکات بین العرفان الإسلامی و العرفان الشرقی من عدّة جهات یمکن أن تجعل کلا الاتجاهین فی صف واحد باعتبار هذه المشترکات و لکنّ هناک وجوها للتمایز و الاختلاف بین العرفان الإسلامی و العرفان الشرقی و الغربی، و حیث أن السؤال منصب على التفاوت لذلک نقتصر فی الجواب على ما یمیز العرفان الإسلامی عن العرفان الشرقی.
ج ـ جوانب اختلاف العرفان الإسلامی عن العرفان الشرقی:
یمکن أن یدرس اختلاف العرفان الإسلامی عن الاختلاف الشرقی من جانبین أو بعدین، البعد الداخلی، و البعد الخارجی و ارتباط هذا العرفان بالعالم الجدید، و فی البدایة نبحث جوانب الاختلاف الداخلی بین الاتجاهین ثم نتعرض للاختلاف الخارجی.
ج 1ـ جنبة الاختلاف الداخلی:
یمکن دراسة هذا الجانب و إجماله فی ثلاثة موارد:
1ـ إن سیر السالک فی العرفان البوذی الذی ینتهی إلى المرحلة الأخیرة «النیرفانا» ینهی کل انفعالاته و میوله حیث ینتهی إلى ساحل السکون و الانطفاء «النیرفانا». و علیه فإن نهایة طریق السالک فی العرفان الشرقی و تمام مقصده هو الفناء فی الله.
و ببیان آخر إن رؤیة و توجه المذاهب فی شرق آسیا و الذی یلقى توجهاً فی العالم المعاصر یتمثل فی خلع لباس المرتبة الخلقیة للإنسان لیعود الإنسان إلى المکان الذی کان فیه فی البدء، و علیه فإن الفناء هو نقطة النهایة.
و ممکن أن یکون الفناء اتصال «أتمان» بـ «براهما» أو الوصول إلى «النیرفانا». و لکن العرفان الإسلامی یؤکد على مرحلة البقاء بعد الفناء، و أن العارف بعد الفناء یصل إلى مقام البقاء بالله حیث یصبح مظهر الله و تجلیه.
و على أی حال فإن وجه الاختلاف الأساسی بین العرفان الإسلامی و العرفان فی شرق آسیا یتمثل فی هذه المسألة، لأن عرفان شرق آسیا یسعى إلى الفناء فی الله دون وجود البقاء فی الله، لأنه لو کنا نشهد البقاء بالله لکنا نجد فی شرق آسیا بروز وضعیة ترى فی عین الوقت قیامة البشر فإن الشأن الإلهی یتجلى کذلک و یتمظهر فی البشر، و لکن هذا الأمر لا یتحقق فی العرفان فی شرق آسیا.
و على هذا الأساس فلا وجود لحیثیة البقاء بعد الفناء فی عرفان شرق آسیا، فی حین نجد أن العرفان الإسلامی یتخطى مرحلة الفناء، فإن السالک إلى الله و بعد أن یصل مرتبة الفناء فی الحق فإنه یصل إلى منزل البقاء بعد الفناء. و لذلک نجد الخواجة عبد الله الأنصاری فی رسالته الموسومة بـ «مائة میدان» التی یبین فیها المراتب و المدارج المائة للسلوک فإنه یذکر المیدان المائة الذی یأتی بعد المیدان التاسع و التسعین «الفناء» هو میدان البقاء[4].
2ـ یرى العرفان الإسلامی أن الإنسان الذی له وجهة إلهیة و أن حرکته تعتمد على الله فإن الله یتکفل بأعماله، و أن کلامه کلام حق، فی حین لم یظهر هذا المعنى فی شرق آسیا، أی أننا نشاهد فی العرفان الإسلامی ظهور بشریة و فی عین بقاء البشریة یظهر فیها وجه ربوبیة، و هذه الربوبیة هی حاصل العبودیة، فی حین لم یظهر فی شرق آسیا مقام الربوبیة و خلافة الإنسان لله، و حیث لا ظهور لمثل هذا الإنسان فلا وجود للنبوّة. و لهذا لا نجد فی عظماء شرق آسیا أعم من أن یکونوا آله أو أفراد و حتى «شانکارا» و بوذا نفسه لم یدع أنه مبعوث أو مأمور.
و من الممکن التعرف على طبیعة العرفان الإسلامی و عرفان شرق آسیا من خلال الأبیات المشهورة للخواجة حافظ الشیرازی «أنا ملک و فردوسی مکانی هذا»[5] فی حین تتجلى حقیقة العرفان الإسلامی بقوله «....».
3ـ طرحت مسألة العشق و الإنسان بجدیة فی العرفان الإسلامی فی حین لا وجود لمثل هذا التفکیر فی عرفان شرق آسیا و إذا أردنا أن نمثل العرفان الإسلامی فإنه أشبه بالمحیط الهائج بالعشق، و لکن العرفان فی شرق آسیا أشبه بالجبل الثابت الهادئ البارد، و لا یمکن لأی ریح أن تحرکه من الأزل الى الأبد، فالعرفان الإسلامی بصدد إیجاد العشق و إنسان له صورة أخرى أی أن العشق له علاقة بمرتبة الآدمیة و استحصال جمال المحبوب.
إن أکثر المفاهیم التی تطرح فی شرق آسیا هی مفاهیم انتزاعیة على الرغم مما نجده فی بعض أقسام العرفان الهندی من تجلیات العشق و الهیام و لکن هذه التوجهات ظهرت تحت تأثیر العرفان الإسلامی، و أما العرفان فی شرق آسیا فی ذاته فلیس فیه إلا السکون و الفناء و الانطفاء.
ج 2ـ وجه الاختلاف الخارجی:
و أما بالنسبة للافتراق الخارجی فإن العرفان فی شرق آسیا و خلافاً للعرفان الإسلامی فإنه ممزوج بثقافة الشرک و المدنیة الغربیة و لیس لدیه مشکلة مع ذلک، و إن الإسلام هو الوحید الذی لدیه مشکلة مع الثقافة الغربیة، فالقرآن یرى أن الشرک ظلمٌ عظیم و یعرف درجات المؤمنین و مراتبهم على أساس براءتهم من لوثة الشرک. و لکن الأعراف و السنن فی الحضارة البوذیة و الکونفوشیوسیة لا تمانع من الاصطفاف مع الغرب، و ذلک لأن العرفان الشرقی الذی یسیر تبعاً للأدیان الموروثة و غیر الحیّة. و بسبب عدم المعرفة و العشق للإنسان الکامل و الشریعة الحیة تراکم علیه الصدأ و التحریف، و استسلم بکل سهولة أمام الغرب لعجزه عن ملء الفراغات الاجتماعیة و المعرفیة. و بقی العرفان الإسلامی وحده بعیداً عن التأثر بمظاهر التمدن الغربی الجهنمیة و ذلک بفضل تعلم العشق لمظاهر الحق و التوجّه إلى عمق الدین و بواطنه و العمل تبعاً للشریعة الحقة. و من هنا نجد أن الروحیة الإباحیة لدى الغرب تنسجم مع العرفان الفاقد للشریعة و الفقه کالبوذیة و الهندوسیة و غیرها، و لیس له مکان فی حوزة العرفان الإسلامی.
و من جهة أخرى فإن العشق فی تعالیم العرفان الإسلامی السامیة یحرر العارف المسلم من کل ألوان الضعف و الترهل و یحوله إلى إنسان ثوری، و علیه فطلب العدالة و التمتع بالروح الثوریة هی وجه آخر یمیز العرفان الإسلامی عن العرفان الشرقی.
[1]القدر، 4.
[2] ««السلام علیکم یا أهل بیت النبوة و موضع الرسالة و مختلف الملائکة و مهبط الوحی و معدن الرحمة» الشیخ الصدوق، من لایحضره الفقیه، ج2، ص609، انتشارات جامعه مدرسین قم، 1413.
[3] یرى الامام الخمینی (قدس) فی تفسیر سورة القدر أن العرفان بالنسبة الى أهل المعرفة یعنی ادراک واقعتین عظیمتین النزول و العروج الحقیقی للروح.( امامت و انسان کامل از دیدگاه امام خمینی= الامامة والانسان الکامل عند الامام الخمینی) طهران: مؤسسة تنظیم ونشر آثار الامام الخمینی،الطبعة الثانیة، 1385، ص 189).
[4] خواجه عبدالله انصاری، رساله صد میدان، باهتمام رضا باقریان موحد، قم:حضور، 1385، ص117.
[5] دیوان حافظ.