بحث متقدم
الزيارة
5681
محدثة عن: 2011/10/06
خلاصة السؤال
متى نحکم على العقل بأنه أخطأ فی تفسیر القرآن الکریم؟
السؤال
متى نحکم على العقل بأنه أخطأ فی تفسیر القرآن الکریم؟
الجواب الإجمالي

لو قدر للانسان أن یعتمد عقله بطریقة موضوعیة بعیداً عن المیول و الاهواء و بلا احکام و فرضیات مسبقة، فحینئذ یتمکن من تحلیل آیات الذکر الحکیم و تفسیرها تفسیراً صحیحاً و لا یقترف حینئذ خطأً فاحشاً فی التفسیر.

نعم، هناک آیات قرآنیة متشابهة یسعى اصحاب القلوب المریضة أو الجهلة من الناس بصورة إرادیة أو لا إرادیة، لاعتماد المعنى المتشابه منها فیقعون فی الخطأ، و لا مجال للخلاص من هذه المشکلة الا بالتعقل و اعتماد المنهج الصحیح فی التفسیر، فمن هنا لابد من دعم العقل و تصحیح مساره للاستفادة من آیات الذکر الحکیم، بالاضافة الى الاستعانة بأولیاء الله الذین هم عدل القرآن الکریم کما ورد فی حدیث الثقلین، لا کما یتصور البعض بأن الحل یکمن فی اقصاء العقل عن ساحة التفسیر القرآنی.

الجواب التفصيلي

یمکن النظر الى آیات الذکر الحکیم من زاویتین أو من رؤیتین:

الرؤیة الاولى هی التی تقسم الموضوعات المطروحة الى محکمة و متشابهة، و هذا التفکیک ینطلق من الآیة السابعة من سورة آل عمران حیث صرحت بأن القرآن الکریم "مِنْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهات‏".

التفکیک الآخر الموجود هو فی معانی القرآن الکریم المختلفة فبالاضافة الى المعانی الظاهریة و الأولیة للقرآن هناک - حسب التعبیر الروائی- طبقات أخرى من المعانی یدرکها الافراد کل بحسب قدراته العلمیة و الفکریة.

و مع الاخذ بنظر الاعتبار هذه المقدمة، یمکن دراسة دور العقل فی فهم القرآن الکریم ضمن أربعة اقسام، هی:

1. المعنى الظاهری للآیات المحکمة: تأخذ الآیات المحکمة حیزاً کبیراً من القرآن الکریم و تشمل الادعة، و الوقائع التاریخیة و...، و هی قابلة للادراک و الفهم العقلی من قبل کافة أفراد البشر، فعلى سبیل المثال عندما نقرأ قوله تعالى "لا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها"[1] نشاهد أنها قابلة للفهم و الهضم لدى کل انسان مفکر یفهم المعنى الکلی للآیة و بانه لا تکلیف الا مع القدرة و الوسع و مع عدم القدرة ینتفی التکلیف عن الانسان.

فعندما یدرک جمیع المخاطبین معنى واحداً للآیة القرآنیة فهذا یکشف عن کون العقل البشری عنده القدرة على ادراک المفاهیم القرآنیة و لا یصح التذرع بحال من الاحوال بذریعة عجز العقل عن فهم القرآن الکریم. و الحال أن أکثر آیات الذکر الحکیم نزلت بصورة قابلة على اقل تقدیر لفهم معناها الظاهری من قبل عموم الناس.

2. باطن المعانی المحکمة: تشیر الروایات الشریفة الى اشتمال آیات الذکر على معان باطنیة بالاضافة الى معانیها الظاهریة، و لکن لیس من المتیسر إدراک تلک المعانی من قبل جمیع البشر بل القضیة منحصرة حسب تعبیر الروایات فی ثلة قلیلة من المتقین الصالحین.[2] فلو افترضان أن الانسان عجز عن الوصول الى المعانی الباطنیة لتلک الآیات لا یعد ذلک مبرراً لتعطیل القدرة العقلیة فی فهم ظواهر الآیات و معانیها الاولیة و الاستفادة منها.

3. المعنى الظاهری للآیات المتشابة: یظهر من بعض کلمات القرآن الکریم أن معانیها لا تنسجم مع التعالیم و العقائد الدینیة، کقوله تعالى " یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدیهِم‏"[3] التی لو حلمناها على المعنى الظاهری لها ستکون النتیجة أن الله تعالى ذو ید، شأنه شأن سائر الموجودات المادیة، و هذا ما یخالف اصول الاعتقاد الاولیة، و من هنا لابد من غض النظر عنها. فالعقل حتى لو عجز عن ادراک المعنى الواقعی للآیات لکنه على أقل تقدیر یستطیع مع التفکیر فی الآیات المحکمة، التوصل الى کون الآیة المذکورة من المتشابهات التی لا یمکن الاستناد الى ظاهرها، و لابد من طلب حقیقتها من أولیاء الله تعالى و الراسخین فی العلم.

4. المعنى الواقعی للآیات المتشابهة: حصرت الآیة السابعة من سورة آل عمران فهم المعنى الواقعی لهذه الطائفة من الآیات، فی الله سبحانه و تعالى و الراسخین فی العلم فقط. و من الطبیعی کلما تعزز علم الانسان ازدادت القدرة لدیه فی إدراک تلک المعانی و الوصول الى حقائق الآیات المتشابهة.

بطبیعة الحال نجد الجاهلین و الذین فی قلوبهم مرض و المغرضین یخوضون فی تلک الآیات و یستنبطوا منها بعض التفسیرات الخاطئة، مع فارق واضح و هو کون الطائفة الاولى تخوض فی ذلک من دون خبث سریرة أو نوایا سیئة، خلافا للطائفة الثانیة التی تخوض فی ذلک عن عمد و سبق اصرار لاستغلال ذلک لاغراض غبیثة.

و من البدیهی ان الأخطاء العمدیة أو السهویة لهؤلاء الافراد، لا ینبغی أن تخلق عندنا حالة من سوء الظن بقدرات العقل فی فهم آیات الذکر الحکیم، بل الصحیح السماح للعقل فی الخوض فی ذلک المضمار استجابة لنداء القرآن الکریم الذی خاطب العقلاء جمیعا و دعاهم للتفکیر و التأمل و التدبر فی آیات الذکر الحکیم.[4]



[1] البقرة، 286.

[2] انظر: المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 89، ص 78، باب 8 (أن للقرآن ظهرا و بطنا و أن علم کل شی‏ء فی القرآن و أن علم ذلک کله عند الأئمة علیهم السلام و لا یعلمه غیرهم إلا بتعلیمهم)، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.

[3] الفتح، 10.

[4] انظر: البقرة، 242؛ آل عمران، 118؛ محمد، 24 و...

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • أیهما أفضل استشارة الطبیب النفسی أم المشاور الدینی؟
    5068 العملیة 2011/10/16
    للإجابة عن السؤال نتابع الآتی:1ـ فیما یخص مشاورة الطبیب النفسی أو الخبیر الدینی لا بد من القول: مع أن الأمرین مرتبطان ببعضهما من زاویة نظر معینة إلا أنهما منفصلان من جهة أخرى. و لذلک فمن یشعر بوجود مشکلة نفسیة و روحیة معنویة فعلیة أن یراجع المتخصص فی هذا الفن، ...
  • هل يوجد من العلماء من افتى بحرمة الموسيقى مطلقاً و بجميع أنواعها؟
    3813 الحقوق والاحکام 2015/05/25
    صنف علماء الشيعة و فقهاؤهم من القرن القرن الحادي عشر و حتى الوقت الراهن رسائل مستقلة في الغناء و الموسيقى، حيث وقعت القضية منذ ذلك العصر و حتى اليوم معركة للآراء، و كان الفقهاء قبل ذلك يتعرضون للموضوع استطراداً و ضمن ابحاث كتاب التجارة من الفقه أو كتاب ...
  • ما حکم مشاهدة غیر المحارم عن طریق التلفزیون او الکامبیوتر؟
    5328 الحقوق والاحکام 2010/09/05
    اجاب سماحة آیة الله العظمى السید الخامنئی (دام ظله) عن السؤال التالی:ما هو حکم النظر إلى صورة المرأة الأجنبیة السافرة؟ و ما هو حکم النظر إلى صورة المرأة فی التلفزیون؟ و هل هناک فرق بین المسلمة و غیرها، و بین الصور المعروضة بالبثّ المباشر و ...
  • ما هو اسم کتاب النبی نوح (ع)؟
    6089 الکلام القدیم 2009/02/01
    ذکر فی الروایات اسم کتاب النبی نوح (ع) تحت عنوان "صحف نوح"[1] و لم یذکر له اسم خاص غیر ذلک.[1] بحارالأنوار، ج : 35 ص ...
  • مع الالتفات الى الروایات المختلفة و المتضادة ظاهراً، هل الکلام هو الأفضل أم السکوت؟
    7137 العملیة 2011/06/14
    اذا نظرنا الى کل من السکوت و الکلام من زاویة الآفات التی یتعرضان لها فلکل واحد منهما آفاته الخاصة به و لکل منهما محاسنه الخاصة کذلک، و مع ملاحظة کلا الامرین یکون من الصعب ترجیح طرف على آخر. لکن یمکن القول بشکل مطلق اذا قارنا بین السکوت و الکلام بعیدا ...
  • ما هو رأی سماحتکم فی أحادیث تحریف القرآن؟
    5292 الحقوق والاحکام 2010/12/01
    جواب سماحة آیة الله هادوی الطهرانی (دامت برکاته):1. روایات التحریف إما ضعیفة السند أو لیست بحجة من ناحیة الصدور أو أنها مضطربة دلالة؛ ولاریب أن القرآن الکریم مصون من التحریف مطلقاً فلم و لن یحرف.2. لو إعتقد الشخص بتحریف ...
  • هل یجب ان یلبس الخاتم فی الید الیمنی
    6844 الحقوق والاحکام 2008/07/19
    التختم هو من سنن النبی (ص) و الائمة (ع)، و فی الروایات توجد اشارات بخصوص جنس الخاتم، و شکله و النقش علیه. و اضافة لذلک فقد وردت التوصیة بانه من الافضل ان یکون الخاتم فی الید الیمنی. ان جمیع الاحکام التی وضعها الاسلام بخصوص لبس الخاتم لها جنبة استحبابیة. نعم ...
  • من هو أبو سعید الخدری؟ و هل کان محباً لأهل البیت (ع)؟ و هل کان یؤمن بإمامة أمیر المؤمنین(ع)؟
    6680 تاريخ بزرگان 2009/02/28
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی ...
  • ما معنى مكر الله؟
    6170 التفسیر 2012/03/12
    سئل الإمام الرضا (ع) عن نسبة الخديعة و الإستهزاء و المكر لله في القرآن الكريم، فقال: "إن الله عزّوجلّ لا يسخر و لا يستهزئ و لا يمكر و لا يخادع و لكنّه عزّ و جلّ يجازيهم جزاء السخرية و جزاء الإستهزاء و جزاء المكر و الخديعة...". ...
  • هل صحیح أن قبر الإمام أمیر المؤمنین علی (ع) فی العین الیمنى لسیدنا آدم (ع)؟
    6852 تاريخ بزرگان 2013/12/03
    1ـ اختلفت الروایات و النصوص التاریخیة عن محل دفن آدم (ع). فمنها ما تنصّ على أن محل دفنه فی حرم الله (فی مکة المکرمة و حوالیها).[1] و منها ما تنص على أن محل دفنه هو مدینة النجف و عند قبر الإمام علی (ع).

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280469 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259124 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129819 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116215 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89700 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61317 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60568 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57475 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52102 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48168 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...