بحث متقدم
الزيارة
5705
محدثة عن: 2011/10/06
خلاصة السؤال
ینقل التأریخ أن أبا لهب منع اصحابه من الدخول الى بیت الرسول الاکرم (ص) لیلة المبیت حتى الصباح کی لا تروع النساء و الاطفال، فهل ینمّ هذا عن العاطفة الانسانی لدیه؟
السؤال
ینقل التأریخ أن أبا لهب منع اصحابه من الدخول الى بیت الرسول الاکرم (ص) لیلة المبیت کی لا تروع النساء و الاطفال، فهل ینمّ هذا عن العاطفة الانسانیة عند أبی لهب و أمثاله من المجرمین الذین تصدر منهم أحیانا بعض السلوکیات الصالحة ظاهراً؟
الجواب الإجمالي

ما یصدر من الطواغیب و المجرمین القساة من سلوکیات ظاهرها اللین و الصلاح لا یکشف بالضرورة عن البعد الانسانی عندهم، و لایکشف عن إیمانهم بحقوق الانسان و قواعد الانسانیة، بل لعله صادر تحت ضغط العرف الاجتماعی و السنن الحاکمة بنحو یعد التمرد علیها معیباً من أی شخص صدر فحینئذ لا خیار أمامهم الا التظاهر بالرأفة و الرحمة و الالتزام بتلک السنن و التقالید لأجل الحفاظ على مکانتهم الاجتماعیة و السیاسیة فی الوسط الاجتماعی، فلا ینطلقون فی سلوکیاتهم هذه من دافع إنسانی أو اخلاقی قطعاً.

الجواب التفصيلي

نشاهد فی التأریخ الاسلامی مواقف و حالات یقف فیها أعتى المجرمین موقفاً یتصف بالرحمة و الرّقة و الانسانیة!

فهل یصح الحکم علیهم لمجرد تلک المواقف بانهم اناس یؤمنون بکرامة الانسان و حقوق البشر و یحملون بعداً انسانیاً؟! و الا، فما هو السبب الذی دعاهم لیتخذوا مثل هکذا مواقف ایجابیة؟!

و قبل البدء فی الاجابة، من المناسب الاشارة الى اصل الحادثة التی جاء السؤال عنها نقلا عن بعض المصادر التی تعرضت لذکرها:

قال العلامة المجلسی: فلمَّا أَمسى رسولُ اللَّه (ص) جاءت قریشٌ لیدخلوا علیه فقال أَبو لهب: لا أَدعکُمْ أَن تدخلوا علیه باللَیل فإِنَّ فی الدَّار صبیاناً و نساءً و لا نأْمنُ أَنْ تقع یدٌ خاطئةٌ فنحرسهُ اللَّیْلَةَ فإِذا أَصبحنا دخلنا علیه.[1]

فهل کان أبو لهب- الذی وضع هو وزوجه انواع المعقوات و خلق للنبی شتّى المشاکل وهو الآن یشارک فی تلک الجریمة النکراء- فی علمه هذا ینطلق من دوافع انسانیة و ایمان بحقوق البشر؟

التأریخ لایساعد على هذا المعنى و لا یتمکن الانسان الباحث فی التاریخ أن یصل الى هذه النتیجة الایجابیة بحق الرجل و امثاله من المجرمین و القتلة؛ و ذلک لان العرف السائد فی ذلک الزمان یحتم علیهم اتخاذ مثل هذه المواقف، و الا یصبحون عرضة للاستهزاء و السخریة و التحقیر.

و لتتضح الفکرة جیدة نشیر الى نموذجین آخرین وقعا فی معرکة ارتکبت فیها أکبر جریمة وقعت على مرّ التاریخ و هی شهادة الامام الحسین (ع):

1. لما حمل القوم على الامام الحسین (ع) من کل جانب فحالوا بینه و بین رحله (عیاله). فصاح بهم الحسین (ع) ویحکمْ یا شیعةَ آل أَبی سفیان إِنْ لمْ یکن لکم دینٌ و کنتُمْ لا تخافون المعادَ فکونوا أَحراراً فی دنیاکم و ارجعوا إِلَى أَحسابِکُمْ إِذ کنتمْ أَعراباً. فناداهُ شمرٌ فقَال: ما تقولُ یا ابن فاطمة؟َ قال: أَنا الَّذی أُقاِتکم و تقَاتلُونِّی و النِّساءُ لیس علیهِنَّ جنَاحٌ فامنعُوا عتاتکم عنِ التَّعرُّضِ لحرمی ما دمتُ حیّاً!!

فقال شمر: لک هذا. ثم صاح شمر إلیکم عن حرم الرجل فاقصدوه فی نفسه.[2]

2. بعد انتهاء معرکة عاشوراء و دخول بنات الرسالة الى دار الأمارة فی الکوفة جرى حوار بین السیدة زینب و انب زیاد فغضب ان زیاد لعنه الله فاراد قتلها فتصدى له ابن حریث متذرعا بانها امرأة و المرأة لا تواخذ بشیء من منطقها، تقول القصة: لما دخلت زینب و اخواتها الى دار الامارة، قال ابن زیاد: کیف رأیت صنع الله بأخیک و أهل بیتک؟ فقالت: ما رأیت إلا جمیلا هؤلاء قوم کتب الله علیهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سیجمع الله بینک و بینهم فتحاج و تخاصم فانظر لمن یکون الفلج یومئذ هبلتک أمک یا ابن مرجانة. فغضب ابن زیاد و کأنه هم بها فقال له عمرو بن حریث: إنها امرأة و المرأة لا تؤخذ بشی‏ء من منطقها.[3] و وقعت حادثة مشابهة لتلک الحادثة فی مجلس ابن زیاد ایضا لما أراد قتل الامام علی بن الحسین السجاد (ع)، تقول الروایة: ثم التفت ابن زیاد إلى علی بن الحسین (ع) فقال: من هذا؟ فقیل: علی بن الحسین. فقال: أ لیس قد قتل الله علی بن الحسین! فقال علی (ع): قد کان لی أخ یقال له علی بن الحسین قتله الناس. فقال: بل الله قتله! فقال علی (ع): الله یتوفى الأنفس حین موتها و التی لم تمت فی منامها. فقال ابن زیاد: أ لک جرأة على جوابی اذهبوا به فاضربوا عنقه!! فسمعت به عمته زینب فقالت: یا ابن زیاد إنک لم تبق منا أحدا فإن کنت عزمت على قتله فاقتلنی معه.[4]

و هنا نتساءل هل کان الشمر و ابن زیاد - لعنهما الله- یحملان ذرّة من الانسانیة جعلتهما یقفان تلک المواقف اللینة و التراجع عن قرار مهاجمة الخیام أو القتل؟!!

لاریب أن الأمر لم یکن کذلک قطعا، و انما اتخذا تلک المواقف تحت ضغط العادات و التقالید الاجتماعیة و العرفیة التی کانت حاکمة فی تلک البرهة الزمنیة، و الا ستبقى العیون تلاحقهم بالغمز واللمز و الاستهانة و التحقیر هم و انباؤهم. فانهم یستطیعون تضلیل الرأی العام و تبریر موقفهم من الامام الحسین (ع) و قتله مع اصحابه و أهل بیته تحت ذریعة الخروج على الشرعیة و التمرد على الحاکم الاسلامی و أمثال ذلک من التحریف و الکذب، و لکنهم بأی شیء یعتذرون أمام الناس فی قتل النساء و الاطفال و کیف یبررون ذلک؟.

و قد أشار أمیر المؤمنین (ع) الى ذلک العرف الاجتماعی السائد، بقوله: " و لا تَهِیجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى و إِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَکُمْ وَ سَبَبْنَ أُمَرَاءَکُمْ، إِنْ کنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْکَفِّ عَنْهُنَّ وَ إِنَّهُنَّ لَمُشْرِکَاتٌ و إِنْ کان الرَّجل لیتناولُ المرْأَةَ فِی الْجَاهِلِیَّةِ بِالفَهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ فَیُعَیَّرُ بِهَا و عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِه‏".[5]

و أما أبو لهب فبالاضافة الى موقعه الاجتماعی البارز فی ذلک الزمان فی الوسط القرشی، کانت تربطه بالرسول الاکرم (ص) و اسرته رابطة نسبیة فهو عم النبی (ص)، فاذا ما منع من الهجوم على الدار لیلاً لکی لا تروع النساء و الاطفال فهذا انما ینطلق فیه من منطلقات قبلیة و عشائریة، و الا سیعیّر بها على مر الایام و سیعرض موقعه الاجتماعی للخطر، فلم ینطلق الرجل من دواعی انسانیة و ضمیر حی، بل کان الدافع له لاتخاذ ذلک الموقف الایجابی، حفظ ماء وجهه و مکانته الاجتماعیة.

بطبیعة الحال هناک من هو عدیم الحیاء فی ذلک المجتمع و لا یتورع عن المجازفة بسمعته و مکانته هو على استعداد للقیام بذلک الفعل الشنیع.

وفی عالمنا المعاصر توجد هناک بعض النماذج التی تظهر أحیاناً موقفاً یظهر منه اللین بسبب العرف السیاسی و الدولی الضاغط، فعلى سبیل نرى الصهاینة الذین لم یترکوا جریمة الا اقترفوها بحق الاطفال و العزل و النساء و احرقوا الحرث و النساء خلال أکثر من ستین عاماً، و لکنهم فی الوقت نفسه لا یسمحون لجیوشهم باستعمال الاسلحة النوویة التی بامکانها حرق الارض الفلسطینیة و من علیها، او تراهم یحذورن السکان قبل ضرباتهم الجویة!! فهل ینطلق هؤلاء من دواعی انسانیة و هم الذین لم یشمّوا رائحتها؟!! لکن الحقیقة أنهم یخشون الضغط الدولی و هیجان الرأی العام العالمی ضدهم و کذلک یخشون العزلة و الانزواء فی المحافل الدولیة، فمن هنا تراهم یظهور تلک اللیونة النسبیة لیخدعوا بها الرأی العام و لیظهروا قادتهم بصورة الحمل الودیع و الدولة التی تحمل طابع الانسانیة و احترام حقوق الانسان، و الحال أنهم لا یمسحون لجنودهم و المراتب الدانیة من جیوشهم باتخاذ هکذا مواقف لیّنة و افعال ظاهرها الانسانیة!!!



[1] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 19، ص 50، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.

[2] الحلی، ابن نما، مثیر الأحزان، ص 73-72، مدرسة الإمام المهدی (عج)، قم، 1406 هـ ق.

[3] السید بن طاووس، اللهوف علی قتلی الطفوف، ص 161-160، انتشارات جهان، طهران، 1348 هـ ش.

[4]نفس المصدر، ص162.

[5] نهج البلاغة، رسالة رقم 14، ص 373، دار الهجرة للنشر، قم، بدون تاریخ.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...