Please Wait
5550
نقول بشکل عام أن مقولة وصف النفس مقولة کلیة و لا تدل علی غرور صاحبها و حبّه للظهور إلا فی بعض المفردات التی قد یترآى منها ذلک لاول وهلة، و لکن و لو تأمّلنا فی العبارات و الحجج التی أوردها الله سبحانه فی القرآن لأجل الثناء علی نفسه و التعریف بها لوجدناها غیر ممکنة المقایسة مع أعمال المتکبّرین و المُعجبین بأنفسهم و الهدف من هذا الوصف و المدح لا یُمکن أن یدل علی نقص الله و حاجته له –نعوذ بالله-، بل هو من باب التعریف بنفسه و اظهارها لتوفیر الأرضیة المناسبة لإیصال الفیض للناس.
فإذا وصف الله نفسه فی القرآن فما هو الا لأجل التعریف بصفاته الجلالیة و الجمالیة للإنسان و الغرور لا یُمکن أن نجد له معنیً و مفهوماً بالنسبة الیه سبحانه و تعالی، لأنه من صفات الموجود الناقص الذی یحاول ان یسد بغروره و عجبه النقص الموجود فی ذاته، و من هنا ترى الشخصیات القویة و الممتلئة عملما و کمالا تترفع عن الغرور و العجب لعد حاجتها الیه، فکیف بالله تعالى الغنی المطلق و غیر المحتاج للتفاخر أمام مخلوقاته العاجزة.
1- المقدمة:
لابد هنا من ایراد مقدمة لتوضیح معنی الغرور و العجب و علاقته بوصف النفس سواء أکان الکلام بالنسبة لله سبحانه أم بالنسبة للإنسان.
فالمدح و التعریف و وصف النفس مقولة کلیة، لا تنضم إلا بعض مصادیقها تحت عنوان النقص و الرذائل الأخلاقیة مثل الغرور و العجب و الأنانیة التی لها ارتباط وثیق بماهیة و منشأ هذا العمل، و المهم هنا هو الهدف و القصد من الاتیان بهذا الوصف و المدح و الثناء. کما أن نفس رذیلة الغرور و العجب یُمکن أن تحصل بدون أی مدح للنفس أو إنها قد تُظهر بأعمال أخری غیرها.
و بعبارة أخری، لیس کل وصف للذات یدل علی الغرور و لیس کل سکوت یدل علی التواضع، بل ان للغرور و التکبّر و کذلک للتواضع و الخضوع معانیٍ ذاتیة یلزم منها عدم التسرّع بالحکم علی کل وصف للذات بأنه دلیل العجب و الغرور، و علی کل تصاغر بأنه دلیل التواضع و الخضوع.
2- الغرور و العجب:
الغرور فی الأصل بمعنی الخدعة.[1] فعلی أساس هذا التعریف لو اعتقد کل شخص بخیر و صلاح نفسه –جهلاً و سذاجةً- و رأی نفسه صالحة الذات و حسنة الأفعال و مستقلة عن الله سبحانه فهذه العقیدة ستؤدی الى الغرور و العجب بنفسه و الافتتان بها، فیعتبر عندئذٍ مصابا برذیلة العجب.
3- التکبّر:
التکبر بمعناه المذموم: هو الادعاء بالکبر جهلاً، و نسبة الصفات الحسنة غیر المتصف بها إلیه تکلفنا و تصنعاً و تظاهراً، إضافة إلی تحقیر الآخرین.
4- التواضع و الخضوع:
التواضع: وضع النفس فی موضعها الحقیقی اللائق بها، و اعتبار نفسه عبداً لله، و بما أن کل البشر عبید الله سبحانه، لذلک یتعامل معهم بکل احترام و تواضع. و هذه الصفة المتولّدة من معرفة الشخص بنفسه و بالآخرین، تظهر بشکل واضح علی أفعال الإنسان و تصرّفاته، فمثلاً یقبل الحق حتی من اعدائه و مخالفیه، و یقبل العذر من المعتذر مهما کان.[2]
5- وصف الله لنفسه (اظهار و تعریف بصفاته الجمالیة و الجلالیة)
عندما یرید الإنسان الارتباط بموجود ذی قدرة و رحمة و جمال و جلال مطلق، و فی عین الحال یری نفسه عاجزاً عن معرفته، فحینئذ لا یبقی طریق لمعرفة ذلک الشیء الا أن یقوم هو بتعریف نفسه للإنسان و بیان ما هی علیه من الصفات والخصوصیات. لذلک فتعریف الله بنفسه للإنسان و التحدث معه یأتی من باب رأفته و شفقته بعبده، فمثلاً عرّف نفسه بالرحیم الرؤوف حتی یدعوا عبده الوحید المنعزل و البعید النائی عن أصله إلی مناجاته و الطلب منه و کذلک یدعوه إلی معرفة نفسه، ثم عرّف نفسه بالغفّار المتجاوز عن الذنوب و المعاصی حتی لا ییأس أحد من رحمة الله سبحانه، ثم عرّف نفسه بالقادر حتی لا یخش الإنسان من سوی الله من خلال التوکّل علی الله عزّ و جل، ثم عرّف نفسه بالقهّار المنتقم من الظالمین حتی یطمئن الإنسان بمجازاة الظالمین و لا یسیر إلا علی أساس العدل. و عرّف نفسه بالمتکبّر حتی یعرّف الإنسان ان الله سبحانه قادر علی مجازاة کل متکبّر بطریقته فی معاملة مع الآخرین و ذلک لأن التکبّر علی المتکبّر عین العدالة.
إذن، لو وصف الله سبحانه نفسه، و ذلک لأجل تعریف الإنسان بجلاله و جماله، لا یُمکن بأی وجه من الوجوه أن یکون لها معنیً مذموم، و ذلک لأن الله سبحانه و تعالی غیر محتاج علی الاطلاق للتفاخر أمام مخلوقاته العاجزة. لا شیء من المعانی و الأغراض الفاسدة و المذمومة التی تدخل تحت المقولة الکلیة "لوصف النفس" یمکن أن تصدق علی الله سبحانه و تعالی، لذلک فأین ما وصف الله نفسه یجب أن نحمله علی أحسن وجوهه الممکنة، و کلما بالغنا فی السعی لا یممکنا أن نصل إلی اللطافة و الظرافة المطویة تحت هذا الوصف الإلهی.
لذلک ورد فی بعض الروایات ان الله سبحانه قال فی حدیث قدسی: "احببت أن أعرّف فخلقت الخلق لکی أعرّف".[3] و علی حد تعبیر العرفاء کان لابد علی الله أن یعرّف نفسه و هذا من اقتضاءات فیوضاته الفیّاضة أن یعرّف نفسه و یظهرها سواء أکان ذلک الظهور فی عالم التکوین أم فی عالم الکلام.
6- تعریف الله بنفسه (وصف الحجج الإلهیة لأنفسهم)
نفس الکلام الذی سبق بالنسبة لله سبحانه یصدق علی اولیائه فبما إنهم قد تجاوزوا عن أنفسهم بالمرّة و وصلوا إلی مرتبة الفناء بالله سبحانه، فعندما یُبیّنون للناس بعض ما أنعم الله به علیهم بأمر الله سبحانه، و لأجل أن یبیّنوا للناس طرق الخلاص و النجاة، لا یکون لعملهم هذا أی دلیل إلا التعریف بأنفسهم للناس للاستفادة منها فی التمسک بها و الخلاص من الموبقات و العیوب اقتداء بتلک النفوس الزواکی. فالنبی الأکرم (ص) و الأئمة الأطهار (ع) و بعض العرفاء إذا ما أظهروا شیئاً قلیلاً من فضائلهم للناس، فذلک من باب التعریف و التبیین للغایة التی ذکرناها، فالهدف الحقیقی من وراء ذلک أن یرجع الناس إلی أنفسهم بعد معرفة هذه الآیات الإلهیة و یتصلوا بهم لیحصلوا علی طرق خلاصهم و نجاتهم. و إلا فهؤلاء العظماء لا یعتقدون لأنفسهم أی استقلالیة و لم یکونوا أبداً فی مجال طلب التعالی و الأفضلیة علی الناس، و إذا لم تکن لدیهم تلک الرسالة الالهیة الکبیرة فی هدایة البشریة تراهم یصمتون و لن ینطقوا بکلمة و احدة تشیر الی مقاماتهم و منزلتهم، و حینئذ یترکون الناس لحالهم و لا یعرضوا انفسهم لکل هذا الاضطهاد و الانکار و الحسد و کل المصاعب و المعاناة التی اصابتهم فی تلک المسیرة التبلیغیة الصعبة للغایة.
أضف الى ذلک انهم انما یقومون بذلک لسبب آخر و علة أخرى تکمن فی الامتثال لقوله تعالى عندما خاطب سبحانه نبیه الکریم (ص) فی القرآن "وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّث".[4]
فکلما تکلّم المعصومون (ع) عن أنفسهم لم یکن إلا لإظهار وجه الله فی أنفسهم بعد وصولهم إلی مقام الفناء الإلهی، و لا یمکن بأی وجه أن نعتبره إظهاراً لأنفسهم أو ادعاء للفضل و الکمال لهم، بل إنهم دائماً یعتبرون أنفسهم فی غایة الفقر و الافتقار و العبودیة لله بحیث لا یجدون لأنفسهم أی ظهور حتی تحصل شبهة الکبر و الغرور فی موردهم.
قال رجل للإمام الحسین (ع) یوماً: إن فیکَ کِبراً! فقال: کلّا الکِبرُ لله وحده و لکن فیَّ عِزّةٌ. قال الله تعالی "و لله العزّةُ و لرسوله و للمؤمنین".[5]
إذن فعزة الأئمة و الأولیاء و المؤمنین، هی نفس العزة الإلهیة التی تتجلّی فیهم و لا یُمکن قیاسها أبداً بالکبر و الغرور و الاستکبار الذی یحصل عند الکافرین الممحجوبین عن الله سبحانه، فهؤلاء لاحساسهم بالحقارة المفرطة یتکبّرون علی الناس لیشعروا بوجود أنفسهم.
النتیجة:
لو تأمّلنا، طبقاً لما مضی فی وصف الله سبحانه و حججه لأنفسهم لوجدنا أن هذا الوصف لا یمکن قیاسه بأعمال المتکبّرین المعجبین بأنفسهم، و لا یمکن أن یکون الهدف من هذا الوصف هو النقص و الحاجة. بل لأهداف لعملهم هذا إلا إظهار أنفسهم و التعریف بها، لتوفیر الأرضیة المناسبة لایصال الفیض للناس.
[1] غرر: غرّه یغُرُّه غَرّا و غُروراً و غِرّه، فهو مغرور و غریر: خدعة و أطعمه بالباطل"، لسان العرب، ج5، ص11.
[2] الخواجة عبد الله الأنصاری، منازل السائرین، ص78، دار العلم، طهران، 1417 ق.
[3] إبن العربی، الفتوحات، ج2، ص 328، دار الصادر، بیروت.
[4] الضحی، 11.” وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّث”.
[5] المجلسی، بحار الأنوار، ج24، ص325، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.